هل يجنّب الموسم الزراعي الجديد السودان الجوع والعجز الاقتصادي؟
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
الخرطوم – ينتظر السودان الموسم الزراعي الصيفي الذي ينطلق رسميا في الأسبوع الأول من يوليو/ تموز الجاري، لتخفيف معاناة غالبية المواطنين بعد تحذير أممي من أن أكثر من 25 مليون سوداني (ما يمثل أكثر من نصف السكان) يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.
ويعمل نحو 80% من القوة العاملة في السودان في قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني، الذي يُسهم بنسبة 32.
وعلى الرغم من انفصال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011 والذي حمل معه أكثر من ثلثي الاحتياطات النفطية في السودان وأكثر من 70% من الغطاء الغابي في البلاد، فإن مساحة الأراضي القابلة للزراعة لم تتضرر كثيرا، إذ كانت في حدود 200 مليون فدان وتراجعت إلى 170 مليونا.
ولدى السودان 5 مشاريع زراعية مروية (من مياه النيل أو الآبار) يعتمد عليها في تكوين المخزون الإستراتيجي من الحبوب الغذائية مثل الذرة والدخن، بجانب المداخيل النقدية للصادر من القطن والفول السوداني والسمسم، وتأمين جزء من احتياجات البلاد من القمح.
وأكبر هذه المشاريع يوجد في ولاية الجزيرة وسط السودان، والذي يعد أيضا أكبر مشروع بأفريقيا يُروى انسيابيا (بالغمر) من النيل الأزرق، بجانب مشروعات السوكي، وودي حلفا، والرهد، ودلتا طوكر شرقي البلاد.
ويعتمد المزارعون في هذه المشاريع على التمويل المصرفي أو الشراكات مع رجال أعمال بطريقة قسمة الإنتاج بعد تمويلهم كل مراحل العملية الزراعية من بذور ومبيدات وأسمدة وآليات زراعية، وصولا إلى جوالات تعبئة المحاصيل المنتجة.
ويبدو الوضع بالنسبة لمزارعي القطاع المطري في إقليمي كردفان ودارفور غربي السودان أحسن حالا من واقع القطاع المروي، إذ يعتمد غالبيتهم على أموالهم الخاصة في عمليات الزراعة والتي تتم بشكل يدوي تقليدي، لكن مساهمة هذا القطاع في الإنتاج الكلي ضئيلة، إذ تتم الزراعة في مساحات محدودة لسد احتياجات المزارعين.
ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الزراعي السوداني المختص بتمويل النشاط الزراعي، فإن المساحة المزروعة التي يمولها في البلاد تناقصت 60% عن السنوات السابقة.
وتقول دراسة أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الاقتصادية، إن نصف الأسر الريفية تعاني من توقف أنشطة الزراعة التي تعتاش منها، وهي نسبة ترتفع إلى 68% في ريف ولاية الخرطوم.
وأظهر تقرير رسمي لمجلس الوزراء، اطلعت عليه الجزيرة نت، أن إنتاج الموسم الزراعي الصيفي الماضي من الذرة بلغ نحو 3 ملايين طن مقارنة بـ5 ملايين طن في الموسم السابق عليه قبل اندلاع الحرب، و633 ألف طن من الدخن مقارنة بأكثر من مليوني طن في الموسم السابق عليه، كما تراجع القمح من 476 ألف طن إلى 377 ألف طن.
وعزا التقرير تراجع الإنتاج إلى انخفاض المساحات، التي تمت زراعتها من أكثر من 46 مليون فدان حسب المخطط إلى نحو 35 مليون فدان، بسبب تأثر ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور بتدهور الوضع الأمني، وصعوبة نقل مدخلات الإنتاج من التقاوي والأسمدة والوقود وارتفاع أسعارها، وضعف التمويل المصرفي، وعدم حصاد حوالي 7 ملايين فدان بسبب الأوضاع الأمنية. وبلغت صادرات البلاد من الحبوب في الموسم الماضي حوالي 1.6 مليون طن في مقابل استيراد 2.3 مليون طن من السلع الغذائية.
يذكر أنه لا توجد فجوة غذائية في السودان، إذ إن إنتاج الذرة والقمح يبلغ أكثر من 3.3 ملايين طن، مع وجود أكثر من 2.5 مليون طن من المخزون الإستراتيجي وما يدخره المزارعون، مقابل الاستهلاك الذي يبلغ 5.5 ملايين طن، لكن التحدي يتمثل في توصيل الإنتاج إلى المواطنين، حسب التقرير الرسمي.
وفي مارس/آذار الماضي قدّر برنامج الغذاء العالمي إنتاج الذرة الرفيعة والدخن والقمح لسنة 2023 بنحو 4.1 ملايين طن، أي بتراجع 46% عن الناتج المحقق في السنة السابقة، وبانخفاض نسبته 40% مقارنةً بالمتوسط للسنوات الخمس الماضية.
نازحون سودانيون جراء الحرب في بلدهم يواجهون كوارث غذائية وأمنيةونفذ برنامج الغذاء العالمي بتمويل من البنك الأفريقي للتنمية تجربة حققت نجاحا في زراعة القمح بالموسم الشتوي الماضي، وأدت إلى زيادة إنتاج القمح بنسبة 70% في مواقع المشروع المستهدفة في 5 ولايات وهي: الجزيرة، وكسلا، ونهر النيل، والنيل الأبيض، والشمالية، وفق تقرير صدر خلال الشهر الماضي.
وأوضحت مديرة البنك الأفريقي في السودان ماري مونيو أن إنتاج القمح بلغ 645 ألف طن متري، مما يجعل تدخل البنك حاسمًا للاستجابة للأزمات للنازحين داخليًا، مضيفة أن أكثر من 30% من المستفيدين في الولاية الشمالية هم من النازحين.
بدوره، قال ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره القُطري في السودان إيدي رو إن المشروع يهدف إلى توزيع بذور القمح والأسمدة المتكيفة مع المناخ على أكثر من 170 ألف مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة في الولايات الخمس.
وأوضح إيدي رو أن إنتاج 645 ألف طن متري من القمح يمثل 22% من إجمالي احتياجات استهلاك القمح في السودان. وكان حوالي 16 ألفًا من المزارعين الذين تلقوا الدعم نزحوا حديثا بسبب الصراع خلال الأشهر الـ13 الماضية.
ويواجه الموسم الزراعي الصيفي تحديات تهدد بتقلص المساحات بسبب ضعف التمويل ومدخلات الإنتاج، فضلاً عن شح الوقود وارتفاع أسعاره، رغم هطول الأمطار مبكرا عن موعدها في نهاية يونيو/حزيران وبداية يوليو/تموز.
كما يمثل الوضع الأمني في مناطق الصراع المسلح أبرز التهديدات للمزارعين من قطاعي الزراعة المروية في ولاية الجزيرة والمطرية، في ولايات كردفان ودارفور.
غير أن وزير الزراعة والغابات أبو بكر عمر البشرى طمأن المزارعين بتوفير مدخلات الإنتاج وتذليل العقبات وتهيئة المناخ الملائم للموسم لزراعة 35 مليون فدان بالتركيز على الذرة والدخن نظرًا إلى اعتماد غالبية السودانيين على هذه المحاصيل في الأمن الغذائي.
وقال البشرى، خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، إن الولايات المتأثرة بالحرب لن تخرج كليًا من دائرة الإنتاج لأن المشاريع الزراعية تتركز في الأرياف وليس المدن، فضلًا عن إصرار المزارعين على زيادة المساحات.
وبشأن التمويل، أشار وزير الزراعة إلى أن البنك الزراعي وصل مرحلة قريبة من الإفلاس بسبب عدم استرداد الأموال التي منحها للمزارعين خلال الموسم الماضي لأن الصراع المسلح أسهم في تعثر الغالبية عن السداد.
في المقابل، انتقد تجمع المزارعين السياسة التمويلية الجديدة للموسم الصيفي التي أعلنها البنك الزراعي، ووصفها بـ”المعيبة والمدمرة للقطاع وتقود المزارعين نحو الإعسار والسجن وتهدد بفشل الموسم”.
وحمل إدارة البنك الزراعي واللجنة العليا مسؤولية أي فشل يحدث للموسم الزراعي خاصة في إنتاج محصول الذرة والذي يعتبر من أهم المحاصيل في مناطق الزراعة المطرية.
وقال التجمع في بيان إن البنك الزراعي حدد سعر الذرة بفارق كبير عن السعر السائد بالسوق، وشكا من ارتفاع كلفة الإنتاج لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، خاصة البنزين والأسمدة والمبيدات والتقاوي والآليات.
وأشار إلى أن ذلك يتزامن مع رفع الدولة يدها عن دعم الإنتاج كليًا، وفرضها رسومًا وضرائب باهظة أثقلت كاهل المزارعين وتسببت في حبس الكثيرين منهم، وخروج بعضهم عن دائرة الإنتاج.
وقال المزارع حامد إبراهيم بولاية القضارف بشرقي السودان للجزيرة نت إن ضعف التسويق وضعف أسعار الذرة والسمسم أديا إلى تكبيدهم خسائر كبيرة.
ورفض تحديد البنك الزراعي 35 ألف جنيه (58.24 دولارا) لجوال الذرة، واعتبره سعرا غير واقعي بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج، مما يجعل الزراعة غير مجزية. وتوقع إبراهيم عزوف كثيرين عن الزراعة في الموسم الحالي.
وفي ولاية شمال كردفان، يقول المزارع عبد الله حميدان للجزيرة نت إنه لم يجد تمويلًا من المصارف ولم يحصل على تقاوٍ (بذور) وسيزرع مساحة محدودة من الذرة والدخن تكفي أسرته وسيسعى إلى مشاركة تجار لديهم سيولة لزراعة محاصيل التصدير مثل الفول والسمسم لأنه يعتمد على دخله في الزراعة، مبديًا مخاوفه من تمدد المواجهات العسكرية إلى منطقته.
يواجه إنتاج وتصدير الصمغ العربي من السودان تحديات عدة بسبب الحرب وارتفاع كُلفة النقل على خلفية التوترات الأمنية على الطرق التي تربط مدينة بورتسودان بمناطق الإنتاج، في وقت يحجم فيه سائقو شاحنات عن العمل في مناطق إنتاجه في ولايات كردفان غربي البلاد.
وينتج السودان 80% من الإجمالي العالمي من الصمغ العربي.
وقال رئيس شعبة مصدري الصمغ العربي أحمد العنان، في تصريح صحفي السبت الماضي، إن صادرات السودان من الصمغ العربي قبل الحرب تراوحت بين 120 و150 ألف طن، لكنها تراجعت بعد الحرب في 2023 بنسبة 60%، متوقعًا مزيدًا من الانخفاض في العام الحالي لتسجل ما بين 40 ألف طن و50 ألف طن.
وحول الصعوبات التي تواجه إنتاج الصمغ، أشار العنان إلى أن أبزرها غياب الأمن في أغلب مناطق الحزام، بالإضافة إلى العزوف عن العمل بسبب الظروف الأمنية وغياب التمويل.
من جانبه، يقول الخبير الزراعي عثمان الأغبش إن الموسم الزراعي مهدد بسبب تمدد الحرب من إقليمي دارفور غربًا حتى ولايتي الخرطوم والجزيرة وسط البلاد، وصولاً إلى ولاية سنار جنوبي شرقي البلاد، والتي سبقتها خيبة آمال المزارعين جراء الموسم السابق الذي شهد تدنيا في الإنتاج وانخفاض الأسعار وما أعقبهما من كساد أدى إلى تعثر المزارعين في سداد التزاماتهم تجاه المصارف بعد حصولهم على تمويل.
وتوقع الأغبش، في حديث للجزيرة نت، توقف نشاط كبار مزارعي القطاع المطري وتقليص الرقعة المزروعة لتقليل الصرف على مدخلات الإنتاج والاتجاه لزراعة تقليدية في مساحات محدودة تسد حاجة المزارع ومواشيه فقط، نتيجة التهديدات الأمنية التي تطال المعدات والآليات، بالإضافة إلى ضعف التسويق والصادرات.
ويرجّح أن يركز غالبية المزارعين على زراعة مساحات صغيرة للمنتجات الغذائية، أما الزراعة التصديرية في المناطق التقليدية للسمسم والفول السوداني بغربي البلاد، فلن تكون مساحاتها واسعة حتى لو وجدوا تمويلًا، لأن المصدرين أحجموا عن شراء إنتاج الموسم السابق بسبب إغلاق الطرق من قبل قوات الدعم السريع وفرضها رسومًا على الشاحنات ونهب بعضها.
كان صندوق النقد الدولي توقع انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3% بسبب الحرب، التي دمرت القاعدة الصناعية، وأخرجت مساحات زراعية واسعة من الإنتاج، وأوقفت النشاط الاقتصادي بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية وتآكل قدرة الدولة.
كما قالت منظمة الصحة العالمية في أحدث تقرير لها عن السودان، إن أكثر من 25 مليون سوداني (أكثر من نصف سكان البلاد) يواجهون مستويات حادةً من انعدام الأمن الغذائي، وفقا لآخر تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي الحاد الذي أُجري بين أواخر أبريل/نيسان وأوائل يونيو/حزيران 2024.
ويواجه نحو 755 ألف شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، في حين يعاني 8.5 ملايين شخص نقصا حادا في الغذاء ومعه ارتفاع مستويات سوء التغذية.
وثمة 14 منطقة عرضة لخطر المجاعة، منها مثلا مناطق في ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة وَتجمعات من المشردين داخليا واللاجئين، وهذه أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد التي سجلها التصنيف المرحلي المتكامل في السودان على الإطلاق.
المصدر : الجزيرةالمصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: انعدام الأمن الغذائی مدخلات الإنتاج الموسم الزراعی البنک الزراعی الموسم السابق الصمغ العربی ملیون فدان فی السودان فی الموسم ملایین طن أکثر من ألف طن
إقرأ أيضاً:
«الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج
تعد التقنيات الحديثة ركيزة أساسية في تطوير القطاع الزراعي، خاصة في مناطق تواجه تحديات بيئية، وقد تبنت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تقنيات مبتكرة لتحسين إدارة الموارد الطبيعية وتعزيز الأمن الغذائي، ويمكن لسلطنة عُمان أن تحقق فوائد كبيرة من تبني تقنيات الزراعة الدقيقة خاصة في ظل تحديات المناخ الجاف وندرة الموارد المائية، حيث تمكن هذه التقنيات من تحسين كفاءة الري عبر أجهزة استشعار ترصد رطوبة التربة وتحدد الاحتياجات المائية الدقيقة للمحاصيل، مما يقلل الهدر ويعزز الاستدامة.
ويعكس استخدام هذه التقنيات التزام سلطنة عمان بالابتكار لمواجهة التحديات البيئية وتعزيز القطاع الزراعي وضمان استدامة الموارد وتحقيق الأمن الغذائي للمستقبل.
التقنيات الحديثة
أوضح الدكتور سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن التقنيات الحديثة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية في سلطنة عمان، خاصة في ظل التحديات المناخية مثل ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، حيث إن أنظمة الري الذكية مثل الري بالتنقيط والري الأوتوماتيكي المزود بمستشعرات رطوبة التربة يمكن أن تساعد في ترشيد استهلاك المياه وتوزيعها بكفاءة، مما يقلل الهدر ويُعزز نمو المحاصيل.
وأضاف: تستخدم تقنيات الزراعة الدقيقة عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة (الدرون) لمراقبة صحة النباتات وتحليل التربة، مما يمكن المزارعين من تحديد المناطق التي تحتاج إلى أسمدة أو مبيدات بشكلٍ دقيق، كما تدعم البيوت المحمية المجهزة بأنظمة تحكم مناخي زراعة محاصيل عالية الجودة على مدار العام، حتى في المناطق ذات الظروف الجوية القاسية، وتلعب التكنولوجيا الحيوية دورًا في تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف والآفات، مما يزيد من قدرتها على التكيف مع بيئة سلطنة عمان.
وأشار الخميسي إلى أن أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية تساهم في تشغيل مضخات المياه ومرافق الزراعة بشكلٍ مستدام خاصة في المناطق النائية كما تسهِم منصات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في تحليل أنماط الطقس وتوقعات السوق مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات استباقية.
كما يشير إلى أنه يجب أن لا ننسى دور الزراعة الرأسية والتقنيات الحضرية في توفير مساحات زراعية محدودة وإنتاج محاصيل سريعة النمو.
وأضاف الخميسي: تعمل تطبيقات الهاتف المحمول على ربط المزارعين بالخبراء والبائعين مباشرةً مما يحسن الكفاءة التسويقية ويقلل الفاقد، حيث إنه بدمج هذه الحلول يمكن لسلطنة عمان أن تحقق أمنًا غذائيًا مستدامًا وتعزز مكانتها كواحة زراعية متطورة في المنطقة.
وقال الخميسي: تساهم الزراعة الدقيقة في زيادة الإنتاجية عبر تحليل البيانات الزراعية لتحديد أفضل المواقع لزراعة المحاصيل المناسبة، مما يُعظّم الاستفادة من الأراضي المحدودة، كما يمكن استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) وخرائط GPS لمراقبة الحقول واكتشاف الأمراض أو الآفات مبكرًا، مما يحد من استخدام المبيدات الكيميائية ويخفض التكاليف، بحيث يمكن أن تساعد الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) في التخصيب الدقيق بناءً على احتياجات التربة، مما يعزز جودة المحاصيل ويقلل التلوث البيئي.
مشيرا إلى أنه يمكن لسلطنة عُمان من خلال تبني هذه الأساليب تعزيز الأمن الغذائي عبر زيادة الإنتاج المحلي، خاصة في محاصيل استراتيجية مثل النخيل والتمور، حيث توفر الزراعة الدقيقة بيانات تساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مدروسة، مما يدعم تحول القطاع الزراعي نحو الاقتصاد الرقمي، ويمكن لهذه الخطوة أن تجذب استثمارات تكنولوجية وتُطور الكفاءات المحلية في مجال الزراعة الذكية، مؤكداً أن الزراعة الدقيقة تعد ركيزة مهمة لتحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040» في التنويع الاقتصادي والاستدامة، حيث يتطلب النجاح تطوير بنية أساسية رقمية وتدريب المزارعين على استخدام الأدوات الحديثة ذات العلاقة بالزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)، كما ستعزز هذه الخطوة مكانة سلطنة عمان كدولة رائدة في تبني حلول مبتكرة لتحديات الزراعة في المناطق الجافة، مما يسهم في بناء مستقبل زراعي أكثر مرونة وازدهارًا.
استدامة الزراعة
وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط تسهم في توفير المياه بنسبة تصل من 50 إلى 80% مقارنة بالطرق التقليدية، خاصة في محاصيل النخيل بمحافظات السلطنة، حيث توزع المياه مباشرة على جذور النباتات دون هدر، فقد تتيح أنظمة الري الذكية المزودة بمستشعرات رطوبة التربة تحديد الاحتياجات المائية بدقة، كما تلك المستخدمة في مزارع البحوث الزراعية بالرميس، مما يمنع الإفراط في الري ويحافظ على الموارد المائية.
وأضاف: كما يمكن أن يُقلل استخدام الري بالرش المحوري (مثل الموجود في مزارع محافظة الظاهرة) من تبخر المياه، ويُناسب المحاصيل العلفية كالبرسيم، مما يعزز كفاءة الاستهلاك في المناطق الواسعة، حيث تسمح تقنيات الري تحت السطحي (Subsurface Drip Irrigation) بتغذية التربة مباشرة في مزارع شركة تنمية نخيل عمان، حيث تُستخدم لزراعة الخضروات في الترب الرملية، مما يحد من تسرب المياه والأملاح.
ويشير إلى أن أنظمة الري المُدارة بالذكاء الاصطناعي قد تدعم تحليل بيانات الطقس والتربة لتحديد أوقات الري المثلى مما يُحسن إنتاجية المحاصيل، حيث تُستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات الري في قرى جبال الحجر مما يُخفض تكاليف الكهرباء ويُعزز الاستدامة البيئية. حيث تعتمد مزارع الليمون في نيابة قلهات (مثلا) على أنظمة الري بالفقاعات (Bubble Irrigation)، التي توفر توزيعًا متجانسًا للمياه مع تقليل التبخر في المناطق الحارة، وفي محافظة جنوب الشرقية تُسهم مشاريع معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها للري (مثل مشروع بركاء) في توفير مصدر مائي مستدام لمحاصيل الأعلاف، بحيث تُطبق تقنيات الري التكيفي في واحات الجبل الأخضر لزراعة الفواكه مثل الرمان، حيث تُعدّل كميات المياه تبعًا للمراحل الزراعية مما يُحسن جودة المحصول ويقلل الهدر، حيث إن تبني هذه الأنظمة عبر مشاريع مثل استراتيجية الأمن الغذائي 2040 يمكن أن تدعم بشكل كبير تركيب أنظمة ري حديثة في المزارع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على حد سواء.
مقاومة التغييرات المناخية
كما قال الخميسي: يمكن تعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية في سلطنة عُمان من خلال دمج تقنيات مبتكرة تلائم تحدياتها البيئية، مثل استخدام التعديل الوراثي (GM) لتطوير أصناف محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة المرتفعة. كما يمكن أن تسهم أنظمة الزراعة الذكية القائمة على أجهزة استشعار وإنترنت الأشياء IoT في مراقبة العوامل المناخية والتربة لحظيًا، مما يتيح إدارة دقيقة للري والتسميد وفقًا للظروف المتغيرة. بالإضافة إلى تحليل البيانات المناخية للتنبؤ بموجات الجفاف أو الأمطار وتوجيه المزارعين لاختيار المحاصيل المُناسبة لكل موسم، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تشمل الحلول تطبيق تقنيات حيوية لتحسين التربة، مثل استخدام الميكروبات المُثبِّتة للنيتروجين أو إضافة مواد عضوية كالبيوتشار لتعزيز خصوبتها وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه، حيث يعتبر إنشاء بنوك جينية لحفظ البذور التقليدية المقاومة طبيعيًا للمناخ خطوة حيوية لإحياء هذه الأصناف ودمجها في برامج التهجين المستقبلية، بحيث يسهم تبني هذه الحلول المترابطة في بناء قطاع زراعي مرن يتكيف مع تحديات سلطنة عُمان المناخية، ويُحقق أمنًا غذائيًا مع الحفاظ على الموارد المحدودة.
«الدرون » ومراقبة المحاصيل
كما أوضح مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الطائرات بدون طيار (المسيرة) ليست تقنية جديدة لكن استخدامها بدأ بالتزايد نتيجة للاستثمارات والتحرر في البيئة التنظيمية، حيث إن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات الواعدة في هذا المجال وبالتالي يمكن للطائرات دون طيار أن تحل العديد من التحديات الرئيسية ويمكن أن تساهم الطائرات دون طيار في تجديد قطاع الزراعة باستخدام التكنولوجيا، حيث يمكن استخدامها خلال دورة المحاصيل: (من حيث تحليل التربة والحقول والتخطيط لزرع البذور، ويمكن أن تؤدي دورا عبر رسم خرائط دقيقة ثلاثية الأبعاد لتحليلات التربة الأولية، وجمع البيانات لإدارة عملية الري ومستويات النتروجين، كما يمكن للطائرات دون طيار أن تقوم بمسح الأرضي والرش في الوقت الفعلي وبشكل متساو، وترش المحاصيل أسرع بخمس مرات من الآلات التقليدية، ويمكن للصور الملتقطة على فترات زمنية منتظمة عن طريق الطائرات دون طيار أن تبين تطور المحاصيل وتكشف عن أي خلل في الإنتاج لتسمح بإدارة أفضل، ويمكن للطائرات دون طيار المزودة بأجهزة استشعار أن تحدد الأجزاء الجافة من الحقل أو تلك التي تحتاج إلى تحسين الري).
وأضاف مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الوزارة قامت بتطبيق استخدام الطائرات المسيرة (Drones) في تنبيت النخيل باستخدام التلقيح السائل وغبار الطلع، حيث تم تنبيت النخيل باستخدام غبار الطلع المخزن على صنفين هما المبسلي والخصاب وكانت النتائج واعدة وأدت إلى تحديد التركيز المثالي لمعلق حبوب اللقاح وكانت نسبة العقد جيدة أدت إلى تخفيف الاعتماد على القوى العاملة في تلقيح النخيل إضافة إلى توفير الوقت والجهد.
كما أن هناك جهودا مبذولة في المسوحات الجوية عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة للكشف المبكر عن حشرتي دوباس وسوسة النخيل الحمراء، باستخدام تكنولوجيا المسح الطيفي، وتسعي الوزارة إلى تطوير تقنيات رش المبيدات والمسوحات الجوية للكشف المبكر عن الآفات الزراعية ومكافحتها.
تقنيات الزراعة المائية
وأوضح أن الوزارة ممثلة بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية بعمل العديد من الدراسات البحثية ذات العلاقة باستخدام التقنيات الحديثة في البيوت المحمية والزراعة المائية، وإيجاد أصناف من محاصيل الخضر والفاكهة والمحاصيل الحقلية ذات إنتاجية وجودة عالية، إضافة إلى استخدام تقنيات التحسين والتهجين للحصول على الأصناف المتحملة للظروف المناخية للسلطنة. كما تم تنفيذ تجارب تتعلق بإنتاج الخضار في غير موسمها للتغلب على التحديات المرتبطة بالمناخ وذلك باستخدام التقنيات الزراعية للبيوت المحمية المبردة وتقنية الزراعة المائية والأحيومائية وذلك بهدف تحسين الإنتاجية والتقليل من استهلاك المياه، حيث تم نقل هذه التقنيات لدى المزارعين في مختلف المحافظات.
ومن بين البحوث التي تم تنفيذها تبريد المحلول المغذي المستخدم في الزراعة المائية لتقليل تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل التي ساهمت بشكل كبير في رفع الإنتاجية إلى حوالي 40% من خلال تهيئة الظروف الملائمة للنباتات لامتصاص الأسمدة بكافة مكوناتها، وقد تم نشر هذه التقنية لدى المزارعين من خلال برامج نقل التقنية الذي تقوم به الوزارة في مختلف أنحاء السلطنة.
وأكد الخميسي أنه في الزراعة المائية التي تعرف بـHydroponic التي هي إحدى الأساليب الزراعية القائمة على استبدال التربة بمحلول يحتوى على العناصر الغذائية التي تحتاجها النبتة، ويتم استخدامها لزراعة الخس، والطماطم، والفلفل، والخيار، والفراولة، الخ.. يتم في هذه التقنية تزويد الماء بالعناصر الغذائية المناسبة حسب نوع المحصول المراد إنتاجه. حيث تم إجراء دراسة في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية حول تأثير المحاليل المغذية على إنتاجية الخيار تحت ظروف البيوت المحمية المبردة باستخدام تقنية الزراعة بدون تربة (النظام المفتوح)، وقد أشارت الدراسة إلى أن المحلول المغذي الجديد قد تفوق في إنتاجية أصناف الخيار بنسبة (8%)، وتم نشر هذه التقنية مع المزارعين من خلال برنامج نقل تقنيات الزراعة المحمية.
تقليل استهلاك المياه
ويشير الدكتور سيف الخميسي انه يمكن للتقنيات الحديثة أن تُسهم بشكل كبير في خفض استهلاك المياه بالزراعة العُمانية التي تعتمد حاليًا على الري التقليدي بنسبة 80% من مواردها المائية (وفقًا لوزارة الزراعة، 2022). فعلى سبيل المثال يقلل الري بالتنقيط الذكي (المُدمج مع أجهزة استشعار رطوبة التربة) الاستهلاك بنسبة تصل إلى (60%) مقارنة بالري السطحي، كما في مشروع تجريبي بمنطقة الباطنة حقق وفورات مائية بلغت (40%). أما الزراعة بدون تربة (الهيدروبونيك) فتوفر (90%) من المياه، وهو ما طُبق في مزارع محلية بإنتاجية أعلى بنسبة (30%). كما تُشير تقديرات منظمة الفاو إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتياجات الري قد يخفض الهدر المائي بنسبة (25-30%) في المناطق الجافة، ومن الأمثلة الواقعية مشروع «الزراعة الذكية» في ظفار الذي يعتمد على أنظمة مراقبة بالطاقة الشمسية، ووفر (35%) من المياه خلال عام 2023، هذه الحلول ليست ضرورية فقط لمواجهة ندرة المياه (حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في عُمان (100 ملم)، بل إنها تعزز أيضًا استدامة القطاع الزراعي في ظل تغير المناخ.
الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا
وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن استخدام الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا البيئية يُسهم في تعزيز الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام، حيث تعتمد الأسمدة الحيوية (مثل البكتيريا المُثبِّتة للنيتروجين والفطريات المُسهِّلة لامتصاص العناصر) على تعزيز خصوبة التربة دون تلويثها بالمواد الكيميائية، فعلى سبيل المثال أظهرت تجارب في محافظة الظاهرة أن استخدام بكتيريا -Rhizobium- زاد إنتاج محاصيل البقوليات بنسبة (20%)، وفقًا لتقارير وزارة الزراعة (2023). أما التكنولوجيا البيئية مثل إضافة البيوتشار (فحم نباتي) إلى التربة، فقد حسّن احتباس الماء بنسبة (40%) في مزارع النخيل بمنطقة الباطنة، مما خفف آثار الجفاف.
وأكد أن تطبيق تقنيات التحلل الحيوي للمخلفات الزراعية أدى إلى تحويلها إلى أسمدة عضوية، مما خفض تكاليف الزراعة بنسبة (15%) وقلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، حيث ساهمت تقنيات (المعالجة الميكروبية) للتربة المالحة في إعادة تأهيل (500 هكتار) من الأراضي المتدهورة في محافظة ظفار، وفقًا لدراسة محلية عام 2022. وفي دراسة أخرى قللت التكنولوجيا الحيوية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث خفضت مزارع عُمان التي تعتمد على الأسمدة الحيوية انبعاثات الميثان بنسبة (12%). ولا تُعزز هذه الحلول الإنتاجية فحسب، بل تحمي التنوع البيولوجي؛ فقد يساعد استخدام الفطريات المفيدة (Mycorrhiza) في زيادة نمو أشجار الليمون مع الحفاظ على الكائنات الدقيقة في التربة.
تحسين جودة المحاصيل
كما أكد الخميسي أنه يمكن تعزيز جودة المحاصيل الزراعية في سلطنة عُمان عبر دمج التقنيات الحديثة التي تحسن القيمة الغذائية والتسويقية، مثل استخدام الزراعة الدقيقة التي تعتمد على بيانات وأجهزة الاستشعار عن بعد، مما يرفع جودة محصول التمور (مثلا) بنسبة (25%) عبر تحسين عمليات التلقيح والري التسميد. كما يمكن أن تساهم الطائرات المسيرة في رش المغذيات الدقيقة بدقة على مزارع الليمون العُماني، مما يزيد حجم الثمار وحمضيتها وبالتالي تعزيز قيمتها التصديرية، أما تقنيات التعديل الجيني (GM Food) غير الضارة، فقد طورت أصنافًا من القمح المقاوم للإجهادات الحيوية واللاحيوية، مع زيادة محتوى البروتين بنسبة (15%) كما تشير الدراسات في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية. كما يمكن للزراعة المائية أنتاج خضروات عضوية (مثل الخيار والطماطم) خالية من المبيدات، بجودة تفوق المنتجات التقليدية، مما يرفع سعرها في الأسواق المحلية بنسبة (30%). كذلك، يمكن أن يحسن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مراقبة نضج الفواكه، عبر تحديد الوقت الأمثال للحصاد مما يقلل الفاقد على الأقل بنسبة 20% ويزيد عمرها التخزيني. ومن خلال التقنية الحيوية يمكن إنتاج أصناف من النخيل مقاومة لآفة السوسة الحمراء، مع تحسين مذاق التمور وزيادة حجمها، أما التعبئة الذكية المزودة بمستشعرات لرصد الجودة، فقد ترفع قيمة تصدير الرمان العُماني إلى أسواق الخليج بنسبة (40%)، كما قد تساهم تقنيات التجفيف بالطاقة الشمسية في إنتاج الفواكه المجففة بالتجميد (مثل المشمش والتين) بجودة عالية وحفظ العناصر الغذائية مما يجعلها تباع بأسعار أعلى بنسبة (50%)، ونستطيع القول: إن دمج هذه التقنيات قد يعزز السمعة العالمية للمنتجات العُمانية، ويفتح أسواقًا جديدة، مثل تصدير العسل الجبلي الذي يمكن أن يراقب بتقنية البلوك تشين لضمان أصالته، مما يرفع طلبه في أوروبا وبقية دول العالم بنسبة قد تصل إلى( 60%) في الأعوام القادمة.