رواندا.. دولة أفريقية نهضت من وحل العنف القبلي
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
دولة تقع شرق وسط القارة الأفريقية، وتتميز بتضاريسها المرتفعة حتى اشتهرت بلقب "بلد الألف تل". تتعايش فيها عدة ديانات وعرقيات، وتعرضت للاستعمار الألماني والبلجيكي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وبعد استقلالها عانت من العنف القبلي والفساد السياسي والاقتصادي، لكنها استطاعت أن تتجاوز هذا الوضع وتحقق نهضة اقتصادية ملفتة.
الاسم: جمهورية رواندا.
الاسم المختصر: رواندا.
العاصمة: كيغالي.
الأقاليم والتقسيمات الإدارية: استبدل الهيكل السابق المكون من 12 مقاطعة بخمس مقاطعات منذ عام 2006، وهي: مقاطعة كيغالي بالوسط وعاصمتها كيغالي، المقاطعة الجنوبية وعاصمتها نيانزا (رواندا)، المقاطعة الغربية وعاصمتها كيبوي، المقاطعة الشمالية وعاصمتها بيومبا، المقاطعة الشرقية وعاصمتها روامغانا.
المساحة: تبلغ مساحة رواندا 26338 كيلومترا مربعا، أي (10169 ميلا مربعا) من الأرض.
مشهد عام للعاصمة الرواندية كيغالي (شترستوك)اللغة: اللغة الرئيسية للبلاد هي كينيارواندا (لغة أفريقية يتحدث بها جميع الروانديين تقريبا، كما تتحدثها أيضا فئات عريضة في دول مجاورة مثل بوروندي وأوغندا والكونغو الديمقراطية)،
وتعد أيضا الإنجليزية والفرنسية والسواحيلية لغات رسمية، فاللغة الإنجليزية هي الوسيلة الأساسية للتدريس في التعليم الثانوي والعالي.
والسواحيلية هي اللغة المشتركة لشعوب شرق أفريقيا، ويتحدث بها البعض أيضا لغة ثانية، ولا سيما اللاجئون من أوغندا وكينيا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية، وبعض أهل المناطق الحدودية مع هذه الدول. وفي عام 2015، أصبحت اللغة السواحيلية مادة إلزامية في المدارس الثانوية.
تاريخ الاستقلال: فقدت ألمانيا، السلطة الاستعمارية السابقة، سيطرتها على رواندا خلال الحرب العالمية الأولى ثم وضع الإقليم تحت الإدارة البلجيكية. وفي 1 يوليو/تموز 1962 حصلت رواندا على استقلالها.
التوزيع العرقي: يشكل الهوتو نحو 84%، فيما تبلغ نسبة التوتسي حوالي 15%، و1% عرقيات أخرى.
النظام السياسي: جمهوري رئاسي موحد مع برلمان من مجلسين.
العملة: الفرنك الرواندي.
العلم: يتكون علم جمهورية رواندا من ثلاثة أشرطة أفقية، أعلاها بلون السماء (عرضه ضعف الشريطين الآخرين)، ثم الأصفر، فالأخضر. وعلى الجهة اليمنى من الشريط الأزرق شمس ذهبية ساطعة بها 24 شعاعا.
مشهد من العاصمة كيغالي عام 2006 حيث تم تشييع رفات 600 من ضحايا الإبادة الجماعية التي حدثت عام 1994 (رويترز) الموقعتقع رواندا شرق وسط القارة الأفريقية، وتحديدا في منطقة البحيرات العظمى. تحدها شرقا تنزانيا وشمالا أوغندا وغربا الكونغو الديمقراطية وجنوبا بوروندي.
الجغرافياتضاريس جمهورية رواندا، في معظمها، جبال وتلال تكسوها الحشائش والأشجار، ويأخذ ارتفاع هذه التضاريس في الانخفاض التدريجي من الغرب إلى الشرق.
تنحدر أدنى نقطة من أراضي جمهورية رواندا إلى 950 مترا فوق مستوى سطح البحر، في نهر روسيزي، بينما سُجلت أعلى نقطة في قمة جبل فولكان كاريسيمبي، ويصل ارتفاعها إلى 4519 مترا فوق مستوى سطح البحر.
وتعتبر رواندا جمهورية حبيسة، أي أنه ليس لها أي منافذ بحرية، ومعظم أراضيها مليئة بحشائش السافانا، ويغلب على سكانها الطابع الريفي.
وتعد رواندا رابع أصغر دولة في البر الرئيسي الأفريقي بعد غامبيا وإسواتيني وجيبوتي، وهي مماثلة في الحجم لبوروندي وهايتي وألبانيا.
السكانيصل عدد السكان في رواندا إلى نحو 14.5 مليون نسمة (وفقا لتقديرات عام 2024).
وتتنوع الديانات في رواندا، إذ إن 56% من سكانها روم كاثوليك، و39.4% بروتستانت، و4.5% ينتمون إلى طوائف مسيحية أخرى، كما أن نحو 1.8% من السكان مسلمون، إضافة إلى ديانات أخرى.
التاريختسكن رواندا قبيلتان رئيسيتان هما: الهوتو، وهي القبيلة الأكبر بنسبة تصل إلى 85% من عدد السكان، وتليها قبيلة التوتسي بنسبة تصل إلى 14%، وتتقاسم نسبة 1% المتبقية فئات أخرى مختلفة.
قبل استعمار رواندا عاشت قبيلتا الهوتو والتوتسي معا يحكمهما ملك يدعى "موامي"، واشتغلت الأولى غالبا بالزراعة، والثانية بتربية المواشي.
وعلى الرغم من أن المجموعتين العرقيتين متشابهتان للغاية، من حيث اللغة التي تتحدثان بها ومناطق سكنهما والتقاليد التي تتبعانها، لكن ذلك لم يجنبهما المصير الدموي.
ولطالما كانت هناك خلافات بين أغلبية الهوتو وأقلية التوتسي في رواندا، لكن العداء بينهما ازداد بشكل كبير منذ الفترة الاستعمارية.
حقبة الاستعماربدأ استعمار روندا مع الألمان أواخر القرن الثامن عشر، وعززوا حكمهم آنذاك باستمالة عرقية التوتسي وزعمائها، ثم وصل المستعمر البلجيكي بعد الحرب العالمية الأولى في عام 1916، وبنى سياسته على الفصل العنصري، إذ أصدر بطاقات هوية تصنف السكان وفقا لعرقهم، واستحدث نظام هوية جديدا يعتمد على تقسيم الروانديين بناء على شكلهم، بمعايير شملت قطر الرأس وشكل الأنف وطول القامة.
قمع البلجيكيون عرقية الهوتو وشغلوا أفرادها مزارعين لديهم، واستغلوا عرقية التوتسي في قمعهم واضطهادهم، ورحب التوتسي بهذا التمييز، وعلى مدى السنوات العشرين التالية تمتعوا بوظائف وفرص تعليمية أفضل.
كما منح الاستعمار البلجيكي التوتسي السيطرة على الكنيسة، فأصدروا أول صحيفة باسم "كينياماتيكا" استخدمت للتحريض ضد الهوتو والتشكيك في مواطنتهم وفي انتمائهم إلى رواندا.
تراكم الاستياء وسط الهوتو تدريجيا، وبلغ ذروته في سلسلة من أعمال الشغب في عام 1959، قُتل فيها أكثر من 20 ألفا من التوتسي وتمت الإطاحة بهم من الحكم، وأحرقت بيوتهم وقتلت ماشيتهم وفرّ كثيرون منهم إلى البلدان المجاورة مثل بوروندي وتنزانيا وأوغندا.
رواندا بعد الاستقلالتخلّت بلجيكا عن السلطة ومنحت رواندا الاستقلال في عام 1962، وسيطر الهوتو على السلطة وزاد التحريض ضد التوتسي، خصوصا مع صعود الرئيس جوفينال هابياريمانا إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1973.
وفي الوقت نفسه كان اللاجئون التوتسي في أوغندا -بدعم من بعض الهوتو- يشكّلون الجبهة الوطنية الرواندية، وكان هدفهم الإطاحة بهابياريمانا وتأمين حقهم في العودة إلى وطنهم، ودخلوا إلى رواندا عام 1991 في هجوم قتل فيه زعيمهم "فريد رويجياما"، ثم انتقلت القيادة وقتها إلى بول كاغامي، الذي أعاد تنظيم الجبهة ثم عاود الهجوم مرة أخرى، ووصل قرب العاصمة كيغالي.
ولكن في أغسطس/ آب 1993، بعد هجمات عدة وأشهر من المفاوضات، تم توقيع اتفاق سلام عرف باسم "اتفاقية أوشا" بين هابياريمانا والجبهة الوطنية الرواندية، لكنه لم يفض فعليا إلى وقف الاضطرابات.
بداية المذبحةفي 6 أبريل/نيسان 1994 أُسقطت طائرة تقل الرئيس الرواندي هابياريمانا والرئيس البوروندي سيبريان نتارياميرا فوق كيغالي، وقتل كل من كان على متنها، ولم يعرف بالضبط لغز إسقاط تلك الطائرة أو المتورطين فيه، إلا أن وسائل الإعلام المحلية وجهت أصابع الاتهام للتوتسي واتهمتهم بالضلوع في اغتيال الرئيس وحثت الهوتو على "التدخل والقيام بواجبهم".
كانت جرائم القتل ممنهجة، فبعد ساعات على سقوط طائرة الرئيس، اغتالت قوات الأمن رئيسة الوزراء، وهي من الهوتو "المعتدلين"، و10 من قوات حفظ السلام البلجيكية المكلفة بحمايتها في منزلها يوم 7 أبريل/نيسان 1994.
جزء من الأسلحة التي صادرتها حكومة الكونغو من بعض المتورطين في الإبادة الجماعية برواندا (رويترز)ثم تعاونت القوات الحكومية مع مليشيا مسلحة من الهوتو تعرف باسم إنتراهاموي -وهو اسم يعني باللغة المحلية "أولئك الذين يهاجمون معا"- وأقامت حواجز على الطرق في كيغالي، وبدأت في مهاجمة التوتسي والهوتو "المعتدلين"، وسرعان ما انتشر القتل إلى مدن أخرى.
كان الجنود يفتحون النار على الحشود، بينما كان مسلحون بالعصي والأسلحة البيضاء يتنقلون بين المنازل مستهدفين التوتسي ومن يحاول حمايتهم أو تقديم الملاذ لهم، واغتصبوا النساء ونهبوا الممتلكات، كما ارتكبوا أعمال قتل جماعية في الملاعب أو المدارس.
انتهت أعمال القتل بعد 100 يوم في 4 يوليو/تموز 1994 عندما سيطرت الجبهة الوطنية الرواندية على كيغالي، وخوفا من الانتقام فر الهوتو الذين شاركوا في الإبادة الجماعية إلى الكونغو الديمقراطية، في حين نهب مسؤولون خزائن الدولة وفروا إلى فرنسا.
وقالت الأمم المتحدة إن 800 ألف رواندي قتلوا في الإبادة الجماعية التي استمرت 3 أشهر، لكن تقديرات أخرى تشير لمقتل نحو 500 ألف شخص، أما الحكومة الرواندية فتقدر عدد الضحايا بأكثر من مليون شخص.
في يوليو/تموز من العام نفسه، استولت الجبهة الوطنية الرواندية على كيغالي بدعم من الجيش الأوغندي، وانهارت الحكومة وأعلنت الجبهة وقف إطلاق النار، وبعدها فر ما يقدر بنحو مليونين من الهوتو إلى الكونغو الديمقراطية.
تلا ذلك تشكيل الحكومة برئاسة باستور بيزيمونغو، وهو من الهوتو، وعين كاغامي نائبا له، ولكن بيزيمونغو اضطر إلى الاستقالة بعدما لم يجد حلا لوقف أعمال العنف والفوضى، وأصبح كاغامي رئيسا للبلاد، وبدأت بعدها حقبة جديدة في رواندا.
رواندا كاغاميانتقل كاغامي إلى الرئاسة وقيادة البلاد عام 2000، وانتقلت رواندا من حمية العنف القبلي والدماء والقتل إلى مسار المصالحة والوحدة والتنمية، إذ وضع كاغامي أمامه هدفين رئيسيين هما: اقتلاع الفقر من بلاده، وتوحيد شعبه الذي قسمته المذبحة.
من أجل ذلك وضع كاغامي خطة من أربعة بنود للتغلب على آثار تلك الإبادة:
محو الذكريات البشعة المرتبطة بالمذبحة، حيث أعلن حدادا سنويا، يلقي خلاله خطابا تذكاريا يضع فيه هدفا سنويا لتوحيد الروانديين حوله. تثقيف الشباب عن طريق التعليم وتدريس أسباب الإبادة وكيفية محوها وتلافي تكرارها. تحقيق العدالة لأولئك الذين تضرروا جراء تلك المذبحة، وتقديم كبار المجرمين للمحاكم الدولية، وإعادة تأهيل المشاركين بالمذبحة ودمجهم في المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة. وضع علم ونشيد وطني جديد لتوحيد الروانديين، ودستور جديد يحظر استخدام المسميات العرقية مثل الهوتو والتوتسي في أي خطاب.بعد الجهود المبذولة لتوحيد الروانديين والتصالح بين الفئات المختلفة وجهت الحكومة طاقتها للاقتصاد، ووضعت "رؤية 2020″، التي شملت 44 هدفا في مجالات مختلفة.
وانتقلت رواندا بعدها من أمة تعيش تحت خط الفقر إلى متوسطة الدخل في تطور وصف أنه الأسرع في العالم، وأصبحت إحدى أفضل البيئات لتأسيس الشركات الناشئة، وتضاعف حجم الاقتصاد الرواندي 3 مرات خلال 15 عاما، مع نمو وصل إلى 8% سنويا.
أبرز المعالمأصبحت رواندا بعد نهضتها واجهة سياحية هادئة وجاذبة، ومن أبرز معالمها:
حديقة البراكين الوطنية: تقع في شمال غرب رواندا، وتضم خمسة براكين في جبال فيرونجا، وهي كاريسيمبي، بيسوك، موهابورا، جاهينجا، سابيينيو. ويبلغ ارتفاع هذه البراكين ما بين 3500 و4500 متر فوق مستوى سطح البحر، ولم تعد هذه البراكين نشطة، لكنها لا تزال تتمتع بجمال طبيعي رائع. النصب التذكاري للإبادة الجماعية في كيغالي: نصب تذكاري أقيم تخليدا لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية، ويوجد به مركز للزوار يوفر معلومات حول خلفية تلك الإبادة وتأثيراتها. حديقة غابة نيونغوي الوطنية: تعد أكبر مساحة من الغابات في رواندا، وهي واحدة من أهم النقاط الكبرى للتنوع البيولوجي في أفريقيا. متحف قصر الملك: وهو موقع تاريخي يقع في المقاطعة الجنوبية لرواندا، وكان مقر إقامة ملوك رواندا السابقين، وتحول إلى متحف يعرض الثقافة الملكية التقليدية للبلاد. حديقة أكاجيرا الوطنية: وهي منطقة محمية تقع في شرق رواندا، وتشتهر بمناظرها الجميلة وحياتها البرية المتنوعة. بحيرة كيفو: بحيرة كبيرة للمياه العذبة تقع على حدود رواندا والكونغو الديمقراطية، وتشتهر بمناظرها الخلابة وشواطئها ورياضاتها المائية، بما في ذلك التجديف بالكاياك وصيد الأسماك والسباحة. متحف التحرير الوطني: هو متحف يقع في كيغالي ويعرض تاريخ كفاح رواندا من أجل الاستقلال. يضم مجموعة من القطع الأثرية والمعارض والعروض التفاعلية التي تقدم نظرة ثاقبة على تاريخ البلاد وتقاليدها. الكنيسة والنصب التذكاري لمذبحة نياما: كنيسة تاريخية تقع في المقاطعة الجنوبية لرواندا. شهدت مذبحة مأساوية خلال الإبادة الجماعية عام 1994، وفيها الآن نصب تذكاري للضحايا. جانب من حديقة غابة نيونغوي الوطنية في رواندا (شترستوك) الاقتصادأصبحت رواندا صاحبة أحد أسرع الاقتصادات نموا في القارة السمراء منذ تولي كاغامي السلطة، ويعتمد اقتصاد البلاد على الزراعة وتربية الحيوانات والتعدين والسياحة.
وتشكل الزراعة والغابات وصيد الأسماك 29% من الناتج المحلي الإجمالي، مع مساهمة المحاصيل الغذائية بنسبة 17%، بينما يشكل القطاع الصناعي 18% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد البناء (7%) والتصنيع (6%) أكبر حصص فيه.
ووفقا لأرقام المعهد الوطني للإحصاء في رواندا، حقق الاقتصاد الرواندي نموا بنسبة 5.9% عام 2016، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 9 مليارات دولار.
ووصل حجم التجارة إلى 603.44 مليون دولار، فيما بلغت قيمة واردات البلاد في ذلك العام 439.30 مليون دولار، وقيمة الصادرات 164.14 مليون دولار، وتبلغ نسبة التجارة مع تركيا 10% من إجمالي تجارة رواندا الخارجية.
وتعتبر القهوة والشاي العمود الفقري للبلاد، إذ تصدّرا قائمة الصادرات الرواندية خلال العام 2016، وجاء الذهب في المركز الثالث.
وجذبت الإصلاحات التجارية التي طبقتها الحكومة الرواندية بعد المصالحة اهتمام العالم، كما نالت إشادة البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية.
وأصبح "مركز كيغالي للمؤتمرات" والفندق المجاور له بمثابة رمز لرواندا، وأنشأت شركة "صونما جروب" التركية للبناء المركز الذي بلغت تكلفته حوالي 300 مليون دولار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الکونغو الدیمقراطیة الإبادة الجماعیة جمهوریة رواندا ملیون دولار التوتسی فی فی رواندا من الهوتو فی عام
إقرأ أيضاً:
شهادات: المعاقون لم يسلموا من حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة
أكد شهود عيان أن عددا من ذوي الإعاقة لم يسلموا من حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتحدث الشهود، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن الصعوبات البالغة التي واجهها معاقون خلال تلك الحرب خصوصا فيما يتعلق بأوامر الإخلاء والنزوح من مكان إلى آخر.
وكشفت فترة وقف إطلاق النار عن جثث العديد من هؤلاء وبعضهم قد أطلق الرصاص على رأسه، فيما وجدت إحدى المعاقات ملقاة بين الأشجار.
في بلدة القرارة شمال خان يونس، عثر فلسطينيون على جثمان الشاب باسم أبو حليب الذي كان يعاني من إعاقة ذهنية جراء التعذيب الذي تعرض له من قبل قوات الاحتلال في حربها على القطاع عام 2014.
ونقلت "وفا" عن المسعف محمد أبو لحية قوله إن منطقة السريج الذي عثر فيها على جثمان أبو حليب تقع شرق القرارة، وكانت تتعرض لقصف الاحتلال المدفعي وإطلاق النار قبل الحرب، وذلك عندما يقترب صيادو العصافير ورعاة الأغنام من السياج الحدودي.
وأوضح أنه وبعد تفحص جثمان الشهيد، تبين أنه تعرض لإطلاق نار على الرأس مباشرة، ما أدى إلى استشهاده.
من جانبه، قال شقيق الشهيد حازم إن شقيقه خريج جامعة وكان إنسانا مهذبا ولكن في حرب عام 2014 اعتقلته قوة خاصة من جيش الاحتلال بالقرب من منزله واعتدت عليه بالضرب المبرح وتركه الجنود وهم يعتقدون أنه مات.
وأوضح أن طواقم الإسعاف تمكنت من انتشاله واكتشفت أنه حي بعد أن نجا من موت محقق، لكن الاعتداء خلف له إعاقة ذهنية.
وأضاف: "كان لا يؤذي أحدا ولكن لا يفهم ما يدور حوله، وفقد قدرته على الحوار مع الآخرين، حيث أصبح يردد بعض الكلمات التي لا تشكّل جملا مفيدة وأصبح يعاني من فرط الحركة".
وأشار إلى أنه في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024 الماضي، أعلن جيش الاحتلال الجزء الغربي من بلدة القرارة "منطقة إنسانية"، فعادوا إلى منزلهم واستقروا فيه، ليفاجأوا بأوامر إخلاء من الاحتلال لمنطقتهم، وافتقدوا أخاه باسم وبحثوا عنه كثيرا إلا أن محاولاتهم كافة باءت بالفشل.
وقال أبو حليب إن أخاه عندما يشعر بالخوف يبدأ بإصدار أصوات قد يكون هدفها طمأنة نفسه أو لفت انتباه الآخرين، وإنه وفقا لشهود عيان في منطقة شرق القرارة سمعوا صوته في بداية العام الحالي يسير باتجاه الغرب.
وأكد أن عددا من الأشخاص الذين تمكنوا من الوصول للمنطقة عثروا على جثمان شقيقه وقد تعرض لعدة طلقات نارية في أماكن متفرقة من جسده، وفقا لتقديراتهم أنها أطلقت عليه من مكان قريب، ما يعني أنه أعدم بدم بارد.
وفي جريمة مشابهة، استشهد الفلسطيني حسن جرير (64 عاما)، الذي كان يعاني من إعاقة ذهنية وفقدان النطق.
شقيق ياسر، قال إنه تم العثور على شقيقها الأكبر حسن في منطقة أبو العجين شمال القرارة، وقد دفنت جثته تحت أنقاض منزل هدمته جرافات الاحتلال وهو بداخله، بحسب "وفا".
وأوضح جرير أن شقيقه حسن لم يكن يستوعب ما يدور حوله بسبب الإعاقة، ولا يؤذي أحدا أو يعتدي على أحد، يجلس فترات طويلة في المنزل حتى إن شعر بالجوع لا يمكنه التعبير، لذلك كان يحتاج لرعاية خاصة.
وقال: "كانت أسرتي تقيم في خيمة على بحر القرارة، وكان أخي نائما داخلها، وبعد فترة ليست بالقليلة ذهبت زوجتي لتفقده لتفاجأ أنه ليس موجودا وأنه بعد بحث طويل لم يجدوه".
وأكد جرير أن بعض أقاربهم أكدوا أنهم رأوه متجها إلى منطقة شمال القرارة، وحاولوا النداء عليه للرجوع إلا أنه لم يسمع منهم ولم يتمكنوا من اللحاق به، خاصة أنه دخل في منطقة خطر حذرت قوات الاحتلال من دخولها.
وأشار إلى أن شقيقه اختفى قبل بداية "وقف إطلاق النار" بأقل من شهر، وأنه ذهب لمنزلهم القريب من "السياج الفاصل" لتخرج جرافة ترافقها دبابة وتهدم البيت على من بداخله.
وأكد جرير أن أحد جيرانه كان مختبئا في منزله ومن شدة خوفه لم يتحرك، مؤكدا أن جرافة الاحتلال هدمت المنزل على من بداخله وأن شقيقه كان بالداخل.
وقال: "تمكنت طواقم الإنقاذ بعد عدة محاولات من الوصول إلى المكان، وعثرت على جثة شقيقه تحت أنقاض المنزل".
أما الفلسطيني عبد الجابر والذي يعرفه معظم أبناء خان يونس حيث كان يقف دائما وسط المدينة بمظهره المميز وصوته المعروف لدى الكثيرين "بدي شيكل"، وكان قنوعا يرفض أي مبلغ أكبر من الشيكل.
ويقول جار عبد الجابر، كريم صادق: "عندما صدر أمر إخلاء مدينة خان يونس، خرج الجميع ولم نعد ندري شيئا عنه، فهو يرفض الجلوس في منزل، ورغم محاولات أهله الدائمة بإقناعه العيش معهم إلا أنه ما يلبث أن يهرب ليعود لمكانه".
وأضاف: "خرجنا من خان يونس وانقطعت أخبار عبد الجابر وكنّا نسمع أنه استشهد ولم نتأكد من مصداقية الخبر".
وأشار إلى أنه في شهر نيسان/ أبريل الماضي وعقب إعلان جيش الاحتلال انتهاء عدوانه البري في مدينة خان يونس، عاد الناس لبيوتهم ووجدوا أشلاء وجثث في الطرقات والمنازل.
وأكد صادق أن بعض المواطنين عثروا على جثة عبد الجابر معلقة على أحد الأعمدة، الأمر الذي يدل على أنه تعرض للتعذيب والشنق على يد قوات الاحتلال.
أما "هندة" (50 عاما) التي عرفها أهالي منطقة القرارة جيدا، حيث كانت تجوب الشوارع وتطرق المنازل تطلب الطعام فقط ولا تقبل أن تأخذ مالا، فهي من الصم والبكم ولا أحد يعرف من عائلتها وكيف وصل بها الحال لذلك.
وقال حسن أبو جميزة إنه منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار عاد لمنزله في القرارة ليجد جثة هندة ملقاه بين الأشجار التي اقتلعتها جرافات الاحتلال.
وأكد أبو جميزة أن هندة، وهذا الاسم الذي أطلقه عليها أهالي المنطقة، يبدو أنها تعرضت لإطلاق نار وقد تكون تعرضت للدفن وهي ما زالت على قيد الحياة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حذر خبراء أمميون مستقلون من أن الفلسطينيين ذوي الإعاقة يواجهون مخاطر حماية لا تطاق، بما في ذلك الموت والإصابات التي لا مفر منها، وسط هجمات عشوائية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي دمرت البنية التحتية الحيوية، وقضت على إمكانية المساعدة الإنسانية.
وقال الخبراء المستقلون في بيان: "إن مأساة داخل مأساة تحدث في غزة، حيث تركت حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأشخاص ذوي الإعاقة بلا حماية تماما. يُقتل ويُصاب الأشخاص ذوو الإعاقة بهجمات عشوائية على الرغم من عدم تشكيلهم أي تهديد أمني، مما يجسد الهجوم المتعمد على المدنيين من قبل إسرائيل".
ولاحظ الخبراء أن أوامر الإخلاء المتعددة تجاهلت تماما الأشخاص ذوي الإعاقة الذين غالبا ما يواجهون صعوبات بالغة في اتباع التعليمات أو فهمها.
وأضافوا: "لقد كانوا في وضع مستحيل إما أن يتركوا منازلهم والأجهزة المساعدة التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة أو يبقوا بدون عائلاتهم ومقدمي الرعاية ويتعرضون لخطر متزايد من القتل. أثناء محاولات الإخلاء، تتعرض النساء والفتيات ذوات الإعاقة بشكل خاص لمخاطر متزايدة وصدمات نفسية أخرى".
وحذر الخبراء الحقوقيون من أن الحواجز المادية والمعلوماتية وحواجز التواصل تجعل من المستحيل تقريبا على الأشخاص ذوي الإعاقة الوصول إلى المساعدات الإنسانية النادرة للغاية المتاحة، حيث تواجه النساء والفتيات ذوات الإعاقة تحديات مركبة تزيد من عزلتهن.
وشددوا أنه مع انهيار النظام الصحي في غزة وعدم توفر الإمدادات الطبية، رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إنشاء نظام للإجلاء الطبي ولم تسمح بدعم منقذ للحياة، حتى يتمكن الآلاف من الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة الأطفال، من الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها بشدة.
ونبهوا إلى أن الفلسطينيين ذوي الإعاقة، بما في ذلك الأطفال والنساء والفتيات وكبار السن، يواجهون أذى نفسيا شديدا وصدمات نفسية، وأن الأشخاص ذوي الإعاقات الفكرية والنفسية الاجتماعية هم أيضا في مواقف هشة للغاية.
وقبيل اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، بلغ عدد ذوي الإعاقة نحو 68 ألف معاق في القطاع، أي ما نسبته 2.6% من إجمالي السكان.