أحدثت المناظرة بين الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، المتنافسين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني القادم، صدمة في صفوف الحزب الديمقراطي الساعي للبقاء في البيت الأبيض لولاية تالية، وذلك على ضوء الأداء الباهت لمرشحه بايدن، ولم يكن السبب في ذلك يعود إلى قوة منافسه ترامب، بقدر ما كان يعود إلى ضعف ووهن وشيخوخة الرئيس بايدن، والذي ظهر بأنه يكابر وحتى انه يغامر كثيرا في إصراره على الترشح عن الحزب الديمقراطي، وهو نفسه الذي كان يتحدث في الانتخابات التي جرت قبل اربعة أعوام، عن انه لن يترشح لولاية ثانية يسمح بها الدستور الأميركي، هكذا فإن الصورة التي تقدمها أميركا وهي تتأرجح خلال ثمانية أعوام، اربعة منها مضت وأربعة أخرى قادمة بين عجوزين، فترامب لا يصغر بايدن البالغ من العمر 81 عاما، كثيرا، بل فقط بثلاث سنوات، تظهرها وكأنها قد باتت في شيخوخة لا تسمح لها بالإصرار على زعامة العالم.
إن صدمة الحزب الديمقراطي يمكن أن تدفعه إلى تجاوز بايدن بتقديم مرشح آخر، قد يكون هو نائبة الرئيس كامالا هاريس، وعلى الأغلب لن يقوى على تنفيذ تلك الخطوة، بل سيحاول أن يعتمد ليس على قوة بايدن بل على نواقص ترامب، خاصة ما يتعلق بمشاكله مع القضاء، سواء تلك التي هو متهم فيها بالتهرب الضريبي، أو بمشاكل أخلاقية مع ممثلات إباحية، أو حتى بما ارتكبه خلال ولايته كرئيس سابق، ظهر كمعاد للديمقراطية، خاصة وهو يحرض على اقتحام الكابيتول، ورفض نتائج الاقتراع، وقد يكون الحزب الديمقراطي قد تأكد من أن الوقت قد نفد، وان عليه أن يقلل من الخسائر بقدر ما يمكن اكثر من التركيز على الفوز بالاحتفاظ بالبيت الأبيض اربع سنوات أخرى، ونقصد ألا يعيد أغلبيته قبل سنوات في الكونغرس، تحديدا في مجلس النواب، فيما هو حاليا يتمتع بأغلبية في مجلس الشيوخ متحققة بفضل كون نائبة الرئيس عضوا في المجلس.
أيا تكن النتيجة، فإن حال أميركا مع بايدن وقبله ترامب، ثم مع بقاء بايدن أو عودة ترامب، ليس افضل حالا من حال إسرائيل العالقة بثوب بنيامين نتنياهو المهترئ، كما قلنا واستخدمنا هذا الوصف في مقال لنا سابق، فالرجلان كلاهما، أي بايدن وترامب ليسا عجوزين وحسب، بل محافظان ينتميان إلى جيل الحرب الباردة، ويؤمنان "بتفوق" أميركا، وما زالا يعتقدان بإمكانية أن تواصل سيطرتها بالقوة على العالم، بما في ذلك حماية إسرائيل كدولة مارقة، وكدولة استعمارية تحتل أرض الغير، وتخرج عن القانون الدولي لدرجة أن ترتكب حرب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب مكتملة الأركان، ولا يستجيبان (بايدن وترامب) لا للمتغيرات الكونية ولا حتى للتطورات الداخلية التي ظهرت خلال شهور حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ونحن نقصد هنا التظاهرات التي شهدتها العاصمة والمدن الأميركية، ومن ثم الجامعات الأميركية والتي ذكرت بمعارضة الحرب في فيتنام، والتي فتحت الباب أمام الخروج الأميركي منها.
أما في المدى القصير، فإن عدم يقين الحزب الديمقراطي من فوز مرشحه الرئيس بايدن، سيفرض عليه أن يبذل جهدا مضاعفا، من أجل التشبث بفرصة البقاء في البيت الأبيض، وهذا لا يقتصر على تقديم أدلة الولاء والطاعة للوبي الصهيوني، وقد حرص بايدن خلال المناظرة مع ترامب على شرح تفاصيل ما قدمه لإسرائيل من خدمات عسكرية وسياسية خلال حربها على غزة، لأنه يدرك بأن إسرائيل خاصة في ظل حكم اليمين المتطرف وفي ظل حكومة نتنياهو الحالية بالتحديد تفضل خصمه، ليس لأنه ترامب، بل لأنه هو بايدن، الذي وجد نفسه بين نارين، نار الولاء لإسرائيل، ونار الحفاظ على أصوات الديمقراطيين، خاصة مع تزايد النزعة الإنسانية داخل الحزب، التي تعارض استمرار الانحياز التام لإسرائيل، حتى والعالم كله يدينها، فيما لم يواجه ترامب هذه المشكلة، رغم أن الجمهوريين يعرفون بأنه يحمل بداخله ضغينة لنتنياهو لأن الأخير سارع إلى تهنئة بايدن بفوزه في الانتخابات السابقة.
ورغم أن بايدن ما زال يصر على إمكانية حصوله على الورقة التي ستزيد من فرصة بقائه في البيت الأبيض، وهي "تحرير المحتجزين" الأميركيين الخمسة والإسرائيليين من قبضة "حماس"، وذلك رغم قناعته بأن نتنياهو لا يريد الصفقة، وبعد أن اعلن بايدن ومسؤولو إدارته اكثر من مرة أن نتنياهو هو من يعرقل الصفقة، كانت محاولة بايدن اعتماد الخديعة، خديعة "حماس"، لاقتناص ورقة الصفقة، حين اعلن إطارها العام، ثم أخذ "ختم" مجلس الأمن عليها، وذلك لفرضها على نتنياهو، الذي اعلن رفض مضمونها، وأصر وما زال يصر على انه يوافق فقط على المرحلة الأولى من الخطة، التي تتضمن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، كما حدث في صفقة تشرين الثاني الماضي، وبالتالي هو يرفض صفقة من 3 مراحل متواصلة تنتهي بوقف الحرب.
وما يحاوله بايدن منذ نحو شهر، هو الادعاء بأن إسرائيل وافقت على الخطة، رغم تصريحات نتنياهو، وان "حماس" هي من تمنع وقف الحرب، وذلك ليصد الضغط الدولي والداخلي الشعبي وحتى الرسمي من قبل معظم دول العالم التي تطالب بوقف الحرب، وكانت أميركا تجهض محاولات مجلس الأمن المطالبة بوقف الحرب، بحجة أنها تدير مفاوضات الصفقة، لكن ها هي الصفقة لا تحقق شيئا، وهكذا تستمر الحرب.
لقد قدم بايدن لنتنياهو خلال تسعة شهور من الحرب، 14 ألف قنبلة ضخمة، خارقة للتحصينات، وكل ما لديه من دعم استخباراتي، وطبعا إضافة للحماية السياسية من الضغط الدولي، الذي كان يمكنه لولا الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، إن يفرض وقفها، أو على الأقل فتح الأبواب أمام المساعدات الإغاثية، أما ما منعه فكان شحن قنابل تزن اكثر من 2000 رطل، لما تحدثه من مجازر بحق المدنيين، هذه التي شهّر نتنياهو ببايدن استنادا لها، فإن بايدن يراجع، اليوم، ذلك الموقف، رغم أن الدستور الأميركي بجانبه من حيث انه يفرض عليه أخذ موافقة الكونغرس على كل صفقة سلاح.
لكن كما كان حال حزب العمل الإسرائيلي، من حيث انه حين كان في الحكم في إسرائيل يكون اكثر قدرة من "الليكود" واليمين على شن الحروب، ذلك أن اليمين يدعمه حين يظهر اكثر منه تشددا وتطرفا، في حين يكون "الليكود" اكثر قدرة على عقد اتفاقيات السلام، بدليل بقاء كامب ديفيد مع مصر بعد نحو نصف قرن، فيما أوقف اليمين أوسلو بعد سنوات قليلة من عقدها، كون اليسار (حزب العمل وميرتس) هو من عقدها مع الجانب الفلسطيني، نقول، إن حال الأميركيين يشبه حال الإسرائيليين، فالجمهوريون شدوا على يد بايدن وهي تشارك نتنياهو في ارتكاب جرائم الحرب، فيما كانوا يقفون عقبة في طريق دعمه لأوكرانيا مثلا، لدرجة انه اضطر أن يجمع بين رغبته في تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا بالدعم العسكري والمالي لإسرائيل، حتى يمر مشروع القرار في الكونغرس، حيث أغلبية النواب من الجمهوريين.
وقادة الحزب الجمهوري خاصة في الكونغرس، بالتحديد في مجلس النواب، هم صهاينة مسيحيون لا يقلون تطرفا عن اليمين الإسرائيلي، بل منهم من طالب بحرق غزة بالكامل، ومنهم من طالب بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية لأن المدعي العام البريطاني الجنسية فيها، تجرأ وطالب قضاة المحكمة بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ويوآف غالانت، وهذا رغم أن طلب المدعي العام، تضمن إصدار ثلاث مذكرات مترافقة مع مذكرتي الاعتقال بحق الإسرائيليين، وذلك بحق قادة "حماس".
وبعد أن قاد مجرمو الحرب من قادة إسرائيل الحاليين حرب الإبادة لمدة تسعة اشهر، رغم أن أحدا، حتى بايدن ما كان سيقتنع بمنحهم هذه الفترة لشن هذه الحرب، وذلك عبر التدرج في تمرير الوقت، فإن نتنياهو الذي يحرص جدا على استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، سيقود بايدن الذي سيجد نفسه خلال الأشهر القادمة غارقا في بحر الانتخابات، للاستسلام للأمر الواقع الذي يفرضه نتنياهو، وقد بدأت آلة حربه الإعلامية تقول، إن تبديد "حماس" سيحتاج إلى عامين آخرين، وان تحويل غزة إلى منطقة لا تهدد إسرائيل سيحتاج جيلا كاملا، أي إلى عشرات السنين، كل هذا حتى تسمح إسرائيل "بحكم" محلي أو ذاتي، لقطاع غزة، وهدف إسرائيل في حقيقة الأمر، إضافة إلى إغلاق باب الحل السياسي مع الفلسطينيين، هو استمرار الحرب حتى تحقق هدفها بجر أميركا وإيران للمواجهة العسكرية، بما يضمن لإسرائيل قطع طريق ايران على أن تكون منافسا إقليميا لها.
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بايدن نتنياهو الحرب غزة غزة نتنياهو بايدن حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحزب الدیمقراطی اکثر من ما کان رغم أن
إقرأ أيضاً:
ما زال بايدن منحازاً لنتنياهو
سيُسجل في تاريخ إسرائيل، وربّما في تاريخ العالم بأسره، أن حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، إن لم تكن أكثر حكومة واجهت احتجاجات شعبية، فهي واحدة من أكثر الحكومات التي واجهت تظاهرات أسبوعية منذ تشكيلها قبل نحو ثلاث سنوات، بحيث لم يمر أسبوع تقريباً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلا وشهدت المدن الإسرائيلية المتظاهرين وهم يرفعون الشعارات المنددة بحكومتهم، حتى صار شارع «كابلان» في تل أبيب رمزاً لحراك الشارع المعارض، والذي حل مكان أحزاب المعارضة، وفيما كانت التظاهرات تنطلق خلال عامَي 2022، 2023 ضد إجراءات الائتلاف الحاكم الساعية إلى تقويض القضاء والنظام الديمقراطي عموماً، فإن تظاهرات العام 2024 تواصلت دونما انقطاع؛ منددة بسياسة الحكومة الإسرائيلية فيما يخص ملف صفقة التبادل مع «حماس»، الذي من شأنه أن يوقف الحرب مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ودائماً ما كان الشارع المحتج يعلن صراحة أن نتنياهو - وبدافع شخصي مفاده الحفاظ على ائتلافه الحاكم من التفكك؛ بسبب تهديدات الوزيرَين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش - يعرقل جهود التفاوض حول الصفقة، ورغم أن تلك الجهود مرت بلحظات حاسمة، تدخلت فيها الإدارة الأميركية حين كان الرئيس جو بايدن يسعى لإعادة انتخابه وتعزيز حظوظه في البقاء بالبيت الأبيض من خلال الصفقة بالذات، حين طرح ما سمّيت مبادرة بايدن التي تتمحور حول إطلاق المحتجزين مقابل وقف الحرب وإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين على مراحل، ولدرجة أنه تم تظهير تلك المبادرة أممياً عبر مجلس الأمن؛ للضغط على نتنياهو من جهة، ولتقديم ضمان لـ»حماس» من جهة أخرى، لكن نتنياهو كان يعرف كيف يفشل تلك الجهود؛ لأنها ستؤدي في نهاية المطاف لوقف الحرب، وفتح باب مساءلته قانونياً، وحتى تفكيك ائتلافه الحاكم، وانهيار حكومته التي يقدر هو وغيره أنها ستكون آخر عهده بالمسرح السياسي.
ولم يقتصر الأمر على الشارع الإسرائيلي وحسب، بل شمل من كان قد انضم لحكومة الحرب، نقصد كلاً من بيني غانتس وزير الجيش السابق، ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق غادي آيزنكوت، اللذين حاولا مراراً وتكراراً الضغط على نتنياهو، لكن دون جدوى، فيما حاول زعيم المعارضة نفسه يائير لابيد مدركاً السبب الذي يجعل نتنياهو يفضل مصلحته السياسية الشخصية على مصلحة الدولة أن يقدم له خشبة الخلاص، واعداً إياه بمنحه شبكة أمان في حال عقد صفقة التبادل، وخرج بن غفير وسموتريتش على إثرها من الحكومة، لكن نتنياهو لم يهتم، بل إن الرجل الثاني في الليكود والحكومة، الذي أقاله نتنياهو لاحقاً بسبب مواقفه غير المتطابقة مع سياسة نتنياهو خلال مسار الحرب، وتجاه الصفقة بالذات، نقصد يوآف غالانت، شريك نتنياهو في تهمة ارتكاب جرائم الحرب أمام القضاء الدولي، هو أيضاً لطالما قال: إن على الحكومة أن تقدم ما هو مطلوب من أجل إتمام الصفقة.
أكثر من ذلك وأبعد، فإن رئيسَي جهازَي «الموساد» و»الشاباك»، وهما بعيدان عن حسابات السياسة الداخلية ويمثلان أهم أجهزة الأمن الإسرائيلية، بل وهما المكلفان من قبل نتنياهو بمتابعة مفاوضات الصفقة، غالباً ما أعلنا، خاصة دافيد برنياع رئيس «الموساد»، في مفارقات غريبة، أن على إسرائيل أن تظهر الليونة الكافية لإتمام الصفقة، ولذلك كان نتنياهو وضمن إستراتيجيته للسير في طريق التفاوض دونما إنجاز، كثيراً ما كان يقوم بتحجيم صلاحياتهما، أو بتكبيلهما بقرارات الحكومة، أو بإجبارهما على تلقي التعليمات منه شخصياً وفقط، وعدم لقاء أي مسؤول آخر وبالتحديد غالانت حين كان وزيراً للجيش.
وكان هناك رعاة التفاوض، في كل من القاهرة والدوحة، أي المصريين والقطريين، الذين لم يسلموا من مماحكات نتنياهو الهادفة لمواصلة عرقلة التوصل للاتفاق، لدرجة أنه اتهم قطر بالانحياز ضده، ما أجبر الدوحة على تعليق مشاركتها كراعٍ للتفاوض في فترة ما، وتتابعت الاقتراحات والتفاصيل، وذلك بهدف الاستمرار في التفاوض العبثي، وعدم التوصل للاتفاق في نفس الوقت؛ فعدم التوصل لاتفاق يمكّنه من مواصلة الحرب، وهو هدف نتنياهو، حتى يتجنب سقوط حكومته، أما الاستمرار في التفاوض العبثي فهو هدف بايدن، حتى تتجنب أميركا مشاريع القرارات في مجلس الأمن التي تطالب بوقف حرب الإبادة.
وحقيقة الأمر أن بايدن كان، مع منتصف العام 2024 وقبله، يسعى للحصول على تلك الصفقة للبقاء في السباق نحو البيت الأبيض، ثم بعد أن أُجبر على الخروج منه في آخر تموز، واصل السعي ولكن بحماس أقل من أجل أن يُبقي على حظوظ الديمقراطيين ممثلين بكامالا هاريس للبقاء في البيت الأبيض، أما بعد الخامس من تشرين الثاني 2024، وبعد إعلان نتيجة الانتخابات، فإن الأمر صار يجري بلا إصرار من البيت الأبيض، بل إن الرئيس المنتخَب دونالد ترامب صار يتابع الملف أكثر من بايدن الذي أكد أنه صهيوني وإن لم يكن يهودياً.
وبالطبع لا يعني حرص نتنياهو على البقاء في مكتب رئيس الحكومة أكثر من حرصه على حياة المحتجزين، وحتى أكثر من حرصه على مستقبل إسرائيل نفسها، إنه لا يريد أن تنتهي مفاوضات صفقة التبادل بأي اتفاق، فلو أن «حماس» انهارت واستسلمت، وقبلت اتفاقاً بشروطه، أي اتفاقاً يطلق سراح المحتجزين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين إلى خارج حدود فلسطين، ودون وقف الحرب، فإن مثل هذا الاتفاق يقبله بالطبع. باختصار ما يمنعه من التوصل لاتفاق هو موقف بن غفير وسموتريتش، وهو يوافق على ما لا يؤدي إلى خروجهما من الائتلاف، لذا هو ذهب لاتفاق مع لبنان، وواصل الحرب حتى اجتاح رفح، واغتال قادة «حماس» و»حزب الله»، ولأن «حماس» رغم ذلك ما زالت لم ترفع الراية البيضاء، بما يؤدي بمفاوضات الصفقة إلى إعلان اتفاق الاستسلام، لهذا ما زال نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق تقتنع به كل الأطراف، وتقبل به المعارضة الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي.
فقط إدارة بايدن وهي على درجة بالغة من الضعف وفي حالة تسيير شؤون السياسة الخارجية، بالجوار مع إدارة أقوى منها منتخبة، هي التي ما زالت تبرئ نتنياهو من تهمة عرقلة مفاوضات الصفقة، وتقول: إن «حماس» هي التي تعرقل التوصل للاتفاق في صورته الأخيرة التي استندت إلى مقترح مصري، يبدأ بصفقة صغيرة، ويواصل طريقه عبر مراحل ثلاث، يعتمد الدخول في كل مرحلة منها على نجاح المرحلة السابقة، فقد أعلن البيت الأبيض، مساء الجمعة الماضي، في بيان له، أن «حماس» تبقى العقبة الرئيسية أمام وقف إطلاق النار في غزة برفضها حسب ادعائه التحرك لسد الفجوات، لتردّ على البيت الأبيض القناة الـ12 الإسرائيلية وبعد أقل من ساعة، بالقول: إن نتنياهو هو من يمنع صفقة متكاملة مع «حماس»، وهو من فرض على فريقه المفاوض محاولة التوصل لصفقة جزئية بسبب تهديدات شركائه الائتلافيين - تقصد بن غفير وسموتريتش - فيما «حماس»، أضافت القناة الإسرائيلية، لم تغير شروطها وهي أن تعيد المحتجزين مقابل انسحاب إسرائيل من غزة ووقف كامل لإطلاق النار وتحرير الأسرى الفلسطينيين.
أما ترامب، فإنه شجع نتنياهو بهوجائيته أكثر مما شجعه بايدن بضعفه وخبثه، وذلك حين هدد بحرق الشرق الأوسط حينما يدخل البيت الأبيض دون تحرير المحتجزين، وكأن هؤلاء محتجزون من قبل عصابة، لا في سياق صراع متواصل منذ أكثر من 76 عاماً، وموقف ترامب هذا يعني أن يواصل نتنياهو إعاقته التوصل لاتفاق حول صفقة التبادل، تقدم مكاسب للطرفين، على شاكلة الحل السياسي الذي لا بد منه في نهاية المطاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس الدولتين، أما النظر بعين عنصرية واحدة ترى منح إسرائيل كل شيء، وحرمان الفلسطينيين من كل شيء، فإنه يعني انعدام الرؤية ولا شيء غير ذلك، ومن يرَ الأمور بمثل هذه العين يذهبْ في طريق لا عودة منه، لأنه يوصل إلى الهاوية وحسب.
لكل هذا على أميركا قبل إسرائيل أن تعيد حساباتها، وأن تدرك أن عهد إدارة الصراع في الشرق الأوسط دون حله، على شاكلة إدارة مفاوضات الصفقة، ومفاوضات الحل النهائي قبل ذلك لتمرير الوقت وتسهيل الطريق أمام حرب الإبادة، قد انتهى، وأن منطق جبروت القوة قدم نماذج ما زالت تحفظها الذاكرة، كنماذج فاشلة من العبث تكرارها، في محاولات السيطرة والهيمنة.
(الأيام الفلسطينية)