تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق في كتابه "السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية"، يؤرخ الكاتب عبد الله حسين في ثلاثة أجزاء لتاريخ السودان منذ القدم حتى بدايات القرن العشرين. وبدأ رحلته التأريخية في الجزء الأول منذ عهد الفراعنة والبطالمة والرومان، حيث استعرض في إطار ذلك ممالك السودان وسلطناته وإماراته وقبائله ودياناته، وهجرة القبائل العربية إليه، ومعاصرته للمماليك والأتراك، وحتى قيام الثورة المهدية.

 وفي الفصل الثالث الذي حمل عنوان "مصر الفرعونية في السودان"، يلفت الكاتب إلى العلاقات القديمة بين البلدين، والتي "ترجع إلى أبعد المعروف من التاريخ القديم، ولا غرو في ذلك؛ فإن الأمم القديمة بدأت حياتها وظهرت مدنيتها على ضفاف الأنهار، وتعاقبت ممالكها على الحكم في المسافات الخصبة حوالي الأنهار"، بحسب تعبيره.يقول الكاتب: "نهر النيل يجري في أرض السودان ومصر؛ لذلك كان الانتقال بين سكانهما مستمرًّا، والاتصال باديًا والحكم متراوحًا، وكانت القوافل الحاملة للتجارة تسير في الطرق الصحراوية". 

 

الملك "سنفرو" أول من غزا بلاد النوبة - (رسم تخيلي بالذكاء الاصطناعي) - البوابة نيوز

وتعّد أقدم رواية تاريخية في حكم المصريين للسودان هي المقروءة في "حجر باليرمو"، والذي فيه ذكر أن الملك "سنفرو" من الأسرة الثالثة -سنة 2900 ق.م - قد غزا بلاد النوبة، وأسر سبعة آلاف من الرجال والنساء، وغنم ألفين من الثيران والعجول، فلما جاء إلى مصر استخدم الرجال في أعمال الحكومة، والنساء في القصر الملكي. أما الثيران والعجول، فبعضها ذُبح للطعام، والبعض الآخر احتفظ به لتربية نتاجه لجودة نوعه.

وفي عهد الملك "بيبي الأول" -سنة 2600 ق.م - جنَّدت مصر من السودان جيشًا لإخضاع بعض القبائل العاصية في شرقي السودان، وكان السودان في عهد الأسرة الثانية عشرة تحت حكم المصريين "وكان الجيش المصري حافظًا النظام فيه، مشيِّدًا القلاع والحصون في جزر النيل وفي جهات كثيرة من ضفافه، واستخرج المصريون الذهب من مناجمه، وكانت تجارته رائجة، وشقوا طريقًا للسفن بين صخور الشلال الأول في عهد الأسرة السادسة تحت إشراف المهندس المصري (أونا)".

في تلك الفترة، كانت السفن تجري في النيل بين مصر والسودان بغير مشقة في تلك القناة التي شقَّها المصريون بين صخور الشلال الأول، وقد أعيد ذلك في عهد الملك "أوسرتسن الثالث" من الأسرة الثانية عشرة -سنة 1850 ق.م - لتسهيل نقل الجيش والسفن الحربية والمعدات، لتأديب البلاد التي تحاول الخروج على الحكم المصري.

هذه القناة التي أُهملت فيما بعد، تأسف عليها كثيرًا الأثري الإنجليزي السير وليام فلندرز پيتري، الذي رحل خلال الحرب العالمية الثانية ولم يُعاصر إنشاء قناة السويس، وقال: "لم يفكر أحد من المصريين حتى الآن في عمل طريق مثل ذلك الطريق المائي الذي كان يبلغ عرضه في عهد الفراعنة أربعة وثلاثين قدمًا، وعمقه أربعة وعشرين قدمًا، تسير فيه السفن النيلية مهما كانت كبيرة، وقد أصبح المصريون الحاليون مكتفين بخط حديدي لنقل البضائع من أحد طرفي الشلال إلى الطرف الآخر".

رسم تخيلي بالذكاء الاصطناعي - البوابة نيوزالسودانيون

يلفت الكتاب إلى أن سكان السودان في عهد المصريين القدماء "هم سكان إفريقيا الأصليين؛ أي العبيد أو الزنوج، وكان المصريون متفوقين عليهم بالعلم والمدنية والنظام والإدارة والكتابة ووسائل القتال، والتفاني في إطاعة الملوك والرؤساء، وفي عهد الأسرة الثانية عشرة المصرية بثَّ ملوكها المدنية والعلم في السودان، واستخرجوا الذهب من شرقه، وأقاموا القلاع والمعسكرات إلى ما بعد الشلال الرابع، وكان الضباط المصريون يرسلون السودانيين إلى مصر لخدمة الحكومة، وكانوا يشرفون على نقل الذهب منه إلى مصر".

وفي تلك الفترة "كان المصريون ينشئون المعابد والهياكل، وكان رجال الإدارة والكهنة من المصريين، وقد جعلت الأسرة الثانية عشرة حدود مصر الجنوبية إلى الشلال الثاني، وبنى الملك أوسرتسن الثالث -أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة- قلعة في جهة "سمنة" على بُعد أربعين ميلًا من وادي حلفا جنوبًا، ونصب هناك لوحًا أثريًّا حذر فيه مرور السودانيين شمالًا؛ برًّا وبحرًا، واستثنى منهم التجار ورسل الحكومة القائمين بأعمال رسمية".

وقد نصب هذا الملك حجرين كبيرين؛ أحدهما في "سمنة"، والآخر في "جزيرة الملك"، وصف فيهما معاملته لأهالي السودان وطرق حربهم، ورماهم بالجبن والفرار أمام العدو، والغباوة، وبتولية ظهورهم وقت صليل السيوف، وزعم أنه قتل كثيرًا من نسائهم، وحرق حصدهم وأتلف آبارهم، واستعمل معهم كل وسائل القوة والجبروت.

ويظن عالم المصريات الفرنسي الشهير جاستون ماسبيرو، أن النفوذ المصري في عهد الأسرة الثانية عشرة قد وصل إلى جنوب نهر عطبرة، وكانت القوافل تجلب الذهب من "سنار" إلى جزيرة "مروى"، وتستمر في الصحراء إلى مدينة "نبتة"؛ حيث ينقل في سفن نيلية إلى مصر، وكانت القبائل السودانية تدفع الجزية لملك مصر، وكانت المصنوعات المصرية رائجة في السودان.

أما في عهد الأسر الثالثة عشرة، والرابعة عشرة، والخامسة عشرة، والسابعة عشرة، فتاريخ مصر في السودان غامض، ويقول المؤرخون: إن نفوذ مصر قد ضعف، وأن القبائل السودانية قد امتنعت عن دفع الجزية إلى مصر في ذلك العهد.

رسم تخيلي بالذكاء الاصطناعي - البوابة نيوزأمير كوش

مع بداية عصر الدولة الحديثة في العهد المصري القديم، وتحديدًا في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وصلت حدود مصر في السودان إلى النيل الأزرق، وذلك في عهد القائد "أحمس" الذي طرد الغزاة الهكسوس من مصر، وأعقب ذلك بتأديب القبائل السودانية التي كانت تعبث بالأمن وتعطل التجارة وتمتنع عن دفع الجزية.

ومن بعده، غزا "أمنمحات الأول" سنة 1580 ق.م السودان، ووصلت جيوشه إلى جنوب الخرطوم، وكانت تعرف قديمًا بأرض الأغنام، كما جاء ذلك في لوحة حجرية وُجدت في "مروى"؛ وقد عين ملك مصر ابنه "تحتمس الأول" حاكمًا عامًّا على السودان، ثم لقَّبه بـ "أمير كوش". 

و"كوش" هو الإقليم المعروف كذلك بـ "إيتيوبيا"، وكان محل إقامة الأمير الشاب في النوبة، وكان يجيء إلى مصر أحيانًا، وقسَّم البلاد التي بين الشلال الأول والنيل الأزرق إلى مديريات أو أقاليم، يدير شئون كل منها حاكم مصري تابع لأمير كوش، وأصبحت البلاد السودانية إلى النيل الأزرق جزءًا من مصر، تسود فيه النظم الإدارية والسياسة المصرية.

بعد ذلك، صار "تحتمس الأول" ملكًا لمصر سنة 1557 ق.م، وبعد توليه، أرسل جيشًا كبيرًا وأسطولًا نهريًّا هزم القبائل السودانية المتمردة، وأجبرها على العود لدفع الجزية لمصر، وفي صخر بإحدى جزائر الشلال الثالث نقوش هيروغليفية تدل على أن "تحتمس الأول" اجتاز الصحاري والجبال، ووصل إلى بلاد لم تطأها أقدام أسلافه.

ولما ولي "تحتمس الثاني" عرش الإمبراطورية المصرية، كانت القبائل السودانية قد عادت إلى العصيان، فهزمها الجيش المصري، واضطرها إلى دفع الجزية.

وقد ذكر "تحتمس الثاني" على جدران طيبة 142 اسمًا لأماكن في "كوش" و"الواوات "كانت تحت حكم مصر، ودلَّت الآثار على أن بلاد الصومال والواوات كانت تدفع الجزية إلى "تحتمس الثالث"، وأن بلاد الصومال أرسلت في السنة الثانية عشرة من حكمه 1685 مكيالًا من البخور، وكمية كبيرة من الذهب، وعددًا كثيرًا من الرجال والنساء والثيران والعجول والبقر والغنم.

واستمر حكم مصر في السودان في عهد الملك "أمنحتب الثاني" بعد وفاة "تحتمس الثالث"، وقد شيد الملك الجديد معبدًا في "وادي باع النجا" عند النيل الأزرق، وفي هذا الوادي تمثالان، وكانت عاصمة السودان عندئذ مدينة "نبته" غربي جبل برقل، بالقرب من الشلال الرابع.

رسم تخيلي بالذكاء الاصطناعي - البوابة نيوز

وقد استمر الحكم المصري في السودان سائدًا، والقبائل السودانية مطيعة هادئة في عهد "تحتمس الرابع" سنة 142 ق.م ، ثم في عهد "أمنحتب الثالث" سنة 1411 ق.م ؛ حيث حدثت فتنة صغيرة قمعها بسهولة.

وقد أعلن "أمنحتب الثالث" نفسه "إله للسودان"، وشيَّد معبدًا له في جهة "صلب" التي تبعد مائة وخمسين ميلًا من وادي حلفا جنوبًا، وكانت زوجته الملكة "تي" تُعبَد كإلهة في معبد "سدنجة" الذي بُني باسمها، وهو يبعد أميالًا قليلة من "صلب" شمالًا؛ وفي "دنقلة" آثار يرجع تاريخها إلى عهد هذا الملك.

ووفق المراجع، فقد استتب الأمر للمصريين في السودان مدة مائة وخمسين سنة، وكان السودانيون خلالها يدينون بالدين المصري القديم، ويتكلمون، أو يتكلم الظاهرون فيهم، باللغة المصرية، ودرجوا على الكثير من العادات المصرية.

وقد وُجدت في السودان آثار يرجع تاريخها إلى عهد "إخناتون" -حكم مصر سنة 1375 ق.م - وتدل الآثار على أن السودان كان يدفع الجزية إلى الملك "آي" -سنة 1349 ق.م- والملك "حور محب" -1350 ق.م- والذي زار السودان، وله لوح أثري في جبل "السلسلة" عليه اسمه، جالسًا على عرشه محمولًا فوق أعناق اثني عشر سودانيًّا، وأن الصومال كانت ترسل الخيرات إليه.

وعلى الرغم من حدوث الاضطرابات الداخلية الناشئة عن التغيير الديني لعبادة الإله الواحد في عهد "إخناتون"، فإن مصر ظلت محافظة على أقاليمها الجنوبية، وهي بلاد كوش -السودان- بدليل أن هذا الملك أصلح "معبد جبل البرقل" الذي شاده أبوه ببلاد النوبة -مديرية دنقلة"- وأقام بالمكان نفسه معبدًا آخر لآمون الذي كان يُعبد في هليوبوليس، أو مدينة الشمس، باسم المعبود "آتوم"، كما دلَّت على ذلك النقوش الأثرية الموجودة على أحد السبعَيْن المصنوعَيْن من الجرانيت، والمحفوظة بدار الآثار البريطانية الآن، وقد نُقلا إليها من جبل برقل بمعرفة اللورد إيردهو سنة ١٨٣٥، ويُرى على أحدهما رسم "أمنحوتب الثالث"، ومن رأي المؤرخ الإنجليزي واليس بودج أنه هو الذي بدأ عمل الأثر الثاني، ثم تمَّمه ابنه "توت عنخ أمون"، وكتب اسمه عليه، وعلى السبع الثاني كتابة تدل على أن هذا الأسد قد اغتصبه أحد ملوك النوبة المدعو "آمون أسرو".

هذا وقد بقي السودان خاضعًا لحكم خليفة الملك المدعو "آي"، الذي لم يجد سببًا لإرسال حملات إلى هذه البلاد بفضل حسن إدارة أمير كوش المدعو "باؤور"، وقد أقام هذا الملك ضريحًا بالقرب من أبي سنبل، وقد نقش على جدرانه صورة نفسه مع أحد كبار موظفيه، مقدِّمًا القرابين للمعبود "فتاح" و"رع" و"حور" و"سبك"، ولسلفه الملك "أوزرتسن الثالث".

رسم تخيلي بالذكاء الاصطناعي - البوابة نيوزتأديب العُصاة

ظلت مصر مالكة لبلاد السودان مئات الأعوام، حتى إن رجال الشلال والبقارة أدركوا أن الشر كل الشر في تعرُّضهم لقوافل الذهب وغيره النازحةِ من السودان لخزائن مصر القديمة، أو تدخلهم في إدارة إقليم "كوش"، وأدركوا أن ملك مصر طويل الباع إذا عُصي، شديد العقاب إذا غضب.

مع هذا، لم ينقطع عصيان القبائل السودانية، والمناوشات على الحدود من آنٍ إلى آخر، ولكن الحكام المصريين المعيَّنين من قِبَل مصر، والمسمين "أمراء كوش" كانوا يؤدِّبون العصاة.

وفي عهد الأسرة التاسعة عشرة كان الحكم المصري في عهد "رمسيس الأول" -1315 ق.م- مبسوطًا إلى الشلال الثاني فقط؛ ولكن ابنه "سيتي الأول" الذي خلفه سنة 1313 ق. م، أعاد الحكم المصري على السودان بصحاريه الشرقية والغربية، وأنشأ القلاع، وأصلح الطرق إلى مناجم الذهب في شرقي السودان -وقد وُجدت خريطة لمناجم الذهب بوادي "شوانب" في ورقة بردية محفوظة بمتحف «تورينو» بإيطاليا- واحتفر الآبار، وأقام معبدًا للآلهة "آمون رع" و"أوزيرس" و"حورس".

وكانت سياسة "رمسيس الثاني" -سنة 1290 ق.م- مسالَمة السودانيين، والاهتمام باستخراج الذهب، وتعبيد الطرق، بعد أن أدَّب العناصر المناوشة.

وظل الحال كذلك في عهد "رمسيس الثالث" -سنة 1198 ق.م- الذي زاد في تشجيع التجارة مع السودان، بما أنشأ من سفن نيلية وبحرية كانت تمخر في عباب البحر الأحمر إلى ميناء "القصير" الذي ازدهر في ذلك العهد. وفي عهد الأسرة العشرين ضعف الحكم المصري في السودان، وتمردت القبائل عليه، بسبب ضعف تلك الأسرة في حكم مصر نفسها، حيث تألَّفت عصابات للسرقة؛ ولا سيما سرقة آثار طيبة، وقد هجر كهنة "آمون رع" عاصمة مصر "طيبة" إلى "نبته" عاصمة السودان، وتدل الآثار على أنهم نشروا فيه عبادة "آمون" والخط الهيروغليفي، وعلى أنه قام في السودان ملوك من بلاد النوبة.

رسم تخيلي بالذكاء الاصطناعي - البوابة نيوز

وقد ساء كهنة "آمون" أن يضطرهم المصريون إلى ترك مصر إلى السودان، فحرَّضوا الملك "كشتا"، الملك السوداني النوبي، على فتح الوجه القبلي، وخلفه الملك النوبي "بيعنخي" في "نبته" -عاصمة السودان من سنة 750 ق.م إلى سنة 740 ق.م- وأرسل جيشًا وأسطولًا غزوا مصر بالوجهين القبلي والبحري.

وتاريخ حكم الملك "بيعنخي" مدوَّن في نقوش هيروغليفية على حجر جرانيتي طوله اثنتا عشرة قدمًا، وعرضه أربعة أقدام ونصف قدم. وقد تولى "طهراقة" ابن "بيعنخي" عرش مصر سنة 688 ق.م؛ والذي زال حكمه عن الوجه البحري وبقي في الوجه القبلي، بعد أن غزا "آشور أخي الدين" ملك آشور مصر سنة 670 ق.م.

وفي سنة 661 ق.م، غزت جيوش آشور الوجه القبلي، وهدمت معابد طيبة، وضعف ملوك السودان في حكمه حتى اضطرت الحكومة السودانية إلى الانتقال من "نبته" إلى أواسط السودان عقب غزوة "بسماتيك الثاني" في أوائل القرن السادس ق.م.

وعندما غزا ملك الفرس "قمبيز" السودان سنة 525 ق.م بعد أن فتح مصر، كانت الشلالات ووعورة الطرق قد حالت دون وصوله إلى "مروى" التي كان فيها الملك السوداني "نستاش"، فاضطر "قمبيز" إلى الارتداد إلى مصر -وهناك اختفى هو وجيشه في الصحراء- على أن المملكة السودانية ضعف شأنها، وأخذ السودان يعود إلى الفوضى والشَّيَع.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مصر الفرعونية السودان النيل النوبة الأسرة فی عهد الأسرة النیل الأزرق الحکم المصری السودان فی فی السودان المصری فی هذا الملک الذهب من حکم مصر الملک ا وفی عهد إلى مصر مصر سنة مصر فی ذلک فی على أن معبد ا

إقرأ أيضاً:

المجرم جوليان أسانج مرحبا بك في السودان !

يمكن لأي أحمق أن يعرف
فالصعوبة تكمن في الفهم
لا المعرفة
البرت اينشتاين
ترجمة وتحليل: حسن أبوزينب عمر

حبى الله الناشط الأسترالي جوليان أسانج الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بذكاء خارق وقدرات مذهلة لفك رموز الكومبيوتر منذ تأسيسه موقع (ويكليس) وبرزت مواهبه في البرمجة منذ ولوجه لعالم المراهقة عام 1995 حيث اتهم بجرائم تتعلق بالتهكير أهمها الكشف عن صور فيديو لجنود أمريكيين يطلقون النار على قتلى مدنيين عراقيين من طائرة مروحية وجرائم أخرى كانت ساحتها أفغانستان تتحدث عن قتل مئات المدنيين في انتهاكات لم يتم الكشف عنها من واقع 10 مليون وثيقة عسكرية لسلاح الجو الأمريكي ودبلوماسية لوزارة الخارجية الأمريكية تم سبر أغوارها رغم انها كانت تحمل تحذيرا يقول (سري للغاية) وهي تقارير هزت العالم عليها ووصفت بأنها انتهاك صارخ للسيادة الأمريكية .

(2)
عام 2009 حصل على جائزة العفو الدولية وفي 2010 على جائزة سام آدامز وجائزة سيدني للسلام عام 2011 .. عام 2019 تم ترشيحه لجائزة نوبل . لكن كل هذا لم يكن كافيا للحد من شأفة مطاردة حامية قادتها ليس الولايات المتحدة فحسب حكومة بل حكومة وطنه استراليا والسويد ..منذ عام 2012 خاض أسانج معارك من المد والجزر مع القوانين الدولية ليس مع أمريكا التي دخل مخدعها وفضح أسرارها فحسب بل مع حكومة بلاده منذ عام 1996 بتهمة التجسس على أمنها القومي الا انه أبرم اتفاقية للبراءة بشطب الاتهام في 24 تهمة وكان عمرها وقتها لا يتجاوز 25 عاما ولكن وعلى منوال نفس هذه الصفقة توصل أسانج الى اتفاقية جديدة مع أمريكا التي أصدرت محاكمها قرارها عام 2019 بالعقوبة القصوى capital punishment متهما في 18 قضية عقوبتها السجن 175 عاما بالتجسس و الهكر تم شطب 17 منها وتقليص المدة الى سبعة سنوات وهي المدة التي قضاها في مبني سفارة الاكوادور في لندن .

(3)
لكن جرائم أسانج لا تقتصر على استراليا والولايات المتحدة بل تمتد الى السويد التي اتهمته باغتصاب سيدة والتحرش بأخرى ولكن وبعد 14 عاما وتحديدا عام 2019 تم شطب القضية لضعف الأدلة .. وكان أسانج ( 52 عاما) قد خسر استئنافه في القضية الجنسية أمام القضاء السويدي عام 2012 فطار الى لندن خلسة ولجأ الى سفارة الاكوادور في نفس العام حيث ظل غارقا حتى أذنيه في صراع قانوني فوق العادة لمنع تسليمه للحكومة الأمريكية من داخل مبنى السفارة حكومة الاكوادور التي طلب اللجوء السياسي اليها .

(4)
أكثر مشاهد الدراما اثارة في صراع أسانج القانوني فوق العادة للإفلات من أنياب المطاردة الأمريكية الحامية كان داخل مبنى السفارة ..فقد كان برنامجه اليومي على مدار سبع سنوات قضاها داخل أسوارها منتظرا الموافقة على اللجوء هو خطاباته النارية التي كان يلقيها على مسمع المحيطين منهم صحفيين واعلاميين وفنانين ورجال مجتمع وثلة من شرطة سكوتلاند يارد كانت تحيط بالمبني احاطة السوار بالمعصم تنتظر خروجه ولكن الرجل الساخر والخطيب المفوه طويل القامة لم يترك شاردة وواردة من الدنايا مسلحا بالحصانة الدبلوماسية diplomatic immunity الا والحقها بأمريكا وبريطانيا بانتهاك مبادئ حقوق الانسان وحرية التعبير والسويد بافتعال تهمة الاغتصاب الا كتكئة لتسليمه الى أمريكا دولة الشر .

(5)
تحدياته لشرطة سكوتلاند يارد سارت به الركبان فقد كان لسان حال الشرطة التي يلسع حكومتها يوميا بعبارات السم (لو انت راجل ابن راجل أمرق لينا بره ) ويرد (لو انتو رجال أولاد ناس أدخلوا) ..وكأنه كان يتقمص شخصية روبرت هيس النازي الوحيد الذي نجا من الإعدام و الانتحار حيث قضى ما تبقى من عمره قبل الانتحار في سجن (شبا نداو) وهو ينعل ويسب سنسفيل الحلفاء ويقول (قدمنا للعالم باخ وفاجنر وبيتهوفن ولم يقدم هؤلاء سوى صوت ارتطام الأحذية على الأرضيات الصلبة كناية عن العسكري الذي كان يحرسه .. وكانت سفارة الاكوادور قد حذرته مرارا وتكرارا بلم لسانه احتراما لأعراف الحصانة بعد أن أحدث ضجة إعلامية كبرى سيما بزيارة المشاهير له لسماع محاضراته وكان منهم المغنية لادي جاجا والممثلة باميلا اندرسون ولكن بسبب تماديه سحبت منه الحصانة فغادر السفارة مكرها فالتقطته الشرطة البريطانية وأودعته أحد السجون جنوب شرق لندن حيث مكث فيه 5 سنوات يقاوم تسليمه الى أمريكا .

(6)
أخيرا وبعد لقاءات كثيفة كانت تطبخ منذ مارس الماضي على نيران هادئة في العاصمة كانبيرا تمكن رئيس الوزراء الأسترالي وقتها أنطوني البانيس الذي فاز بانتخابات عام 2022 من تأمين إطلاق سراحه بسبب المدة الطويلة التي قضاها وراء القضبان.

(7)
صدقوني إذا زار أسانج السودان لوجد أذرعا مفتوحة من الضحايا والحيارى تنتظره للدخول في ملفات السودان والأمارات وتشاد وأوغندا كشفا عن أطنان الذهب التي تدخل شهريا الخزانة الاماراتية من عائدات جبل عامر وغيرها التي وضعت عصابات الدعم السريع يدها عليه .. وتتوالى الأسئلة ما الذي جعل الأمير الابن عاقا على والده ويقلب ظهر المجن على البلد الذي كان وراء نهضته سواعد الكفاءات السودانية؟ ألم يسمع كلمات مناشدة والده تسقط على أذن كمال حمزة (عايزك تعمل لي دبي مثل الخرطوم) ثم كم تحصل كل من تشاد وأوغندا من الشحنات الإماراتية التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب .. وأخيرا لماذا لعب البرهان دورا محوريا في صنع فريق أول خلا (حميدتي) .. لماذا خرج على الوثيقة الدستورية وتبرع عليه برتبة النائب الأول لمجلس السيادة ثم سلمه كل الوزارات السيادية والمرافق الهامة والقواعد العسكرية قبل أن يعلن عليه الحرب الضروس ويطلقه حية رقطاء تغرس السماء في جسد أبناء السودان؟

(8)
نحن في انتظارك على أحر من الجمر في سودان المليون ميل مربع والذي حولته الصراعات العبثية الصفرية المجنونة الى أضيق من قد الابرة فلا تخذلنا يا جوليان أسانج .

oabuzinap@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • 25 نازحا سودانيا فروا من الحرب فغرقوا في النيل الأزرق
  • تعرف على إيرادات أمس لفيلم "أهل الكهف"
  • إقليم النيل الأزرق يستقبل 700 ألف نازح والحاكم يؤكد الاستقرار الأمني
  • المجرم جوليان أسانج مرحبا بك في السودان !
  • السودان.. الفارون من قتال سنار وسنجة يواجهون اوضاعا مأساوية
  • مشروع سلسلة مراجعات في تاريخ السودان
  • مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان عزت زين في افتتاح دورته السابعة عشرة
  • أمريكا وإسرائيل.. حكاية حبّ يجب أن تُروى.. في السياسة لا بدّ من الإيضاح
  • البخاري: سنقدم مساهمة مالية بقيمة عشرة ملايين دولار من خلال مركز الملك سلمان