وبدأت أزمة كل شيء.. يبدو أن عصرا مظلما جديدا قد اقترب
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
إن انهيار الحضارات في تاريخ البشرية ظاهرة منتظمة وطبيعية فيما يبدو، وانهيار الإمبراطورية الرومانية لم تكن الكارثة الأكبر في التاريخ.
ففي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وفيما يسمى بـ "كارثة العصر البرونزي"، اختفى عدد من الحضارات في الشرق الأوسط وخارجه، وخلت مناطق واسعة من السكان، وحدث تراجع كبير في العلوم والتكنولوجيا، وصولا إلى فقدان طرق الكتابة المعروفة لدى بعض الشعوب المتقدمة آنذاك.
وهناك أسباب كثيرة تجعلنا نعتقد أننا الآن بصدد الدخول تدريجيا في مثل هذه الأزمة، التي ستكون هي الأكبر في تاريخ البشرية جمعاء.
1- من المرجح أن الأزمة الاقتصادية هي الأكبر في تاريخ البشرية، لكنها بالمقارنة مع الأزمات الأخرى الأقل أهمية والأقصر، وقد وصفت الجوانب والتداعيات الرئيسية لانهيار الاقتصاد العالمي في مقال سابق.
إقرأ المزيدوخلال الانهيار الاقتصادي، ستواجه العديد من الدول والأقاليم نقصا في الموارد الحيوية: الغذاء والطاقة. بمعنى أنه سيصبح من المستحيل في هذه المناطق الحفاظ على الكثافة السكانية الراهنة، وسيتبع ذلك أعمال شغب وحروب ومجاعات وانهيار لدول وهجرة جماعية لعدة عقود على الأقل.
2- تبدل الدول – الهيمنة العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية)، وتبدل الحضارة المهيمنة (الأوروبية)، وتغيير العرق المهيمن (الأبيض)، والقارة المهيمنة.
وسيؤدي كل من هذه التغيرات الجيوسياسية التاريخية إلى إعادة توزيع الموارد، تغيرات في التدفقات التجارية، وإعادة هيكلة التقسيم العالمي للعمل، وهجرات ضخمة، وحروب وغيرها من العواقب المماثلة.
3- أزمة العلوم والموارد
لطالما كان التقدم الاقتصادي، طوال تاريخ الحضارة الإنسانية، مصحوبا بزيادة في استهلاك الموارد، وفي المقام الأول: الطاقة. ونحن ندخل الآن في فترة نقص كبير في العديد من الموارد على أقل تقدير، وارتفاع كبير في تكاليفها، بمعنى أن الاتجاه قد ينعكس للمرة الأولى.
وليست تلك أزمة موارد بقدر ما هي أزمة في العلوم، لأنه مع كل ثورة علمية وتكنولوجية، كان الإنسان يحصل على موارد وفيرة على الكوكب، لم تكن متوفرة على المستوى التكنولوجي السابق.
الآن أصبحت المشكلة أننا نستنفد الموارد السابقة قبل أن تتمكن البشرية من اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، وما يسمى بـ "التحول الأخضر" ليس سوى تقليد للثورة التكنولوجية، ومحاولة لإلباس أنواع غير فعالة وباهظة الثمن من الطاقة ثوب الثورية التكنولوجية.
وندرة الموارد وارتفاع تكلفتها ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، والصراع على الموارد سيؤدي إلى حروب.
4- أزمة الأخلاق والدين، وشيخوخة الكود الثقافي، وفقدان المجتمع لإرادة العيش.
لقد فقد جزء كبير من البشرية هويته الدينية السابقة، وهو اتجاه آخذ في التوسع. وعمليات التدمير الذاتي تكتسب قوة، بدءا من الانحراف الجنسي مرورا بمذاهب المتعة بأي ثمن، وانتهاء بفقدان المجتمعات القدرة على الدفاع عن النفس والتكاثر الذاتي. وقد ناقشت أسباب وأنماط هذه العملية في هذا المقال.
إقرأ المزيدأي أن جزءا كبيرا من البشرية قد اقترب من مرحلة تغيير الكود الثقافي، وستتغير خريطة الحضارات بشكل كبير خلال 50-100 عام.
5- الأزمة السياسية: أزمة الديمقراطية كنموذج للبشرية جمعاء لبعض الوقت. وهو أمر تافه مقارنة بالأزمات الأخرى، لكنه يساهم في زعزعة الاستقرار بشكل عام.
6- الهجرة الكبرى الجديدة للشعوب.
هي نتيجة وسيطة لأزمات أخرى، لكنها قادرة في حد ذاتها على تدمير بعض الدول والشعوب.
7- وأخيرا، الأزمة الأهم والأخطر: الأزمة الديموغرافية.
لقد حدثت أزمات ديموغرافية عبر التاريخ بحيث انخفض عدد سكان بلد معين بمقدار الثلث أو حتى النصف نتيجة للحروب أو الأوبئة. ومع ذلك، نما عدد السكان مرة أخرى، وتم الحفاظ على الحضارة.
إلا أن الأمر هذه المرة جد مختلف. فقد دخلت معظم دول العالم المتقدم مرحلة من الانخفاض السكاني المستمر ذاتيا. وأود التأكيد هنا على فكرة المستمر ذاتيا، أي أنه، وفي ظل الظروف الراهنة، مستمر إلى ما لا نهاية.
ولكي يتمكن المجتمع من الحفاظ على عدد سكانه عند نفس المستوى، يجب أن يكون معدل المواليد هو 2.1 طفل لكل امرأة. والآن تبلغ قيمة هذا المعامل بكوريا الجنوبية 0.9، وفي ألمانيا 1.5، وفي اليابان 1.3، وفي روسيا 1.5، وفي الصين 1.2، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 1.7.
علاوة على ذلك، فإن معدل المواليد آخذ في الانخفاض في كل مكان، حيث انخفض بالفعل في الهند إلى 2، وهو آخذ في الانخفاض في معظم الدول الآسيوية، وستصل إلى نفس الوضع قريبا. ولم يتبق في العالم سوى منطقتين لا يزال عدد السكان فيهما ينمو: الدول العربية وإفريقيا السوداء، ولكن حتى هناك، يتناقص معدل المواليد بسرعة ومن المرجح أن ينخفض، لأن هذه المناطق تتبع مسار المناطق الأكثر تقدما بالتحضر وتوسيع الضمانات الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة هناك. على سبيل المثال، يبلغ معدل المواليد في الإمارات 1.4، وفي قطر والبحرين 1.8، وفي تونس ولبنان والكويت 2، وفي المغرب 2.2، وفي المملكة العربية السعودية 2.3، لكن، وفي غضون جيل واحد أو أقل، ستشهد معظم الدول العربية هي الأخرى نقصا في تعداد السكان.
وقد ناقشت أسباب الأزمة الديموغرافية بالتفصيل في هذا المقال.
إقرأ المزيدالملخص هو أن عددا كبيرا من الأطفال في الأسرة والنمو الديموغرافي يحدث فقط في حالتين: الأولى، في حالة الحياة الفقيرة والقاسية للغاية، مع ارتفاع معدل الوفيات، لا سيما وفيات الرضع والأطفال، أي أن الحياة تصبح صراعا من أجل الوجود، وحيث الأطفال يمثلون الأمل في معاش تقاعدي. والثانية، في الحالات التي يصبح فيها الأبناء استثمارا وذخرا وليس بندا للإنفاق بلا ضمان لعائد الجهد في المستقبل.
وأفضل مجال لتلبية هذا المعيار بالزراعة البدائية على طريقة العصور الوسطى، ولكن ليس بالضرورة في المراحل الأولى من الثورة الصناعية، عندما كان الأطفال في إنجلترا يعملون في مصانع النسيج منذ سن الخامسة، وكانوا وسيلة للإنتاج ومصدرا للدخل وأصولا للوالدين.
إنه القصور الذاتي وبعض الغرائز هي ما يجبرنا على إنجاب الأطفال، إلا أن هذه العوامل تضعف مع كل جيل يعيش في مجتمع محتضر، يتمتع بمستوى معيشي مرتفع، وبموقف إنساني تجاه الأطفال.
نأتي للفقرة الأساسية في هذا المقال:
ولحين استعادة الظروف المعيشية البدائية والقاسية للغاية، والتي لن يفهم غالبية سكان العالم في ظلها معنى عبارات "المزايا الاجتماعية"، وبدون معاشات تقاعدية، وبدون طب متطور، ومع ارتفاع معدل الوفيات بشكل عام، وارتفاع معدل وفيات الرضع بشكل خاص، وحتى يُجبر غالبية سكان الكوكب على العيش في الريف، وكسب العيش من خلال العمل الزراعي اليدوي، حتى ذلك الحين، سيستمر تعداد سكان العالم في الانخفاض.
بعبارة أخرى، وإلى أن يأتي انهيار الحضارة الحديثة، ستستمر الأسر في خفض عدد الأبناء حتى الصفر في بعض الأحيان، وأي تدابير حكومية لن تفعل سوى أن تبطئ هذه العملية قليلا.
إن البشرية جمعاء تتجه تدريجيا إلى نموذج يتكرر فيه التدهور الديموغرافي بشكل مطرد، وهو أمر يحدث للمرة الأولى تاريخيا. وحتى إبان عهد الإمبراطورية الرومانية، كان هناك وفرة من البرابرة الذين يتكاثرون بسرعة، وعلى استعداد ليحلوا محل الجزيرة ذات الثقافة المتدهورة والمتطورة للغاية. الآن يجتاح انخفاض تعداد سكان الكوكب بأكمله تدريجيا، ولن يكون هناك من يحل محل الحضارات المتساقطة على نطاق عالمي.
8- شيخوخة السكان.
يمكن تحديد هذه المشكلة بوصفها مشكلة منفصلة، أو إضافتها إلى الفقرة السابقة. فنحن نجد أنفسها في مجتمع الشيخوخة، حيث يعمل كل شخص بالغ لصالح عدد أكبر من المستغلين (كبار السن والأطفال) من الجيل السابق. ومن أجل تخفيف العبء، يحاول تقليل عدد الأشخاص الطفيلية بالطريقة الوحيدة المتاحة له وهي تقليل عدد الأطفال.
إقرأ المزيدوالطريقة الوحيدة للخروج من دوامة الموت المستمرة ذاتيا هذه، هي التخلص من كبار السن بشكل أو بآخر، وهو أمر ليس مقبولا بالنسبة للمجتمع إلا في حالات الانهيار الاجتماعي الشامل، عندما تنعدم المعاشات التقاعدية وتتبخر المدخرات خلال هذه الفترة، وسيؤدي التضخم المفرط في حد ذاته إلى هذه النتيجة.
بالطبع، وعندما تقرأ كلماتي في هاتفك الذكي، بينما تتناول فنجانا من القهوة، سيكون من الصعب عليك أن تتخيل نفسك وأطفالك وأحفادك يحرثون الأرض على الخيول، لكن المعضلة هي أن التدهور الديموغرافي الناجم عن نهاية العمر الافتراضي للكود الثقافي، لا حل له.
فتعداد سكان العالم سوف يتراجع إلى أن يجد المجتمع نفسه في حالة القرون الوسطى في أحسن الأحوال، إن لم يكن أسوأ، مع كل العواقب التي قد تترتب على ذلك، أي أن عملية السقوط نفسها يمكن أن تستغرق قرنا.
وبرغم غرابة الصورة، دعوني أذكركم أن هذا قد حدث بالفعل في تاريخ البشرية، وكل شيء دوري، والعصور المظلمة هي الأخرى ستنتهي عاجلا أو آجلا.
وإذا كنا نتحدث عن التهديدات التي تواجه البشرية، فسأضيف أن هناك أيضا خطر انتشار وباء عالمي جديد مميت، وحرب نووية، وتغير مناخي كبير، وهي تهديدات حقيقية، لكنها ليست وشيكة، لذلك أذكرها هنا بشكل عابر ودون تفاصيل.
كذلك هناك أيضا عمليتان على الأقل لتدهور الإنسان ككائن بيولوجي تهددان وجوده، وربما تولدان دورات تدوم على الأقل عشرات أو مئات الآلاف من السنين.
الأولى: ضعف الانتقاء الطبيعي بسبب تطور الطب وبقاء الأطفال المصابين بأمراض مختلفة. ويمكن للمرء أن يأمل أن يساعد تطور علم الوراثة في تصحيح هذا الأمر (إذا تمكنا من تطوير هذه التكنولوجيا قبل الانهيار)، ولكن في الوقت الحالي فإن هذا العام ساري المفعول واحتمالات الأزمة تتراكم.
الثاني: على مدى مليونين ونصف المليون سنة، زاد حجم دماغ صنفنا البشري. وعلى مدار الـ 25 ألف سنة الماضية كان حجم دماغ الشخص العادي يتناقص. ففي المجتمع الحديث، يكون لدى الأشخاص الأكثر نجاحا عددا أقل من الأطفال، وبالتالي يتم إزاحة جيناتهم. بمعنى أنه كان على الصياد البدائي أن يكون مبتكرا للغاية من أجل البقاء. اليوم، وبعدما أصبحت الحياة سهلة للغاية، أتيح للجميع البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الأكثر غباء.
على المدى الطويل، تؤدي هاتان العمليتان أيضا إلى انهيار الحضارة، والعودة إلى شروط الانتقاء الطبيعي الأكثر صرامة، إلى ظروف المعيشة الأكثر قسوة، وبعدها يمكن استئناف النمو من أدنى نقطة داخل الإطار الجديد. فالتعافي مستحيل دون الانهيار.
وتستغرق كل عملية من هذه العمليات دورة زمنية مختلفة، وعندما يتزامن عدد من الأزمات في وقت واحد، فإنها تتكثف بشكل متبادل.
آمل ألا تتطور الأزمة الاقتصادية العالمية إلى العصور المظلمة الناجمة عن الكارثة الديموغرافية التي حلت بالبشرية، فالعمليات الديموغرافية أبطأ على أي حال.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف الأزمة الأوكرانية الأوبئة التغيرات المناخية الجيش الأمريكي الجيش الروسي الجيش الصيني الحرب العالمية الثالثة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا المناخ كوارث جوية كوارث طبيعية مؤشرات اقتصادية فی تاریخ البشریة معدل الموالید إقرأ المزید
إقرأ أيضاً:
قصف كثيف وتوغل بري… هل اقترب سقوط الفاشر؟ .. خبير عسكري يؤكد أن الجيش السوداني جهز قوات كبيرة لفك الحصار عن المدينة
الشرق الأوسط : تتعرض مدينة الفاشر لقصف مدفعي كثيف من «قوات الدعم السريع»، في وقت توسع توغلها البري ببطء وحذر، فيما تعمل قوات الجيش السوداني، والقوة المشتركة المتحالفة معها، على منع تقدمها والسيطرة عليها، واستولت «الدعم السريع»، الأسبوع الماضي، على مخيم زمزم للنازحين، الذي يبعد نحو 12 كيلومتراً جنوب الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، لإحكام الحصار على المدينة من عدة محاور، وكانت أغلب التوقعات تذهب إلى أنها قد تشن هجوماً برياً سريعاً خلال أيام قليلة.
ووثقت مقاطع فيديو تداولتها حسابات موالية لـ«الدعم السريع» في منصات التواصل الاجتماعي، اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة تدور داخل الفاشر، وتصاعد أعمدة الدخان بكثافة في محيط الأحياء السكنية.
وتعرضت الفاشر لأكثر من 200 هجوم على مدى عام لمحاولات من «الدعم السريع» لاقتحامها والسيطرة عليها، أحبطتها قوات الجيش السوداني والفصائل الدارفورية المتحالفة.
وقالت مصادر محلية إن «الدعم السريع» دخلت بالفعل في أحياء سكنية والفاشر، وأن هناك قتال شوارع يدور بين الطرفين، وأن المعارك على أشدها، يتوقع بعدها أن تبدأ في الاجتياح النهائي.
أضافت المصادر أن هذا الهجوم يختلف كثيراً عن سابقاته؛ إذ تطلق «الدعم السريع» من مناطق تمركزها القذائف المدفعية تجاه الأحياء السكنية والمواقع العسكرية.
وأفادت مصادر محلية غادرت الفاشر «الشرق الأوسط» بأن المدينة دمرت بشكل كبير، جراء القصف العشوائي الذي ظلت تشنه «قوات الدعم السريع» من دون توقف.
وقالت المصادر نفسها إن أعداداً كبيرة من الأهالي هجروا منازلهم، ومن تبقى منهم يسعى للفرار بعد اشتداد القصف والاشتباكات في الأيام الماضية.
ويريد القادة العسكريون لـ«الدعم السريع» الاستيلاء على الفاشر لأسباب عسكرية وسياسية، بحكم أنها المعقل الأخير للجيش والقوات المتحالفة في إقليم دارفور، والسيطرة عليها قد يمكنها من تهديد مناطق أكبر في شمال البلاد، بحسب تهديدات سابقة صادرة من قادتها العليا.
ووظفت «الدعم السريع» موارد عسكرية ضخمة للاستيلاء على المدينة، ونجحت بالسيطرة على محليات: المالحة وأم كدادة ومخيم زمزم، لعزلها تماماً عن أي إمداد عسكري أو لوجيستي لفك الحصار عنها.
وأفادت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني في الفاشر، بأن قواتها تمكنت، الأربعاء، من صد أعنف هجوم شنته «الدعم السريع» بهدف التسلل من الاتجاه الجنوبي الغربي للمدينة، أسفر عن مقتل وإصابة العشرات في صفوف العدو.
وقالت الفرقة السادسة في بيان على موقع «فيسبوك»، الخميس، إن «الأوضاع تحت السيطرة التامة بفضل قوات الفاشر الباسلة الصامدة».
وإذا لم تستطع «قوات الدعم السريع» السيطرة على المدينة، فقد يمثل ذلك انتكاسة كبيرة لها.
وكان الجيش توعد بعد انتهاء المعارك في الخرطوم بأنه سيتوجه لتحرير دارفور.
في وقت سابق، حذر قائد حركة «جيش تحرير السودان»، حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، من أن سقوط الفاشر يعني سقوط مدن السودان بالتتابع.
وبحسب «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر»، فإن القصف المدفعي الكثيف الذي تشنه «الدعم السريع» على الفاشر، يتزامن مع إطلاقها مسيرات انتحارية واستراتيجية عشوائياً على المناطق السكنية.
وقال المستشار القانوني لـ«الدعم السريع» محمد المختار لـ«الشرق الأوسط»، إن «قواتنا تحرز تقدماً ملحوظاً وتقترب من أسوار الفرقة العسكرية للجيش... قواتنا تضغط بشدة، والاستيلاء على الفاشر لن يستغرق وقتاً طويلاً».
وقال المستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، اللواء معتصم عبد القادر الحسن، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجيش السوداني يعمل وفق استراتيجية كلية، وتنفذ قواته حالياً عمليات عسكرية مكثفة في إقليمي دارفور وكردفان لقطع الإمداد العسكري والبشري عن (الدعم السريع) هناك، وقطعاً ستؤثر هذه التحركات على الوضع في الفاشر لصالح الجيش». وأضاف أن القوات في الفاشر استطاعت الصمود طيلة الأشهر الماضية، وصد أكثر من 200 هجوم على المدينة، وأحياناً كانت تنفذ هجمات تجبر «الدعم السريع» على الانسحاب، بالإضافة إلى قيامها بعمليات استخباراتية لوقف أي إمداداتها بالمقاتلين من الحواضن الاجتماعية الموالية لها.
وذكر أن الوضع يحتاج إلى بعض الوقت، لكن من ناحية التفوق فإن الحشود العسكرية التي انطلقت صوب الفاشر ستحرر من الخارج والداخل، ولا توجد أي إشكالات للقوات داخل المدينة في الصمود وتقديم التضحيات.
وأشار إلى أن الجيش جهز قوة كبيرة من القوات المساندة له من كتائب (البراء بن مالك ودرع السودان) والمقاومة الشعبية، بالإضافة إلى القوات الموجودة في الفاشر، سيتم فك الحصار عن المدنية.
وقال عبد القادر إن «قوات الدعم السريع» في محيط الفاشر شبه محاصرة، وليست لديها القدرة على مواصلة خطوط الإمداد، وتعويض الأسلحة والذخائر، والخسائر في صفوف مقاتليها، وهي نفس الخطط التي اتبعها الجيش في العاصمة الخرطوم والولايات الوسطى لمحاصرة «الدعم السريع» وهزيمتها.
وأضاف: «لا أتوقع أن تستغرق العمليات في دارفور طويلاً، وما يروج له قادة (ميليشيا الدعم السريع) عن قرب سقوط الفاشر، لا يعدو أن يكون دعاية إعلامية حربية، لكن المعركة الحقيقية ستحسم لصالح القوات المسلحة السودانية».
مع تفاقم الأوضاع والحشود العسكرية، تتزايد المخاوف من تردي الأوضاع الإنسانية أكثر في الفاشر التي فر منها الآلاف من المدنيين في الأسابيع الماضية بسبب النقص الكبير في الغذاء ومياه الشرب والأدوية.
وقتل وجرح المئات من المدنيين خلال الأيام القليلة الماضية في الفاشر جراء القصف المدفعي المتواصل الذي تشنه «الدعم السريع» على المدينة.