الحارات القديمة في مطرح
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
أنور الخنجري
تُعد الحارات والبيوت والأسوار القديمة في مدينة مطرح إرثًا تاريخيًا يحكي ماضي الآباء والأجداد الذين كافحوا من أجل بنائها حجرًا على حجر، إنها إرث تاريخي ومعنوي له مكانة خاصة في قلوب من سكنها أو زارها أو ارتبط بها بطريقة ما، خاصة تلك الأجيال التي تشدها العاطفة والحنين إلى مرتع الصبا وموضع النشأة والولادة، لهم فيها ذكريات لا تُمحى مهما تقلب الزمن وابتعدت المسافات.
تراهم يقودهم الشوق دون عناء إلى تلك البيوت والأزقة التي صغرت مساحة عندما كانوا يرونها وهم صغارا، لكنها بقيت كبيرة في وجدانهم وستبقى مترسخة في ذاكرتهم إلى ما لا نهاية. وهذا ليس هو بيت القصيد، وإنما السؤال هو إلى متى ستبقى هذه الحارات والبيوت القديمة تئن من جور الزمن وتكافح عوامل التعرية في ظل الإهمال الحاصل لها من قبل أصحابها؟ وكذلك من قبل الجهات المعنية في الحكومة التي لم تعمل بجد لانتشالها من براثن الوضع المزري الذي تعيشه الآن؟
ألم يحن الوقت للتفكير فيما إذا استمر الوضع على هذا الحال! هل سيظل هذا الإرث صامدا في وجه الحداثة والتغييرات المتسارعة لمحو كل ما هو قيّم وقديم؟ حتمًا سنصل إلى فقدان ذلك إذا ما بقيت الأفواه مكممة والعقول جامدة وجاحدة والقرار صائما عن كل ما هو جميل ومثرٍ يخدم البلاد والعباد. دول كثيرة استغلت مثل هذه الحارات والبيوت القديمة وأقامت فيها مناشط تجارية وسياحية نموذجية حققت من خلالها صيتا عالميا وموارد مالية لا يستهان بها، كما قامت بعض الدول بمحاكاة الحارات والبيوت القديمة والأسواق التقليدية وخلقت منها منتجعات ونزل ومقاه ومطاعم وغيرها من المناشط التجارية والاقتصادية بنفس الشكل والتصميم الذي تمتاز به أحيائنا ومدننا العمانية، بينما نحن لدينا هذه الكنوز ولا تحتاج إلا لبعض لمسات التأهيل والترميم فقط وبعض الإضافات لتكون مصدر جذب سياحي واقتصادي كبير، خاصة ونحن نتكلم عن مدينة مطرح القديمة، أبرز مقصد للسياحة الداخلية والخارجية في السلطنة.
وإذا ما تضافرت الجهود الحكومية والأهلية في هذا الشأن فيمكن أن نستلهم عدة طرق ووسائل نعمل من خلالها على تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع وننقل هذه الحارات والبيوت من حالة الركود التي هي عليها إلى مواقع جذب سياحية تستوعب أعدادا لا يستهان بها من الأيدي العاملة الوطنية.
فلنتخيل لو تحولت هذه البيوت القديمة في مدينة مطرح، ومثلها تلك الواقعة في مدينة مسقط القديمة، إلى نزل ومطاعم ومقاه ومسارح ومحلات أو نصبت في ساحاتها عربات موحدة الشكل والتصميم لبيع التذكارات البسيطة والمأكولات العمانية الخفيفة التي يحب السياح اقتناءها أو تجربتها أو أن تكون الأزقة نظيفة مرتبة وملونة جدرانها برسومات مبتكرة تبدع فيها أنامل الفنانين العمانيين، لأخرجنا من هذه الحارات تحفاً فنية ومتاحف مفتوحة في الهواء الطلق يستمتع بزيارتها كل من يزور بلادنا الحبيبة.
ومن أجل تحقيق غاية الاستفادة من هذه الحارات والبيوت القديمة فيجب أولا أن تكون هناك جدية لدى الجهات المعنية في الدولة بمنح التصاريح اللازمة دون تلكؤ أو تعقيد، ولتسهيل ذلك يمكن الاستعانة بالمخططات التي وضعت لتطوير مدينة مطرح أو تلك التي قامت بها إحدى الشركات الاستشارية لتطوير حارة الشمال مثلاً بحيث تمنح تصاريح البناء والصيانة وفقاً للتصميمات والأشكال التي حددتها هذه المخططات، وبحيث لا تكون هناك تجاوزات تؤثر على النمط التقليدي العام المرسوم للحارة والبيوت التي تحتويها، مع إجراء بعض التحسينات في البنية الأساسية. إن القرار الحكومي هنا يعد من الأولويات الضرورية إذا ما أردنا فعلا المضي قدما نحو تحقيق هذه الغاية.
وبما يتعلق بالأهالي ملاك هذه البيوت وأغلبهم من الطبقة المتوسطة فإنه من الصعوبة بمكان أن يقوموا فرادا بتأهيل بيوتهم واغلبها أصبحت إرثا من تركات الوالدين أو الأجداد، وللتغلب على هذه الإشكالية فأننا نرى أن يتفق أصحاب هذه الأملاك على تأسيس شركات أهلية يدخلون فيها كشركاء مقابل أسهم معينة تقدر بقيمة ما يملكونه من عقار ومع بعض الدعم من هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و بنك التنمية العماني أو البنوك التجارية في شكل قروض ميسرة فيمكن التغلب على هذه الإشكالية.
هناك أيضا إمكانية دخول القطاع الخاص كمستثمر في مثل هذه المشاريع المربحة من خلال نظام حق الانتفاع أو الشراكة مع أصحاب هذه العقارات أو حتى من خلال الشراء المباشر شريطة أن يكون الغرض من الشراء للغاية نفسها وليس من أجل بناء العمارات وتأجيرها للعمالة الوافدة كما هو حاصل الآن؛ الأمر الذي أدى إلى تشويه الصورة التقليدية لمدينتنا العريقة مطرح الخير.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دراسة مصرية ترصد تجليات العبادة الشعبية في طيبة القديمة
القاهرة "د.ب.ا": تعددت الآلهة لدى قدماء المصريين الذين عرفوا مئات الربات والأرباب، وكان هناك "ملك الآلهة "وسيدة الآلهة"... وفى المسافة ما بين العاصمة الشمالية منف، وحتى أسوان، مرورا بطيبة مقر آمون "رب الأرباب" كانت الآلهة المصرية القديمة، تتجسد في صورة حيوانات متعددة مثل التماسيح والكباش والأبقار واللبؤات والكلاب والعجول والقردة والثيران والطيور... وذلك بحسب كتب علماء المصريات.
وبالطبع فقد فرَق الآثاريون بين الآلهة الكونية التي هي موضوعا للكثير من الأساطير، وهي التي قلما تظهر في المعتقدات الشعبية اليومية، وآلهة الأسرة الخاصة الشعبية، التي لا تذكرها الأساطير... ويقول الآثاريون وعلماء المصريات، أن كل مقاطعة ومدينة كان لها معبودها الخاص، فيما كانت بعض الآلهة مثل حورس وخنوم وتحوت، يُعبدون في الكثير من المدن بجميع أرجاء الدولة.
وقد جذب تعدد الآلهة والربات في مصر القديمة، اهتمام الكثير من الباحثين، الذين يواصلون البحث لكشف ما يحيط بالحضارة المصرية من سحر وغموض.
وفي دراسة أكاديمية، كشف الباحث المصري، الدكتور محمد إمام، أن الإنسان في مصر القديمة، اعتقد أن هناك عناصر كونية كثيرة تتحكم في حياته ومصائره بطريق مباشر أو غير مباشر، وهي تتكفل بها قدرة ربانية تستوجب التقرب لها وعبادتها، منها الفيضان الذي لعب دورا رئيسيا في حياة المصريين القدماء، فهو المتدفق من أوزير الذي يُنبِت الزرع لكي يحيا المعبودات والناس، ولهذا الارتباط أُطْلِقَ عليه سيد الغذاء، وأقيمت له مقصورة في الطريق إلى معبد بتاح في معابد الكرنك بمدينة الأقصر التاريخية جنوبي البلاد.
وبحسب الدراسة التي حملت عنوان "العبادة الشعبية بطيبة في العصر المتأخر"، فإنه مع أن المصري القديم لم ير هذه القوى، إلا أنه آمن بها وأعطاها أسماء وأشكالا حسبما تخيلها، جاعلا من بعضها أخيارا يساعدونه، ومن البعض الآخر أشرارا أعداء له. وبخطواته نحو التحضر أراد أن يجعل له معبودا، كلما فكر فيه سما بنفسه فوق ما ينتابه من اضطرابات ليكون في عونه.
ويقول الباحث محمد امام، في دراسته، ان المصري القديم عبَر في نصوصه الدينية والأدبية عن فكرة علاقته بالمعبود، التي تدرجت من الارتباط الوقتي نتيجة حدوث حدث معين له من الأمور المتعلقة بالحياة اليومية إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث العلاقة التي يأمل أن تكون دائمة وأبدية، فقد سيطرت العقيدة على حياته الدينية كما لم تسيطر قوة أخرى، وكان الوضع الديني إما عن رغبة أو رهبة صادرة عن تصوراته، ولم تتأثر الحياة بالدين فحسب بل امتزجت بمجموعة من الانطباعات الخارجية أدت الى ظهور مِزاج إنساني عَبَّر عن القوة الكامنة فيه، وخرج من ذلك كله بفكر تطور مع القوى الكامنة بداخله كان التعبد فيه بمثابة الرباط الذي يجمع بين الفرد العادي ومعبوده.
وتناول الفصل الأول من الدراسة العبادة الرسمية التي مارس طقوسها الملك والكهنة في المعبد، وتميزت بالصرامة الشديدة، ولم يشترك فيها أحد من العامة، فالمعبد يمثل النظام الكوني واشتراك غير المعنيين بحفظه قد يؤدى إلى تأثر العملية الكونية واختلالها.
وتعرضت هذه العبادة إلى صدمتين كبيرتين أثرتا على شكل ممارسه طقوس الدين آنذاك، الأولى الثورة الاجتماعية التي أسقطت فكرة التأليه المطلق للملك، وجعلت نصوص الأهرام مشاعا للجميع والتي تحولت إلى متون التوابيت...وجاءت الصدمة الثانية بحركة اخناتون الدينية، وبعد سقوطها أصبحت حرية ممارسة العبادة كبيرة إلى حد بعيد، فانتشرت ظاهرة العبادة الشعبية.
ورصد الفصل الثاني من الدراسة، بعض مظاهر العبادة الشعبية من خلال النصوص والقرابين النذرية التي تركها أصحابها من مختلف طبقات وفئات المجتمع في المعابد أو المنازل، ومع هذا – وبحسب الدراسة فإنه لا يمكن تلمس طقوسه بشكل واضح ودقيق مثل العبادة الرسمية، فالأول تميز بالحرية الشديدة ومارسه عامة الناس ما دون الملك، وحتى الكهنة على الرغم من ارتباطهم بالعبادة الرسمية، فنجد في بعض نصوصهم نغمة تشبه ما تقرب به العامة للمعبودات، فالعبادة الشعبية تعبر عن اعتقاد العامة في معبوداتهم.
وكان من مظاهر العبادة الشعبية استخدام العامة ساحات المعابد الخارجية أماكن للصلاة، ليتضرعون إلى المعبودات، ويتجمعون أمام بوابات المعبد في مواكب الأعياد ليستشيرون الوحي الإلهي الذي لعب دورا كبيرا في حياتهم خاصة في العصر المتأخر، فيكونون قريبين من المعبودات ليحصلوا على إجابات شكواهم وطلباتهم التي قدموها بالابتهالات والدعاء عن طريق كهنة الوحي الوسطاء بينهم وبين المعبودات.
وتشير الدراسة إلى أن العبادة الشعبية اتسمت بالمرونة، فتمنى الناس أن يتحولوا فى العالم الآخر إلى بعض الصفات الإلهية، فمنهم من تمنى أن يتحول إلى زهرة لوتس أو إلى أسد أو إوزة، ليس بمعنى التحول من إنسان إلى هيئة أخرى، بل الاتحاد مع معبودات أصحاب هذه الصفات مثل رع وأمون.
ورصد الفصل الثالث من الدراسة، تعبد العامة لعدة معبودات خلعوا عليها من الصفات والقدرات ما يلبى احتياجاتهم ورغباتهم، فتعبدوا إلى ثالوث طيبة فرادى ومجتمعين، فـ " آمون " المعبود الساهر القوى الذي ينقذ الفقراء وهو قاضيهم، الذي يلجأون إليه فى الشدائد، فهو يراهم وهو السامع لمن يدعوه... وتعبدوا إلى "موت" سيدة الصراخ التي تحيا به وفى نفس الوقت الرحيمة، والتي تداخلت عبادتها مع معبودات أخرى مثل موت وسخمت علاوة على ارتباطها بحتحور فقدم العامة قرابينهم النذرية لمعبودات الخصوبة فى نطاق معبدها بالكرنك.
وبحسب دراسة الباحث الدكتور محمد امام، فقد حظي خنسو بعبادة شعبية فهو حامى العوام، فبعد أن فرغوا من حجهم صعدوا على سطح معبده بالكرنك ونقشوا طبعات أقدامهم هناك طالبين منه إلحاق الأذى بمن يطمس هذه الطبعة.
وتناول الفصل الرابع انتشار عبادة أوزير الشعبية خارج النطاق الجنائزي، فأقيمت له المقاصير وقدم له العامة القرابين النذرية، وحاولوا الارتباط به فى الدنيا قبل الآخرة، فتسمى بعض العامة باسمه ليكونون فى معيته، فهو بحسب عقديتهم – آنذاك - واهب الحياة.
أما المعبود " بس " فقد انتشرت عبادته بشكل كبير فى العصر المتأخر، وهو "حامى السيدات عند ولادتهن وشافيهن".. كما ارتبط أيضا بالخصوبة.
وتعبد العامة إلى بتاح رب الصناعة والفنون ولم تنتشر عبادته بشكل كبير فى فترة العصر المتأخر.
فيما جاء فى الفصل الخامس، أن العصر المتأخر تميز بعبادة السلف ففي نطاق مدينة طيبة بجل العامة إيمحتب، وكذلك أمنحتب بن حابو الذي بدأت عبادته فى الظهور فى عصر الرعامسة واستمرت رفقة إيمحتب حتى نهاية العصرين اليوناني والروماني.