ربما لم يعد مصطلح الاستعمار يذكر إلا في كتب التاريخ، بعد أن تحررت منذ زمن طويل دول العالم الثالث من القوى الاستعمارية التي نهبت ثرواتها، مع ذلك فما زالت عواقب تلك الفترة تلقي بظلالها من آن لآخر على حاضر هذه الدول وأيضا على الدول الاستعمارية.

وتحكي مكنسة معروضة في المتحف الصناعي بمدينة دورتموند الألمانية قصة محزنة عن التأثير المتواصل الحافل بالمعاناة للتاريخ الاستعماري الألماني، ولا تزال مكنسة الشارع القوية هذه متاحة حتى اليوم، وهي منسوجة من ألياف من نخيل البياسافا الذي ينمو في الغالب شرقي البرازيل.

الاستغلال الاقتصادي للمستعمرات

وتشرح باربارا فراي المشرفة على المتحف وهي تتحدث عن منتج موطنها البرازيل، أن "أصحاب مصنع ألياف البياسافا في بلدة هيرفورد الألمانية، أصبحوا من أصحاب الملايين بفضل هذا المنتج.

وهذه المكنسة التي تستخدم أيضا في تنظيف المنازل، وتعود إلى الحقبة الاستعمارية، والتي ترمز إلى الاستغلال الاقتصادي للمستعمرات، هي مجرد واحدة من بين 250 من القطع المعروضة، في معرض شامل نظمته المنظمة الإقليمية الاقتصادية "لاندشفستفرباند فستفاليا ليبي" المعروفة باسمها المختصر (إل دبليو إل).

وهذه القطعة -وهي واحدة من المعروضات التي لا تثير البغضاء أو العداوة- تعرض كجزء من معرض "هذا استعماري"، الذي تم افتتاحه ويستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول 2025، ويهدف المعرض الذي نظمته منظمة (إل دبليو إل)، إلى جعل إرث التاريخ الاستعماري الألماني في ولاية فستفاليا مرئيا بدرجة أكبر.

أثناء الحرب العالمية سرق النازيون قطعا فنية من أنحاء أوروبا (الجزيرة) العنصرية والاستعمار

وتقول زولا ويجاند مبيمبلي التي ساهمت في تدوين كتيب عن المعرض مصاحب للأطفال، وهي امرأة سوداء البشرة ترشد الزوار داخل المعرض: "عندما نتحدث عن الاستعمار، يجب علينا أن نتحدث أيضا عن العنصرية، لأن الاثنين مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا".

وفيما يتعلق بإخفاء بعض المعروضات، توضح ويجاند مبيمبلي أن مشاهدة الصور النمطية لأفريقيا، أو الأشياء المرتبطة بتاريخ عائلات الملونين يمكن أن تسبب لهم الألم.

وعلى سبيل المثال يوجد بالمعرض صندوق تبرع تابع للكنيسة، على شكل صبي أسود راكع ويومئ برأسه بامتنان بعد وضع عملة معدنية.

وتوجد بالمعرض صور عما يعرف باسم معارض "فولكرشاوين"، التي كانت شائعة في ألمانيا وبعض الدول الأوروبية، نتيجة الاستكشافات الجغرافية حيث كانت تعرض عينات من النباتات وأشكال غريبة من البشر تختلف عما يعهده الأوروبيون، وعلى سبيل المثال كان الأشخاص أصحاب البشرة السوداء يعرضون فيها مثلما تعرض الحيوانات في حدائق الحيوان، كما يحتوي المعرض على كتب الأطفال التي كانت كلمة زنجي تستخدم في الطبعات الأكثر قدما.

ألعاب بمعرض "هذا استعماري" تحاول أن تقدم إرث التاريخ الاستعماري الألماني لولاية فستفاليا (الألمانية)

ويتطرق المعرض أيضا إلى موضوعات مثل نهب القطع الفنية، من البلاد الخاضعة للاستعمار وجهود استعادتها، وكذلك مقاومة مجموعات السكان الأصليين للحكم الأجنبي، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الحروب والإبادة الجماعية.

ويؤكد منظمو المعرض أن هذه المعروضات، تسلط الضوء على كيفية استمرار الهياكل الاستعمارية عميقة الجذور، في التأثير على المجتمعات حتى اليوم.

ويوضح مدير المنظمة التي تشرف على المعرض جورج ليونمان قائلا: "هدفنا المشترك هو إظهار آثار الاستعمار وعواقبه على مجتمعنا في المنطقة اليوم، وتسليط الضوء من وجهات نظر متنوعة، على هذا الموضوع الذي تم تجاهله مسبقا".

وبخلاف الحملات العسكرية فقد جُمع العديد من القطع الأثرية الغالية من أفريقيا والشرق الأوسط بواسطة المغامرين والموظفين الاستعماريين والتجار والمستوطنين الذين لا يشغل بالهم التفكير في شرعية تملك هذه القطع. وحتى لو تم شراؤها من مالكيها المحليين، فغالبا ما كان ذلك مقابل أجر زهيد لا يناسب أهمية القطع، خاصة مع انعدام قوانين وضوابط للحد من تهريبها، فجرى جمعها ونقلها ببساطة، واستمرت هذه الأنشطة أيضا في القرن الـ20.

غضب يميني

وتلقى المتحف سيلا من التعليقات كانت ذات طبيعة عنصرية ومسيئة وفقا لبيان للمتحف، الذي ذكر أيضا أنه تم تعليق شعارات يمينية على بوابة المتحف، وأنه تم الاتصال بالشرطة التي قامت بالتحقيق في وقت لاحق، في عدة حالات للاشتباه في التحريض على الكراهية.

وأعرب سياسيون محليون من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، عن غضبهم من أن معروضات المتحف تعد مثالا "للعنصرية ضد البيض" الممولة من الأموال العامة، ومع ذلك فإن مطالبهم بإقالة إدارة المتحف وفرض عقوبات أخرى لم تلق آذانا صاغية.

ويرى آخرون أن حزب البديل من أجل ألمانيا ينظم حملة لخنق الحرية الفنية، وتحدث أولاف زيمرمان المدير الإداري للمجلس الثقافي الألماني، عن شن السياسيين من حزب البديل من أجل ألمانيا "حملة عدوانية"، ردا على موجة الانتقادات الموجهة إليهم.

وأضاف: "إن القوى اليمينية تريد أن تقيد حريتنا الفنية، ولا يجب أن نسمح بذلك".

وقالت مديرة المتحف آن كوجلر مولهوفر أثناء تقديمها شرح للمعرض، إنه تم تطوير شكل "المساحات الأكثر أمانا" بدرجة أكبر بعد الخبرة المكتسبة، وإنه سيكون هناك أيضا برامج خاصة بالمجموعات بالمعرض.

بينما أضافت ويجاند مبيمبلي أن "المتحف قام بعمل رائد مع منهاج "مساحة أكثر أمانا"، خاصة في عالم المتاحف الذي لا تزال فيه وجهة النظر الأوروبية مهيمنة، لذلك ترغب هي وآخرون في فريق الإشراف على المتحف، في رؤية المزيد من المساحات المحمية، التي يمكن للأشخاص غير البيض التفاعل فيها مع مثل هذا الموضوعات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

مدير معرض البحرين للكتاب: معرض القاهرة يهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي والمملكة حاضرة بقوة

أكد مدير معرض البحرين الدولي للكتاب بشار جاسم العكبري أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يهدف إلى التبادل الثقافي والتعرف على ثقافات الشعوب والدول المختلفة ، مشيرا إلى أن المشاركة في المعرض تحقق الاستفادة للجميع.

وقال العكبري، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الجمعة، "إنه بتوجيه من سعادة الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، تواصل الهيئة جهودها لتعزيز الحراك الأدبي والمعرفي لمملكة البحرين، حيث تشارك الهيئة عبر جناح خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا لعام". 

وأضاف أن الجناح يتضمن عرض مجموعة من أحدث إصدارات مشروع "النشر المشترك" ومشروع كتب البحرين الثقافية من إبداعات المؤلفين والكتّاب البحرينيين، إلى جانب كتب أخرى تتناول موضوعات التراث والأدب والفن والتاريخ والآثار وغيرها وأيضا مشروع نقل المعارف عن طريق الترجمة بصورة دقيقة وأمينة تجعل من الكتب المترجمة مراجعَ موثوقا بها لدى الباحثين والطلاب والقرّاء في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية والمسرح والخطاب التي تصل في مجموعها إلى خمسين عنوانا يترجم إلى اللغة العربية من الفرنسية والإيطالية والإنجليزية وغيرها من اللغات.

وأوضح أن مشاركة هيئة البحرين للثقافة والآثار في معرض القاهرة للكتاب تأتي ضمن التبادل الثقافي بين البلدين وبما يساهم في تعزيز التعاون الثقافي والترويج والدعم للكتّاب والمبدعين في البحرين، وذلك عبر مبادرات مختلفة تتضمن دعم الجمعيات الثقافية والأدبية، وتنظيم فعاليات مكثّفة تهدف إلى الاهتمام بالكتّاب البحرينيين والإصدارات البحرينية ورفد المكتبة الوطنية والعربية بإبداعاتهم الفكرية والأدبية والشعرية وغيرها. 

وأشار مدير معرض البحرين الدولي للكتاب بشار جاسم العكبري إلى إطلاق الهيئة مؤخراً دعوتها لاستلام طلبات نشر الأعمال الأدبية والفكرية للأدباء والكتاب في المملكة، إضافة إلى عملها على تنظيم سلسلة من المحاضرات التي تعرّف بالكتّاب البحرينيين وإنتاجاتهم واستضافة فعاليات تدشين الكتب على مدار العام.

وكان الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة افتتح أمس معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 والتي تقام تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتستمر حتى 5 فبراير المقبل، بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية.

وتقام الدورة الـ56 من معرض الكتاب تحت شعار "اقرأ..في البدء كان الكلمة" بمشاركة 80 دولة عربية وأجنبية، 1350 دار نشر و 6000 عارض، وتحل سلطنة عمان ضيف شرف هذا العام، وتم اختيار اسم العالم المصري أحمد مستجير شخصية المعرض، والكاتبة فاطمة المعدول شخصية معرض الطفل.

ويشهد المعرض ، الذي يقام هذا العام على مساحة هي الأكبر منذ نقله إلى مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، عقد سلسلة من اللقاءات الثرية بين الكتاب والمفكرين التي تناقش مختلف القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية بمشاركة العديد من مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.

مقالات مشابهة

  • تظاهرات ضد اليمين المتطرف في كل أنحاء ألمانيا
  • مظاهرات ضد اليمين المتطرف في أنحاء ألمانيا
  • ألمانيا: أكثر من 15 ألف متظاهر في كولونيا ضد صعود اليمين المتطرف قبل انتخابات شباط الحاسمة
  • مسقط تستضيف معرضا للفن الطليعي الروسي
  • وزير السياحة والآثار: افتتاح المتحف المصري الكبير هذا العام
  • مدير معرض البحرين للكتاب: معرض القاهرة يهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي والمملكة حاضرة بقوة
  • تعرف على تفاصيل الجناح المصري المُشارك في المعرض السياحي الدولي FITUR2025 بمدريد
  • تعرف على تفاصيل الجناح المصري المُشارك في المعرض السياحي FITUR2025 ..صور
  • غرفة الفنادق تشارك في فعاليات المعرض السياحي الدولي FITUR’2025 في العاصمة الإسبانية مدريد. تشارك غرفة المنشآت الفندقية ضمن وفد وزارة السياحة والآثار المصري، في فعاليات المعرض السياحي الدوليFITUR’20
  • تايمز: اليمين المتطرف يزداد جرأة بعد رفع ترامب العقوبات عن المستوطنين بالضفة