زنقة 20. الرباط

بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى فخامة محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للبلاد.

وقال جلالة الملك في هذه البرقية: “على إثر تجديد الشعب الموريتاني ثقته في شخصكم رئيسا للدولة، يسعدني أن أتقدم إليكم بتهانئي الحارة، راجيا لكم كامل التوفيق في مواصلة قيادتكم الرشيدة لبلدكم الشقيق لتحقيق ما يصبو إليه من مزيد التقدم والرخاء والتنمية الشاملة”.

وأضاف جلالته: “وإنها لمناسبة سانحة لأؤكد لفخامتكم عزمي القوي على العمل سويا معكم للسير قدما في تعزيز وتطوير علاقات التعاون المتميزة القائمة بين بلدينا الجارين، والتي يحذونا حرص مشترك للارتقاء بها إلى مستوى شراكة نموذجية تجسد متانة روابط الأخوة والتضامن المتجذرة التي تجمع شعبينا الشقيقين، وتستجيب لطموحاتهما المشتركة”.

ومما جاء في برقية جلالة الملك أيضا: “وإذ أجدد لكم تهانئي الحارة، مقرونة بصادق متمنياتي لكم بموفور الصحة والسعادة وطول العمر، أرجو أن تتفضلوا، فخامة الرئيس وأخي العزيز، بقبول أسمى عبارات مودتي وتقديري”

المصدر: زنقة 20

إقرأ أيضاً:

داخل الحارة القديمة أستعيد قصة الماضي ورائحته

كانت الشمس قد ارتفعت فوق سفح الجبل عندما وجدتني في مواجهة الحارة القديمة في قرية شيدة بولاية صحم، وبدأت خيوطها الذهبية تنثر الدفء في المكان بعد ليلة يمكن اعتبارها مجازًا أنها من ليالي الشتاء. جلست إلى جوار مسجد القرية أتأمل ما بقي من جدرانها الطينية المتداعية محاولا تذكر بعض لمحات من الطفولة ومن ذاكرة سمعية أحتفظ بها من مجالس الكبار. كانت القرية تنتمي إلى زمن آخر غير ذلك الزمن الذي سمعته من والدي عندما كانت هذه الحارة تعجُّ بالحياة، بالحياة الحقيقية القادرة على صناعة الديمومة في الأشياء: في البشر وفي الشجر وحتى في هذه الجدران التي ما كان يمكن لها أن تتداعى لو كان الزمن غير هذا الزمن.

تنعكس أضواء الشمس على الجدران الطينية المتداعية فتكشف عن تشابك بين حكاياتها التي كانت ولحظة الموت التي هي فيه الآن. لم تسمع هذه القرية بنظرية «نهاية التاريخ»، فقد سبقت النظرية في وضع نقطة في نهاية سطر الحارة قبل تسعينيات القرن الماضي، ورغم ذلك فهي تعيش حقيقة النظرية، فالتاريخ في حدودها قد توقف تماما وانبثق في مساحات أخرى على أطرافها.

تبدو الحارة القديمة قائمة في خاصرة الجبل، والبيوت في رحلة صعود نحو قمته حيث يقف البرج هناك حارسا على حكاياتها وتاريخها، أو ما أصبح في لحظة «نهاية التاريخ» تاريخًا يروى، نسمعه من كبار السن يوم كانت هذه القرية تعج بالحيوات وبالحكايات التي تملأ واديها الممتد من قمم جبالها الشاهقة إلى البحر.

تركت منطقة «الصباح» حيث الساحة التي يجتمع فيها أهل الحارة في أفراحهم وأتراحهم ويتناولون صباحا فناجين القهوة الساخنة وسرت في أزقة الحارة بحثا عن بعض حياة، وأنا أحاول رسم صورة حية للقرية كما سمعتها من أبي وبعض كبار السن ممن سكنوا فيها في أزمنة مضت أو من تلك الذاكرة السمعية التي تحتفظ بكل ما تسمع وتعيد انتاجه وكأنه جزء أصيل من ذاكرة صاحبها.

للحظة شعرت أنني لست وحدي في هذه الحارة، ورغم أن المكان بدا مهجورا إلا أن الأرواح التي سكنته في أزمنة سابقة كانت تحضر، وبدت هذه الجدران المتداعية تعيد بناء نفسها، برج الحارة عاد إلى شموخه، وهذا الزقاق الذي يمتد من «الصباح» المحاذي لمسجد الحارة إلى «الصباح» الآخر في نهاية الحارة بدا مرصوفا بحجارة داكنة تعكس أشعة الشمس بين فجواتها، والبيوت التي كانت تحاول اللحاق بقمة الجبل حيث يستكين البرج قد شكلت معه مدرجات سكنية غاية في الجمال. تحيط الجبال بالقرية من كل الجهات مشكلة حولها سورا كونيا يحميها من تحولات الزمان والمكان.

عادت الحياة إلى القرية أو أن الزمن عاد بي إلى بدايات القرن الماضي لأرى بعين سارد كلي العلم ما كانت عليه الحارة. يجتمع الناس إلى جوار المسجد، يحتسون قهوتهم ويأكلون سح الخلاص الذي حصدوه بعد صيف شديد الحارة. تبدو النساء في عمل دؤوب يسابقن الزمن ويمسكن باللحظة حتى ينجزن عملهن اليومي على أكمل وجه. والأطفال يعودون من «المُعَلِّم» متأبطين ألوحًا خشبية بعد أن أنهوا درسهم في قراءة سورة الفاتحة بهجاء القاعدة البغدادية: (باء فتحة بَاء، سين كسرة سِ) كانت وجوههم عامرة بالفرحة، وهم يتطلعون للسير في طرقات الحارة أو الذهاب إلى حيث واحات النخيل وصوت خرير الماء المنساب من الفلج.

اقتربت من بيت جدي في وسط الحارة، كانت رائحة الخبز العماني تفوح في المكان، ورائحة دخان «زور» النخيل تشعرك أن ثمة روائح خالدة أهم بــكثير مــن «برانـــات» عــطــور باريس ولندن. كــان صوت «المـــنحــاز» الـــــتـــي يُــــــدق فيها البُن السيلاني تعزف معزوفة صباحية لا يمكن أن تُسمع إلا في مثل هذه الحارات وهذه الصباحات، وهي معزوفة نادرة، يتناغم فيها الصوت بالرائحة، صوت «المنحاز» ورائحة القهوة والهيل، ورائحة «زور» النخيل الذي يحترق تحت «طوبج» الخبز. ورغم ضيق المساحة إلا أن البيت بدا وكأنه فضاء واسع جدا يتسع للجميع، لسكانه وضيوفه وجيرانه. كانت «الروازن» في جدران البيت الداخلية مؤثثة بالمخطوطات والأضاميم القديمة، كتب في الفقه والسيرة، ومصاحف عتيقة مطبوعة في الهند وباكستان.. ووثائق خطّها خطاط القرية ومن يجيدون الكتابة فيها تحكي قصة الحارة وتفاصيلها اليومية من بيع وشراء وقصتها التاريخية عبر الزمن المتوارث.

بدت أصوات الأرواح التي ملأت الحارة تتعالى مشكلة هي الأخرى معنى جديدا من معاني الحياة، وتأكيدا، لحظيا على أقل تقدير، أن التاريخ لا ينتهي وأن الإنسان قادر على خلق ديمومته وخلوده.

يتجمع الرجال في ساحة الحارة التي تعرف بـ«الصباح» بعد أن أدوا صلاة الظهر. كان العدد أكبر بكثير مما توحي به البيوت ما يعني أن هذه البيوت أوسع كثيرا مما يمكن أن تكشفه مساحتها الجغرافية. تعلو الأصوات كثيرا فيما يهم الرجال بالانصراف نحو بيوتهم، أقترب أكثر لأتبين الأمر، كان كل واحد منهم يدعو الآخر لتناول الغداء في بيته في عادة عمانية لا تندثر.

يحمل البعض في يده ثمار الليمون وآخرون يحملون ثمار النارنج الأصفر الذي تشكل رائحته هوية عطرية للقرية التي لا تحتاج إلى فحص درجة ثباتها على الملابس فهي تنساب لوحدها وتعلق على الجدران قبل أن تعلق على ملابس حامليها. يحمل آخر في يده «مخرافة» صغيرة مليئة بحبات التين، يصر على جاره أن يأخذ بعضا منها لأطفاله. يحمل رجل آخر مسبحة من العقيق، لا تبدو أنها صناعة محلية، يحرك حباتها بين يديه ببطء فيما يتجه ناحية زقاق يمتد خلف المسجد إلى جهة اليمين، تكسو علامات السكينة ومهابة العمر الجميع وهم يسيرون بهدوء ناحية بيوتهم الطينية بعد صباح مليء بالعمل والحكايات وسبر أغوار الجبال المحيطة.

وفي البيوت كانت النساء قد أنهين طبخ ما توفر من الغداء، وجلبن «هاندوات» الماء البارد من الفلج المنساب من أعالي القرية.. كانت البيوت مهيأة لحياة الظهيرة بكل حيويتها وجمالها وضحكاتها وحكاياتها وأصوات الأطفال التي يتردد صداها بين الجبال المحيطة فتبعث على الفرحة وحب الحياة.

يختفي الناس في بيوتهم؛ وأجاهد أنا في الاحتفاظ بديمومة اللحظة التي أعادت الحياة لهذه القرية من جديد. المساء هنا مليء بالحيوات. تحولت الحارة إلى لوحة ساحرة، السماء امتلأت بالنجوم التي بدت وكأنها قناديل معلقة تدلت من السماء في احتفال لا تعرفه إلا هذه الحارات المرتبطة بالنجوم عبر أضواء تحتاج إلى ملايين السنين حتى تصل وتضيء هذه الأمكنة وتنير لحظاتها الخالدة. اقترب أكثر من الجدران وأسمع الجدات وقد بدأن الحديث، المساءات للنساء دائما منذ ما قبل شهرزاد التي كانت تملأ المساء بالكلام المباح.. جاء صوت شهرزاد الحارة وهي تقول «كان يا ما كان في قديم الزمان..»، تسرد بصوت واثق قصصا قادمة من عمق القرية وما جاورها من قرى وحارات، تحكي قصة رجل مغامر عشق هذه السفوح الشاهقة، وعرف كهوفها ووديانها ومساراتها الوعرة وأشجارها الليلية التي يجتمع تحتها السحرة والمغيبين في استدعاء طبيعي للأساطير المرتبطة على الدوام بالشعوب وتطوراتها المعرفية.

كان الأطفال يحدقون في الجدة، ويحاولون تبين ملامح وجهها وهي تحكي وتسرد، ويركزون على تجاعيد وجهها التي تخفي سنوات مع الصراع مع الحياة في محاولة لفهم أدق التفاصيل التي يمكن أن تبوح بها الحكاية. لكن الأطفال ليسوا وحدهم من يأخذهم الفضول لتتبع مسار الحكاية؛ فحتى الكبار رجالا ونساء ينتظرون التفاصيل ويتأملون تسلسلها ولحظة الذروة فيها، ويخاتلون الزمن حتى لا يظهر الصباح فتسكت شهرزاد عن الكلام المباح. لم تكن حكايات الجدة لمجرد التسلية وتمضية ساعات الليل الطويل، بل هي جزء من هوية المكان، وبناء معرفته وطريقة لربط الحاضر بالماضي وتنشئة الأطفال على فهم أعمق للحياة وتحولاتها. تتحول الحارة ببيوتها وأبراجها ونخيلها وبساتينها وكل حيواتها إلى مسرح كبير تدور فيه الحكايات أو تحيط به التفاصيل وكل شخص أو معلم يؤدي دورا أساسيا في قصة لا تنتهي أبدا وتتجدد تفاصيلها وتمتد أحداثها بشكل أشبه بالسرمدي.

يقترب الصبح من لحظته الحاسمة حيث تبدأ خيوط الشمس في الظهور من بين فجوات الجبل، فتسكت كل حكايات القرية وتبدأ النجوم في التواري خلف النور الجديد الذي ترسله الشمس.

أعود إلى اللحظة الحقيقية للقرية، اللحظة التي توقف فيها التاريخ وسكتت فيها الحكايات ولم يبقَ إلا صدى تلك الحياة التي نحاول أن نستعيدها من وعي من عاشوها وشعروا بجمالها.. نحاول أن نسمع ما علق في هذه الجدران من همسات الزمن، ونبحث عن أصوات السمفونية الصباحية وروائحها، نبحث عن روائح «بل» النارنج والليمون وبتلات الياسمين الرازقي والورد المحمدي. ورغم الصمت والكثير من الوحشة إلا أن كل زوايا هذه القرية ما زالت تحكي تفاصيل زمن جميل مر من هنا؛ فخلف كل جدار قصة، وتحت كل صخرة حكاية. غادر أهل هذه الحارة إلى أماكن جديدة بحثا عن حياة أكثر رفاهية ولكن أرواحهم ما زالت تسكن هنا وتروي لنا أن الحكايات الحقيقية لا تموت أبدا.

أسير بتجاه طريق العودة ممسكا بتفاصيل اللحظة ورائحتها التي كانت بين الحلم والحقيقة وبين الأمل والرجاء فلا يبقى في ذهني إلا صدى ذلك الصراع الأبدي بين الإنسان والزمن.. وأشعر أنني جزء من هذه السردية رغم أنني لم أعش تفاصيلها بوعي، لكني زائر ينقل إلى اللحظة الآنية حكاية قرية عاشت، وأحبت وحلمت وخلّدت قصتها الساكنة في بهو هذه البيوت وإن تداعت جدرانها.

مقالات مشابهة

  • جلالة الملك يتبادل تهانئ حلول السنة الميلادية مع زعماء دول العالم
  • ماذا قال الملك محمد السادس تحت قبة البرلمان خلال 26 سنة من حكمه؟ (تحليل بالبيانات)
  • داخل الحارة القديمة أستعيد قصة الماضي ورائحته
  • رئيس مجلس السيادة يهنيء رئيس غانا بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية
  • الرئيس المشاط يعزي في وفاة العميد صالح احمد القصاد
  • وداعا مغني الحارة.. حكاية أحمد عدوية عملاق الأغنية الشعبية
  • جلالة الملك يستحضر زيارة الراحل الحسن الثاني إلى واشنطن في برقية التعزية بوفاة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كاتر
  • الطريقة التيجانية بالسينغال تدعو لجلالة الملك بالصحة وطول العمر
  • محمد صلاح.. الملك المصري يتربع على عرش المساهمات في تاريخ الدوري الإنجليزي
  • جلالة الملك يتجول في مركز تجاري بأبوظبي (فيديو)