سرايا - تجددت موجات النزوح بالسودان؛ إذ فرّ أكثر من 50 ألف شخص من المعارك المحتدمة بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور سيراً على الأقدام إلى بلدة طويلة، التي تبعد أكثر من 60 كيلومتراً غرب الفاشر، في درجة حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية، ما أدى إلى موت بعضهم بالجوع والعطش، وفقاً لوسائل إعلام محلية.



ويعيش النازحون في «طويلة» وغيرها من مدن إقليم دارفور وضعاً مأساوياً، ما أدى إلى وفاة «991 شخصاً (في دارفور) خلال الفترة من 15 أبريل (نيسان) إلى 15 مايو (أيار) الماضيين، بسبب المجاعة وتفشي بعض الأمراض» وفقاً للناطق الرسمي باسم «تنسيقية النازحين واللاجئين في دارفور» آدم رجال.

وقال رجال لـ«الشرق الأوسط»: «النازحون في (طويلة) يتضورون جوعاً، وتعلو صرخات الأطفال من شدة الجوع، فجرعات الحليب القليلة التي يتناولونها لا تشبع بطونهم الصغيرة»، مشيراً إلى افتقار البلدة إلى «أبسط مقومات الحياة». وتابع: «تم تكوين (غرفة طويلة) لإيواء النازحين، ويتم دعمها بواسطة الخيّرين».

ونقل شهود عيان أوضاعاً مأساوية واجهت النازحين الفارين من الحرب في رحلتهم الطويلة إلى بلدة طويلة، وقالوا إن «درجات الحرارة المرتفعة بشدة» فاقمت معاناة النازحين. وتابع الشهود: «بعض من حالفهم الحظ من كبار السن والمرضى، عثروا على عربة تجرها الدواب، تعرف باسم (كارو) نقلتهم إلى طويلة».

سلب ونهب
وأكد الشهود أن رحلات النزوح لا تكون آمنة تماماً، فالنازحون على رقة حالهم، قد يتعرضون لسلب ونهب من قبل عصابات مسلحة، و«السعيد بينهم من يصل إلى (طويلة)، وهو حي ولم تتعرض له العصابات المسلحة».

الناشط الحقوقي السوداني، آدم إدريس، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «القذائف المتطايرة حصدت أرواح مئات المواطنين بالفاشر، ما اضطرهم للنزوح إلى (طويلة)، ومناطق في (جبل مرة) التي تقع تحت سيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور في (سورتوني، وروكرو، وفنقا، وقولو)».

وأوضح إدريس أن بعض النازحين عجز عن إكمال الرحلة الشاقة جراء الجوع والعطش، فلقي حتفه في الطريق، مطالباً المنظمات العاملة في مجال المساعدات الإنسانية بالإسراع إلى تقديم المساعدات لهم داخل البلدة.

وظلّت الفاشر آمنة منذ بداية الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023، لذلك نزح إليها آلاف كثيرة من المواطنين من مناطق النزاعات والقتال، بيد أنها تحولت لمنطقة حرب وقتال، بعد إعلان حركة «العدل والمساواة» برئاسة جبريل إبراهيم، وحركة «تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، التخلي عن الحياد في الحرب والقتال إلى جانب الجيش.

واستهدفت «الدعم السريع» الفاشر، وفرضت عليها حصاراً محكماً، تحت ذريعة أن الحركتين بإعلانهما الانحياز للجيش تخلتا عن اتفاقات لإبقاء الفاشر بعيدة عن الحرب.

والشهر الماضي، طالب مجلس الأمن «الدعم السريع» بإنهاء حصار الفاشر، ودعا أطراف الحرب جميعاً إلى وقف القتال على الفور، فيما اتهمت منظمات حقوقية وإنسانية دولية الجيش و«الدعم السريع» بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية للمواطنين. كما كشف تقرير «التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي» الذي تعدّه وكالات أممية إنسانية وشركاؤها عن تهديد المجاعة لأكثر من 14 منطقة في السودان، على رأسها إقليم دارفور، ولا سيما أن استمرار النزاع يمنع وصول المساعدات الإنسانية للضحايا.

توسيع الاستجابة
في غضون ذلك، أفادت «المفوضية السامية للأمم المتحدة» لشؤون اللاجئين، الثلاثاء، بأن عدد اللاجئين السودانيين المسجلين في مصر تجاوز 402 ألف لاجئ، وتوقعت وصول المزيد في الأشهر المقبلة.

وأضافت أن أكثر من 38 ألف لاجئ سوداني وصلوا مصر خلال شهر مايو (أيار) الماضي فقط. وقالت المفوضية، في بيان، إن ليبيا وأوغندا انضمتا حديثاً إلى «خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين»، هذا بالإضافة إلى أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا ودولة جنوب السودان.

وأوضحت أنه «حتى الآن لا يوجد سوى 19 في المائة من الأموال المطلوبة للاستجابة لمشكلة اللاجئين، وهي غير كافية لتغطية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً بالنسبة للنازحين».

وفي ليبيا، سجّلت المفوضية وصول أكثر من 20 ألف لاجئ سوداني إلى البلاد منذ أبريل (نيسان)، مع تقديرات بأن كثيرين وصلوا إلى شرق البلاد.

وفي أوغندا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في أفريقيا، وصل أكثر من 39 ألف لاجئ سوداني منذ بداية الحرب، من بينهم 27 ألفاً وصلوا هذا العام. وأشارت إلى أن هذا العدد يزيد 3 مرات تقريباً عما كان متوقعاً.

وأضافت أنه بعد مرور 14 شهراً على بدء الحرب لا يزال آلاف يغادرون السودان فراراً من أعمال العنف الضارية والانتهاكات والموت والخدمات المعطلة وعدم القدرة على الوصول إلى المساعدات الإنسانية، بينما يلوح شبح المجاعة في الأفق.


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة الدعم السریع ألف لاجئ أکثر من

إقرأ أيضاً:

تحليل شامل لمبادرات وقف الحرب في السودان ومواقف الأجنحة السياسية

الصراع في السودان لا ينفصل عن تعقيدات السياسة الداخلية وتنافس القوى المختلفة على السلطة والنفوذ. منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، ظهرت العديد من المبادرات التي تهدف إلى إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار السياسي. ورغم تعدد الأطراف السياسية واختلاف رؤاها، فإن الانتقال الديمقراطي ظل القضية المحورية لجميع المبادرات. في هذا المقال، نحلل أبرز هذه المبادرات ومواقف الأجنحة السياسية المختلفة، مع تقييم واقعيتها ومدى انسجامها مع مصالح السودان وشعبه بعيدًا عن المصالح السياسية الضيقة.
تحليل المواقف والتسلسل التاريخي للمبادرات
ومع بداية النزاع في أبريل 2023، سعى الاتحاد الإفريقي والإيقاد إلى احتواء الأزمة من خلال مبادرة تضمنت وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، مع إطلاق حوار شامل يجمع كافة الأطراف السودانية. هذه الجهود مثلت الخطوة الأولى في محاولة لتهدئة الأوضاع، لكنها اصطدمت بغياب أدوات ضغط فعالة على الأرض، مما قلل من تأثيرها.
في مرحلة لاحقة، تدخلت الرباعية الدولية المكونة من السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمبادرة تضمنت مفاوضات جدة التي ركزت على التهدئة وفرض وقف إطلاق نار مؤقت، مع دعم مسار سياسي يهدف إلى إصلاح الجيش السوداني. ورغم قوة الدعم السياسي والمالي الذي تتمتع به هذه الدول، إلا أن المبادرة واجهت صعوبات بسبب تعقيدات المصالح الإقليمية والدولية.
على الصعيد المحلي، أطلقت قوى الحرية والتغيير مبادرة تستهدف استعادة الحكم المدني من خلال تشكيل حكومة انتقالية تمثل الشعب السوداني. هذه المبادرة ركزت على توحيد الجيش وخروج العسكر من السياسة، لكنها ظلت محدودة التأثير بسبب غياب القوة التنفيذية والميدانية. في الوقت ذاته، ظهرت مبادرات لجان المقاومة التي دعت إلى حوار سوداني-سوداني شامل مع التركيز على العدالة الانتقالية واستعادة الحكم المدني. ورغم أن هذه المبادرات تتمتع بمصداقية شعبية كبيرة، إلا أنها تعاني من ضعف الدعم الرسمي وغياب الهيكلية التنظيمية القوية.
في السياق ذاته، ظهرت مبادرات من القوى الداعمة للجيش التي دعت إلى حسم النزاع عسكريًا أو التوصل إلى تسوية سياسية تضمن استمرار الجيش كفاعل رئيسي في السلطة. على النقيض، ركزت القوى الداعمة للدعم السريع على شرعنة وجوده كجزء من المنظومة الأمنية السودانية مع ضمانات لقيادته السياسية. ومع ذلك، واجهت هذه المواقف صعوبة في القبول الشعبي والسياسي نتيجة الانتهاكات المرتبطة بالصراع.
مع تصاعد الأوضاع، بدأ التباين بين مواقف الأجنحة السياسية يتضح بشكل أكبر. قوى الحرية والتغيير ظلت مصرة على استعادة الحكم المدني كشرط أساسي لأي تسوية سياسية، بينما لجان المقاومة دعت إلى إنهاء الحرب وبدء عملية سياسية شاملة تمثل جميع السودانيين. الجيش السوداني رأى نفسه الضامن الوحيد لوحدة السودان واستقراره ودعا إلى إنهاء الدعم السريع كقوة مستقلة، في حين سعت قوات الدعم السريع إلى الاعتراف بشرعيتها كجزء من المشهد السياسي والأمني. أما القوى الإسلامية، فقد تحركت بناءً على براغماتية سياسية، مما جعلها طرفًا غير موثوق به لدى غالبية القوى المدنية.
على المدى القصير، تبدو المبادرات الدولية مثل الرباعية واتفاق جدة أكثر قدرة على تحقيق وقف إطلاق النار بسبب قدرتها على فرض ضغوط سياسية ودبلوماسية. ومع ذلك، فإن المبادرات المحلية التي تركز على حل شامل مثل مبادرة الحرية والتغيير ولجان المقاومة توفر رؤية واقعية لإنهاء الأزمات البنيوية في السودان على المدى الطويل، لكنها تحتاج إلى دعم دولي وإقليمي قوي.
نحو حل شامل
إن حل الأزمة السودانية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تضافر الجهود المحلية والدولية لتحقيق سلام مستدام. المطلوب هو إطار شامل يركز على وقف فوري لإطلاق النار، معالجة الكارثة الإنسانية، بدء حوار شامل يشمل جميع القوى السودانية، وإعادة بناء المؤسسات المدنية والعسكرية بما يضمن التحول الديمقراطي. ورغم صعوبة الواقع، فإن الإرادة الشعبية تبقى العامل الحاسم في تحقيق هذا التحول. أي مبادرة لا تأخذ في الحسبان تطلعات السودانيين بالحرية والسلام والعدالة ستظل مجرد محاولة فاشلة في مسار مليء بالتعقيدات.[

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • «الصحة السودانية»: الدعم السريع تقصف المستشفى «السعودي» بالفاشر للمرة الثالثة عشرة
  • تحركات أممية عاجلة لجمع أكثر من 4 مليار دولار لمقابلة أزمة كبيرة في السودان
  • الأمم المتحدة تطلب 4.2 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان .. 21 مليون سوداني بحاجة لمساعدات عاجلة عام 2025 بينهم 16 مليون طفل
  • شتائم ياسر العطا للإمارات هدف في شباك البرهان
  • المحللون يجيبون.. هل ستتوقف الحرب بالسودان في عام 2025؟
  • كيف وجدت مواد الإغاثة طريقها للأسواق.. (فساد بيّن رُكام الحرب)..!
  • تحليل شامل لمبادرات وقف الحرب في السودان ومواقف الأجنحة السياسية
  • البرهان يرد على تقرير عالمي حول انتشار المجاعة في السودان.. ماذا قال؟
  • البرهان يبدي استعداده للانخراط في أي مبادرة حقيقية لإنهاء الحرب
  • البرهان: لا يمكن العودة لأوضاع ما قبل الحرب مع الدعم السريع