غمدان اليوسفي يكتب: مع أبناء أبوبكر سالم
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
حظيت قبل أشهر بزيارة أبناء الراحل أبوبكر سالم، أحمد وأليف في منزلهم بمدينة الرياض، وهو المنزل ذاته الذي عاش فيه الراحل طيلة حياته.
صعدت سلالم تبدأ في الحوش وتنتهي في صالة الجلوس الصغيرة التي أطلق عليها الراحل صالة (تريم).
كان اللقاء بترتيب الصديق الجميل فارس، نجل الشاعر الكويتي الشهيد فايق عبدالجليل، صاحب الروائع التي حلق بها بلفقيه (أنت وين، غزاني الشيب، لاتنادي، عطني الحل)، ومجموعة كبيرة من الأغاني التي ترنم بها نجوم الفن العربي.
تعرفت بفارس من تويتر قبل أعوام، وبعد مدة شرفني في منزلي بهولندا، وقبل ذلك كان قد أرسل لي بالبريد ديوان والده (صوت العطش).
رافقني في الزيارة الصديق عارف أبوحاتم، واستقبلنا أحمد وأليف وفارس وهم رفقاء فارس منذ الصغر، حيث كان الراحل الكبير أبوبكر سالم قد استقبل أولاد فائق خلال الغزو العراقي للكويت في 1990، حين اختفى هناك أثناء مقاومته للغزو، لتعود رفاته في 2006 مع مجموعة من شهداء الكويت الذين كانوا أسرى، فاحتضن أبوبكر أولاد فائق مدة من الزمن، وكما قال فارس في تلك الجلسة فإن أم أصيل وأبو أصيل عاملوهم كأولادهم تماما.
أضاف فارس: كانت أم أصيل الله يرحمها تشتري لنا الملابس نفسها لي ولأصيل وأحمد، والفنايل الداخلية نفسها، ولكي تميز بينها تكتب بالقلم أسماءنا، لأنها نفس الماركة واللون، فقط تختلف المقاسات.
قال أبوبكر في كلمة له عن فائق نشرت في الديوان: "آخر نغمة وجدانية دارت بيني وبينه أيام الأيام النكراء في احتلال "كويته" الغالي، وعندما كلمني هاتفيا من الحدود يوصيني بأولاده الذين بعثهم من تلك المنطقة، وقد حاولت إقناعه بالانضمام معهم إلينا في الرياض فلم أفلح في ذلك، وآلى على نفسه إلا أن يعود هو إلى الوطن إدراكا منه للواجب الذي يقتضي منه المشاركة فيه".
في تلك الجلسة كان أحمد أبوبكر يتحدث بروحه المرحة وشعرت أننا أصدقاء منذ زمن بعيد، وسألناه عن قصص كثير من الأغاني التي يتم تداولها ومنها مانفاه ومنها ما أكده.
وحول قصة (مايحتاج ياعيسى)، فإن القصة الحقيقية حسب رواية أحمد وفارس فإن عيسى هو شخص إماراتي كان معجبا بأبوبكر سالم ويحضر حفلاته في كل مكان من الكويت إلى لبنان، مصر، السعودية وغيرها، وتعرف على فائق عبدالجليل وهو بدوره عرفه إلى أبوبكر فصار الثلاثة أصدقاء، وأغنية مايحتاج ياعيسى خرجت بالصدفة، حين قال أبوبكر الكلمة فأعجب بها وأكمل القصيدة التي ظهرت بذلك الشكل الرائع.
ظلينا نستمع للقصص، وقد حظيت بالجلوس في نفس المكان الذي كان يجلس فيه الراحل، بجوار سماعة الهاتف الأرضي، ولمست الهاتف لوهلة، وتذكرت تلك الأغنية الرائعة التي تم تسجيل صوت الراحل حسين أبوبكر المحضار وهو يقرأ ويدندن على مسامع أبوبكر في الهاتف أغنية (يقول انني فضلت)، وعبرت بذلك لهم في الجلسة.
يعمل أحمد في تنظيم الحفلات الموسيقية، ومعظم عمله مع الفنان محمد عبده حاليا، وتختزن ذاكرته بالقصص والحكايات، بينما يحتفظ أليف ببسمته الساخرة، وهو شاب يعمل خارج سياق الفن، حيث يدير مطعما حضرميا في المغرب.
بعد أسابيع وصلني من أحمد أبوبكر ديوان والده، (أبوبكر سالم بلفقيه، شاعر قبل الطرب)، وهو ديوان يضم 82 قصيدة منها ماغناها هو ومنها ماغناها نجوم آخرين، مثل وردة الجزائرية، هيام يونس، أنغام، طلال مداح، نجاح سلام، راشد الماجد، عبدالمجيد عبدالله، عبدالله الرويشد، وأصيل.
*الصور مع، أحمد أبوبكر، فارس فايق، وعارف ابو حاتم
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن ابو بكر سالم يوم الاغنية اليمنية أبوبکر سالم
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيل فؤاد سالم .. قصة تسجيل شريط (شهداء الطريق) !
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
مرت أمس الذكرى الحادية عشرة لرحيل فنان الشعب فؤاد سالم، وهنا أود أن أتذكر معكم قصة واحد من أهم الأعمال الغنائية الوطنية لهذا الفنان المكافح، الذي تشرفت باللقاء والتعارف معه منذ اكثر من نصف قرن، وكتابة ثلاث عشرة أغنية له.. ومن بينها شريط ( شهداء الطريق) الذي ضم عشر أغنيات عن بسالة عشرة شهداء شيوعيين أبطال..
وعن قصة هذا الشريط أتذكر ذات يوم، تلقيت دعوة كريمة من الصديق المندائي مالك عنيد، ومالك هو أحد المناضلين القدامى الذين عملوا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ مطلع ستينات القرن الماضي، وقد أتيحت له فرصة العمل مع الشهيد الخالد سلام عادل، فنهل من خبرته، وتجربته، وبسالته الأسطورية الكثير.
وإذا كانت كل أحاديث أبي أطياف ممتعة، ودافئة، فإن حديثه عن سيرة أبطال الحزب الشيوعي، وشهدائه أكثر متعة ودفئاً. وفي وهج ذلك الوجد والإنفعال العاطفي الذي غمر كل مسامات روحي، وهو يحدثني عن صمود سلام عادل، قام بوضع شريط غنائي في جهاز التسجيل، لينساب صوت فؤاد سالم الى مسامعنا هادئاً، ونبيلاً، وموجعاً، فيمتلئ البيت بعطر الشهداء، وهو يغني : ” سلام الحب على أحلى الأسامي .. گبرك وين حتى أبعث سلامي؟
وما أن وصلنا هذا النداء المهيب، حتى يفجعنا فؤاد سالم مرة أخرى بنداء موجع إلى الشهيد، جمال الحيدري بقوله : يجمال الغالي عذَّبنا الفراق .. مدري نبچي إعليك مدري إعله العراق؟
وهكذا تتوالى الأغنيات عن الشهداء الخالدين واحدة بعد الأخرى حتى يكتمل الشريط بأغنياته العشر، وقبل أن أجفف الدمع، التفت لي صديقي أبو أطياف وهو يقول لي : كيف كتبت هذه الأغنيات العشر يافالح، واستطعت أن تصف بدقة أشكال ومزايا وتطلعات هؤلاء الشهداء دون أن تراهم، فكأنك عشت معهم، وصابحتهُم، ومسَّيتهُم، وتمعنت بوجوههم واحداً واحدا، ثم كيف نقلت كل هذا الثراء، والروعة عن حياتهم، وصمودهم؟.. احكِ لي رجاء قصة هذا الشريط المذهل الموجع، وكيف اجتمعتما أنت والفنان فؤاد سالم، وكيف تولدت الفكرة لديكما، فنسجتما الإبداع خيطاً خيطا، احكِ لنا يافالح، فهذا ليس ملكك فقط، بل هو مُلك الناس جميعاً، لانه تاريخ حزب، وشعب، وسجل لكواكب مضيئة، يجب أن يعرفه الآخرون مثلما تعرفه انت، بخاصة وقد وجدت هذه الأغنيات على (اليوتيوب) دون ذكر لاسمك أو اسم الملحن، فقد وضعت هذه الأغنيات دون تعريف !
قلت له، سأتحدث لك يا صاحبي عن ظروف هذا الشريط كما هي، والمفرح أن شخوص هذه الرواية مازالوا طيبين، وأحياء يرزقون.. والحكاية تبدأ قبل نهاية عام 2000 بأيام قليلة، حين أقام أنصار الحركة الوطنية في ديترويت حفلاً صغيراً احتفاءً بقدوم الدكتور فائق بطي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وقد غنى في ذلك الحفل فنان الشعب فؤاد سالم بعضاً من أغنياته الوطنية، ثم قرأتُ بعدها قصيدة عن الشهيد سلام عادل، أعجبت الحاضرين، وأبكت بعضهم وبعضهن مما دفع الدكتور بطي الى أن يطلب مني تحويل هذه القصيدة الى نص غنائي يقدَّم بصوت الفنان فؤاد سالم. وللحق فإن الفكرة أعجبت فؤاد سالم قبل أن تعجبني، فطلب مني فؤاد تحقيق ذلك بسرعة إن أمكن، لأنه – أي فؤاد – سيذهب الى لندن لإقامة حفلتين هناك، وبعدها سيذهب الى سوريا، وربما لن يعود أبداً الى أمريكا – وقد فعلها فؤاد فعلاً، فذهب ولم يعد حتى هذه اللحظة! المهم أن الحفلة انتهت، وعدت الى بيتي، لكن تفكيري بالموضوع لم ينته، فشغلني تماماً .. وأثناء ذلك قدحت بذهني فكرة كتابة شريط غنائي كامل عن شهداء الحزب وليس أغنية واحدة فقط، لكن المشكلة كانت تكمن في فؤاد الذي سيغادر بعد ثمانية أيام الى لندن، وحتماً أن ثمانية أيام لا تكفي لإنجاز مثل هكذا مشروع كبير. ناهيك من صعوبة تحديد أسماء الشهداء بعشرة فقط، إذ من سنختار، ومن سنترك، إذا كان لدى الحزب آلاف الشهداء الميامين الذين يستحقون الشكر والثناء والتغني ببطولاتهم؟
ولم أنتظر، فبدأت الكتابة في الساعة الواحدة من بعد منتصف نفس الليلة، وقبل أن تشرق شمس الصباح، كنت قد أكملت كتابة أغنية الشهيد فهد، وأغنية الشهيد سلام عادل. فذهبت الى فراشي (صباحاً) وأنا فرح لما أنجزت، وأقسم أني لم أنم وقتها غير ساعتين، أو ثلاث لأنهض من فراشي مسرعاً وأمضي الى بيت فؤاد لأخبره بالموضوع، فوجدته فرحاً مثلي أيضاً، لكنه قال لي متسائلاً : هل تعتقد أننا سنتمكن من تحقيق ذلك خلال هذه الأيام الثمانية؟
قلت له : أجل سنتمكن يا أبا حسن، وسننجح حتماً مادمنا مؤمنين بجدوى وأهمية ما نسعى اليه، وسيكون لهذا الشريط صدى عظيم، لاسيما واننا أول من بدأ، ونفذ فكرة تقديم شريط غنائي كامل عن شهداء الطريق..
إقتنع ( أبو حسن) بذلك، وقد ازداد قناعة .. لكن مشكلة أخرى واجهتنا أيضاً، فالشريط الغنائي يحتاج لعازف موسيقي، واستوديو، وهذا يعني أننا سنحتاج الى مبلغ لا يقل عن ألفي دولار، خاصة وأن فؤاد مثلي لايملك ربع هذا المبلغ .. مما دفعنا لأن نذهب الى أحد أعضاء سكرتارية الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة آنذاك، وما أن عرضنا عليه الأمر ، حتى فرح وأعلن عن استعداد الإتحاد لتحمل كافة مصاريف التسجيل .. كل هذا، وأنا لم أكتب بعد من الشريط سوى نصّين اثنين فقط. وقد سلمت النصَّين الى فؤاد سالم، ذهبت الى بيتي منتشياً، وحالماً بهذا المشروع الفني والوطني الجميل، وقبل أن أصل البيت، كنت قد أكملت كتابة أغنية الشهيد جمال الحيدري، وبعد ساعتين أو ربما أكثر بقليل إتصل بي فؤاد، ليخبرني أن الوقت قصير لايسمح بالتواصل مع أحد الملحنين الكبار، لذلك سيضطر إلى أن يلحن جميع الأغنيات بنفسه !! وهكذا بدأ فؤاد سالم تلحين أغنيات الشريط…
بعد ثلاثة أيام فقط، كنت قد انتهيت من كتابة أحد عشر نصاً غنائياً، لأحد عشر شهيداً، وبعد يومين على إكمال كتابة النصوص ( أي في اليوم الخامس )، كان فؤاد سالم قد أكمل تلحين جميع الأغنيات، لنمضي بعدها في البحث عن الموسيقي الذي سيعزف موسيقى الإغاني، والأستوديو الذي تسجَّل فيه .. وبعد جهد غير قليل اهتدينا الى الموسيقي نوار العزاوي، الذي كان قد وصل الى ديترويت تواً، ولعل من الأمور التي أفرحتنا كثيراً، أن نوار العزاوي يملك ايضاً أجهزة تسجيل، وإذا ما توفر لها مكان خاص، فسيمكن لنا تسجيل الشريط عبرها..!
وفعلاً تم الحصول على مكان مناسب، بمساعدة الأخ العزيز خيون التميمي عضو سكرتارية الإتحاد الديمقراطي، كما تم استحصال المبلغ المطلوب من الأخ نبيل رومايا. وبدأ التسجيل، فكانت الأغنية الأولى للشهيد فهد، ثم أغنية الشهيد سلام عادل ثم أغنية جمال الحيدري، وعايدة ياسين، وجورج تلو، ثم أغنية حسن السريع ومحمد الخضري، ثم هندال البصري، ثم أبو گاطع، ثم أغنية الشهيدين بيا صليوة، وفكرت جاويد، وقبل أن نصل الى الأغنية الأخيرة في الشريط، التي تحمل رقم (11) والمخصصة لشقيقي الشهيد خيون حسون الدراجي، انتهى الشريط للأسف، ولم يعد ثمة مجال للأغنية الحادية عشرة، بعد أن نفدت الدقائق الستون تماماً .. وهنا اقترح بعض الأخوة رفع أغنية ( أبو گاطع ) من الشريط، ووضع أغنية شقيقي خيون بدلاً عنها، على اعتبار أن أبا گاطع هو الوحيد – في الشريط – الذي لم يستشهد، إنما توفي في حادث سيارة على الحدود الهنغارية، لكنني رفضت ذلك، وأصررت على بقاء أغنيته متنازلاً عن حقي في أغنية شقيقي خيون، لتبقى أغنية أبي گاطع، وفاءً للرجل الذي نذر حياته للشعب، والحزب، ووفاءً لدوره الكبير في رعايتي ودعمي وإسنادي منذ مطلع حياتي السياسية والشعرية، والصحفية. على أمل أن نستكمل في المستقبل سلسلة أغاني الشهداء، فأضع أغنية شقيقي خيون في أول شريط قادم، لكن الأيام تصادمت، وتنافرت، فأبعدتنا الواحد عن الآخر بما فيهم فؤاد سالم نفسه، ولم نلتق حتى بعد سقوط النظام، فقد غاب أبوحسن في لجة السفر، والمرض، والمشاغل، ولم نستطع إكمال حلمنا في مواصلة السلسلة الإستذكارية لأقمار وطنية أنارت بدمها ليل العراق الطويل، فضاع الكثير من الأغنيات، والنصوص في سجلات النسيان … ولعل من أهم الأشياء التي أسجلها هنا لفنان الشعب فؤاد سالم، حرصه الكبير على إكمال هذا الشريط رغم ظروف السفر، ورغم إصابته بالأنفلونزا، حتى أنه سجل أغنية (أبي گاطع) في تمام الساعة الخامسة فجراً، وما أن انتهى من تسجيلها حتى حمل حقيبته الى المطار حالاً، ليسافر الى لندن دون أن ينام لحظة واحدة وهو يعاني من اعراض الأنفلونزا، وقطعاً ما كان لأي مطرب آخر غير فؤاد أن يفعل ذلك.. وقبل أن أكمل حديثي للصديق العزيز مالك عنيد، وأروي له قصة شريط (شهداء الطريق)، فإني أردت أن أسجل للأخوة الغالين عامر جميل، ونبيل رومايا وخيون التميمي دورهم في تحقيق هذا الشريط، إذ لولاهم لما تحقق هذا المشروع أبداً .. أبداً .
فالح حسون الدراجي