عائشة السريحية
"إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ"، هكذا أُلقي الخطاب على بلقيس ملكة سبأ، وهكذا بدأ الحوار السياسي.
اليوم جاء الخطاب، إنِّه من "الآيباك" (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية) وإنه باسم الشيطان الرجيم، خطاب بلا هُدهد ولا جان، صيغت أجنداته لخلق الحروب والدمار، تتراقص على ديدن الطامعين في الثروات، وتحرق الدم وقودا لصناعة الأموال، بطرق تجاوزت البراجماتية والميكيافيلية، فلا يهمها كم دم يُسفك، أو كم روح تُزهق، خططٌ تُحاك أسفل الطاولات، واتفاقيات سوداء تُبرم، بالابتزاز أو الطمع على أعلى المستويات، تمارس مهامها في كواليس ودهاليز الدول، وفي ظلال تكاد لا تُرى، لكنها واضحة جليًا للمبصرين.
"الدولة العميقة"، المُتستِّرة خلف صناديق الاقتراع، تختار هذا وترشح هذا وتصوت لهذا، فلا خيارات غير خياراتها، تلك الجذور المنغرسة في جسد القرار العالمي، اليد الخفية، التي أصيبت مُؤخرًا بالجنون.
في أمريكا بايدن وترامب، يتقاتلان في مناظرة لإثبات من يحب إسرائيل أكثر، وكما غناها الفنان السعودي محمد عبده "اختلفنا مين يحب الثاني أكثر، واتفقنا إنك أكثر وأنا أكثر".
تابعت بتحليل عميق، القرارات الدولية، والخطوات السياسية والعسكرية، والخطط الإعلامية، وكل ما يقوم بعمله هذا اللوبي، واتضحت مسارات اتخاذ القرار التي لا تخرج إلا من تحت يديه، فكان يقينًا أنه لا يهتم بيهودية ولا مسيحية ولا إسلام، هو لوبي صهيوني تحالفت فيه مجموعات بانتماءات مختلفة، تشابهت أفكارهم وخططهم وسخروا إمكانياتهم المادية والسياسية التي بنيت على الابتزاز الاقتصادي لمعظم شخصيات ودول العالم، لهدف واحد، هو تجديد الموارد المالية والاستمرارية، فهم لا يسمحون بإنفاق الدولارات من محفظتهم الخاصة؛ بل يسرقون الهدف ويدمرونه بماله، ثم يتم الاستيلاء على مصادر الثروة فيه.
بل إن دول العالم الثالث صارت تخشى أن تفصح أرضها عن امتلاك ثروة، ونفط، وغاز، وذهب، ويورانيوم، وليثيوم أو حتى موقع استراتيجي؛ لأن النعمة تتحول لنقمة فيسيل لعاب مصاصي الدماء الذين يرتدون البراندات الغالية، ويتعاملون بالإتيكيت، ويتوشحون رداء منظمات حقوق الإنسان والحيوان.
هذه الدولة العميقة استغلت وجود اليهود فيها، فهم المحرك الأول الذي أدار العجلة الدموية للمال، منذ وعد بلفور، في سرقة أرض ليست لهم، لإنشاء منصة استعمارية تلتهم الجميع، وجمعوا كل اليهود من كل مكان في العالم في فلسطين بدعوى أنها "أرض الميعاد"، رغم علمهم جيدًا أن الأمر لن يبقى طويلًا، فهي مُقامرة دخلوها، فإن صابت ونجحت، عليهم الانتقال للمرحلة الأخرى وهي الاستعباد الاقتصادي والسياسي للدول المحيطة، لخدمتها، بحيث تصبح الدول في المنطقة غير قادرة على الاستغناء عن دور هذه الدولة العميقة، وتحولها لواحات استهلاك بشري، للأكل والشرب والدواء والتجارب والدراسات، ومصدرًا للثروات الخام بعد أن يتأكدوا من حجم ما تمتلكه هذه الدول المستهدفة من ثروات حقيقية، ولا يأتي ذلك إلا بأبحاث ودراسات مُطوَّلة، في ظل رعاية وحماية الدول المستهدفة، التي قد لا تعي أنها موضوعة على قائمة طعام هذه الدولة العميقة في الغرب، نتيجة لما يتلقوه من وعود فارغة.
وإن لم تفلح في تدجينها، فإنها تلجأ للضغط السياسي والعسكري والحربي، فتبدأ بتنفيذ أجندة افتعال الفتن الداخلية وتأجيج الصراع أيًّا كان نوعه: ديني أو عرقي أو مذهبي أو جهوي أو مناطقي، لا يهم نوعه، ولكن المهم كيفية إذكاء ناره، فيرسلون جواسيسهم لن تجد ألطف منهم لدراسة المجتمع دراسة عميقة، والتعرف على نقاط الخلاف بين أطيافه، ثم ترفع هذه الدراسات لوضع خطط مناسبة لها، لاستقطاب مسعري الفتن فيها، ثم تبدأ مرحلة الهندسة الاجتماعية، صنع نماذج مؤثرة، وعرضها على وسائل الإعلام، وفتح منابر لها للفتنة، كي يبدأ أفراد المجتمع بالتعاطي السلبي والإيجابي معها، ثم تعظم مواطن الخلافات، عن طريق ما يسمون بالذباب الإلكتروني، ونبدأ بسماع تراشق الاتهامات، لتفتعل شرارة البدء بعد أن يصل المجتمع لمرحلة نضوج المحصول، وأقصد حين يخون الجميع بعضهم، وحينها تنشأ مليشيات وعصابات، حسب الميول والانتماء، يتم ضخ المال لها والسلاح، ويبدأ المجتمع بتدمير نفسه، دون أن يعي أنه ينفذ حربًا بالوكالة.
وحين يصل المجتمع لمرحلة مناسبة من الفوضى والتدمير، تعمل هذه الدولة العميقة في استخدام ممثليها السياسيين في الغرب، للتدخل والدخول للدول والمجتمعات المنكوبة، بدعوى مساعدتها ومن ثم السيطرة لسرقة ثرواتها وتحقيق الأهداف بكل سهولة ويسر في ظل غياب الدولة والنظام والقانون. فترى سيطرتها الحقيقية على منابع الثروات، تاركة البلد متخبطا مابين قتل وتفجير وتدمير، بينما مناطق الثروات محمية.
الشرق الأوسط هو أهم مصادر الثروة في العالم، يمتلك الموقع الاستراتيجي وسط العالم، من نفط وغاز وذهب ويورانيوم، وبنى تحتية جاهزة، ومستقبل الغرب، وحديقته الغناء، الآيباك ليس كما قلنا يهوديًا؛ بل نسيج استعماري، وهذا ما لاحظناه من خلال ما حدث مؤخرًا في الدول التي تقع تحت سيطرته.
ولأن الأمر يشبه قائمة الطعام، فإن بعض المجتمعات تظن لو أنها قدمت الولاء والطاعة فذلك سيضمن لها ديمومة السلام والتقدم، إلّا أن الأمر مسألة وقت، وككرة الثلج التي تبدأ صغيرة ثم تلتهم مابطريقها لتصبح عملاقة جدا تلتهم كل شيء.
وبالعودة للوبي الصهيوني أو مايسمى الأيباك، فإننا نتساءل: لماذا الغالبية العظمى في مجلس الشيوخ الأمريكي مدعومون بشكل مباشر من الآيباك؟ ولماذا يُحارَب من لم يُصعِّدونه هم، وكيف ينتهي الأمر باستقالة كل من كان لا يرى نفسه عبدًا مملوكًا لهذا اللوبي؟
ولماذا رغم الحرية الديمقراطية لا نجد سوى خيارين فقط لحكم البيت الأبيض، الديمقراطي أو الجمهوري؟!
لا ننسى أيضًا أن البيت الأبيض، يُبرر ما تفعله إسرائيل من قتل وتدمير رغم رفض الشارع الأمريكي لذلك؛ بل ويتغابى لجعل الأمر اعتياديًا وأن الحقيقة هي ما يريده اللوبي لا ما يريده الشعب. وهذا ما نراه متكرر الحدوث في عدة دول غربية وكأن زعيمهم جميعًا واحد.
واقع الحرب بالوكالة، يوفر على الدولة العميقة الخوض في حروب مباشرة قد تؤثر عليها على المدى البعيد والقريب، لذلك تستخدم الأدوات، ومن مبدأ نفذ أجندتي لأحمي مصالحك، أو أجعلك شريكا في المنفعة ، أو مجبرًا لا خيار لك.
بعد معركة طوفان الأقصى لم يعد هناك صندوق أسود مخفي، فقد تم البث ليصبح كيوم القيامة، صحى على إثره الملايين، إلّا أن هناك من مازال تأثير المنوم مُسيطرًا عليه فيتخبط كالذي يتخبطه الشيطان من المس.
قيل إن الفارق بين العرب والغرب نقطة، وهذه النقطة يبدو أنها تتجاوز الخوف من الهيمنة الغربية، والاستعداد لخوض مستقبل جديد، يقوم على الاعتماد على الذات وبناء تحالفات جديدة، والخروج من قيد الوصاية الغربية، العالم أصبح متعدد الأقطاب، ومُخطئ من ظن أنه يتمسك بريش الولايات المتحدة الذي بدأ يتساقط يومًا بعد يوم؛ فالفكرة في مقاومة الاحتلال هي ذاتها التي زُرِعت في قلب كل حُر يسكن هذا الكوكب، وهي ذاتها التي خلقت "تأثير الفراشة"، ولم يعد الوضع كالسابق والمسألة مسألة وقت، وسيأتي يوم يتذكر فيه الناس قصة هيمنة اللوبي الصهيوني على العالم، ويحكى في وثائقيات تتعجب منها الأجيال القادمة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من المغرب إلى العراق.. أزمة شح المياه تتفاقم في العالم العربي
تواجه الدول العربية مستقبلا قاتمًا بسبب تفاقم مشكلة الأمن المائي، فنصيب الفرد العربي من المياه العذبة لا يتجاوز 800 متر مكعب في السنة في وقت حددت فيه الأمم المتحدة الفقر المائي بألف متر مكعب من المياه للفرد في العام الواحد.
يُعرِّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الأمن المائي بأنه توافر كمية ونوعية كافية وموثوقة ومرنة من المياه العذبة لسبل العيش والصحة العامة والصناعة والنظم الإيكولوجية والاقتصادات الإنتاجية إلى جانب مستوى مقبول من المخاطر المرتبطة بالمياه على الناس والبيئات والاقتصادات.
أزمة المياه.. العالم العربي ليس استثناءوتؤثر ندرة المياه بالفعل على كل القارات، فوفقًا للأمم المتحدة، يعيش أكثر من مليار شخص حاليًا في مناطق تعاني من ندرة المياه، ويقترب 500 مليون إنسان من هذا الوضع.
وعلى امتداد خريطة العالم، يواجه 1.6 مليار إنسان نقصًا في المياه، بل إن 1.5 مليون نسمة، أغلبهم من الأطفال، يموتون سنويًا لأسباب تتعلق إما بنقص المياه أو تلوثها.
ويبدو لافتًا أن العديد من الدول العربية مدرجة على قائمة الدول الأكثر معاناة من أزمة المياه، وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإجهاد المائي حيث يواجه 83% من السكان ضغطًا مائيًا مرتفعًا للغاية بينما يتعرض 74% من سكان جنوب آسيا لظروف مماثلة.
إعلانوحسب تقرير الأمم المتحدة حول المياه لعام 2023، يفتقر حوالي 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية، ويعاني 390 مليون شخص، أي حوالي 90% من إجمالي سكان العالم العربي، من ندرة في المياه.
بحسب الباحث والأكاديمي المختص بالتنمية والموارد المائية حسين رحيلي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، فإن هذا يعني تراجع كمية المياه المتوفرة للفرد إلى أقل من 500 متر مكعب سنويًا، أي أقل من نصف حد الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة، لذلك فإن واقع المياه في العالم العربي، خاصة منذ عام 2015 وحتى اليوم، يشير إلى تحول الندرة المائية إلى شح مائي".
حصتنا من المياه في تراجع مستمرإن ندرة المياه ظاهرة طبيعية وبشرية، فهناك ما يكفي من المياه العذبة على كوكب الأرض لأكثر من 8 مليارات إنسان، ولكنها موزعة بشكل غير متساو.
وبالنسبة لمعظم سكان المنطقة العربية، بات "إكسير الحياة" نادرًا، إذ يبلغ نصيب العرب 1% فقط من موارد المياه العذبة عالميًا رغم أن المساحة الإجمالية للدول العربية تشكل 10% من مساحة العالم، ويمثل سكانها نحو 6% من سكان الكوكب، وهذا ما يجعل نصيب الفرد العربي من المياه العذبة قليلاً جدًا، ففي 12 دولة عربية، تقل حصة الفرد الواحد عن مستوى الندرة حسب معايير منظمة الصحة العالمية.
وتعد 8 دول عربية من بين أفقر 10 دول في العالم من حيث حصة الفرد من المياه المتجددة، وهي موارد المياه السطحية والجوفية غير العميقة، وتتجاوز النسبة المستخدمة من المياه المتجددة سنويًا 4 أضعاف النسبة الآمنة المحددة بنحو 50% في 7 دول عربية.
ووفقًا لتقرير صندوق النقد العربي لا توجد سوى دولة عربية واحدة تتمتع باكتفاء ذاتي من المياه، وهي موريتانيا، إذ تصل حصة الفرد فيها أكثر من 1700 متر مكعب من المياه سنويًا.
وتوضح منظمة "اليونيسيف" أن 11 دولة من أصل 17 الأكثر تضررًا بندرة المياه موجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن 9 من أصل 10 أطفال مهددون بمخاطر محتملة.
الكثير من المياه يُهدر ويُلوث ولا تتم إدارته بشكل مستدام (شترستوك) المنطقة الأكثر ندرة في المياهتأتي نصف المياه المتجددة التي تحصل عليها الدول العربية سنويًا من خارج المنطقة عبر الأنهار والخزانات الجوفية المشتركة، مما يزيد من تعقيد إدارة هذه الموارد، في هذا السياق، يشير رحيلي إلى أنه "باستثناء بعض الدول العربية التي تمتلك مصادر مائية تاريخية متعددة، مثل مصر والعراق وسوريا، فإن الموارد المائية في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج محدودة وغير مستقرة؛ لأن المناخ شبه جاف والتساقطات ضعيفة تاريخيًا".
إعلانلكن حتى هذه الدول لم تعد استتثناء في معادلة ندرة المياه في العالم العربي، وصارت الأوضاع فيها في طريقها للتغيير مع تسارع نضوب هذه الموارد السطحية، فالعراق مثلاً، صار من الدول العربية التي تعاني أزمة شح المياه بسبب استغلال دول المنبع لنهري دجلة والفرات، وتحكمها في حصة ملايين المواطنين العراقيين من خلال إقامة مشاريع الري وتشييد السدود التي تساهم في تفاقم المشكلة.
إذا كان العراق موعودا بالعطش، فإن الأزمة تبلغ ذروتها في مصر، الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان، والتي تمتلك موارد قليلة من المياه العذبة المتجددة الداخلية، ويوفر نهر النيل أكثر من 90% من مواردها المائية، أي نحو 55 مليار متر مكعب، فيما تمثل مياه الأمطار والآبار الجوفية نسبة ضئيلة للغاية.
ووفقًا للبنك الدولي، يبلغ إمداد مصر السنوي من المياه 60 مليار متر مكعب فقط، وهو أقل من الكمية المطلوبة المقدرة بنحو 114 مليار متر مكعب سنويًا لتلبية احتياجات سكانها الذين يزيد عددهم عن 100 مليون نسمة، إذ تواجه مصر عجزًا سنويًا في المياه يبلغ حوالي 20 مليار متر مكعب.
وتجاوزت مصر بالفعل الحد الذي حددته الأمم المتحدة لندرة المياه، وهي الآن تقترب بشكل خطير من مرحلة ندرة المياه المطلقة، والتي حددتها الأمم المتحدة بأقل من 500 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويًا.
ويثير هذا مخاوف تبعات بناء سد النهضة في إثيوبيا على حصة مصر من مياه النيل بشكل مباشر، خاصة في ضوء التقارير المتواترة عن تأثير الملء الخامس لسد النهضة الإثيوبي خلال يوليو/تموز الماضي، لكن وفقًا لمسؤولين مصريين، فإن مصر تعاني من الفقر المائي حتى بدون الأخذ في الاعتبار تأثير سد النهضة الذي تحول مؤخرًا إلى واحدة من أبرز الأزمات حول تقاسم الموارد المائية في العالم.
دول الخليجدول الخليج أيضًا من بين الدول الأكثر معاناة من أزمة المياه، خصوصًا أن الصحراء تشكل النسبة الكبرى من مساحتها، ويرافق ذلك شح في المياه العذبة مقارنة بالدول الأخرى.
إعلانوتقع هذه الدول في منطقة تعتبر الأكثر شحًا في المصادر المائية، حيث المصادر الطبيعية المتوفرة هي الأمطار والمياه الجوفية فقط، التي يقدر مخزونها في العالم العربي بنحو 7734 مليار متر مكعب، يتجدد منها سنويًا 42 مليارًا، ويُتاح للاستعمال 35 مليار متر مكعب.
لكن هذه الدول استهلكت نسبًا مرتفعة من احتياطي المياه لديها عبر السنين، حتى شهدت مستويات المياه الجوفية انخفاضًا وفقًا لدراسة نشرتها مجلة "نيتشر" العلمية في يناير/ كانون الثاني الماضي، وتشير الأرقام إلى أن النسبة المستخدمة سنويًا من المياه المتجددة تتجاوز 4 أضعاف النسبة الآمنة المحددة بنحو 50% في 7 دول عربية.
وفي ظل ارتفاع الطلب الناتج عن الزيادة السكانية، كان اللجوء إلى الحلول الصناعية -مثل رفع إنتاجية محطات تحلية مياه البحر وزيادة أعداد السدود المنشأة لحصر مياه الأمطار والسيول- إلزامًا لتفادي العطش الجماعي.
وتنتج دول الخليج 40% من مياه البحر المحلاة عالميًا، والسعودية مسؤولة وحدها عن خُمس الإنتاج العالمي، وتمثل هذه المياه اليوم أكثر من 75% من المياه المستخدمة في دول الخليج، لكن التحلية لم تكن يومًا خيارًا وإنما ضرورة لا تُخفي حتى اليوم الهواجس حيال وفرة المياه في المستقبل.
ولا تستثني أزمة المياه سرقة إسرائيل لمياه فلسطين، فقد كانت حصة الفلسطيني تقدر بـ45 لترًا يوميًا فقط قبل اندلاع الحرب الأخيرة بينما يحصل الإسرائيلي على 250 لترًا، والمستوطن على 400 لتر، إضافة إلى سرقة إسرائيل لمياه الجولان السوري المحتل وجنوب لبنان.
كما بسطت إسرائيل سيطرتها على نهر الوزاني الذي يغذي نهر الأردن بعد اجتياح لبنان عام 1978، ووضعت مضخات وأنابيب لإيصال المياه من نهر الحاصباني إلى شمال إسرائيل ما يؤثر على حصة الأردن من المياه.
شمال أفريقياولم تكن الأوضاع في شمال أفريقيا أفضل حالًا عما هو موجود عند العرب في آسيا، فكثيرة هي الأمثلة التي تظهر حجم التحديات التي تواجهها هذه المنطقة في التعامل مع مشكلة شح المياه، فدول مثل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا تعاني هذه الأزمة بشدة.
إعلانوفي تونس، التي يهدد تعاقب سنوات الجفاف بتصنيفها في خانة الفقر المائي، لجأت الجهات الحكومية في مارس/آذار من العام الماضي إلى قطع المياه عن المنازل لمدة 7 ساعات يوميًا لتقليل الاستهلاك كحل مؤقت لمواجهة أزمة شح المياه، ووثّق "المرصد التونسي للمياه" ما يقرب من 600 بلاغ عن انقطاع المياه.
وأصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة أفادت بأن حصة الفرد من الماء لا تتجاوز 400 متر مكعب سنويًا رغم أن تونس لديها ما لا يقل عن 30 سدًا بين زِراعي تقليدي وإستراتيجي، لكن "المرصد الوطني للفلاحة" حذر من تراجع نسبة امتلاء هذه السدود إلى 23.1% في سبتمبر/أيلول الماضي، في مشهد مقلق يعكس الوضع المائي المتدهور في البلاد.
وفي المغرب، تراجعت واردات المياه بشكل كبير لتصل إلى 14 مليار متر مكعب، ويقدر نصيب الفرد من المياه بنحو 650 مترا مكعبا، وهو ما يمثل تراجعًا كبيرًا عما كان الوضع عليه في عام 1960 عندما كان نصيب الفرد 2500.
المياه في قلب أزمة المناخيقول مؤسس بنك المياه الدولي وعضو المجلس الدولي والعربي للمياه رشاد الشوا لـ"الجزيرة نت" إن "أزمة الفقر المائي في الدول العربية مردها إلى عدة أسباب متعددة ومترابطة منها الخيارات السياسية والاقتصادية والنمو السكاني والحضاري المتزايد والتصنيع والممارسات غير الفعالة لإدارة المياه، وتقادم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وهدر المياه والاستعمال المفرط لها خاصة في بعض المجالات".
وهناك أسباب عدة أخرى لهذه الأزمة أهمها المناخ الصحراوي الغالب على المنطقة العربية، فـ87% من تضاريس العالم العربي عبارة عن صحراء، زد على ذلك التدهور البيئي الواسع الانتشار وتأثير التغيرات المناخية المتمثلة في تراجع الهطولات المطرية والثلجية التي لا تتعدى نسبتها في الوطن العربي 2% من مجمل التساقطات العالمية.
إعلانومع تغير المناخ وتقلباته، تأتي أنماط هطول الأمطار المتقلبة ودرجات الحرارة القصوى، مما يؤدي إلى تقصير مواسم الأمطار وإطالة مواسم الجفاف، وتؤثر هذه التحولات بشدة على حياة شعوب هذه المنطقة وسبل عيشهم.
وعن توزيع مياه الأمطار في الدول العربية، فـ60% من مياه الأمطار تتساقط صيفًا، معظمها في حوض السودان والقرن الأفريقي واليمن وموريتانيا، و4% من مياه الأمطار تهطل شتاءً على المغرب العربي والدول المطلة على البحر المتوسط.
وعن تأثير تغير المناخ على ما يعرف بـ"الأمن المائي" لسكان المنطقة العربية يقول رحيلي إن بعض الدول العربية تشهد أمطارًا غزيرة اخضرّت على إثرها الصحاري، ووصل الأمر حد الفيضانات، في حين لم تشهد دول أخرى تساقط الأمطار لفترة طويلة، مما أدى إلى موجات جفاف متكررة، إضافة إلى خسارة جودة المياه بسبب غمر المياه المالحة.
ولا يرتبط خطر الجفاف هنا فقط بالأنهار، فالمغرب مثلا لا يملك أي أنهار أو مياه جوفية بل يعتمد على مياه الأمطار، ومع ذلك، يكافح الفلاحون الجفاف الذي يعرّض محصولهم لخطر التلف، ورغم عودة الأمطار إلى الهطول خلال العام الماضي فإن منسوب الكثير من السدود المغربية وصل لمستوى ضعيف مما دفعهم لدق ناقوس الخطر.
وبالنسبة للجزائر التي عانت من تداعيات تغير المناخ الواضحة على الأرض من خلال الجفاف وندرة المياه وحرائق الغابات، فقد صنفت نفسها على أنها من الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية، وذلك بسبب فترات الجفاف الطويلة والمتكررة خلال السنوات القليلة الماضية، ولا يزال هناك نقص في الأمطار المسجلة بنسبة تناهز 40%.
الحكومة الجزائرية وضعت خطة عاجلة لمواجهة نقص المياه الناتج عن شح مياه الأمطار، ومنها الإعلان عن تفعيل دور الشرطة في مراقبة استعمال المياه في كل المجالات لمكافحة التبذير.
ورغم هذه الجهود، فإن الواقع يقول إن مياه الوطن العربي شحيحة، ويكمن أحد الأسباب وراء ذلك في سوء توزيع موارد المياه المتوفرة، إذ تحتل الزراعة المرتبة الأولى في استهلاك المياه في العالم العربي بنسبة 91% من حجم الاستهلاك العام، حيث يعتمد المزارعون على أساليب ري تقليدية تؤدي إلى هدر المياه، في حين تستغل الصناعة 4%، والشرب 5%.
إعلانوبحسب الشوا، فإن هذا من شأنه أن ينعكس سلبًا على الأمن الغذائي، فـ30% من الأراضي الصالحة للزراعة في الدول العربية معرضة للتصحر بسبب نقص المياه، ويضع البلدان العربية التي تعاني بالفعل من شح في مصادر المياه أمام تهديدات حقيقية تطال أمنها الغذائي والحياتي، وقد يدفعها إلى خطوات تحمي بها حياة مجتمعاتها.
من يروي عطشنا في المستقبل؟يعتقد البعض أن استهلاكنا اليومي بصفتنا أفرادًا من المياه لا يشكل فارقًا كبيرًا في الأزمة العالمية وأنها مشكلة دول، ففي النهاية لا تتخطى احتياجاتك 4 لترات ماء يوميًا، لكن المشكلة في الحقيقة ليست في الماء الذي تراه بل الذي لا تراه.
الكثير من المياه يُهدر، ويُلوث، ولا تتم إدارته بشكل مستدام، ويتحدث الخبراء عن أن العالم العربي لا يستغل سوى 50% من موارده المائية البالغة نحو 350 مليار متر مكعب، والباقي معرض للهدر والضياع.
على سبيل المثال، تستهلك زجاجة واحدة من المياه الغازية 28 لترًا من المياه الطبيعية لصناعتها، بينما يحتاج فنجان القهوة الواحد إلى 135 لترًا من زراعة الحبوب، كذلك يذهب أكثر من 90% من المياه المستهلكة في العالم للزراعة وتربية المواشي.
وتمثل محطات الطاقة الحرارية أحد أكبر مستهلكي المياه حول العالم لاستخدامها كميات كبيرة من الماء للتبريد، لذا يساهم الاعتماد على طاقة الرياح والشمس في تقليل استخدام المياه.
وبينما يدعو الكثير من الخبراء الحكومات إلى تسريع وتيرة جهود مكافحة أزمة شح المياه، فإن فريقا آخر يشدد على أهمية تغيير ثقافة استهلاك المياه عند العرب، بحيث يتم التخلي عن العادات التي تشهد إسرافًا في استخدام المياه لا مبرر له.
على سبيل المثال، تشير الإحصاءات العالمية إلى أن المواطن السعودي هو ثالث أكبر مستهلك للمياه في العالم بمعدل يتراوح بين 263 و300 لتر يوميًا، وهذا الاستهلاك يعادل حوالي ضعف متوسط الاستهلاك العالمي، ووفق دراسة حكومية، فإن 86% من السعوديين لا يعلمون أن هناك شحًا في مصادر المياه في المملكة.
إعلانباختصار، من المتوقع أن تشتد ندرة المياه بشكل كبير خلال العقدين القادمين. وبحلول عام 2050، يُتوقع أن يعيش ما يقرب من نصف سكان المناطق الحضرية في العالم في مناطق تعاني من ندرة المياه.