بوادر جديدة للتقارب.. هل تعيد أنقرة علاقاتها مع دمشق؟
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
أنقرة- أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جدلا واسعا بتصريحاته حول استعداد تركيا لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وعدم ممناعته للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مستذكرا العلاقات الودية السابقة قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، مما دفع بتساؤلات حول إمكانية تجاوز أنقرة للشروط المسبقة التي يضعها النظام السوري أمام أي مبادرة لتطبيع العلاقات معه.
وقال أردوغان إنه لا يرى مانعا أمام إقامة علاقات بين البلدين، مشيرا إلى إيجابية تصريحات الأسد، الذي أكد بدوره انفتاح دمشق على المبادرات التي تحترم سيادة سوريا وتكافح الإرهاب، حيث تأتي هذه التصريحات في وقت تسعى فيه تركيا بجدية لإحياء هذا المسار المتعثر.
وذكرت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري، الأحد الماضي، أن العاصمة العراقية بغداد ستشهد قريبا اجتماعا سوريا-تركيا، ويُتوقع عقده هذا الأسبوع، قبيل أو بالتزامن مع لقاء مرتقب بين الرئيسين التركي والروسي، على هامش اجتماع منظمة شنغهاي في الفترة من 3 إلى 4 يوليو/تموز الجاري.
وسبق أن اجتمع وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وإيران وسوريا في موسكو ضمن "الصيغة الرباعية" في مايو/أيار 2023، بعد سلسلة لقاءات بين رؤساء استخبارات الدول ووزراء الدفاع، لكن ورغم هذه الجهود، فإن مساعي تركيا تعثرت بتصريح الأسد أن "هدف أردوغان هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا".
"مستعدون للعمل معًا على تطوير هذه العلاقات بنفس الطريقة التي عملنا بها في الماضي".. الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان يبدي استعداده للقاء #بشار_الأسد وإعادة العلاقات مع #سوريا#رقمي pic.twitter.com/VqIxemHGOv
— الجزيرة سوريا (@AJA_Syria) June 30, 2024
مصالح مشتركةيرى مراد أصلان، الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي في مركز "سيتا" للأبحاث، أن مسألة الأمن تمثل الدافع الرئيسي وراء سعي تركيا لتطبيع العلاقات مع سوريا، وأن الاتفاق مع نظام الأسد سيسهم في "عزل الجماعات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية، مما يقلل من نقاط الدعم المتاحة لها، خاصة عند اعتماد الخيارات العسكرية".
وأشار إلى أن تركيا تسعى لضمان عودة السوريين إلى وطنهم بأمان وكرامة وبشكل طوعي، وأن التوصل إلى اتفاق مع الأسد يعد خطوة أساسية لتحقيق هذا الهدف.
أما بالنسبة للحكومة السورية، فقال المحلل السياسي أحمد أوزغور للجزيرة نت، إن "التقييمات في أنقرة تشير إلى أن الظروف المتغيرة دفعت دمشق لتخفيف موقفها في الآونة الأخيرة" وأوضح أن هناك 4 تطورات بارزة تسهم في هذا التحول:
الخطر المتزايد من عدوان إسرائيل على قطاع غزة وامتدادها إلى لبنان، خاصة أن إسرائيل تستهدف بشكل متكرر التواجد العسكري الإيراني في سوريا. ما يتعلق بجهود وحدات الحماية الشعبية المدعومة من الولايات المتحدة، لتعزيز حكمها في شمال سوريا، من خلال إجراء انتخابات محلية وكتابة دستور جديد. الضغوط التي تمارسها روسيا وإيران على دمشق، حيث يرى أوزغور أن النهج السلبي لإيران، خاصة بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، قد يقلل من اهتمام إيران بسوريا لفترة معينة، مما يمنح دمشق بعض الارتياح في اتخاذ القرارات. الانتخابات الأميركية المقبلة، حيث يمكن أن يؤدي أي تغيير محتمل في السلطة إلى سحب القوات الأميركية من سوريا، ويُقيّم في أنقرة أن دمشق قد تختار إدارة العملية بالتعاون مع تركيا في ظل هذه الظروف. الدور الروسيكشفت وسائل إعلام تركية أن استئناف المحادثات بين الجانبين طُرح خلال لقاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، الشهر الماضي، في ظل الموقف التركي الرافض لإجراء الانتخابات المحلية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، كونها تشكل خطرا على وحدة سوريا وعلى الأمن القومي التركي.
وفي نفس السياق، ذكرت وكالة الأنباء السورية في تقريرها عن اجتماع الأسد مع الممثل الخاص لروسيا في الشرق الأوسط ألكسندر لافرنتييف، في 26 يونيو/حزيران الماضي، أن المسؤولين ناقشا العملية التركية السورية، وأبدى الأسد "انفتاحه على أي مبادرة تتعلق بالعلاقة السورية التركية".
وأفاد التقرير أن الرئيس السوري شدد على ضرورة أن تستند المفاوضات مع تركيا إلى مبادئ تضمن سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، مع التركيز على "مكافحة الإرهاب"، وأكد أن "نجاح وفعالية أي مبادرة مرتبط باحترام سيادة الدول واستقرارها"، ومن الملاحظ أن الأسد لم يضع شرط انسحاب الجنود الأتراك، بل أكد على "احترام السيادة" بدلا من ذلك.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
موقف المعارضة السوريةتجد المعارضة السورية نفسها أمام خيارات إستراتيجية صعبة ومفترق طرق سياسي حاسم، بعد تصريحات أردوغان بخصوص تقارب العلاقات بين تركيا وسوريا وبدء جولة جديدة من المفاوضات.
وأصدرت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا بيانا استنكرت فيه تصريحات الرئيس التركي بشأن "المصالحة"، ووصفتها بأنها مؤامرة كبرى على الشعب السوري بكافة أطيافه.
واعتبرت الإدارة أن أي اتفاق مع الدولة التركية يمثل تهديدا لمصلحة السوريين عامة، ويعزز من تقسيم البلاد ويتآمر على وحدة سوريا وشعبها. وأكد البيان أن هذه الاتفاقات لن تفضي إلى أي نتائج إيجابية بل ستزيد من تفاقم الأزمة السورية ونشر الفوضى.
وفي سياق متصل، قال رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة، بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن "الحل المستدام في سوريا لا يكمن في التفاهمات بين الدول والنظام لحماية مصالحها وأمنها، بل يتجسد في إقناع السوريين في الداخل والخارج بأن لديهم دولة ذات دستور يُحترم ويُنفذ، وقوانين تضمن أمنهم الشخصي وأمن المجتمع".
ورقة انتخابيةقال الصحفي ومدير مركز القارات الثلاثة، أحمد حسن، في حديثه للجزيرة نت، إن التصريحات التركية المتعلقة بالنظام السوري "تظل غير عملية"، معتبرا أنها تتعامل مع الملف السوري كـ"قضية قابلة للحل عبر التعاون مع حكومة الأسد، وهو نهج غير دقيق سواء من جانب المعارضة التركية أو الحكومة" حسب تعبيره.
وأوضح أن المعارضة التركية تعتمد على مبدأ "وحدة الأراضي السورية وعدم التدخل في الشأن الداخلي"، في حين أن الواقع يشير إلى تقسيم السلطة بين جهات متعددة وصراعات دولية بالوكالة، مع سيطرة محدودة للنظام على بعض المناطق.
وأشار إلى أن النظام السوري لا يسيطر على الحدود مع تركيا، مما يجعل المفاوضات لحل مشكلة الأمن القومي التركي بلا جدوى، لافتا إلى أن المعارضة التركية ترفض إقامة علاقات إلا على مستوى الدول، مما يتعارض مع القرار الدولي 2254 الذي يعترف بوجود حكومة ومعارضة في سوريا.
وفيما يخص اللاجئين السوريين في تركيا، أشار إلى أن وجودهم في البلاد ناتج عن "حرب إبادة شنها النظام ضد شعبه"، مما يجعلهم غير راغبين في الاندماج أو التعامل مع السياسات التركية تجاه نظام الأسد.
وأوضح أن الأيام الماضية أثبتت أن 4 ملايين سوري في تركيا مرتبطون بـ6 ملايين آخرين في مناطق المعارضة مما يقد يؤدي إلى تفجر الأوضاع في الشمال السوري، وهو ما يجعل الحكومة التركية تسير في حقل ألغام.
وأضاف حسن أن العلاقة مع النظام السوري تهدف إلى تحضير مفاوضات طويلة لكسب بعض المصالح المشتركة، خاصة مع احتمالية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد عام ونصف، أو اقتراب انتخابات عام 2028، دون اتخاذ خطوات عملية تجاه النظام أو الشمال السوري.
وأكد أنه في حال دعم تركيا للنظام السوري والتطبيع معه، ستفقد دعمها الشعبي في الشمال السوري، مما سيعتبر وجودها احتلالا ويعطي شرعية لمن يهاجمون الأتراك في المجتمع الدولي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات النظام السوری العلاقات مع فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
في تحول خاطف.. كيف اختفت رموز نظام الأسد من أسواق دمشق وحلّت محلها ألوان الثورة؟
دمشق- في أسواق العاصمة السورية العتيقة، حيث الأزقة الضيقة التي تعج بالتاريخ، والمحال التجارية القديمة التي شهدت تعاقب الأزمنة والأنظمة، وقع تحول غير متوقع، لم يكن في الحسبان في يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، فقد سقط نظام الأسد الذي استولى على السلطة إثر انقلاب عسكري سنة 1971.
على مدى عقود، اعتادت الأسواق المحيطة بالجامع الأموي في دمشق أن تعرض التحف والشرقيات المزخرفة والتذكارات، ومنها ما يحمل صور ألوان العلم السوري وصور الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده حافظ، بل حتى رموز حلفائهم. وكانت هذه المقتنيات جزءا من المشهد اليومي، يشتريها البعض عن قناعة، والبعض الآخر كنوع من المجاملة أو النفاق الاجتماعي.
لكن فجأة ومع الساعات الأولى لإعلان سقوط النظام، اختفت هذه المنتجات تماما في غضون ساعات، وكأن الأسواق قررت طي صفحة الماضي.
حلّت أعلام الثورة السورية مكان صور الأسد، واستبدلت الخرائط التي كانت تحمل ألوان علم النظام بألوان جديدة تعبّر عن سوريا مختلفة.
نور الدين اللحام، كان من بين التجار الذين تبنوا هذا التحول بشكل كامل. في واجهة متجره، اختفت صور الأسد، وظهرت الأساور والخرائط المزينة بعلم الثورة الأخضر.
بابتسامة واثقة، تحدث عن هذه التغييرات قائلا "هذه خريطة سوريا، وليست خريطة النظام. منذ سنوات، كنا نطبعها بألوان العلم القديم، والآن أصبحنا نطبعها بالعلم الجديد. بعض الأعلام كانت مجرد ملصقات، فقمنا باستبدالها، أما المنتجات المطبوعة التي لا يمكن تغييرها، فقد أتلفناها".
وبشأن ما إذا كان قد تكبد خسائر مالية، نفى اللحام ذلك، معتبرا أن ما تحقق أكبر من أي خسارة مادية، "لم نخسر شيئا! كسبنا وطنا! ماذا تعني خسارة بضاعة، مقارنة بأناس خسروا أرواحهم، أو منازلهم، أو أعمالهم؟ هذه المبالغ لا تساوي شيئا أمام ما عاشه السوريون".
في السوق نفسه، يعمل شاب فضّل عدم ذكر اسمه، لكنه لم يخفِ ارتياحه للتخلص من المقتنيات التي كانت تُفرض عليهم في السابق. ووفقا لما ذكره، لم يكن بيع صور الأسد وأعلام النظام خيارا، بل كان أمرا مفروضا عليهم تحت رقابة أمنية.
"في السابق، كان الجميع مجبرين على بيع هذه المقتنيات، سواء أعجبتهم أم لا. لم يكن الأمر اختيارا، فالأمن كان يراقبنا، وكثير من المشترين لم يكونوا يحبونها، لكنهم كانوا يشترونها كنوع من النفاق الاجتماعي، أو كهدايا ورشاوي للضباط والمسؤولين لتسيير مصالحهم".
وبعد التغيير الذي شهدته البلاد، تم التخلص من هذه المقتنيات، "فبعد التحرير، رميت ما لا يمكن تعديله منها. أما بعض المنتجات التي تحمل رموزا قابلة للتعديل، فقد أرسلناها إلى الورشات لإعادة صبغها، بحيث تتناسب مع العلم الجديد".
أما عن الخسائر المالية، فقد رأى أن التخلص من إرث القمع كان أهم من أي خسارة مادية. "نعم، قد نكون خسرنا بعض المال، لكن هناك من خسروا منازلهم وعائلاتهم. خسارتنا ليست شيئا يُذكر مقارنة بذلك".
عدنان، صاحب ورشة تصنيع ومحل تجاري ملاصق لسور الجامع الأموي، وصف كيف كانت دمشق تعيش تحت رقابة أمنية مشددة، حيث كان التجار مراقبين بشكل دائم، حتى في ما يتعلق بالبضائع التي يبيعونها.
"في دمشق، كنا نعيش وكأننا في فرع أمن. المحل الذي لا يضع علم النظام أو صورة الأسد، كان صاحبه عرضة للمساءلة، وقد يُتهم بأنه معارض! أعرف صديقا اعتُقل فقط لأنه شوهد وهو يشاهد قناة "الجزيرة". بعد خروجه من السجن، صار يشاهد قنوات الأطفال فقط!".
وتحدث عن الأيام الأخيرة للنظام، عندما كان إعلامه يروّج لاستعادة المدن التي خسرها، وكان الناس مجبرين على تصديق هذه الرواية أو على الأقل التظاهر بتصديقها.
"حتى عندما تحررت حلب، كنا نظن أن النظام سيستعيدها، فقد كان يروج لذلك في إعلامه، وكنا نصدقه. في يوم سقوط النظام، كنتُ مع مجموعة من الشباب، نتابع الأخبار خلسة عبر القنوات العربية، بينما كان أحدنا يراقب باب المحل، خوفا من أن يدخل عنصر أمني ويكشف أمرنا".
في اليوم التالي لسقوط النظام، بدأ عدنان إجراء عمليات "تكويع" لبعض المنتجات، حيث تم تحويلها إلى شيء جديد يتناسب مع التغيير، "أحضرت أقلام تلوين، وبدأت ألون الميداليات والخرائط بنفسي. بسبب انقطاع الكهرباء، اضطررنا إلى تأجيل بعض الأعمال، لكن بعد أسبوع، كنا قد أعددنا نماذج جديدة تماما، وبدأنا بطباعتها في الورشة. كل شيء تغيّر بسرعة".
لكن بعض المنتجات لم يكن بالإمكان تعديلها، فكان الخيار الوحيد هو التخلص منها نهائيا، "الأساور، وصحون النحاس، والفناجين التي كانت تحمل رموز النظام، لم يكن بالإمكان إصلاحها. لذلك، أتلفناها. كانت خسارة مالية، لكنها لم تكن شيئا مقارنة بحرية أن نعيش بدون خوف".
وعند مقارنة ما سبق بما تعيشه البلاد حاليا، قال عدنان "في السابق، كنا نعيش تحت رحمة أشخاص يأتون إلى المحال، يتحدثون إلينا بعنجهية وكأنهم أسياد البلاد، يفرضون علينا دفع الرشاوي، ويهددوننا بلا سبب. أما اليوم، فالوضع مختلف تماما. لا أحد يأتي ليبتزنا، لا أحد يُجبرنا على شيء. عناصر الإدارة الجديدة يتميزون بالعزة والأنفة، ولا يقبلون حتى أن نبالغ في شكرهم".
ما حدث في أسواق دمشق القديمة لم يكن مجرد تغيير في المقتنيات المعروضة، بل كان انعكاسا لتحوّل أعمق في البلاد بأسرها على ما يبدو، ولم يكن الأمر مجرد استبدال أعلامٍ أو صور، بل هو إعلان بأن سوريا الجديدة لا تشبه الماضي.