سواليف:
2025-05-02@06:44:04 GMT

حكاية وعاء الديمقراطية الفارغة / هبة عمران طوالبة

تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT


حكاية #وعاء_الديمقراطية_الفارغة

بقلم هبة عمران طوالبة
رحلةٌ في الظلام في قريةٍ نائيةٍ، عتيقةٍ كأنّها طُبعتْ على صفحاتِ التاريخ، عاشَ شعبٌ بسيطٌ يُحلمُ بديمقراطيةٍ حقيقيةٍ تُنيرُ دروبَهُ وتُرشدُهُ نحوَ مستقبلٍ زاهرٍ. كانَ أملُهم عظيمًا، لكنّ الواقعَ كانَ مُرًّا. فالديمقراطيةُ في قريتهم لم تكن سوى وعاءٍ فارغٍ، فاقدٍ للمحتوى، لا يُسْتَفَادُ منهُ سوى في خطاباتٍ رنانةٍ تُخفي وراءَها خُواءً عميقًا.

فوضى عارمة: سيطرَت الفوضى على القريةِ، فكلٌّ يسعى لتحقيقِ مصالحهِ الشخصيةِ على حسابِ المصلحةِ العامة. غابَ القانونُ وسيّدتْ لغةُ القوةِ، وباتَ الفسادُ مُستشريًا في جميعِ مفاصلِ الدولة نخب مُتَحَكّمة: تحكّمتْ نخبٌ مُتَسلّطةٌ في مقدراتِ الشعبِ، مُستغلّةً جهلهُ وفقرهُ لتحقيقِ رغباتها. لمْ تُكَلّفْ هذه النخبُ نفسها عناءَ ملءِ وعاءِ الديمقراطيةِ، بلْ آثرتْ تركهُ فارغًا، لِيُصبحَ أداةً في يدها تُستخدمُ لقمعِ المعارضةِ َهيمنتها على السلطة. دين مُسيّس وتحتَ ستارِ الدينِ، لعبَ بعضُ الساسةِ دورَ المُحرّكينَ، مُستغلينَ مشاعرَ الناسِ الدينيةَ لتحقيقِ أهدافٍ سياسيةٍ ضيقةٍ. زُرعتْ بذورُ التفرقةِ والكراهيةِ بينَ أبناءِ القريةِ، وفُتحتْ أبوابُ الصراعِ على مصراعيهِ. شعلةٌ خافتة: وسط هذا الظلامِ الدامسِ، بقيتْ شعلةُ الأملِ خافتةً، تُمثّلُها مجموعةٌ من الشبابِ المُثقّفينَ الذينَ آمنوا بِمبادئِ الديمقراطيةِ الحقيقيةِ. مسيرةٌ شاقة ناضلَ هؤلاءِ الشبابُ بِشجاعةٍ ودون كللٍ أو مللٍ، مُحاولينَ إيقاظَ وعيِ الشعبِ وكسرَ قيودِ الخوفِ والتبعيةِ. واجهوا مُقاومةً عنيفةً من قبلِ النخبِ المُتَسلّطةِ، لكنّهم لمْ ييأسوا، بلْ واصلوا مسيرتهم بِإصرارٍ وعزيمةٍ.بصيصُ أمل وبعدَ صراعٍ طويلٍ وشاقٍ، بدأتْ بوادرُ التغييرِ تظهرُ. اتّحدَ الشعبُ معَ الشبابِ المُثقّفينَ، ورفضَ الخضوعَ للقمعِ والاستبداد. وعاء يبدأ بالامتلاء: مع ازديادِ وعيِ الشعبِ وتضامنهِ، بدأَ وعاءُ الديمقراطيةِ الفارغُ بالامتلاءِ شيئًا فشيئًا. قيمٌ مثلُ الحريةِ والعدالةِ والمشاركةِ بدأتْ تُنيرُ دروبَ القريةِ، وتُعيدُ الأملَ إلى قلوبِ أهلها لا تزالُ رحلةُ القريةِ نحوَ الديمقراطيةِ الحقيقيةِ في بدايتها. لكنّ بصيصَ الأملِ يُشيرُ إلى أنّ المستقبلَ يحملُ معهُ إمكانيةَ التغييرِ والتحرّرِ من براثنِ الظلامِ.

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

جاك فوكار.. أمير الظلام الذي أرسى سياسة فرنسا الأفريقية

كلما وقع انقلاب عسكري في إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا، تتجه الأنظار مباشرة إلى باريس، بحثا عن دورها المحتمل في تلك الأحداث، بالنظر إلى الروابط العميقة التي تجمعها مع الأنظمة الحاكمة هناك، والمصالح الاقتصادية والسياسية المتجذرة في تلك البلدان.

فقد حافظت فرنسا على هذه المصالح عن طريق اتفاقات ومعاهدات وترتيبات مع مستعمراتها السابقة، ولا تزال بعض هذه الروابط قائمة حتى اليوم، مثل استخدام دول غرب أفريقيا العملة الفرنسية "الفرنك الأفريقي" (CFA) التي فرضتها فرنسا خلال أربعينيات القرن الماضي.

ورغم أن العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها الأفريقية السابقة استمرت بعد الاستقلال عبر قنوات علنية في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والأمن، فإنها تطورت مع مرور الوقت إلى سياسة خاصة عُرفت باسم "فرنسا الأفريقية" (Françafrique)، والتي تشمل قنوات سرية وشبكات خاصة وأشخاصا مميزين وطقوسا مغلقة.

جاك فوكار (يسار) رفقة الرئيس الفرنسي شارل ديغول في باريس سنة 1963 في استقبال المحاربين الأفارقة القدامى (غيتي) "مستر أفريقيا"

على مدار عقود، تجسدت هذه السياسة في شخصية واحدة هي جاك فوكار (1913-1997)، الذي كان يُعرف في دوائر صنع القرار الفرنسي بـ"مستر أفريقيا".

بدأ فوكار بتعزيز علاقاته مع الجنرال شارل ديغول خلال الحرب العالمية الثانية، وكان من مؤيدي سياساته الاستعمارية، خاصة في الجزائر.

وساهم لاحقا في عودة ديغول إلى الحكم عام 1958، فاختاره ليكون أول وزير دولة للشؤون الأفريقية في حكومة الجمهورية الخامسة سنة 1960، وهو المنصب الذي احتفظ به حتى عام 1974 في عهد الرئيس جورج بومبيدو.

إعلان

وخلال فترة الرئيس فاليري جيسكار ديستان (1974-1981)، واصل فوكار أداء دوره في السياسة الأفريقية، وإن كان من خلف الكواليس، من خلال شبكة علاقات سرية ومصالح مترابطة مع عدد من القادة الأفارقة.

وفي عهد الرئيس فرانسوا ميتران (1981-1995)، ظل فوكار شخصية محورية في العلاقات بين فرنسا وأفريقيا رغم عدم توليه أي منصب رسمي، إذ استمر في تقديم المشورة بشأن سبل الحفاظ على النفوذ الفرنسي في القارة.

ومع وصول جاك شيراك إلى الحكم، واصل فوكار تقديم دعمه الإستراتيجي حتى وفاته عام 1997.

الغموض والقوة

يُعد فوكار حالة فريدة في تاريخ الجمهورية الخامسة، إذ ظل في قلب السلطة طوال 4 عقود.

ويصفه الصحفي الاستقصائي الفرنسي بيير بيان، في كتابه "رجل الظل"، بأنه "أكثر الشخصيات غموضا وتأثيرا في الجمهورية الخامسة".

وقد وصفته مجلات مختصة بالشأن الأفريقي مثل جون أفريك بألقاب متعددة، منها "أمير الظل"، و"رجل المهمات القذرة"، و"صانع المخبرين". أما مدير تحرير المجلة فرانسوا سودان، فاعتبره "حارس أسرار فرنسا في أفريقيا" و"ساحرا لا يرحم" في تعامله مع الرؤساء والمتمردين على حد سواء.

مصالح متبادلة

خدم فوكار المصالح الاستعمارية الفرنسية مستخدما مختلف الوسائل لضمان بقاء الأنظمة الموالية لباريس في السلطة.

وأشار الإعلامي التونسي عبد العزيز دهماني إلى أن فوكار لعب دورا حاسما في استمرار حكم عديد من الزعماء الأفارقة، مثل فيليكس أوفوي بوانيي رئيس كوت ديفوار، وعمر بونغو رئيس الغابون.

كما كشف السياسي والمحامي الفرنسي من أصل لبناني روبير برجي، في مذكراته، عن أن فوكار كان يُشرف على تدفقات مالية من دول أفريقية لدعم مرشحين سياسيين في الانتخابات الفرنسية، مما يُبرز بوضوح المصالح المتبادلة بين بعض الحكام الأفارقة والنخبة السياسية الفرنسية.

الاغتيالات والقضايا الغامضة

أثيرت كثير من التساؤلات حول دور فوكار في قضايا شائكة مثل اغتيال المعارض الكاميروني فيليكس موميي عام 1960، والتدخلات العسكرية الفرنسية في الغابون.

إعلان

وقد اعترف فوكار -في مذكراته "فوكار يتحدث"- بأنه كان مطلعا على تفاصيل بعض هذه الأحداث، لكنه نفى تورطه المباشر.

كما طُرحت تكهنات بشأن ضلوعه أو ضلوع فرنسا في اغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة في باريس عام 1965، وكذلك في اغتيال رئيس بوركينا فاسو توماس سانكارا عام 1987، لكن هذه القضايا لا تزال تكتنفها السرية والغموض.

التحولات السياسية الفرنسية في أفريقيا

رغم رحيل فوكار عام 1997 حاملا معه أسرارا كثيرة عن دور باريس في الشأن الأفريقي، فقد استمرت السياسات الفرنسية في القارة على النهج ذاته لفترة غير قصيرة، قبل أن تبدأ بالتراجع التدريجي مع تولي نيكولا ساركوزي الحكم عام 2007، وهو التوجه الذي تعزز في عهد فرانسوا هولاند.

ومع الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، باتت سياسة "فرنسا الأفريقية" موضوعا لانتقادات واسعة، وارتفعت أصوات تطالب بإنهاء هذا الإرث الاستعماري القديم.

ولو قُدّر لفوكار أن يعود إلى الحياة اليوم، لدُهش من هذه التحولات التي تنذر بإغلاق فصل طويل من تاريخ فرنسا في أفريقيا.

مقالات مشابهة

  • كاميرات المراقبة.. الشاهد الذى يكشف جرائم الظلام
  • سماء بلا أرض.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة نظرة ما في مهرجان كان السينمائي
  • سوريا تتمسك بالحوار الداخلي لتحقيق الاستقرار وتحذّر من التدخل الخارجي
  • سورية تتمسك بالحوار الداخلي لتحقيق الاستقرار وتجذّر من التدخل الخارجي
  • أبو زيد للعمال: أنتم صنّاع الأمل
  • في سوق الرمادي.. عبد الستار الأنباري يرسم الأمل بالألوان متحدياً الإعاقة
  • بين أم قصر و ميناء مبارك: قناة بحرية تروي حكاية التوازن
  • رسالة من قلب الخرطوم… حكاية الصامدين في زمن الحرب
  • بعد حضوره زفافها.. حكاية موقف مؤثر جمع الرئيس السيسي وابنة الشهيد مهران
  • جاك فوكار.. أمير الظلام الذي أرسى سياسة فرنسا الأفريقية