ما سيناريوهات المشهد السياسي الفرنسي بعد جولة الانتخابات الأولى؟
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
باريس- انتهت نتائج تصويت الموعد الأول للناخبين الفرنسيين مع صناديق الاقتراع، يوم الأحد 30 يونيو/حزيران، بفوز "التجمع الوطني" بالمركز الأول بنسبة 29.25% من الأصوات، وجاء اتحاد اليسار تحت راية "الجبهة الشعبية الجديدة" ثانيا بنسبة 27.99%، فيما حصل المعسكر الرئاسي على 20.04%، وفق وزارة الداخلية.
وتأتي هذه الانتخابات التشريعية الـ17 في عهد الجمهورية الخامسة في سياق سياسي استثنائي، بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الانتخابات الأوروبية، في 9 يونيو/حزيران، حل البرلمان، واضعا هيكلة الحكومة على المحك بعد الجولة الثانية من التصويت في السابع من يوليو/تموز الجاري.
وفيما كان يأمل ماكرون "ببداية ديمقراطية" و"صحوة الناخبين على مخاطر التطرف"، يبدو أن ساكن قصر الإليزيه خسر الرهان بمركز ثالث أمام تصدر "متوقع" لليمين المتطرف وإثبات تفوق اتحاد اليسار، تاركا الباب مواربا أمام سيناريوهات كثيرة تزيد من غموض المشهد السياسي في فرنسا.
الديمقراطية في الميزانشهدت نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية لهذا العام نسبة غير مسبوقة بلغت 66.7%، بمقابل 47.5% في عام 2022، أي بارتفاع ملحوظ قدره 19.2 نقطة.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي جان بيير بيران، أن فوز حزب التجمع الوطني وحلفائه كان "متوقعا"، بسبب عدم رغبة الفرنسيين في رؤية التناوب التقليدي بين اليمين واليسار.
ولفت في حديث للجزيرة نت إلى أن "ذلك لا يعني أن كل الأشخاص الذين صوّتوا لزعيمة الحزب مارين لوبان هم يمينيون متطرفون، إذ تقدر نسبة المتعاطفين مع هذا التوجه بنحو 10% فقط وليس 33%، وهو ما يضع 23% في خانة الساخطين أو اليائسين من وضعهم الحالي الذي يعود إلى أكثر من 20 عاما".
وكشفت صناديق الاقتراع أن أكثر من واحد من كل اثنين من الشباب تحت سن 25 عاما شاركوا في هذه الانتخابات، وفق معهد "إبسوس" المتخصص في الدراسات السياسية وتحليل استطلاعات الرأي.
وفي هذا الشأن، قال بيران إن "تفسير نسبة الشباب الذين صوّتوا لصالح حزب لوبان يظل غامضا بعض الشيء، وخاصة أولئك الذين لم يعملوا من قبل"، وأضاف "يعتقد الناس عموما أن اليمين الشعبوي سيجلب لهم العودة إلى السلطة، أي تحقيق الأمن والنظام في الشوارع والمدارس، رغم أنه لم يتطرق إلى ذلك في برنامجه الانتخابي".
من جانبه، يرى الخبير في الشأن الفرنسي عمر المرابط، في حديثه للجزيرة نت، أن نسبة الشباب المرتفعة الذين صوّتوا لليمين المتطرف ـوخاصة من الطبقة الفقيرةـ قد تدل على اعتقادهم بأن المهاجرين والهجرة تحرمهم من مناصب الشغل وبعض الامتيازات، إلا أن نسبة مهمة تقدر بـ48% من الشباب صوّتوا لصالح الجبهة الشعبية الجديدة، معظمهم من خلفيات مهاجرة أو مسلمة.
وعند تحليل الأصوات التي حصل عليها اليمين المتطرف، سنجد أن نسبة 33.15% تتضمن تحالف التجمع الوطني (29.25%) مع حزب إريك سيوتي (3.90%)، مما يعني أن الفارق بين نتائج التجمع الوطني وتحالف اليسار (27.99%) ضئيل جدا، وفق المرابط.
وفي أوقات الأزمات عندما تتعثر الديمقراطية، يصبح اللجوء إلى التحالفات الخيار الأكثر منطقية للخروج بأقل الخسائر. ويمكن القول إن الأحزاب اليسارية نجحت في ضمان ذلك بالفعل تحت اسم "الجبهة الشعبية الجديدة".
فبعد أن كان اليسار مشتتا خلال الانتخابات الأوروبية، جاء اتحاده في الانتخابات التشريعية بمثابة عنصر مفاجأة لإستراتيجية معسكر ماكرون، الذي كان يركز أساسا على نيل المركز الثاني في ظل تفوق اليمين المتطرف المحسوم مسبقا.
وفي هذا السياق، يرى عمر المرابط أن إستراتيجية الحزب الرئاسي تغيرت اليوم بعد تحالف اليسار، خاصة أن اتهامات معاداة السامية تم اعتبارها كنوع من أنواع "المكر السياسي"، وتكتيكا لم يعد مجديا في ظل تصويت التقدميين الداعمين للقضية الفلسطينية لصالح حزب فرنسا الأبية اليساري.
وأضاف نائب العمدة السابق في الضاحية الباريسية أن "من الواضح تفضيل ماكرون التعايش مع اليمين المتطرف على حساب اليسار، لأنه يريد القول للشعب الفرنسي إن التصويت العقابي الذي تم ضده كان أيديولوجيا أيضا، مشيرا إلى أن حسابات الرئيس كانت خاطئة، "لأنه لم يحلّ الجمعية الوطنية فقط بل أضعف أغلبيته البرلمانية أيضا".
وتابع المرابط "ماكرون كشف أن سياسته يمينية متطرفة بامتياز، لكنها مغلفة بغطاء حقوق الإنسان والعلمانية، خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة والمسلمين، بينما تظل سياسة التجمع الوطني أكثر وضوحا ويمكن التظاهر ضدها بشكل علني".
ورغم أن ماكرون لا يخفي في العادة ارتباطه الوثيق بتاريخ الجمهورية، فإنه لم يستفد من الدروس التاريخية من التصويت الذي أعقب حل البرلمان في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك، وقد تكون هفوته السياسية الكبرى عند اعتقاده أن اليسار سيظل منقسما كما كان خلال الانتخابات الأوروبية.
وتعليقا على ذلك، أكد المحلل السياسي الفرنسي بيران أن تشكيل "الجبهة الشعبية الجديدة" واختيار مرشحين مشتركين خلال يومين فقط من النقاشات كان عنصر المفاجأة بالنسبة لماكرون في نتائج الجولة الأولى، لأنه لم يتوقع فعالية وتفوق تحالف اليسار مرة أخرى كما حدث في الماضي بانتخابات عام 1981 عندما فاز فرانسوا ميتران.
سيناريوهات محتملةوبعد أن استطاع حزب التجمع الوطني وحلفاؤه استقطاب أكثر من 10 ملايين صوت، دعا الرئيس ماكرون الأحد إلى "تجمع كبير وديمقراطي جمهوري واضح" ضد اليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات.
وفي هذا الإطار، يضع الخبير في الشأن الفرنسي عمر المرابط المشهد السياسي الذي تقبل عليه البلاد في 4 احتمالات مختلفة، تتمثل في:
حصول اليمين المتطرف على الأغلبية المطلقة بأكثر من 289 مقعدا، وهو أمر مستبعد -حسب مرابط- مع وجود التحالف اليساري، لكن في حال تحالف اليسار ومعسكر ماكرون فقد يؤدي ذلك إلى الاحتجاج والتصويت لصالح التجمع الوطني. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في حصول اليمين المتطرف على أغلبية نسبية قوية بأكثر من 255 أو 260 مقعدا ودعم غير مباشر من بعض الجمهوريين. لكن مرشح اليمين جوردان بارديلا سبق أن أعلن في تصريحاته أنه لن يقبل تولي منصب رئيس الوزراء في حال وقع هذا السيناريو. وسيكون الاحتمال الثالث في وجود أغلبية نسبية قد تدفع ماكرون إلى تعيين شخصية يمينية ـمن الجمهوريين مثلاـ تستطيع إنشاء تحالف مع اليمين المتطرف لتولي منصب رئاسة الحكومة. أما الرابع، فيتمثل في تحقيق اليسار قفزة في التصويت وإنشاء تحالف مع الوسط.ومع وجود مجال ضيق للمناورة، أشار بيران، إلى أن ماكرون يجد نفسه عالقا أمام يسار متحد ويمين متطرف قوي، "لذا سيحاول التعامل مع أغلال الأغلبية المطلقة وربما التكنوقراط أيضا، لكن هذا سيجعل حكم فرنسا أمام اختبار صعب".
وبغض النظر عن نتائج الجولة الثانية، يضيف المحلل السياسي أن "رئيس الدولة سيحارب ضد تجمع وطني قوي"، معتبرا أن مشكلة الطرفين ستتكشف اعتبارا من 14 يوليو/تموز الذي يصادف العيد الوطني، خاصة ماكرون ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، متسائلا "هل سيتصافحون كما يقتضي البروتوكول؟ وكيف سيحلون اختلافاتهم السياسية بشأن دعم أوكرانيا ضد روسيا؟".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجبهة الشعبیة الجدیدة الیمین المتطرف التجمع الوطنی تحالف الیسار أکثر من
إقرأ أيضاً:
الأهم في تاريخ ألمانيا.. نظرة على الانتخابات البرلمانية
برلين- تقف ألمانيا على عتبة انتخابات برلمانية قد تكون الأهم في تاريخ البلاد خاصة أنها قد تطيح بأحزاب وترفع أحزابا أخرى. ويحق لحوالي 59.2 مليون شخص التصويت في الانتخابات بالدورة الـ21 المقررة يوم 23 فبراير/شباط 2025.
ويجمع النظام الانتخابي الألماني بين النظام الفردي والقائمة النسبية، بحيث يحق لكل ناخب أن يضع إشارتين على ورقة التصويت.
فينتخب المواطن بالصوت الأول من يمثله بدائرته الانتخابية من بين المرشحين السياسيين، وتعادل هذه المقاعد المباشرة نصف عدد أعضاء البوندستاغ. بينما يتم انتخاب النصف الآخر من خلال لوائح الأحزاب في الولايات.
وتقوم الأحزاب بتسمية مرشحيها عن كل ولاية من الولايات الـ16. ويتمتع الصوت الثاني بثقل أكبر، إذ يحدد توزيع القوى بين الأحزاب في البرلمان، وبالتالي عدد مقاعد كل حزب من الأحزاب التي ستجتاز نسبة 5% الحاسمة لدخول البرلمان.
يضم البوندستاغ 598 مقعدا حسب ما ينص عليه الدستور، أي ضعف الدوائر الانتخابية، وهي 299 دائرة انتخابية، إلا أن العدد قد يزيد على هذا الحد. وهذا ما شهدناه بانتخابات 2021، إذ وصل العدد إلى 735 عضوا. ويعود ذلك إلى حصة الأحزاب من خلال فوز المرشحين بالعضوية المباشرة من خلال الصوت الأول.
إعلانوتجري الانتخابات كل 4 سنوات. ويحق لحوالي 59.2 مليون شخص الانتخاب هذا العام، حسب ما نشر مكتب الإحصاء الاتحادي.
واضطرت الأحزاب طيلة السنوات الماضية إلى تشكيل ائتلافات حكومية لعدم حصول أي منها على الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومة، دون اللجوء إلى الأحزاب الأخرى.
وفي 23 فبراير/شباط الجاري، سيتم اختيار البرلمان رقم 21 لألمانيا. وعادة ما يحصل الحزب صاحب أعلى نسبة أصوات على تكليف من رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، وبالتالي اختيار المستشار من أعضاء الائتلاف الحاكم.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن فريدريش ميرتس سيكون المستشار الـ19 في تاريخ ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
تشارك في هذه الانتخابات أحزاب رئيسية، هي:
الاتحاد الديمقراطي المسيحي. الاتحاد الاجتماعي المسيحي (تحالف بين الحزبين "سي إس يو، سي دي يو") والذي من المتوقع أن يحصل على أكثر من 30% حسب استطلاعات الرأي. حزب بديل لألمانيا، بنسبة تفوق 20%. الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب المستشار أولاف شولتز) بنسبة قد لا تتجاوز 15%. حزب الخضر، بنسبة تصل أيضا إلى 15%. حزب اليسار، بنسبة قد تفوق 6%. تحالف سارة فاغنكينشت، الذي يخوض الانتخابات البرلمانية لأول مرة في تاريخه لأنه حديث العهد وأسسته رئيسته فاغنكينشت بعد انشقاقها على اليسار، ومن المتوقع أن يحصل الحزب على نسبة 5% حسب آخر استطلاعات الرأي. الحزب الديمقراطي الحر والذي قد لا يتجاوز نسبة 5%، وهي النسبة المؤهلة لدخول البرلمان، مما يعني خروجه من التمثيل السياسي.وتدخل إلى جانب هذه الأحزاب تكتلات وأحزاب صغيرة مثل "إم إيه آر إيه 25" وحزب تودنهوفر، وكلاهما يدعمان القضية الفلسطينية، وكذلك أحزاب بيئية وشيوعية ومسيحية.
تجري عملية التصويت بشكل مباشر عبر صناديق الاقتراع في 16 ولاية أو عبر البريد، من خلال طلب ذلك بشكل رسمي.
إعلانويوم الأحد تفتح قاعات الانتخاب أبوابها من الساعة 8:00 وتغلق الساعة 18:00. وبمجرد إغلاق صناديق الاقتراع، تبدأ النتائج الأولية بالظهور على شاشات التلفاز وغالبا ما تكون قريبة من الواقع.
تجدر الإشارة إلى أن نسبة التصويت عبر البريد سجلت رقما قياسيا بانتخابات عام 2021، ووصلت إلى 47.3% من أصوات الناخبين، حسب ما نشر مكتب الإحصاء الألماني.
أهم الملفات
تأتي هذه الانتخابات المبكرة بعد انهيار الائتلاف الحاكم الحالي، مما أجبر المستشار شولتز على الإعلان عن انتخابات مبكرة.
وتمكن حزب "بديل لألمانيا" من حث أحزاب أخرى على اتخاذ اللجوء والهجرة كملف رئيسي في هذه الانتخابات.
وقبل أحداث ماغديبورغ وميونخ، التي نفذها مواطنون من أصول أجنبية وأدت إلى مقتل عدة أشخاص، كان شعار "بديل لألمانيا" اليميني المتطرف "إعادة التوطين" إلا أنه تحول ليصبح "وقف الهجرة والترحيل".
ويلعب ملف الاقتصاد دورا محوريا بالانتخابات الحالية في ظل الانكماش الذي تعيشه ألمانيا منذ أكثر من عامين. إلى جانب ملف الأمن والإرهاب وكذلك الصحة، في ظل نقص الكفاءات في كافة المجالات الصحية.