ربما لم يعد مصطلح الاستعمار يذكر إلا في كتب التاريخ، بعد أن تحررت منذ زمن طويل دول العالم الثالث من القوى الاستعمارية التي نهبت ثرواتها، مع ذلك فما زالت عواقب تلك الفترة تلقي بظلالها من آن لآخر على حاضر هذه الدول وأيضا على الدول الاستعمارية.

وتحكي مكنسة معروضة في المتحف الصناعي بمدينة دورتموند الألمانية قصة محزنة عن التأثير المتواصل الحافل بالمعاناة للتاريخ الاستعماري الألماني، ولا تزال مكنسة الشارع القوية هذه متاحة حتى اليوم، وهي منسوجة من ألياف من نخيل البياسافا الذي ينمو في الغالب شرقي البرازيل.

الاستغلال الاقتصادي للمستعمرات

وتشرح باربارا فراي المشرفة على المتحف وهي تتحدث عن منتج موطنها البرازيل، أن "أصحاب مصنع ألياف البياسافا في بلدة هيرفورد الألمانية، أصبحوا من أصحاب الملايين بفضل هذا المنتج.

وهذه المكنسة التي تستخدم أيضا في تنظيف المنازل، وتعود إلى الحقبة الاستعمارية، والتي ترمز إلى الاستغلال الاقتصادي للمستعمرات، هي مجرد واحدة من بين 250 من القطع المعروضة، في معرض شامل نظمته المنظمة الإقليمية الاقتصادية "لاندشفستفرباند فستفاليا ليبي" المعروفة باسمها المختصر (إل دبليو إل).

وهذه القطعة -وهي واحدة من المعروضات التي لا تثير البغضاء أو العداوة- تعرض كجزء من معرض "هذا استعماري"، الذي تم افتتاحه ويستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول 2025، ويهدف المعرض الذي نظمته منظمة (إل دبليو إل)، إلى جعل إرث التاريخ الاستعماري الألماني في ولاية فستفاليا مرئيا بدرجة أكبر.

أثناء الحرب العالمية سرق النازيون قطعا فنية من أنحاء أوروبا (الجزيرة) العنصرية والاستعمار

وتقول زولا ويجاند مبيمبلي التي ساهمت في تدوين كتيب عن المعرض مصاحب للأطفال، وهي امرأة سوداء البشرة ترشد الزوار داخل المعرض: "عندما نتحدث عن الاستعمار، يجب علينا أن نتحدث أيضا عن العنصرية، لأن الاثنين مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا".

وفيما يتعلق بإخفاء بعض المعروضات، توضح ويجاند مبيمبلي أن مشاهدة الصور النمطية لأفريقيا، أو الأشياء المرتبطة بتاريخ عائلات الملونين يمكن أن تسبب لهم الألم.

وعلى سبيل المثال يوجد بالمعرض صندوق تبرع تابع للكنيسة، على شكل صبي أسود راكع ويومئ برأسه بامتنان بعد وضع عملة معدنية.

وتوجد بالمعرض صور عما يعرف باسم معارض "فولكرشاوين"، التي كانت شائعة في ألمانيا وبعض الدول الأوروبية، نتيجة الاستكشافات الجغرافية حيث كانت تعرض عينات من النباتات وأشكال غريبة من البشر تختلف عما يعهده الأوروبيون، وعلى سبيل المثال كان الأشخاص أصحاب البشرة السوداء يعرضون فيها مثلما تعرض الحيوانات في حدائق الحيوان، كما يحتوي المعرض على كتب الأطفال التي كانت كلمة زنجي تستخدم في الطبعات الأكثر قدما.

ألعاب بمعرض "هذا استعماري" تحاول أن تقدم إرث التاريخ الاستعماري الألماني لولاية فستفاليا (الألمانية)

ويتطرق المعرض أيضا إلى موضوعات مثل نهب القطع الفنية، من البلاد الخاضعة للاستعمار وجهود استعادتها، وكذلك مقاومة مجموعات السكان الأصليين للحكم الأجنبي، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الحروب والإبادة الجماعية.

ويؤكد منظمو المعرض أن هذه المعروضات، تسلط الضوء على كيفية استمرار الهياكل الاستعمارية عميقة الجذور، في التأثير على المجتمعات حتى اليوم.

ويوضح مدير المنظمة التي تشرف على المعرض جورج ليونمان قائلا: "هدفنا المشترك هو إظهار آثار الاستعمار وعواقبه على مجتمعنا في المنطقة اليوم، وتسليط الضوء من وجهات نظر متنوعة، على هذا الموضوع الذي تم تجاهله مسبقا".

وبخلاف الحملات العسكرية فقد جُمع العديد من القطع الأثرية الغالية من أفريقيا والشرق الأوسط بواسطة المغامرين والموظفين الاستعماريين والتجار والمستوطنين الذين لا يشغل بالهم التفكير في شرعية تملك هذه القطع. وحتى لو تم شراؤها من مالكيها المحليين، فغالبا ما كان ذلك مقابل أجر زهيد لا يناسب أهمية القطع، خاصة مع انعدام قوانين وضوابط للحد من تهريبها، فجرى جمعها ونقلها ببساطة، واستمرت هذه الأنشطة أيضا في القرن الـ20.

غضب يميني

وتلقى المتحف سيلا من التعليقات كانت ذات طبيعة عنصرية ومسيئة وفقا لبيان للمتحف، الذي ذكر أيضا أنه تم تعليق شعارات يمينية على بوابة المتحف، وأنه تم الاتصال بالشرطة التي قامت بالتحقيق في وقت لاحق، في عدة حالات للاشتباه في التحريض على الكراهية.

وأعرب سياسيون محليون من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، عن غضبهم من أن معروضات المتحف تعد مثالا "للعنصرية ضد البيض" الممولة من الأموال العامة، ومع ذلك فإن مطالبهم بإقالة إدارة المتحف وفرض عقوبات أخرى لم تلق آذانا صاغية.

ويرى آخرون أن حزب البديل من أجل ألمانيا ينظم حملة لخنق الحرية الفنية، وتحدث أولاف زيمرمان المدير الإداري للمجلس الثقافي الألماني، عن شن السياسيين من حزب البديل من أجل ألمانيا "حملة عدوانية"، ردا على موجة الانتقادات الموجهة إليهم.

وأضاف: "إن القوى اليمينية تريد أن تقيد حريتنا الفنية، ولا يجب أن نسمح بذلك".

وقالت مديرة المتحف آن كوجلر مولهوفر أثناء تقديمها شرح للمعرض، إنه تم تطوير شكل "المساحات الأكثر أمانا" بدرجة أكبر بعد الخبرة المكتسبة، وإنه سيكون هناك أيضا برامج خاصة بالمجموعات بالمعرض.

بينما أضافت ويجاند مبيمبلي أن "المتحف قام بعمل رائد مع منهاج "مساحة أكثر أمانا"، خاصة في عالم المتاحف الذي لا تزال فيه وجهة النظر الأوروبية مهيمنة، لذلك ترغب هي وآخرون في فريق الإشراف على المتحف، في رؤية المزيد من المساحات المحمية، التي يمكن للأشخاص غير البيض التفاعل فيها مع مثل هذا الموضوعات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

الاستعمار لاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب

عقب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي نفذته حركة حماس على فرقة غزة ومستوطنات غلاف غزة، زعمت إسرائيل وجميع الحكومات الغربية أن إسرائيل وقعت ضحية "هجوم إرهابي" من قبل حماس، ولذلك فإن الدولة الصهيونية تتمتع بالحق الكامل في الدفاع عن نفسها ضد عدوها، وبما أن الجماعات المسلحة الفلسطينية تسببت في هذا "الهجوم غير المبرر" حسب ادعائهم، فعلى الفلسطينيين مواجهة حرب إبادة والتعرض للموت والدمار والتنكيل والتجويع والتهجير الذي تشنه عليهم إسرائيل باعتبار ذلك عملا من أعمال الدفاع عن النفس.

وقد صنفت دولة الاستعمار الاستيطاني التي قامت على "الإرهاب" كافة أشكال مقاومة مشروعها العسكرية والمدنية بالإرهاب، حيث بات "الإرهاب" صناعة صهيونية تبنته الدول الغربية، وشكل العقيدة الأمريكية الإمبريالية مع نهاية الحرب الباردة وحلول عصر الأحادية القطبية، وأصبح مصطلح "الإرهاب" يكافئ "الإسلام" وهوية الإرهابي تقتصر على العرب والمسلمين والفلسطينيين.

فمنذ اللحظات الأولى لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصبحت مفردة "الإرهاب" الأكثر تداولا على ألسنة قادة كيان الاحتلال الصهيوني وداعميهم الغربيين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وسرعان ما ترددت كلمة "الإرهاب" على ألسنة رعاة المستعمرة الصهيونية من الإمبرياليين الغربيين وفي طليعتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأصبحت مقولة "حماس هي داعش" سلعة رائجة، لكن الحقيقة التي بدت واضحة لكافة الأحرار في العالم أن "حماس" حركة تحرر وطني تناهض كيان استعماري استيطاني صهيوني قام على الإبادة والتطهير العرقي والإرهاب، وهو لم يتوقف عن استخدام الإرهاب في قمع مقاومة الشعب الفلسطيني.

الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق
إن الإصرار الغربي والإسرائيلي على وصف هجوم حماس بالإرهابي يتجاهل حقيقة التاريخ وطبيعة الاحتلال الإسرائيلي، وهو مغالطة تستند إلى الغطرسة والتفوقية العرقية، إذ يعتبر الهجوم إرهابيا يقابَل بحق الدفاع عن النفس من الناحية المنطقية في حالات الحياة الطبيعية بين دولتين مستقلتين حسب ميثاق الأمم المتحدة (1945) الذي صمم لاستبعاد العدوان العسكري، والذي يميل إلى التسبب في خرق السلم والأمن الدوليين، لكن الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق.

وفي حالة غزة على وجه التحديد، واصلت إسرائيل ممارسة السيطرة الفعلية على غزة، مع أنها أعلنت رسميا عن انسحاب قواتها وإخلاء أربع مستوطنات يهودية غير شرعية في عام 2005، ويرجع ذلك إلى أن "خطة فك الارتباط" نصت صراحة على أن إسرائيل ستواصل السيطرة على غزة جوا وبحرا وبرا، بينما ستحتفظ بسيطرتها على المعابر الحدودية وكذلك المرافق والخدمات العامة، مثل إمدادات المياه والكهرباء. ومن ثم استمرت غزة في المعاناة من العدوان الإسرائيلي في شكل احتلال بحكم الأمر الواقع كما اعترفت به الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان الدولية أو الإنسانية، مثل منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي، وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين على التوالي في عامي 1970 و1974 بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة.

عندما صرح الأمين العام للأمم المتحدة أن هجوم السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ، فإنه كان يشير بطريقة دبلوماسية إلى تفسير مختلف، فالهجوم العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية يقيادة حماس ضد إسرائيل لا يشكل هجوما إرهابيا مسلحا أو عملا من أعمال العدوان العسكري كما هو محدد في القانون الدولي، وذلك لأن الدولة الخاضعة للاحتلال العسكري تتمتع بحق الدفاع عن النفس كما هو مذكور في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تمنح "الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس فرديا أو جماعيا إذا وقع هجوم مسلح" ضد دولة. وقد تم الاعتراف بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة حتى قبل الحرب العالمية الثانية، وفلسطين دولة رغم أنها تقع تحت الاحتلال العسكري، ومنذ إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، اعترفت بها حوالي 140 دولة، وهي "دولة مراقبة" في الأمم المتحدة منذ عام 2012.

إن حق المقاومة لأي شعب يقع تحت الاحتلال العسكري مشروع من الناحية القانونية وهو حق ثابت للشعب الفلسطيني، وقد تقرر أن حق الشعب في تحرير وطنه من خلال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي هو حق طبيعي كحق الإنسان في الحياة. وعلى النقيض من ذلك، لا تتمتع القوة المحتلة بحق الدفاع عن النفس ضد أولئك الذين هم تحت الاحتلال العسكري، ولذلك فإن ادعاء إسرائيل ممارسة حق الدفاع عن النفس ضد الهجوم العسكري للفصائل الفلسطينية المسلحة في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيةيُعدّ تحريفا صارخا لقواعد ومبادئ القانون الدولي المتعلقة باستخدام القوة، والاحتلال العسكري، وتقرير المصير، وإقامة الدولة، إذ يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

تتجاوز إسرائيل وداعموها الغربيون حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني كقوة محتلة تقوم على الإرهاب في غزة منذ عام 1967، وكان عليها الالنزام القانوني بالامتثال لاتفاقيات لاهاي (1907) واتفاقية جنيف الرابعة (1949) وكذلك للقانون الدولي الخاص بقوانين النزاع المسلح والاحتلال العسكري. فبموجب القواعد ذات الصلة من القانون الدولي، يُحظر على الدولة المحتلة تغيير الوضع الراهن داخل الأراضي المحتلة، وبالتالي يجب عليها تجنب توسيع نطاق قوانينها وأنظمتها لتشمل المنطقة المحتلة، وهي ملزمة بعدم اتخاذ تدابير قانونية وإدارية تضر بسلامة ورفاهية السكان الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، فالقرارات والممارسات التي تهدف إلى حرمان السكان من سبل عيشهم الأساسية محظورة تماما بموجب القواعد القانونية الدولية.

ورغم ذلك تستمر إسرائيل وبدعم غربي في انتهاكٍ التزاماتها القانونية الدولية، بحيث تحوّل هجوم إسرائيل على غزة إلى حالة قتلٍ وإبادة متعمدٍ للفلسطينيين في غزة. وثمة أدلة دامغة على أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحقّ الغزيين خلال هجومها الوحشي على غزة جوا وبحرا وبرا، سعيا منها إلى إبادة أكبر عددٍ ممكنٍ من الفلسطينيين. كما أن قطعَ أساسيات الحياة في غزة، وهي الماء والغذاء والدواء والكهرباء، كان مُدبَّرا للتسبب في أكبر عددٍ ممكنٍ من الوفيات. كما خدمت هاتان الاستراتيجيتان الإباديتان هدفَ إسرائيل المتمثل في التطهير العرقي من خلال الترحيل القسري للسكان الفلسطينيين من غزة.

إحدى المفارقات الصارخة أن دولة استعمار استيطاني قامت على الإرهاب، تصف المقاومة لاحتلالها بالإرهاب، فالإرهاب الصهيوني موثق بصورة جلية دون لبس، فقد مارس الكيان الصهيوني الإرهاب على أساس يومي تقريبا منذ العام 1937، في الوقت نفسه الذي كان فيه البلطجية النازيون يرهبون اليهود الأوروبيين، حيث نفذت العصابات الصهيونية المشكّلة من الغرباء اليهود "حملات محسوبة من الإرهاب" ضد الفلسطينيين الأصليين، وفي هذه الحملة، قد تعرض الفلسطينيون للذبح والتشويه والترويع بلا رحمة جراء التفجيرات المتكررة أو الهجمات بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية على المقاهي الفلسطينية وعلى "المارة العرضيين"، وعلى السيارات والحافلات الفلسطينية وقطارات الركاب ودور الأيتام والمدارس والمتاجر والأسواق والأحياء العربية. وأغارت العصابات اليهودية على القرى العربية، وزرعت الألغام الأرضية، وأعدمت بدم بارد على غرار النازية القرويين المحاصرين، وضاعفت عصابة الإرغون العسكرية القومية الإرهاب من خلال التهديد بـقطع الأيدي العربية التي ترتفع ضد القضية اليهودية.

لقد استُخدم مصطلح "الإرهاب اليهودي"، أو "الإرهاب الصهيوني"، قبل سنة 1948، للإشارة إلى الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها عصابات صهيونية مسلحة، واستهدفت السكان العرب الفلسطينيين، كما استهدفت سلطات الانتداب البريطاني. فمنذ الثورة الفلسطينية الكبرى في سنوات 1936-1939 وحتى تأسيس دولة إسرائيل، استُخدم الإرهاب الصهيوني بصفته استراتيجية عسكرية لتسريع إنشاء دولة يهودية مستقلة، وتم شن هجمات كثيرة على الفلسطينيين، بهدف ترويعهم ودفعهم إلى الانتقال والهجرة خارج البلاد، وعلى مراكز الجيش والشرطة البريطانيين، كما نُظمت عمليات اغتيال وتفجيرات لأسواق وسفن وفنادق. وقد وقف على رأس هذه العصابات الصهيونية زعماء أصبحوا، في السنوات اللاحقة، رؤساء لحكومات إسرائيل، مثل دافيد بن غوريون ومناحم بيغن وإسحاق شامير.

تكشف المسألة الفلسطينية وحالة حماس عن ذاتية مصطلح "الإرهاب" وغير موضوعيه، إذ يشكل مصطلح "الإرهاب" دالا مبنيا سياسيا، لا تجمعه بالضرورة علاقة تناسب طبيعية بالمدلول، ويرتبط بإرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، وهو خطاب أدائي للسلطة السيادية في علاقات القوة، يرتبط بالمصالح الجيوسياسية كتوظيف سياسي، إذ تستخدم الولايات المتحدة مصطلح "الدولة الراعية للإرهاب"، ضد الكيانات السياسية المعارضة للتوجهات الأمريكية، وهوية الإرهابي رهن التسمية وليس الفعل في سياق خطابي تحدده المصالح القومية، وفي الوقت الذي يصعب من الناحية النقدية وصف حماس بالإرهابية، يمكن بسهولة وصف إسرائيل دولة إرهابية. وكانت بوليفيا قد أدرجت فعلا الكيان الإسرائيلي على قائمتها للدول الإرهابية.

الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب
فـ"الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب. وقد تحول "الإرهاب" الذي اخترعه الغرب الإمبريالي والاستعمار الصهيوني إلى "مصطلح متداول يطلقه كل فاعل على أعدائه، إلى اتهام متبادل"، استفاد من الخلط والفوضى اللذين واكبا نشأة وتطور استخدام المفهوم ومعلوم أن "من يطلق الأسماء على الأشياء فهو يمتلكها"

إن الإصرار الأمريكي والأوروبي والصهيوني على تصنيف حركة "حماس" منظمة إرهابية يهدف إلى نزع الصفة السياسية عن عملها، ونزع الحصانة الإنسانية عن أعضائها، فوصف مقاومي حماس بالإرهابيين يضع جنود حماس في قائمة "محاربون لا شرعيّون"، بل إن حشر الفلسطيني في هوية جوهرانية إرهابية هي الأصل. ففي الصّحافة الإسرائيليّة والغربية كلّما تعرّض الجيش الإسرائيليّ لمقاومة غير منتظرة من الفلسطينيّين، اعتبرتها الصّحافة دليلا على عملهم الإرهابيّ، فحسب الرؤية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية لا يحقّ للإرهابيّ أن يقاوم، وهذه المفارقة تقع صميم الفكرة الّتي ينهض عليها برنامج "الحرب ضدّ الإرهاب"، هذه الحرب الغريبة الّتي يضحي فيها العدوّ مجرما بسبب دفاعه عن نفسه أو مقاومته.

خلاصة القول أن إسرائيل ليست دولة إرهابية عدوانية وتوسعية فحسب، بل هي أيضا دولة استعمارية استيطانية، تقوم على محو الشعب لفلسطيني، وجعل فلسطين "موطنا" للمهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالم، فلم تقتصر الاستراتيجيات التي تنتهجها الدولة الصهيونية على المضايقات اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة احتلال عسكري وحشي. فقد انخرطت الدولة الصهيونية بشكل روتيني في التطهير العرقي بدم بارد وارتكبت المجازر والقتل العشوائي للفلسطينيين، ومارست انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.

ولا تقتصر إسرائيل على استهداف الفلسطينيين فحسب، بل إن استراتيجياتها في التوسع الإقليمي والهيمنة وممارسة أقصى درجات العنف تستهدف أيضا العالمين العربي والإسلامي. فإسرائيل دولة شاذة تمارس الاستعمار الاستيطاني وتعتمد استراتيجيات الهيمنة والإرهاب والترهيب تجاه أي جهةٍ تعتبرها "معادية"، وهي تمارس إرهاب الخطف، والتهديد، والعمليات السرية ضد أهدافٍ داخل حدودها وخارجها، كما أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المتبقية في العالم التي تمارس نظام الفصل العنصري.

ومن الغريب أن حدود إسرائيل الإقليمية مجهولة، وهي دولة توسعية لم تكفّ عن انتهاج سياساتٍ عدوانية تجاه جيرانها العرب، رغم أنهم لم يعودوا يُشكلون أي تهديدٍ أو إزعاج لأمنها، وهو ما يكشف عن حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني وطبيعة علاقته كمتراس متقدم للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • فرنسا: إدانة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في قضية اختلاس
  • أدانة زعيمة اليمين المتطرف الفرنسية مارين لوبان باختلاس أموال عامة
  • معرض هانوفر الصناعي الدولي ينطلق اليوم
  • الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب
  • الاستعمار لاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب
  • ” الكابينيت” يقر مشاريع بنية تحتية لتعزيز الاستعمار في القدس
  • السياحة والآثار في أسبوع .. خدمات جديدة وترقيات
  • معرض منوع في حي الحميدية بحمص  بمناسبة اقتراب عيد الفصح المجيد
  • اختتام معرض الأردن.. فجر المسيحية في الفاتيكان
  • فرشاة ولون… معرضٌ لخريجي مركز الفنون التشكيلية في ثقافي شهبا