صناعة المكانة الدولية.. الإمارات نموذجاً
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
صناعة المكانة الدولية.. الإمارات نموذجاً
تُقاس مكانة الدول وفاعليتها في النظام الإقليمي والدولي من خلال قدرتها في إحداث تأثير في الملفات المختلفة، وكذلك من خلال التفاعل مع الأزمات الملامسة لأمنها واستقرارها، وفي قدرتها على إعادة توجيه مسارات القضايا الدولية عندما يتم الاستعانة بها.والإمارات من الدول التي يتم الاستعانة بها في العديد من الملفات الدولية والإقليمية ونجحت في تحقيق اختراقات دبلوماسية فيها لخدمة الاستقرار العالمي.
واحدة من تلك الملفات الدولية المعقدة مسألة التوسط المتكرر في الإفراج عن الأسرى الروس والأوكرانيين ولخامس مرة نجحت وكان ذلك الأسبوع الماضي وهذا دليل على احترام طرفي النزاع لمكانة دولة الإمارات، ولكن هذه ليست هي الحالة الوحيدة وإنما هو مثال للكلام النظري الذي جاء في بداية الفقرة، وهو ما يؤكد أن للإمارات مكانة في النظام الدولي.
وتُفسر بعض التحليلات والنظريات الخاصة بأدوار الدول في الساحة العالمية وهذه المكانة إلى مجموعة من المغيرات والعوامل الموضوعية والصفات القيادية لزعماء تلك الدول باعتبار أنه من النادر التركيز على حجم الدولة ومساحتها فقط، بل هذا العامل أو المتغير له احتمالين والاحتمال الأكبر أنه يثقل من دور الدولة وربما يضعفها إذا لم تدار مقدراتها بالطريقة التي تتناسب ونظرة قادتها السياسيون.
في الأغلب للقائد السياسي دور أساسي في صياغة دور الدولة مع وجود بعض العوامل الموضوعية ومن هذه العوامل، ما حققته دولة الإمارات مؤشرات تنموية في مختلف المجالات سواءً في الاقتصاد أو التعليم أو المجال التكنولوجي بالشكل الذي عززت فيه من حضورها الدولي بدرجة تضاهي فيها دول العالم المتقدم هذا إن لم تكن قد تجاوزتها في بعض المؤشرات بالدرجة التي جعلت من الإمارات تكون ضمن المرتبة الأولى في مؤشرات صندوق النقد الدولي لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي وفي المرتبة 36 عالمياً.
أما الأهم، بل هي من حيث الترتيب الأول، فهو إدراك القائد لدور دولته، هناك اتفاق بين أغلب منظري العلاقات الدولية حول أنه لا يمكن دولة ما أن تحقق أي مكانة أو إنجاز دون وجود رؤية استراتيجية لقيادتها السياسية التي ترسم لها الملامح العامة التي تضعها في مصاف دول العالم. وهذا ما بات يعرف بـ”ادراك القائد” لمكانة دولته ضمن النظام الإقليمي والعالمي وربما هذا المتغير أو العامل هو الذي يفرق بين دولة وأخرى.
ولكيلا يكون الكلام مسهباً ودون تطبيق، فلو استعرضنا تجارب الدول الكبرى في النظام العالمي فإن النقلة العظيمة التي أحدثتها الصين منذ عام 2013 والتي تتمثل في وجود مبادرة “الحزام والطريق” العالمية فإن خطوطها واضحة وأهدافها تتحقق مع كل يوم والحكومة الصينية وشركائها في العالم يعملون على تنفيذها. الأمر نفسه ينطبق على دولة الإمارات من خلال مرحلتين في استراتيجيتها التنموية الأولى بدأت في العام 1971 فكل ما حصل فيها من نقلات تنطلق من رؤيتها في الاستثمار في الإنسان. المرحلة الثانية من نهوضها التنموي بداً من الإعلان على المبادئ العشرة للخمسين القادمة في العام 2021 والتي ستنقلها إلى مصاف دول مؤثرة في الساحة الدولية وفق المؤشرات التي تسجلها.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن دولة الإمارات لديها تأثير إيجابي في العديد من القضايا الإنسانية في الإقليم والعالم، لا يمكن الإنكار أنها كانت لها كلمة الفصل في الجوانب التي تحاول أن تضُر بالإنسان أياً كانت صفته ودينه وذلك بدءاً من مبادرتها العالمية المعروفة بـ”الأخوة الإنسانية” وما تبعها من مبادرات تعمل على تقليل من خطاب الكراهية والعنصرية سواءً بين الأفراد أو الحكومات حتى تلك النزاعات المسلحة غير الدولية وصولاً إلى أن تبادر بسن قوانين في الامم المتحدة لتقليل هذا الكراهية باعتبارها السبب الرئيسي في الاقتتال بين بين أفراد المجتمع الواحد، لذا كان منالطبيعي أن تجد من ينتقد سياساتها ويذم عملها الإنساني ويفسره وفق منطقه الأيديولوجي دون أن يشعر أنه يحاول خداع العالم وفق “الصوت العالي” والزعيق في المنابر العالمية، وكأن يطبق المثل العربي “أخذوهم بالصوت لا يغلبوكم” الذي عفى عليه الزمن منذ سقوط القومجية والإسلامويين.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الإمارات تسجل مؤشرات وحضوراً عالمياً بدرجة التي بدأت معها تحرج نجاحاتها وقصصها التنموية المبهرة بعض القيادات العربية، فقد انقسمت مواقف تلك مواقف تلك الدول إلى مجموعتين اثنتين ولا نحتاج لذكر أمثلة عنها. فالمجموعة الأولى رأت في التجربة الاماراتية بأنها “ملهمة”ويمكن الاستفادة منها واستنساخها لأنها تمثل ثقافة الإقليم وتتماهي مع قيمها المجتمعية ولأنها أيقونة شرق أوسطية تماثل الغرب الأوروبي وهذه المجموعة اليوم تجد نفسها في الطريق الصحيح الذي مشت فيه دولة الإمارات وبدأ منطق النجاح والتفكير الإيجابي هو المسيطر على أبنائها.
أما المجموعة العربية الثانية: فقد اختارت أن تضع نفسها في خانة المحارب لتجربة الإمارات إعلامياً وشنت حملات سياسية عليها، وأسقطت فشلها التنموي على الامارات، وتفرغت لتنشر مزاعم وأفكارلا تقدم جديداً سوى أنها تفضح طريقة تفكير هذه القياداتالعربية في بناء مجتمعاتها وكأنها تُحي خطاباً مر عليه خمسة عقود من الزمن لم يعد يدرك الجيل الحالي مفرداته القائمة على الشعارات السياسية وعلى تلك الجملة التي لخصت مرحلة تاريخية للعرب للدكتور عبدالله القصيمي وهي “العرب ظاهرة صوتية” دون إنجازات.
الخلاصة أن الحركة التي يسير بها العالم سريعة، ولا تتترك فرصة لمن يحاول أن يشتت تفكيره في خلافات وتجاذبات جانبية إلا ممن لا يدركون حجم هذه الحركة ممن لا يزالون يعيشون في زمن غير زماننا، الإمارات ارتقت على الخلافات وتجاوزت الشعارات الخاوية وركزت على الإنجازات وعلى العمل لتصنع مدينة متقدمة وفاضلة من حيث القيم الإنسانية والتقدم الحضاري.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: دولة الإمارات
إقرأ أيضاً:
جرأة مجموعة لاهاي
منذ أن نجح فى الانتخابات وحتى قبل أن يجلس على عرش أمريكا رسميًا للمرة الثانية اعتاد ترامب الإدلاء بتصريحات غير مسئولة أثارت جدلًا واسعًا فى كل دول العالم واعتبره كثيرون مجنونًا قد يجر العالم لحرب عالمية ثالثة.
وفاجأ ترامب العالم بتصريحات غريبة عقب لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وكأن كل تصريح خرج من شخص مختلف أحدهما همجى والثانى استعمارى إمبريالى والثالث إنسان والرابع نرجسى والخامس ممثل، ربما ما جاء عل لسانه حول استيلاء أمريكا على غزة ونقل عدد من الجنسيات للعيش فيها أى تدويلها بمثابة صدمة أعادت للأذهان تلك الاتفاقيات والوعود الاستعمارية التى قسمت دولًا وشردت شعوبًا، وكأن العالم خلق من أجلهم يظلمون ويتجبرون دون وازع من ضمير ودون مراعاة للقوانين والأعراف الدولية التى وضعوها وطبقوها بطريقتهم وحسب مصالحهم.
فى يقينى الضعفاء لن يسكتوا، قد يتحدون لمواجهة هذا التسلط وهذا الفكر الاستعمارى الهمجى، وربما كانت كندا وبنما وكولومبيا والبرازيل والمكسيك هى البداية وسينضم اليهم آخرون بدعم قوى أخرى من مصلحتها إضعاف الولايات المتحدة بل وتفكيكها.
أتوقف هنا عند حدث دولى أعتبره من أهم الأحداث على الساحة العالمية خلال الأيام الماضية، ففى سابقة هى الأولى فى التاريخ، أعلنت 9 دول عن تدشين أول تجمع دولى أطلق عليه «مجموعة لاهاى» بهدف ملاحقة العدو الصهيونى فى المحاكم الدولية والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية المحتلة عقب 1967، والدول هى جنوب أفريقيا وماليزيا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا وهندوراس وناميبيا والسنغال وجزر بليز.
هذه الدول قررت ألا تكتفى بملاحقة إسرائيل قضائيًا فقط، بل وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا من خلال عدة إجراءات: منها تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة من الجنائية الدولية بحق «نتنياهو» و«غالانت» فى حال وصول أى واحد منهما إلى أراضى أى دولة من الدول التسع، ومنع تصدير أو توفير أو نقل الأسلحة إليها، ومنع رسو أى سفن تنقل أسلحة أو وقودًا لإسرائيل فى موانئ هذه الدول.
ربما يقلل البعض من هذا الحدث معللًا أن هذه الدول صغيرة–عدا ماليزيا بالطبع–وتأثيرها ليس كبيرًا، ولكنى أقول إن مجرد إعلان هذه المجموعة عن اتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيونى المدعوم بالشيطان الأمريكى الأعظم هو جرأة تنذر بانضمام المزيد إلى هذا التحالف، أو تكوين تحالفات أخرى ضد أمريكا نفسها، فالضغط والظلم غالبًا ما يولدان الانفجار.
وأشير هنا أيضًا إلى الانقسامات السياسية العميقة فى الولايات المتحدة الأمريكية والاعتراضات المتتالية على الإجراءات التى اتخذها ترامب فى الأيام الأولى من ولايته الثانية والتى أسفرت عن عريضة جمعت أكثر من 100 ألف توقيع تطالب الكونجرس بعزل هذا الرئيس الذى قد يتسبب بسياساته فى زيادة العداء ضد أمريكا على مستوى العالم، وانهيار الاقتصاد الأمريكى.
[email protected]