أصبح التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين هو المنافسة الجيوسياسية المحددة في القرن الحادي والعشرين، حيث اتسع نطاقه ليشمل السياسات الاقتصادية، والاستراتيجيات العسكرية، والطموحات الإقليمية، والتقدم التكنولوجي.

وتتجلى هذه المنافسة المتعددة الأوجه بوضوح في حربهما التجارية، التي تميزت بالتعريفات العقابية التي تعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية والتحالفات الاقتصادية من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية.

وفي الساحة العسكرية، تستفيد الولايات المتحدة من شبكتها الواسعة من القواعد والتحالفات عبر منطقة المحيط الهادئ الهندية، في حين تعمل الصين على تعزيز نفوذها في بحر الصين الجنوبي وتوسيع مبادرة الحزام والطريق، مما يعكس استراتيجيات متباينة للسيطرة على المناطق البحرية والإقليمية الحاسمة.

ويشكل الغزو المحتمل لتايوان نقطة اشتعال متقلبة، حيث يجعل الموقع الاستراتيجي للجزيرة منها ساحة معركة حاسمة لاستعراض القوة، حيث تدعم الولايات المتحدة تايوان من خلال مبيعات الأسلحة والضمانات الدبلوماسية، التي تواجهها التدريبات العسكرية المكثفة والضغوط الدبلوماسية التي تمارسها الصين.

وفي الوقت نفسه، فإن السباق من أجل التفوق في الذكاء الاصطناعي يشهد قيام البلدين بالاستثمار بكثافة في البحث والتطوير، حيث تستفيد الولايات المتحدة من مراكز الابتكار لديها، بينما تقوم الصين بتسخير موارد البيانات الهائلة والمبادرات التي تقودها الدولة.

يستكشف هذا المقال كيف تستخدم الولايات المتحدة والصين أصولهما الجغرافية بشكل استراتيجي لتأمين الانتصارات في مجالات المنافسة الرئيسية هذه، مما يوفر تحليلا شاملا للآثار الأوسع على الاستقرار العالمي وتوازن القوى المتغير.

معركة التعرفة الجمركية

رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن الرسوم الجمركية بشكل حاد على السلع المصنوعة في الصين في أيار/ مايو، مدعيا أن "الحكومة الصينية خدعت الولايات المتحدة من خلال ضخ الأموال في الشركات الصينية، مما ألحق الضرر بالمنافسين الذين يحترمون قواعد التبادل التجاري". وتسلط هذه الخطوة الحاسمة الضوء على استراتيجية أوسع في ظل إدارة بايدن، وتهدف إلى إحياء صناعات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية وتقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية، وخاصة من الصين. وتتضمن الاستراتيجية تقديم إعانات دعم كبيرة لقطاعات الطاقة المتجددة وأشباه الموصلات، مما يضمن بقاء الولايات المتحدة في طليعة الإبداع التكنولوجي. وتشكل زيادة الرسوم الجمركية عنصرا حاسما في هذه الاستراتيجية، مما يؤكد من جديد التزام الإدارة بتكافؤ الفرص أمام الشركات الأمريكية.

ومع ذلك، لم تقف الصين مكتوفة الأيدي في مواجهة هذه التعريفات. وفي مناورة جديدة، تهرّب المصدرون الصينيون من الرسوم الجمركية الأمريكية عن طريق إعادة توجيه البضائع عبر المستودعات بالقرب من الحدود المكسيكية. على هذه النقطة الحدودية بالذات، يتم تفريغ الحاويات وإعادة تعبئتها، ثم نقلها إلى الولايات المتحدة، مستغلين ثغرة في قواعد التجارة الأمريكية المعروفة بإعفاء "الحد الأدنى". وتسمح هذه القاعدة للطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار بدخول الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في مثل هذه الواردات. وفي عام 2023، وصلت صادرات الصين تحت هذا الإعفاء إلى أكثر من 1.4 مليار حزمة بقيمة لا تقل عن 66 مليار دولار، مقارنة بـ500 مليون حزمة في عام 2019. وتسلط هذه الزيادة الكبيرة الضوء على التحديات التي تواجه إنفاذ التعريفات الجمركية والتشوهات المحتملة في البيانات التجارية التي تسببها.

الثغرة ليست مجرد سهو بسيط؛ فهو يمثل خللا كبيرا في استراتيجية الرسوم الجمركية الأمريكية. ويسعى بعض المشرّعين الأمريكيين الآن إلى سد هذه الثغرة، وهي خطوة، على الرغم من كونها ضرورية، قد تؤثر بشكل غير متناسب على الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض الذين يعتمدون على السلع المستوردة الأرخص.

التنافس على الأسواق الاقتصادية والأنظمة البنكية

وبالإضافة إلى حرب الرسوم الجمركية، هناك صراع موازٍ يختمر حول نفوذ الشركات الصينية الكبرى في الشرق الأوسط، خصوصا بعد الزيارات الأخيرة للرئيس الإماراتي محمد بن زايد ومن ثم زيارات المسؤولين السعوديين إلى الصين. وقد شهد الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، استثمارات كبيرة من الشركات الصينية مثل شركة "Xiaomi". وتؤكد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقعة بين الإمارات والصين على عمق العلاقات الاقتصادية التي بدأت تقلق الولايات المتحدة. ودعت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا إلى الحد من نفوذ الشركات الصينية، وضغطت على الدول العربية لإعادة النظر في عقود النفط والغاز المبرمة مع الصين.

ويمتد هذا الصراع الجيوسياسي إلى النظام المالي العالمي، حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين على الهيمنة. ويشكل ظهور "البترو يوان" تطورا مهما في هذا السياق. تمثل العضوية الكاملة للمملكة العربية السعودية في مشروع "M Bridge"، وهي مبادرة للعملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC)، تحولا نحو معاملات العملات الفورية ومنخفضة التكلفة عبر الحدود. وتتحدى هذه الخطوة، التي تسمح ببيع النفط السعودي إلى الصين باستخدام اليوان، هيمنة الدولار الأمريكي في تجارة النفط العالمية.

تايوان في وسط التنافس الأمني والعسكري

تقع تايوان حاليا في قلب التنافس الأمني والعسكري المتصاعد الذي له آثار كبيرة على الاستقرار الإقليمي والعالمي. وتقوم الصين بتكديس المعادن والموارد الحيوية الأخرى، وهو ما يفسره الكثيرون على أنها مقدمة محتملة لمحاولة غزو تايوان والسيطرة عليها. ويذكرنا هذا المخزون الاستراتيجي بالسوابق التاريخية، مثل تكديس ألمانيا النازية للمعادن وأهمها النحاس، قبل غزوها لبولندا في عام 1939.

تنبع مناورات الصين الاستراتيجية من قلقها المتزايد بشأن الجهود الدولية الرامية إلى الحد من صعودها كقوة عالمية. وقد أعرب الرئيس الصيني شي جين بينج بصراحة عن أن البيئة الخارجية للصين أصبحت على نحو متزايد غير مؤكدة ولا يمكن التنبؤ بها، واتهم الولايات المتحدة صراحة باتباع سياسة "الاحتواء الكامل والقمع الكامل للصين". ويسلط هذا الاتهام الضوء على التوترات المتزايدة بين القوتين العظميين.

وفي الوقت نفسه، تعمل الولايات المتحدة بنشاط على مواجهة طموحات الصين في مناطق مختلفة. وفي بحر الصين الجنوبي، تكثف الولايات المتحدة جهودها لتحدي مطالبات الصين الإقليمية التوسعية وعسكرة المنطقة. وأصبح الممر المائي الاستراتيجي، الذي يعد حيويا للتجارة الدولية، نقطة اشتعال للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تقوم الولايات المتحدة بعمليات حرية الملاحة وتعزيز التحالفات مع الشركاء الإقليميين.

علاوة على ذلك، تعمل الولايات المتحدة على كبح النفوذ العسكري الصيني في الشرق الأوسط. وحثت الحلفاء على الامتناع عن التعاون العسكري مع الصين، خاصة في مجال تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وقطاعات الدفاع الأخرى. ودفعت العلاقات العسكرية المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة والصين الولايات المتحدة إلى وضع عقبات أمام تسليم طائرات إف-35 إلى الإمارات، مما يسلط الضوء على التزامها بالحد من موطئ قدم الصين العسكري في المنطقة.

الذكاء الاصطناعي أحد أهم مساحات الصراع

تعد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي جانبا مهما من التنافس الاستراتيجي الأوسع بينهما. وتستثمر الدولتان بكثافة في أبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار، حيث حققت الصين خطوات كبيرة بسبب استثماراتها الكبيرة في رأس المال الاستثماري وقدرتها على تعبئة مجموعات كبيرة من البيانات. وفي عام 2017، شكلت الصين 48 في المئة من رأس المال الاستثماري العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، مقارنة بنحو 38 في المئة للولايات المتحدة. وقد أدى هذا الالتزام المالي إلى تسريع تقدم الصين في مجالات مثل تقنيات التعرف على الوجه والمراقبة.

على الرغم من التقدم السريع الذي حققته الصين، تحافظ الولايات المتحدة على تفوقها في مجالات حيوية مثل مواهب الذكاء الاصطناعي والأبحاث المتطورة. تستفيد الولايات المتحدة من نظام جامعي قوي وتركيز عالٍ من أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي. وتتصدر الشركات الأمريكية، مثل "Google" و"OpenAI"، تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، بما في ذلك نماذج اللغات الكبيرة التي تظل متفوقة على نظيراتها الصينية مثل روبوت "ERNIE" التابع لشركة "Baidu".

يعد الذكاء الاصطناعي أيضا عنصرا حاسما في الاستراتيجيات العسكرية لكلا البلدين. وتهدف الصين إلى تحقيق "ذكاء" جيشها، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملية صنع القرار، وتحسين الأنظمة المستقلة، وتعزيز قدرات القيادة والسيطرة. ويشكل هذا الهدف جزءا من طموح الصين الأوسع لتصبح قوة عسكرية عالمية المستوى بحلول منتصف القرن. وعلى العكس من ذلك، تركز الولايات المتحدة على دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية ولكنها تواجه تحديات، مثل مقاومة شركات التكنولوجيا الكبرى للانخراط في مشاريع الذكاء الاصطناعي العسكرية. وتتناقض هذه المقاومة مع التكامل السلس الذي حققته الصين بين جهود الحكومة والقطاع الخاص.

كما تشكل المنافسة الشديدة في مجال الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين مخاطر استراتيجية، بما في ذلك الصراعات العسكرية المحتملة والتهديد بالحرب النووية. ولإدارة هذه المخاطر، تبنت الولايات المتحدة نهجا متعدد الأوجه، بما في ذلك الحد من وصول الصين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وإدارة الذكاء الاصطناعي العسكري بشكل مسؤول، ومواصلة الجهود الدبلوماسية للتخفيف من المخاطر الاستراتيجية. على سبيل المثال، يقيد "قانون تشيبس" صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، بهدف الحد من قدراتها على تطوير الذكاء الاصطناعي.

وتؤكد الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى الولايات المتحدة، على وجود ربط أمريكي بين الحصول على التكنولوجيا الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي وبين تقليل الاعتماد على الشركات الصينية في هذا المجال، بحسب السفير وليام روباك، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد دول ‏الخليج في واشنطن.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التنافس الصين الذكاء الاصطناعي التكنولوجيا امريكا الصين تكنولوجيا تنافس الذكاء الاصطناعي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مجال الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة والصین الولایات المتحدة من الشرکات الصینیة الرسوم الجمرکیة الضوء على الحد من فی عام

إقرأ أيضاً:

الإدارة الأمريكية تغير تصميم الموقع الرسمي للبيت الأبيض.. وضعت اقتباسا لترامب

أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على تغيير تصميم ومحتوى الموقع الرسمي للبيت الأبيض بعد أدائه اليمين الدستورية، حيث تولى مهامه رسميا رئيسا للولايات المتحدة في مبنى الكونغرس.

وتظهر الواجهة الجديدة للموقع صورة كبيرة لترامب، تحمل إلى جانبها عبارته الشهيرة: "لقد عادت أمريكا. سأقاتل كل يوم من أجلكم مع كل نفس في جسدي.. لن أهدأ حتى نخلق أمريكا قوية وآمنة ومزدهرة، تلك التي يستحقها أطفالنا وأنتم.. سيكون هذا حقا العصر الذهبي لأمريكا".




والاثنين، أدى ترامب الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة لأول مرة بين عامي 2016 و2020، القسم الدستوري رئيسا للولايات المتحدة، ليصبح رسميا الرئيس 47 للبلاد.

وقال ترامب في كلمة خلال حفل تنصيبه، إن العالم كان "عنيفا" خلال الفترة السابقة، وإن إدارته الجديدة ستضع حدا لكل الحروب، مشيرا إلى أن "العهد الذهبي للولايات المتحدة بدأ، وسأضع أمريكا أولا".


وأضاف "سنضع حدا لكل الحروب، وقوّتنا ستجلب روحا جديدة من الوحدة إلى عالم كان غاضبا وعنيفا وغير قابل للتنبؤ بمستقبله"، مشيرا إلى نجاحه سيُقاس "ليس فقط بالمعارك التي نفوز بها، بل بالحروب التي ننهيها أيضا، وربما الأهم من ذلك الحروب التي لا نخوضها أبدا".

وعلى صعيد آخر، قال الرئيس الأمريكي الجديد "اعتبارا من اليوم ستكون السياسة الرسمية لحكومة الولايات المتحدة قائمة على وجود جنسين فقط: ذكر وأنثى".

وجرت مراسم أداء اليمين الدستورية جرت في إحدى قاعات الكابيتول بالعاصمة الأمريكية واشنطن. كما أدى جيمس ديفيد فانس اليمين الدستورية نائبا للرئيس.


وحضر المراسم الدستورية رؤساء سابقون للولايات المتحدة؛ وهم بايدن وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما.

وقدّم قادة العالم التهاني لدونالد ترامب الاثنين بعودته إلى البيت الأبيض، معربين عن أملهم في إقامة علاقات جيدة معه .

مقالات مشابهة

  • هل فتح ترامب الباب أمام الصين لتجنب الحرب التجارية؟
  • بكين: لا فائز في الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
  • «ترامب» يعيد الصين وروسيا إلى دائرة الاستهداف ويجذب استثمارات بـ«الذكاء الاصطناعي»
  • سنتغلب على الصين.. «ترامب» يعلن ضح استثمارات بـ500 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي
  • مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية في إدارة ترامب الثانية
  • «الخارجية الصينية»: مستعدون للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة
  • الصين: سنواصل دعم منظمة الصحة العالمية بعد انسحاب الولايات المتحدة
  • الإدارة الأمريكية تغير تصميم الموقع الرسمي للبيت الأبيض.. وضعت اقتباسا لترامب
  • رسميا.. ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية
  • الحروب التجارية عنوان ولاية "ترامب" الثانية.. وضربات محتملة للشركاء قبل الخصوم!