إذا سألنا المبتكرين وأصحاب الشركات العلمية الناشئة عن أهم المهارات الريادية لضمان استدامة أعمالهم، فإن معظم الاستجابات سوف تتمحور حول الإدارة المالية الجيدة، والتسويق المبتكر، وصناعة الهوية التجارية، والقدرة على البروز في وسائل التواصل الاجتماعي، والتفوق في إدارة السمعة الرقمية، وجميع هذه المهارات مهمة وضرورية، ولكن في الواقع هناك جزء لا يتعلمه المبتكرون في الجامعات، ولا يخبرهم به أحدٌ ممن سبقهم في ريادة الأعمال العلمية وهو «اليقظة الإستراتيجية»، وكما يشير الاسم، فإنها تعني في أبسط معانيها القدرة على اكتشاف الفرص، والتنبؤ بالمخاطر، والسؤال هنا: هل اليقظة الاستراتيجية مهارة عملية يمكن اكتسابها بالخبرة، أم أنها عملية أساسية في ريادة الأعمال العلمية والتكنولوجية؟

في البدء لا بد من الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من الشركات الناشئة العلمية هي في الأصل مشروعات تخرّج طلابية تمكنت من إنهاء مرحلة إضافية من التطوير التكنولوجي، وصارت بذلك مؤهلة لكي تنبثق إلى شركة طلابية، ثم تمكنت مع الدعم المالي والتقني من التوسع في نطاقها لتصبح شركة ناشئة قائمة على التكنولوجيا، وإذا أخذنا في الحسبان الإحصاءات التي تشير إلى أن نسبة عالية من هذه الشركات تتلاشى من عالم الأعمال خلال السنوات الثلاثة الأولى من تأسيسها فإن دور اليقظة الإستراتيجية يتعاظم هنا، فوجود هذا المكون هو بمثابة صمام الأمان في الاستكشاف المبكر للمخاطر الكامنة في بيئة الأعمال، وعلى سبيل المثال فإن أهم أسباب تراجع أداء الشركات العلمية خارج مختبرات الجامعات التي نشأت فيها هو قلة الدعم التقني، وهذا يعود إلى حقيقة أن مشروعات التخرج الطلابية تستمع بالرعاية والإشراف من قبل الأكاديميين والفنيين طوال فترة وجودها في الكلية، وبخروجها إلى عالم الأعمال ترتفع مخاطر تقادم المعرفة التقنية بشكل تلقائي، فالبعد المكاني عن مختبرات الجامعات والكليات والمراكز البحثية يوقف تدفق المعرفة وتحديثها، ويتطلب ذلك بذل جهد مضاعف من الشركات الناشئة لمواكبة التطورات العلمية، والمستجدات المتسارعة في التكنولوجيا، وهذا يضع عليها عبئًا إضافيًا في الوقت الذي تكون فيه الشركة منشغلة بالتكيف مع آثار الانفصال عن المؤسسة الحاضنة، وفي هذه المرحلة الحرجة والمتطلبة تحدث معظم حالات الإخفاق للشركات الناشئة العلمية.

ولذلك تجدر الإشارة إلى أن اليقظة الإستراتيجية هي في الأصل عملية منهجية وفكر إداري يقوم على أربع خطوات متعاقبة وهي التوقع والاكتشاف والمراقبة والتعلم، وهي عملية مستمرة وإن كانت في بعض الأحيان موسمية، ولكنها في المجمل لا تقتصر على مرحلة تأسيس الشركة الابتكارية أو العلمية، لأن ديناميكية البيئة الخارجية تفرض المواكبة والاستباقية المستدامة لكونها تتعلق بشكل مباشر بتغذية القرارات ذات الطابع المستقبلي، ولذلك فإن قدرة الشركة الناشئة على تحقيق التوازن بين المهام والوظائف الأساسية لمرحلة التأسيس وبين تطوير أدوات فهم الفرص والمخاطر من خلال جمع وتحليل المعلومات عن المتغيرات الخارجية يمكن أن يعزز من إمكانيات اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وبما يكسب الشركة قدرًا كبيرًا من الذكاء الاقتصادي، ويرفع بذلك من احتمالات البقاء والانتقال إلى مرحلة الرسوخ والإبداع.

وهذا يقودنا إلى النقطة المركزية في إبراز أهمية اليقظة الإستراتيجية في استدامة الشركات الناشئة والقائمة على التكنولوجيا، فجميع الشركات تدرك وبشكل ضمني بأن عليها أن تكون على اطلاع كامل بالمستجدات في مجال عملها لكي تتمكن من اغتنام الفرص التي تتهيأ لها، وفي الوقت ذاته يمكنها أن تتجنب المخاطر الاستثمارية، أو تهديدات المنافسين، وهي جوانب بديهية في ريادة الأعمال، ولكن الميزات التي تقدمها اليقظة الاستراتيجية يمكن وصفها بأنها نوعية وحاسمة، وهذا الموضوع يستحوذ على اهتمام العلماء والباحثين في حقول ريادة الأعمال العلمية والأكاديمية، وذلك من أجل الفهم الواسع للعلاقة بين اليقظة الإستراتيجية واستدامة ريادة الأعمال العلمية، فهناك العديد من الشركات الطلابية ذات الأفكار الابتكارية المتميزة التي تفقد القدرة على الصمود في الواقع العملي مع وجود التمويل والتسويق وعوامل النجاح التقليدية، وهذا يعكس الفاقد العلمي والتكنولوجي والتجاري للأفكار الابتكارية والإبداعية التي تتضمنها مشروعات التخرج الطلابية، وكذلك الفاقد المهاري الناجم عن تحول المبتكر العلمي ورائد العمل إلى موظف، لأن إعادة المحاولة بعد الإخفاق في التجربة الأولى ليست بالأمر السهل، وتتطلب سمات شخصية ودعما مجتمعيا والكثير من العوامل الداعمة لتحديات المراحل المبكرة من تأسيس الشركات الابتكارية والتكنولوجية.

ونظرًا لأن اليقظة الاستراتيجية هي في الأصل موجودة لدى كل رائد عمل فإنه من الأهمية بمكان التركيز على طرق ترجمتها إلى عمليات أساسية في إدارة الشركة الناشئة العلمية، فالمحيط الخارجي للشركة يجب ألا ينظر إليه بشكل مجرد على هيئة أرقام ومؤشرات أو استطلاعات الرأي، وإنما يجب الأخذ بالجوانب المعنوية غير المادية، مثل ثقافة التقبل للمنتجات الابتكارية، والمنافسات الخفية، وغيرها من الجوانب التي قد يغفل عنها المخططون والمحللون، لأن اليقظة الإستراتيجية لا تأتي من البيانات والإحصاءات البارزة، ولكنها تكمن في تلك الإشارات الضعيفة الكامنة التي تتحول إلى قوى محركة ويظهر أثرها السلبي لاحقًا بعد ظهور التحديات، ولذلك فإن القدرة على الاكتشاف المبكر للمخاطر هو أساس اكتشاف وبناء الميزة التنافسية للشركة، فإذا نظرنا إلى مخاطر تقادم المعرفة والتكنولوجيا كأحد أهم التهديدات التي تواجه الشركة بعد انفصالها عن المؤسسة الحاضنة، فإن اليقظة الإستراتيجية يمكنها أن تقود الشركة الناشئة إلى البحث عن بدائل عملية وابتكارية لمعالجة التحدي، مثل استقطاب الخريجين كمتدربين في الشركة واكتساب المعرفة بالأفكار المتجددة والحديثة التي يمتلكونها بحكم قربهم الزمني من الجامعات، أو البحث عن مشروعات تشاركية مع المختبرات البحثية في الجامعات في مجالات حيوية وقادرة على إنتاج الملكية الفكرية، وهذا التوجه يدعم الحصول على موارد وافرة من المعارف والأفكار والمواهب وبما يدعم القدرة الابتكارية ومخزون الخبرات المؤسسية في وقت قياسي مقارنةً بالأساليب التقليدية، وهي ركيزة أساسية للبقاء في عالم سريع التطور.

د.جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القدرة على

إقرأ أيضاً:

الصحفيين والإعلاميين: خلال لقاء محافظ الدقهلية كلنا خلف الرئيس في جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي

إلتقي اللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية، اليوم بالصحفيين والإعلاميين، ممثلي المؤسسات والمواقع الصحفية والإعلامية والقنوات التليفزيونية والإذاعة المصرية، في الاجتماع الدوري لهم، بحضور الكاتب الصحفي حازم نصر نائب رئيس تحرير جريدة اخبار اليوم ورئيس اللجنة النقابية للصحفيين بالدقهلية، ووكلاء اللجنة النقابية للصحفيين بالدقهلية، كلا من  هشام لطفي نائب رئيس تحرير جريدة العربي، وايهاب نظيم نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، والدكتور إيهاب منصور معاون المحافظ.

واستهل محافظ الدقهلية اللقاء بالترحيب بالحضور من الصحفيين والإعلاميين، معربا عن تقديره لجهودهم، ومؤكدا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، حريص على التواصل مع رجال الصحافة والإعلام من كل المؤسسات لتوضيح الحقائق، ونشر الوعي لدى المواطنين.

وأكد محافظ الدقهلية على حرصه الدائم على الالتقاء مع رجال الإعلام والصحافة باعتبارهم شركاء مع الجهاز التنفيذي في العمل العام، مشيرًا إلى أنهم يقومون بدورهم الوطني في مواجهة الشائعات ونشر الحقائق للمواطنين، وتصحيح المعلومات المغلوطة.

من جهتهم أكد الصحفيين والإعلاميين الحاضرين أنهم جميعا خلف الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية في اتخاذ جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي المصري، مؤكدين على ثقتهم الكاملة في قدرة الرئيس وحكمته في اتخاذ القرارات التي تحمي الأمن القومي لمصر وتحافظ على مصالحها.

خلال اللقاء استعرض محافظ الدقهلية عدد من الموضوعات والمشروعات التي تهم المواطنين من أبناء الدقهلية سواء التي تم تنفيذها أو جاري الانتهاء منها في إطار خطة الدولة لتلبية احتياجات المواطنين وتوفير الخدمات اللازمة لهم في مختلف القطاعات والمجالات.

واستمع اللواء" مرزوق" في حوار مفتوح إلى مقترحات ومطالب الصحفيين والإعلاميين التي تهم المواطنين ووعد بالعمل علي تلبيتها وتحقيقها من خلال الأجهزة التنفيذية في مختلف القطاعات الخدمية.

في ختام اللقاء وجه الصحفيين والاعلاميين الشكر والتقدير لمحافظ الدقهلية على حرصه واهتمامه الكبير والدائم باللقاء الدوري معهم، وعلى الجهود التي يبذلها بشخصه أو عن طريق الأجهزة التنفيذية في جميع المجالات لتحقيق مطالب المواطنين واحتياجاتهم والتعامل الفوري مع المشكلات التي تواجههم.

لقاء صحفيين الدقهلية 1000547051 1000547047 1000547021 1000547011 1000546987 1000547027 1000547041 1000547043

مقالات مشابهة

  • رئيس هيئة الرقابة المالية: الدولة تساند الشركات الناشئة للعمل في السوق
  • وزير الخارجية: وفد رجال الأعمال المصريين يشارك في منتدى الأعمال بجيبوتي
  • عمالة مصرية 100%.. الشركة المصرية للتعدين: تجهيز مجمع إنتاج الكوارتز بأعلى مستوى من التكنولوجيا
  • هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
  • «رجال الأعمال»: بحث الاستفادة من «البريد» في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة
  • "رجال الأعمال" تستعرض التجارب الدولية في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة
  • مركز قطر للمال سجل أعلى نمو بعدد الشركات في 2024
  • تطورات جديدة.. محافظ الديوانية يسحب الأعمال من الشركة المنفذة لمشروع تأهيل 42 حيًا
  • في لقاء مع صابري.. صناع النسيج والألبسة ينخرطون في ورش المنصة الرقمية التي تعدها كتابة الدولة المكلفة بالشغل
  • الصحفيين والإعلاميين: خلال لقاء محافظ الدقهلية كلنا خلف الرئيس في جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي