هل يجنّب الموسم الزراعي الجديد السودان الجوع والعجز الاقتصادي؟
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
الخرطوم – ينتظر السودان الموسم الزراعي الصيفي الذي ينطلق رسميا في الأسبوع الأول من يوليو/ تموز الجاري، لتخفيف معاناة غالبية المواطنين بعد تحذير أممي من أن أكثر من 25 مليون سوداني (ما يمثل أكثر من نصف السكان) يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.
ويعمل نحو 80% من القوة العاملة في السودان في قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني، الذي يُسهم بنسبة 32.
وعلى الرغم من انفصال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011 والذي حمل معه أكثر من ثلثي الاحتياطات النفطية في السودان وأكثر من 70% من الغطاء الغابي في البلاد، فإن مساحة الأراضي القابلة للزراعة لم تتضرر كثيرا، إذ كانت في حدود 200 مليون فدان وتراجعت إلى 170 مليونا.
ولدى السودان 5 مشاريع زراعية مروية (من مياه النيل أو الآبار) يعتمد عليها في تكوين المخزون الإستراتيجي من الحبوب الغذائية مثل الذرة والدخن، بجانب المداخيل النقدية للصادر من القطن والفول السوداني والسمسم، وتأمين جزء من احتياجات البلاد من القمح.
وأكبر هذه المشاريع يوجد في ولاية الجزيرة وسط السودان، والذي يعد أيضا أكبر مشروع بأفريقيا يُروى انسيابيا (بالغمر) من النيل الأزرق، بجانب مشروعات السوكي، وودي حلفا، والرهد، ودلتا طوكر شرقي البلاد.
ويعتمد المزارعون في هذه المشاريع على التمويل المصرفي أو الشراكات مع رجال أعمال بطريقة قسمة الإنتاج بعد تمويلهم كل مراحل العملية الزراعية من بذور ومبيدات وأسمدة وآليات زراعية، وصولا إلى جوالات تعبئة المحاصيل المنتجة.
ويبدو الوضع بالنسبة لمزارعي القطاع المطري في إقليمي كردفان ودارفور غربي السودان أحسن حالا من واقع القطاع المروي، إذ يعتمد غالبيتهم على أموالهم الخاصة في عمليات الزراعة والتي تتم بشكل يدوي تقليدي، لكن مساهمة هذا القطاع في الإنتاج الكلي ضئيلة، إذ تتم الزراعة في مساحات محدودة لسد احتياجات المزارعين.
ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الزراعي السوداني المختص بتمويل النشاط الزراعي، فإن المساحة المزروعة التي يمولها في البلاد تناقصت 60% عن السنوات السابقة.
وتقول دراسة أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الاقتصادية، إن نصف الأسر الريفية تعاني من توقف أنشطة الزراعة التي تعتاش منها، وهي نسبة ترتفع إلى 68% في ريف ولاية الخرطوم.
الإنتاجوأظهر تقرير رسمي لمجلس الوزراء، اطلعت عليه الجزيرة نت، أن إنتاج الموسم الزراعي الصيفي الماضي من الذرة بلغ نحو 3 ملايين طن مقارنة بـ5 ملايين طن في الموسم السابق عليه قبل اندلاع الحرب، و633 ألف طن من الدخن مقارنة بأكثر من مليوني طن في الموسم السابق عليه، كما تراجع القمح من 476 ألف طن إلى 377 ألف طن.
وعزا التقرير تراجع الإنتاج إلى انخفاض المساحات، التي تمت زراعتها من أكثر من 46 مليون فدان حسب المخطط إلى نحو 35 مليون فدان، بسبب تأثر ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور بتدهور الوضع الأمني، وصعوبة نقل مدخلات الإنتاج من التقاوي والأسمدة والوقود وارتفاع أسعارها، وضعف التمويل المصرفي، وعدم حصاد حوالي 7 ملايين فدان بسبب الأوضاع الأمنية. وبلغت صادرات البلاد من الحبوب في الموسم الماضي حوالي 1.6 مليون طن في مقابل استيراد 2.3 مليون طن من السلع الغذائية.
يذكر أنه لا توجد فجوة غذائية في السودان، إذ إن إنتاج الذرة والقمح يبلغ أكثر من 3.3 ملايين طن، مع وجود أكثر من 2.5 مليون طن من المخزون الإستراتيجي وما يدخره المزارعون، مقابل الاستهلاك الذي يبلغ 5.5 ملايين طن، لكن التحدي يتمثل في توصيل الإنتاج إلى المواطنين، حسب التقرير الرسمي.
وفي مارس/آذار الماضي قدّر برنامج الغذاء العالمي إنتاج الذرة الرفيعة والدخن والقمح لسنة 2023 بنحو 4.1 ملايين طن، أي بتراجع 46% عن الناتج المحقق في السنة السابقة، وبانخفاض نسبته 40% مقارنةً بالمتوسط للسنوات الخمس الماضية.
ونفذ برنامج الغذاء العالمي بتمويل من البنك الأفريقي للتنمية تجربة حققت نجاحا في زراعة القمح بالموسم الشتوي الماضي، وأدت إلى زيادة إنتاج القمح بنسبة 70% في مواقع المشروع المستهدفة في 5 ولايات وهي: الجزيرة، وكسلا، ونهر النيل، والنيل الأبيض، والشمالية، وفق تقرير صدر خلال الشهر الماضي.
وأوضحت مديرة البنك الأفريقي في السودان ماري مونيو أن إنتاج القمح بلغ 645 ألف طن متري، مما يجعل تدخل البنك حاسمًا للاستجابة للأزمات للنازحين داخليًا، مضيفة أن أكثر من 30% من المستفيدين في الولاية الشمالية هم من النازحين.
بدوره، قال ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره القُطري في السودان إيدي رو إن المشروع يهدف إلى توزيع بذور القمح والأسمدة المتكيفة مع المناخ على أكثر من 170 ألف مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة في الولايات الخمس.
وأوضح إيدي رو أن إنتاج 645 ألف طن متري من القمح يمثل 22% من إجمالي احتياجات استهلاك القمح في السودان. وكان حوالي 16 ألفًا من المزارعين الذين تلقوا الدعم نزحوا حديثا بسبب الصراع خلال الأشهر الـ13 الماضية.
تهديداتيواجه الموسم الزراعي الصيفي تحديات تهدد بتقلص المساحات بسبب ضعف التمويل ومدخلات الإنتاج، فضلاً عن شح الوقود وارتفاع أسعاره، رغم هطول الأمطار مبكرا عن موعدها في نهاية يونيو/حزيران وبداية يوليو/تموز.
كما يمثل الوضع الأمني في مناطق الصراع المسلح أبرز التهديدات للمزارعين من قطاعي الزراعة المروية في ولاية الجزيرة والمطرية، في ولايات كردفان ودارفور.
غير أن وزير الزراعة والغابات أبو بكر عمر البشرى طمأن المزارعين بتوفير مدخلات الإنتاج وتذليل العقبات وتهيئة المناخ الملائم للموسم لزراعة 35 مليون فدان بالتركيز على الذرة والدخن نظرًا إلى اعتماد غالبية السودانيين على هذه المحاصيل في الأمن الغذائي.
وقال البشرى، خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، إن الولايات المتأثرة بالحرب لن تخرج كليًا من دائرة الإنتاج لأن المشاريع الزراعية تتركز في الأرياف وليس المدن، فضلًا عن إصرار المزارعين على زيادة المساحات.
وبشأن التمويل، أشار وزير الزراعة إلى أن البنك الزراعي وصل مرحلة قريبة من الإفلاس بسبب عدم استرداد الأموال التي منحها للمزارعين خلال الموسم الماضي لأن الصراع المسلح أسهم في تعثر الغالبية عن السداد.
في المقابل، انتقد تجمع المزارعين السياسة التمويلية الجديدة للموسم الصيفي التي أعلنها البنك الزراعي، ووصفها بـ"المعيبة والمدمرة للقطاع وتقود المزارعين نحو الإعسار والسجن وتهدد بفشل الموسم".
وحمل إدارة البنك الزراعي واللجنة العليا مسؤولية أي فشل يحدث للموسم الزراعي خاصة في إنتاج محصول الذرة والذي يعتبر من أهم المحاصيل في مناطق الزراعة المطرية.
وقال التجمع في بيان إن البنك الزراعي حدد سعر الذرة بفارق كبير عن السعر السائد بالسوق، وشكا من ارتفاع كلفة الإنتاج لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، خاصة البنزين والأسمدة والمبيدات والتقاوي والآليات.
وأشار إلى أن ذلك يتزامن مع رفع الدولة يدها عن دعم الإنتاج كليًا، وفرضها رسومًا وضرائب باهظة أثقلت كاهل المزارعين وتسببت في حبس الكثيرين منهم، وخروج بعضهم عن دائرة الإنتاج.
وقال المزارع حامد إبراهيم بولاية القضارف بشرقي السودان للجزيرة نت إن ضعف التسويق وضعف أسعار الذرة والسمسم أديا إلى تكبيدهم خسائر كبيرة.
ورفض تحديد البنك الزراعي 35 ألف جنيه (58.24 دولارا) لجوال الذرة، واعتبره سعرا غير واقعي بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج، مما يجعل الزراعة غير مجزية. وتوقع إبراهيم عزوف كثيرين عن الزراعة في الموسم الحالي.
وفي ولاية شمال كردفان، يقول المزارع عبد الله حميدان للجزيرة نت إنه لم يجد تمويلًا من المصارف ولم يحصل على تقاوٍ (بذور) وسيزرع مساحة محدودة من الذرة والدخن تكفي أسرته وسيسعى إلى مشاركة تجار لديهم سيولة لزراعة محاصيل التصدير مثل الفول والسمسم لأنه يعتمد على دخله في الزراعة، مبديًا مخاوفه من تمدد المواجهات العسكرية إلى منطقته.
أزمة الصمغ العربييواجه إنتاج وتصدير الصمغ العربي من السودان تحديات عدة بسبب الحرب وارتفاع كُلفة النقل على خلفية التوترات الأمنية على الطرق التي تربط مدينة بورتسودان بمناطق الإنتاج، في وقت يحجم فيه سائقو شاحنات عن العمل في مناطق إنتاجه في ولايات كردفان غربي البلاد.
وينتج السودان 80% من الإجمالي العالمي من الصمغ العربي.
وقال رئيس شعبة مصدري الصمغ العربي أحمد العنان، في تصريح صحفي السبت الماضي، إن صادرات السودان من الصمغ العربي قبل الحرب تراوحت بين 120 و150 ألف طن، لكنها تراجعت بعد الحرب في 2023 بنسبة 60%، متوقعًا مزيدًا من الانخفاض في العام الحالي لتسجل ما بين 40 ألف طن و50 ألف طن.
وحول الصعوبات التي تواجه إنتاج الصمغ، أشار العنان إلى أن أبزرها غياب الأمن في أغلب مناطق الحزام، بالإضافة إلى العزوف عن العمل بسبب الظروف الأمنية وغياب التمويل.
خيبة أمل المزارعينمن جانبه، يقول الخبير الزراعي عثمان الأغبش إن الموسم الزراعي مهدد بسبب تمدد الحرب من إقليمي دارفور غربًا حتى ولايتي الخرطوم والجزيرة وسط البلاد، وصولاً إلى ولاية سنار جنوبي شرقي البلاد، والتي سبقتها خيبة آمال المزارعين جراء الموسم السابق الذي شهد تدنيا في الإنتاج وانخفاض الأسعار وما أعقبهما من كساد أدى إلى تعثر المزارعين في سداد التزاماتهم تجاه المصارف بعد حصولهم على تمويل.
وتوقع الأغبش، في حديث للجزيرة نت، توقف نشاط كبار مزارعي القطاع المطري وتقليص الرقعة المزروعة لتقليل الصرف على مدخلات الإنتاج والاتجاه لزراعة تقليدية في مساحات محدودة تسد حاجة المزارع ومواشيه فقط، نتيجة التهديدات الأمنية التي تطال المعدات والآليات، بالإضافة إلى ضعف التسويق والصادرات.
ويرجّح أن يركز غالبية المزارعين على زراعة مساحات صغيرة للمنتجات الغذائية، أما الزراعة التصديرية في المناطق التقليدية للسمسم والفول السوداني بغربي البلاد، فلن تكون مساحاتها واسعة حتى لو وجدوا تمويلًا، لأن المصدرين أحجموا عن شراء إنتاج الموسم السابق بسبب إغلاق الطرق من قبل قوات الدعم السريع وفرضها رسومًا على الشاحنات ونهب بعضها.
كان صندوق النقد الدولي توقع انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3% بسبب الحرب، التي دمرت القاعدة الصناعية، وأخرجت مساحات زراعية واسعة من الإنتاج، وأوقفت النشاط الاقتصادي بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية وتآكل قدرة الدولة.
كما قالت منظمة الصحة العالمية في أحدث تقرير لها عن السودان، إن أكثر من 25 مليون سوداني (أكثر من نصف سكان البلاد) يواجهون مستويات حادةً من انعدام الأمن الغذائي، وفقا لآخر تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي الحاد الذي أُجري بين أواخر أبريل/نيسان وأوائل يونيو/حزيران 2024.
ويواجه نحو 755 ألف شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، في حين يعاني 8.5 ملايين شخص نقصا حادا في الغذاء ومعه ارتفاع مستويات سوء التغذية.
وثمة 14 منطقة عرضة لخطر المجاعة، منها مثلا مناطق في ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة وَتجمعات من المشردين داخليا واللاجئين، وهذه أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد التي سجلها التصنيف المرحلي المتكامل في السودان على الإطلاق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات انعدام الأمن الغذائی مدخلات الإنتاج الموسم الزراعی البنک الزراعی الموسم السابق الصمغ العربی ملیون فدان فی السودان فی الموسم ملایین طن أکثر من ألف طن
إقرأ أيضاً:
"زراعة الأرز" بين توسع الإنتاج والتوازن في استهلاك المياه.. وزير الري يقرر تحديد 724 ألف فدان لموسم 2025.. دراسة: مصر تحولت من دولة مصدرة إلى مستوردة بسبب تقليص المساحة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت وزارة الموارد المائية والري عن تحديد مساحات زراعة الأرز لموسم 2025، وذلك بموجب قرار الدكتور هاني سويلم وزير الري والمواد المائية، الذي نشر في جريدة الوقائع المصرية في العدد رقم 27 بتاريخ 3 فبراير 2025، ويشمل القرار تحديد المساحات المخصصة لزراعة الأرز في مختلف محافظات الجمهورية، وذلك في إطار خطة الوزارة لتنظيم استهلاك المياه وتحقيق التوازن بين إنتاج المحاصيل الزراعية والحفاظ على الموارد المائية، في ظل التحديات التي تواجهها مصر في إدارة مواردها المائية، ولا سيما مع تزايد الطلب على المياه في القطاع الزراعي.
وتصطحبكم "البوابة نيوز" في جولة حول زراعة الأرز في مصر لموسم 2025.
يعد الأرز من المحاصيل الاستراتيجية في مصر، ويشكل جزءًا كبيرًا من الزراعة خاصة في محافظات الدلتا، إلا أن زراعة الأرز تتميز بأنها من المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه، حيث يحتاج فدان الأرز إلى ما يقرب من 5.000 متر مكعب من المياه طوال الموسم الزراعي، وهو الأمر الذي يضع ضغوطًا إضافية على موارد المياه الجوفية والسطحية، ويجعل من تنظيم استخدام المياه في هذه الزراعة ضرورة حتمية.
ونظرًا لأهمية الأرز في تلبية احتياجات الأمن الغذائي، عملت وزارة الموارد المائية والري على تطوير استراتيجية لإدارة المياه وتوزيعها بشكل يضمن استدامة الزراعة في ظل قلة الموارد المائية، وكان من بين الإجراءات التي تم اتخاذها تحديد المساحات المخصصة لزراعة الأرز، بما يتماشى مع خطة الحفاظ على المياه.
مساحات الأرز لموسم 2025وفقًا للقرار الوزاري رقم 26 لسنة 2025، الذي صدر في 19 يناير 2025، تم تحديد المساحة الإجمالية لزراعة الأرز لهذا الموسم بـ724.200 فدان، ويأتي هذا القرار في إطار تنفيذ سياسة توزيع المياه بشكل أكثر كفاءة وتنظيم الاستهلاك المائي في الزراعة، وضمن خطة أوسع نطاقًا لتنظيم استهلاك المياه في الزراعة وتحقيق عدالة توزيع المياه بين المزارعين، وتشكل هذه الخطة جزءًا من الجهود المبذولة لتحقيق الاستدامة في القطاع الزراعي، الذي يعد من أكبر مستهلكي المياه في مصر، وتحديد وزارة الري المساحة المقررة لزراعة الأرز في الموسم المقبل بـ724.200 فدان، وهو ما يعتبر جزءًا من استراتيجية مستدامة تهدف إلى الحفاظ على الموارد المائية وتوجيهها نحو الاستخدام الأمثل، ورغم كون هذه المساحات أقل بكثير من الأرقام التي اعتاد عليها الفلاحون في السنوات الماضية، فإن القرار يحمل دلالة واضحة على التوجه نحو التحكم الأمثل في استهلاك المياه، وهي خطوة ضرورية في ظل أزمة المياه.
وضمن محاولات التوسع في تحسين إنتاج الأرز مع تقليل استهلاك المياه، كلف القرار الوزاري قطاع الري بوزارة الموارد المائية والري بالتعاون مع وزارة الزراعة لتنفيذ زراعة أصناف جديدة من الأرز تتحمل الجفاف والملوحة، حيث سيتم زراعة حوالي 200.000 فدان من الأرز الجاف، بالإضافة إلى زراعة 150.000 فدان على المياه ذات الملوحة المرتفعة نسبيًا في المناطق المصرح بها بزراعة الأرز في الدلتا، ومن خلال تحديد المساحات المقررة لزراعة الأرز، والاهتمام بتشجيع الأصناف المقاومة للملوحة والجفاف، يسعى قرار وزارة الموارد المائية والري إلى ضمان استدامة الإنتاج الزراعي في مصر، وتؤكد هذه الخطوات على ضرورة التوازن بين استهلاك المياه وتحقيق الأمن الغذائي، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في إدارة مواردها المائية.
ويعد التركيز على زراعة الأصناف الجديدة من الأرز التي تتحمل الجفاف والملوحة، أحد أبرز ملامح القرار الوزاري رقم 26 لعام 2025، فهو بمثابة خطوة استراتيجية لمواجهة التحديات البيئية والمناخية التي تهدد الاستدامة الزراعية، حيث نص القرار على تخصيص 200 ألف فدان لزراعة الأصناف الموفرة للمياه، مثل الأرز الجاف، وذلك في مناطق تجريبية تمتد عبر الدلتا، ما يعكس رغبة الحكومة في تبني تقنيات زراعية حديثة تهدف إلى تقليل الضغط على شبكة الري وتقليل استهلاك المياه.
كما وجه القرار بزراعة 150 ألف فدان في المناطق التي تعاني من ملوحة مرتفعة في مياه الري والتربة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحقق استدامة أكبر في استخدام الأراضي التي قد تكون غير صالحة للزراعة التقليدية، وتعتبر تلك الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لتوسيع نطاق استدامة الزراعة في مناطق قد لا تكون ملائمة لزراعة الأرز باستخدام الأساليب التقليدية.
وتأتي هذه المبادرة في إطار التوجه نحو الزراعة المستدامة التي تهدف إلى تقليل استخدام المياه، وبخاصة في المناطق التي تواجه مشكلات بسبب ملوحة المياه أو ندرتها، وتشير التقارير إلى أن هذه الأصناف الجديدة ستمكن المزارعين من زراعة الأرز في ظروف أكثر صعوبة، مما يساهم في تحسين الإنتاجية دون استنزاف الموارد المائية.
حظر الزراعة في المناطق غير المصرح بهاكما شدد قرار وزير الري والموارد المائية، على ضرورة الالتزام بالقانون الذي يحدد المناطق المصرح لها بزراعة الأرز، حيث يحظر زراعة الأرز في المناطق غير المصرح بها وفقًا للمادة 28 من القانون رقم 147 لسنة 2021، وسيتم تطبيق غرامات مالية على المخالفين الذين يقومون بزراعة الأرز في مناطق غير معتمدة، بهدف الحفاظ على استدامة الموارد المائية وعدم استخدامها بشكل مفرط.
مواعيد توزيع المياه والمناوبات
أحد الجوانب التنظيمية الهامة في القرار هو تحديد مواعيد مناوبات الري، وهي خطوة تهدف إلى ضمان العدالة في توزيع المياه بين المزارعين، حيث حدد القرار بدء إعطاء المياه لمشاتل الأرز اعتبارًا من 1 مايو 2025، على أن تبدأ مناوبات الري للأرز في المناطق المقررة من 15 مايو وحتى 31 أغسطس 2025، مع تخصيص مواعيد خاصة لمناطق معينة مثل كفر الشيخ والدقهلية، وتساهم هذه التنظيمات في توزيع المياه بإنصاف وتجنب أي خلافات أو مشكلات قد تنشأ بسبب التوزيع العشوائي للمياه.
وبما أن الأرز من المحاصيل التي تستهلك كميات ضخمة من المياه، فإن قرار وزير الري، يكتسب أهمية خاصة في سياق الجهود المستمرة لتقليص استهلاك المياه في الزراعة، حيث يستهلك محصول الأرز ما يقرب من 5.000 متر مكعب من المياه لكل فدان، وهو ما يضع تحديًا كبيرًا أمام الحكومة في توفير المياه لهذه المساحات المقررة، في هذا السياق، يمكن ملاحظة أن القرار يعكس رؤية مستقبلية ترتكز على التوسع في استخدام التقنيات الحديثة مثل زراعة الأصناف المتحملة للجفاف والملوحة، التي تعد أملًا كبيرًا في تقليص استهلاك المياه.
تراجع المساحة المزروعة بالأرز بنسبة 56%تراجعت المساحة المزروعة بالأرز بنسبة 56%، وفقًا لتحليل بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء للفترة من 2006 إلى 2021، حيث انخفضت المساحة المنزرعة من 1.676 مليون فدان إلى 1.105 مليون فدان، بتراجع بلغ 65.9%، كما تراجعت الإنتاجية من 6.677 مليون طن إلى 4.424 مليون طن، بنسبة انخفاض بلغت 61.6%.
وفي دراسة صادرة عن معهد بحوث الاقتصاد الزراعي في ديسمبر 2017، حذرت من استمرار هذا التراجع، حيث تمثلت مشكلة البحث في الاتجاه المتزايد لمتطلبات الاستهلاك المحلي كنتيجة للزيادة المضطردة لعدد السكان مع تناقص المساحة المنزرعة من الأرز وتناقص الإنتاج وزيادة الواردات منه، حيث تشير الإحصاءات الخاصة بالارز خلال الفترة (2000 - 2015) إلى تناقص المساحة من نحو 1568 ألف فدان عام 2000 الى نحو 1216 ألف فدان عام 2015 بمقدار 352 ألف فدان وبنسبة تناقص 22% تقريبا، وبالتالي تناقص الإنتاج من نحو 5817 ألف طن عام 2000 إلى نحو 5467 ألف طن عام 2015 بمقدار 350 ألف طن وبنسبة تناقص بلغت نحو 6% وبالرغم من التزايد في عدد السكان إلا أن حجم المستهلك من الأرز الابيض انخفض من نحو 3658 ألف طن تقريبا عام 2000 إلى نحو 2851 ألف طن عام 2015
بمقدار تناقص بلغ نحو 807 ألف طن وبنسبة تناقص بلغت نحو 22% عن عام 2000 وتناقص الكمية الموجة للتصدير من نحو 360 ألف طن عام 2000 إلى نحو 252.4 ألف طن عام 2015 بمقدار تناقص بلغ نحو 107.6 ألف طن وبنسبة تناقص 30% عن عام 2000 وهذا التناقص الملحوظ يرجع الى تناقص المساحة المزروعة وتناقص الإنتاج وبالتالي تناقص الاستهلاك والصادرات، ولكن في المقابل زادت كمية الواردات من محصول الأرز فبعد أن كانت مصر من أوائل الدول المصدرة للأرز أصبحت من الدول المستوردة له فقد زادت كمية الواردات من الأرز من نحو 1.069 ألف طن عام 2000 إلى نحو 45.877 ألف طن عام 2015 بزيادة تقدر بنحو 44.808 ألف فدان خلال فترة الدراسة، وهذه الزيادة يستعيض بها المستهلك عن الأرز المصري حيث قل استهلاك الأرز المصري وزاد استهلاك الأرز المستورد مما يؤثر على الميزان التجاري الزراعي والقومي.
وزير الريوشدد الدكتور هاني سويلم، على أهمية التزام المزارعين بزراعة الأرز فقط في المناطق المصرح بها، والتي تشمل محافظات الإسكندرية، البحيرة، الغربية، كفر الشيخ، الدقهلية، دمياط، الشرقية، الإسماعيلية، وبورسعيد، وأن الوزارة ملتزمة بتوفير المياه للمساحات المحددة لزراعة الأرز، داعيًا جميع أجهزة الوزارة إلى الالتزام بهذا التوجيه والتنسيق المستمر مع وزارة الزراعة في هذا الصدد، وأن مخالفة القرار الوزاري من بعض المزارعين وزراعة الأرز في مناطق غير مصرح بها تؤثر سلبًا على عملية توزيع المياه في المحافظة التي تم فيها المخالفة، وكذلك في المحافظات المجاورة ضمن شبكة الترع.
وأشار وزير الري إلى أنه وفقًا للمادة 28 من قانون الموارد المائية والري رقم 147 لسنة 2021 ولائحته التنفيذية، سيتم فرض غرامة على المخالفين وفقًا للمادة 104 من نفس القانون، بالإضافة إلى تحصيل قيمة المياه المهدرة نتيجة المخالفة طبقًا للائحة التنفيذية للقانون.
كما دعا وزير الري، المزارعين إلى التواصل مع الإدارة العامة للري أو الإدارة الزراعية في منطقتهم للتأكد مما إذا كانت أراضيهم ضمن المساحات المصرح بزراعتها بالأرز وفقًا للقرار الوزاري الصادر في هذا الشأن.
ويرى عددا من الخبراء والمختصين أنه من الضروري تحديد سياسة مستدامة للحفاظ على المياه، شريطة أن لا تؤثر سلبًا على صلاحية الأراضي الزراعية التي يجب أن تكون لها الأولوية في هذا الشأن، وأكدوا أن محصول الأرز يعد من المحاصيل الاستراتيجية التي تساهم في الحفاظ على أراضي الدلتا، خاصة في ظل التحذيرات الصادرة عن تقارير البنك الدولي بشأن تملح ثلث مساحة هذه الأراضي، كما أشاروا إلى أهمية الأرز في تعزيز التنوع البيولوجي، فضلًا عن الفوائد الاقتصادية الكبيرة التي يعود بها على الفلاحين، مما يساعد في تحسين ظروفهم المعيشية ورفع مستوى دخلهم من خلال تحقيق هامش ربح مستدام..
وأكد الدكتور نادر نورالدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن تحديد وزارة الري للمساحات المزروعة بالأرز يكون بناءً على كميات المياه المتاحة، وخصوصا في ظل معاناتنا من الفقر المائي، وهو ما يستدعي تقليل المساحات المزروعة وخصوصا المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الأرز وقصب السكر والموز، مؤكدًا أن الإحتياجات المائية للمحصول تتراجع عندما يبدأ موسم حصاد الأرز في شهر سبتمبر.
ويضيف نورالدين، انه من الضروري زراعة ثلث أراضي الدلتا بالأرز كل عام، بما لا يقل عن مليون ونصف فدان، والتي تبلغ مساحتها 4.5 مليون فدان، بنحو لا يقل عن مليون ونصف فدان، وذلك لحماية هذه الأراضي من التملح الذي يتسلل إلى شمال ووسط الدلتا بفعل البحر، مضيفًا أن الأرز يعتبر بديلًا هامًا للفيضان الذي كان يحدث قبل بناء السد العالي لغسيل ملوحة التربة، وذلك وفقًا لتوصيات البنك الدولي.
وأشار نورالدين، إلى أن تركيز وزارة الري على استهلاك المياه دون مراعاة تدهور الأراضي الزراعية أمر غير مقبول، ويستوجب إعادة النظر في تلك السياسة، فوظيفة وزارة الري يجب أن تكون الحفاظ على المياه والتربة معًا، حيث تأتي أهمية الحفاظ على صلاحية التربة الزراعية أولًا، ثم العمل على تقليل هدر المياه ثانيًا.
وأوضح نورالدين، أن الأرز محصولًا اقتصاديًا هامًا، وأن سعر الكيلوجرام منه يعادل ضعف سعر الكيلوجرام من القمح أو الذرة، وهو ما يساعد الفلاحين في تحسين دخلهم ورفع مستوى معيشتهم.
ويقول نورالدين، أنه يمكن اعتبار شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر، هي الفترة التي تشهد أقصى احتياجات مائية للنباتات، خاصة في ظل تأثيرات الاحتباس الحراري، حيث تزرع المحاصيل الصيفية عادة في أواخر مايو بعد حصاد المحاصيل الشتوية، ويتم حصادها في شهري سبتمبر وأكتوبر، وخلال هذه الفترة والتي تمتد لنصفها تقريبًا، يصل النبات إلى مرحلة النضج مثل طرح السنابل، وتكون الاحتياجات المائية في ذروتها، خاصة في شهري يوليو وأغسطس، حيث ترتفع درجات الحرارة ويزيد فاقد المياه من أوراق النباتات وسطح التربة عبر التبخر.
ويقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا وخبير المياه، إن الأرز أهم محصول اقتصادى فى مصر بعد تدهور القطن المصرى طويل التيلة، حيث ينتج الفدان حوالى 4 أطنان فى 130 يوما، بعد جهد الزراعيين فى تحسين سلالة الأرز، وأن السوق المحلية يحتاج حوالى 5 ملايين طن سنويا.
وطالب "شراقي" بزيادة مساحة الأرز خاصة بعد تهديد بعض الدول المصدرة للغذاء بالتمهل فى التصدير، مؤكدًا أن زيادة المساحة سوف تشكل عبئًا على وزارة الرى ولكنها تستطيع، فهى أعرق مدرسة رى فى العالم وتدير بكفاءة أكثر من 50 ألف كم أطوال ترع ومصارف.
وأكد شراقي، أن زراعة مليون فدان اضافى على مياه الرى والصرف بعد المعالجة يوفر حوالى 4 ملايين طن يمكن استخدام جزء منها تعويضا عن القمح فى حالة تعثر استيراده، وإذا حصلنا على القمح دون مشاكل وبأسعار مناسبة يمكن أن نصدر الأرز بأسعار تفوق القمح، مؤكدًا أن نوع الأرز المصرى جيد ومطلوب فى الداخل والخارج، وقد وصلنا لزراعة 2 مليون فدان بالفعل عام 2008 ومتوسط مساحات الأرز من 2000 - 2015 كان 1.5 مليون فدان.
قرار وزير الري بشأن تحديد مساحات الأرز لموسم 2025 2025-638742767321268041-126_page-0001 2025-638742767321268041-126_page-0002 2025-638742767321268041-126_page-0003 2025-638742767321268041-126_page-0004 زراعة الأرز 474441287_2285048955200388_5363291123308504166_n 474648469_2285049018533715_2793825304176638735_n 474550482_2285049075200376_7080746484726251582_n