لبنان رهينة السباق بين التسوية وتوسيع الحرب
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
تتصاعد بشكل متزايد مخاطر اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله. أستخدمُ مصطلح الحرب الواسعة؛ لأن الحرب على هذه الجبهة قائمة بالفعل منذ أكثر من ثمانية أشهر، وإن كانت تُدار بطريقة مصممة لضبط الفعل وردة الفعل؛ لمنع خروجها عن السيطرة.
علاوة على الهجمات اليومية المتبادلة والخسائر البشرية والمادية للطرفين، أحدثت إسرائيل دمارًا كبيرًا في القرى والبلدات اللبنانية على طول الشريط الحدودي بعمق خمسة كيلومترات، ودفعت أكثر من 95 ألف شخص من السكان إلى الفرار ضمن إستراتيجيتها لفرض منطقة عازلة داخل الحدود اللبنانية كأمر واقع.
على أرض الواقع، نجحت إسرائيل جزئيًا في تنفيذ إستراتيجية المنطقة العازلة، وتلويحها بالحرب الواسعة يهدف إلى تكريس هذه المنطقة، إما عبر تسوية سياسية، أو من خلال تصعيد الضغط العسكري على حزب الله للقبول بها، والانسحاب إلى ما وراء خطّ نهر الليطاني.
هناك سببان رئيسيان حالا حتى الآن دون اندلاع حرب واسعة. الأوّل هو أن كلا الطرفين ليسا في عجلة من أمرهما للانخراط فيها حتى لو بدت حتمية في نهاية المطاف، وتحمل تكاليفها الباهظة في الوقت الراهن، فضلًا عن أن كليهما ليسا في وضع يُساعدهما حاليًا في خوض مثل هذه المغامرة. بينما إسرائيل تواجه مأزقًا مستمرًا في حربها على غزة وتُعاني من استقطاب داخلي حاد، فإن حزب الله يُدرك أن التكاليف التي سيتعين عليه دفعها في مثل هذه الحرب أكبر بكثير من الحروب السابقة.
كما أن الانهيار الاقتصادي في لبنان والاستقطاب السياسي والطائفي والمجتمعي الحاد يزيدان من الضغط على خيارات الحزب في هذه المواجهة. ويتمثل السبب الثاني في أن الداعمَين الرئيسيَين لكل من إسرائيل وحزب الله – وهما الولايات المتحدة وإيران – لا يُريدان مثل هذه الحرب؛ لأنّها قد تجرّهما إلى الانخراط فيها، وهو سيناريو لا يُفضله بالتأكيد الرئيس جو بايدن الذي يُكافح للحد من ارتدادات حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وعلى فرص إعادة انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ولا طهران، التي تسعى لخروج أقوى حليف لها في المنطقة من هذه الحرب بأقل الأضرار، وتعتقد أن الفشل الإسرائيلي في تحقيق أهداف الحرب على غزة كافٍ وحده للخروج من حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول بمكاسب إستراتيجية كبيرة لها ولحلفائها في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، يزيد خروج صراع الظل الإسرائيلي الإيراني إلى العلن من مخاطر اندلاع حرب مباشرة بين الطرفين إذا ما استشعرت طهران تهديدًا وجوديًا لحزب الله.
ومع أن هذين السببين لا يزالان يعملان كرادع لمنع توسع نطاق الحرب، إلّا أن المُعضلة الإستراتيجية التي تواجه إسرائيل في التعامل مع المُشكلة التي خلقها حزب الله لها على صعيد انتشاره العسكري قرب الحدود وصعوبة إقناع آلاف الإسرائيليين الذين نزحوا من المناطق الشمالية بالعودة إليها، تضغط بشدة على الخيارات الإسرائيلية. تقود الولايات المتحدة منذ فترة جهود الوساطة للتوصل إلى تسوية لنزع فتيل الحرب الواسعة، لكنّها تواجه عقبات كبيرة. وبطبيعة الحال، من الصعب على واشنطن تقديم نفسها كوسيط نزيه لأنها تطرح الشروط الإسرائيلية.
مع ذلك، سيتعين على واشنطن والعالم عدم الاستسلام لحتمية الحرب الواسعة، أقلّه في الوقت الراهن؛ لأنها ببساطة ستُدخل الشرق الأوسط في حقبة أمنية أكثر خطورة بكثير مما هو عليه الوضع حاليًا بعد حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول. بالنظر إلى ارتباط المواجهة بين إسرائيل وحزب الله بالحرب على غزة، فإن الحرب الواسعة ستدمر فرص التوصل إلى تسوية لإنهاء حرب غزة.
كما أن لبنان يُعاني من أزمة سياسية واقتصادية كبيرة، ويُمكن أن تؤدي حرب عليه إلى إحداث أزمة إنسانية خطيرة وانهيار ما تبقى من مظاهر الدولة فيه، ما يخلق بيئة أمنية واجتماعية مُشجعة لانتشار الفوضى التي سرعان ما ستتحول إلى مشكلة جديدة للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وحتى لو استطاع حزب الله وإسرائيل تجنب "حرب واسعة" في الوقت الحالي، فإن معضلة استعادة الردع الإسرائيلي مع حزب الله ستبقى قائمة. ومثل هذه الحرب، سواء انفجرت في المستقبل المنظور أو البعيد، لن تقتصر أهدافها الإسرائيلية على إنشاء منطقة عازلة، بل ستشمل تدمير القدرات الصاروخية للحزب أو إضعافها على أقل تقدير. لكن، ومع الأخذ بعين الاعتبار العوائق الكبيرة التي تضغط على خيارات إسرائيل، فإن التوصل إلى تسوية تحول دون اتساع نطاق الحرب لا يزال مُمكنًا.
ويُعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وانسحب بموجبه حزب الله إلى خط نهر الليطاني، الأرضية الرئيسية لأي تسوية مُحتملة. والعقبة الوحيدة التي تحول دون إتمام مثل هذه التسوية، تتمثل في صعوبة التوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وإذا التزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوعده بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب قريبًا، كما صرّح مؤخرًا، فإن الظروف اللازمة لإبرام تسوية على الجبهة مع حزب الله، قد تزداد.
لكن عامل الوقت للتوصل إلى مثل هذه التسوية لا يقل أهمية عن ظروف الحرب نفسها. يُظهر تصميم نتنياهو على مواصلة الحرب في غزة رهانه على الإبقاء على الوضع الراهن حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ويعتقد أن عودة محتملة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ستساعد إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب في غزة، وفي شنّ هجوم كبير على حزب الله. وفي المقابل، يستخدم حزب الله تصعيد هجماته على إسرائيل لزيادة الضغط عليها وتقليص هامش المناورة لدى نتنياهو لإطالة أمد الحرب على غزة، وعلى الجبهة الشمالية لأطول فترة ممكنة حتى تغيير الظروف الأميركية.
لكن لعبة الانتظار هذه تنطوي على الكثير من المخاطر؛ لأنها تخلق هامشًا لوقوع خطأ في الحسابات في الفعل وردة الفعل يمكن أن يؤدي إلى توسيع الحرب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحرب الواسعة الحرب على هذه الحرب حزب الله مثل هذه على غزة
إقرأ أيضاً:
"حزب الله" يُعقب على أنباء تأجيل إسرائيل لانسحابها من لبنان
قال حزب الله اللبناني، في بيان، اليوم الخميس، 23 يناير 2024، إن فترة الـ 60 يوماً لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية بشكل نهائي شارفت على الانتهاء، وهذا ما يُحتّم عليه تنفيذاً كاملاً وشاملاً وفقاً لما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار.
وفيما يلي نص البيان:
حزب الله:
▪إن فترة الـ 60 يوماً لانسحاب العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية بشكل نهائي شارفت على الانتهاء، وهذا ما يُحتّم عليه تنفيذاً كاملاً وشاملاً وفقاً لما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار.
▪إن بعض التسريبات التي تتحدث عن تأجيل العدو لانسحابه والبقاء مدة أطول في لبنان، تستدعي من الجميع وعلى رأسهم السلطة السياسية في لبنان وبالضغط على الدول الراعية للاتفاق، إلى التحرك بفعالية ومواكبة الأيام الأخيرة للمهلة بما يضمن تنفيذ الانسحاب الكامل وانتشار الجيش اللبناني حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية وعودة الأهالي إلى قراهم سريعا، وعدم افساح المجال أمام أية ذرائع أو حجج لإطالة أمد الاحتلال.
▪إن أي تجاوز لمهلة الـ 60 يوماً يُعتبر تجاوزاً فاضحاً للإتفاق وإمعاناً في التعدي على السيادة اللبنانية ودخول الاحتلال فصلاً جديداً يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال.
▪إننا في الوقت الذي سنتابع فيه تطورات الوضع الذي من المفترض أن يُتوج في الأيام القادمة بالانسحاب التام، لن يكون مقبولاً أي اخلال بالاتفاق والتعهدات، وأي محاولة للتفلت منها تحت عناوين واهية، وندعو إلى الالتزام الصارم الذي لا يقبل أية تنازلات.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار العربية والدولية السيسي: مصر ستدفع بـ"منتهى القوة" لتنفيذ اتفاق غزة بالكامل مبعوث ترامب يؤكد عزمه زيارة قطاع غزة لهذا السبب! ترامب : إدارتي ستضع حدا لكل الحروب الأكثر قراءة الحكومة والكابينت يجتمعان الجمعة للتصديق على اتفاق وقف إطلاق النار إصدار قرار بقانون لتنظيم آجال القروض وأقساطها ودفعات التأخير التمويلي المعابر والحدود تصدر تعميما مهما للمواطنين وفد أمني إسرائيلي يتوجه إلى القاهرة الجمعة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025