القدس المحتلة- ما زال اليوم الثاني من يوليو/تموز من كل عام يشكل ذكرى قاسية في أذهان المقدسيين الذين تشتعل مشاعر الألم والغضب لديهم عند استذكارهم جريمة اختطاف الفتى المقدسي محمد أبو خضير وتعذيبه ثم حرقه حيّا.

مرّ على هذه الجريمة اليوم 10 أعوام، ومنذ عام 2014 حتى اليوم استُهدفت الطفولة في القدس بشكل غير مسبوق وتحملت هذه الفئة من المجتمع المقدسي أعباء تفوق قدرة أي طفل على تحملها.

محامي مركز معلومات وادي حلوة محمد محمود يعمل في القدس منذ عام 2010، وقال إن العمل في المدينة ليس أمرا سهلا، والتوجه يوميا إلى المحاكم يحتاج همّة عالية ونفسا طويلا لتقبل واحتواء كل المواقف التي يمكن أن تواجه المحامي.

عقوبات مغلظة

بُعيد حرق الطفل محمد أبو خضير -الذي ينحدر من بلدة شعفاط- اندلعت هبّة شعبية عبّر فيها آلاف الأطفال المقدسيين عن غضبهم تجاه هذه الجريمة، وبالمقابل تغيرت طريقة المحاكم الإسرائيلية في التعامل معهم فتصاعدت من مجرد الحكم عليهم بغرامة مالية أو ما يُعرف بـ"وقف التنفيذ" إلى إصدار أحكام بالسجن الفعلي ولفترات طويلة للقاصرين، وفقا للمحامي محمود.

"بدأنا نلاحظ تغليظا للأحكام لكل من يُتهم برشق الحجارة أو المشاركة بالمواجهات من الأطفال، وبعد حرق الطفل أبو خضير لاحظنا تصعيدا كبيرا في فرض عقوبة الحبس المنزلي وتغيرا في طريقة تعامل الشرطة والقضاة مع القاصرين" أضاف محمود.

ويبين أنه رغم سماح القانون الإسرائيلي بحضور أحد الوالدين مع القاصرين خلال التحقيق، فإن هذا الحق اندثر بمجرد اندلاع الهبّة الشعبية بعد حرق الفتى أبو خضير وحتى يومنا هذا.

وبشأن ذلك قال محمود إنه لا وجود لهذا الحق منذ 10 أعوام سوى للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاما، وبالتالي فإن المدينة دخلت مرحلة جديدة تماما من ناحية استهداف الأطفال حتى باتت محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس تصدر أحكاما بالسجن الفعلي لفترات تتراوح بين 6 و10 أعوام على مخالفات بسيطة ارتكبها أطفال المدينة.

بعد مقتل أبو خضير رصد حقوقيون تزايد الاعتقالات وتغليظ العقوبات بحق أطفال القدس (الجزيرة) ما بعد 7 أكتوبر

وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي الذي اندلعت خلاله الحرب على غزة زادت أوضاع القاصرين المعتقلين سوءا، ولم يعد الأطفال يصلون إلى المحاكم بعد عقد جلسات محاكمتهم عن بعد.

وقدمت لوائح اتهام ضد غالبيتهم العظمى وأصرّ القضاة على عدم الإفراج عنهم، واتُهم القاصرون -وفقا للمحامي محمد محمود- إما بالتحريض على موقع فيسبوك من خلال منشوراتهم، أو الاشتراك بالمواجهات.

ووفق رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب، فإن استشهاد الفتى محمد أبو خضير "شكّل علامة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وتحديدا في قضية القدس والأطفال الذين شاهدوا جثة محمد المحروقة، وسمعوا سيناريو اختطافه على يد مجموعة من المستوطنين".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت "شعر كل طفل فلسطيني بأنه محمد القادم، فثار الأطفال ورفضوا هذا النوع من الظلم وشارك الآلاف منهم في تشييعه، ونزلوا إلى الشوارع وشاركوا في المسيرات والمواجهات وإلقاء الحجارة، وردت سلطات الاحتلال بالقمع والاعتقال والتنكيل".

ونُفذت آنذاك اعتقالات ميدانية على يد القوات الخاصة ووحدة المستعربين تم خلالها الاعتداء على الأطفال بشكل كبير، واعتُدي أيضا على كل من اعتقل من منزله بعد تخريب محتوياته وتعمد اقتحامها بعد منتصف الليل لإرهاب الأطفال وذويهم.

قبضة حديدية

"زاد الاحتلال من قبضته الحديدية عبر الاعتقال واتباع أساليب تحقيق قاسية استُبعد خلالها الأهل وحرموا من الوُجود مع طفلهم، كما حُرم الأطفال من الحصول على الاستشارات القانونية من المحامين قبل التحقيق معهم"، يقول رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين.

وأدى ذلك كله -وفقا لأبو عصب- لانتزاع الاعترافات من الأطفال بالقوة، وبالتالي فرض أحكام عالية بالسجن الفعلي بالإضافة للغرامات المالية بعد منح المحاكم صلاحيات كبيرة لممارسة مزيد من الضغط والابتزاز على الأطفال وعائلاتهم.

واستذكر الناشط المقدسي بعض القاصرين الذين اعتقلوا في تلك الفترة ومن بينهم الطفل أحمد مناصرة وكل من مرح بكير وملك سلمان ونورهان عوّاد "الذين اعتقلوا بشكل وحشي، وعاشوا ظروف اعتقال وتحقيق قاسية".

وتطرق إلى ما كابده الفتية في زنازين انفرادية بسجن عسقلان غمرت مياه الصرف الصحي أرضياتها، ومُنع المحامون من زيارتهم للاطمئنان عليهم.

لم تُسلب حرية أطفال القدس بعد حرق الفتى محمد أبو خضير فحسب، بل تعثرت المسيرة التعليمية للآلاف منهم ممن حولتهم المحاكم الإسرائيلية للحبس المنزلي، وحول ذلك منازلهم إلى سجون وذويهم إلى سجّانين.

تجهيل متعمد

وعن تداعيات هذه العقوبة أشار رئيس لجنة أهالي الأسرى إلى أنها تهدف لتجهيل الأطفال بإبعادهم قسرا عن الجو الدراسي، مما أدى لتسرب كثيرين من المدارس، بالإضافة لتفكك العلاقات الأسرية، إذ دفع الروتين اليومي القاتل ببعض الأطفال لمحاولة الانتحار، بينما حطّم بعضهم محتويات منازلهم ودخل آخرون في عزلة عدوانية.

"عوقب الأطفال بكل ذلك لأن الاحتلال لاحظ دورهم البارز في هبّة أبو خضير وفي شوارع القدس وساحات الأقصى، فتعمد إهانتهم من خلال توقيفهم وتفتيشهم وإجبارهم على فتح حقائبهم المدرسية وإلقاء كتبهم على الأرض وتعرية بعض الأطفال من ملابسهم أثناء التفتيش" أردف أبو عصب.

واختتم حديثه بالقول إنه منذ عام 2014 تتصدر مدينة القدس عدد المعتقلين الأطفال من بين محافظات الضفة الغربية، وإن 50 قاصرا مقدسيا يقبعون الآن في كل من سجن مجدو ومركز تحقيق المسكوبية، وبعضهم ما زال يقبع خلف قضبان السجون منذ هبّة محمد أبو خضير التي اندلعت في واحد من أكثر فصول الصيف اشتعالا بمدينة القدس.

ولا يمكن الحديث عن استهداف الطفولة في القدس دون التطرق إلى تجمد 8 أجساد صغيرة في ثلاجات الاحتلال لأطفال أُعدموا بدم بارد في المدينة، ويعتبر الطفل خالد زعانين (14 عاما) أصغرهم.

وباءت محاولات الإفراج عن جثامين هؤلاء بالفشل حتى الآن، وما زالت أمهاتهم يحلمن باليوم الذي سيتمكنّ فيه من احتضان الجسد المتجمد للمرة الأخيرة قبل أن يحظى بدفء تراب القدس الذي سيوارى الثرى فيه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی القدس

إقرأ أيضاً:

وزير العمل: اتخاذ 4 إجراءات لمكافحة استغلال الأطفال بالتعاون مع الأجهزة الأمنية

الاقتصاد نيوز - بغداد

أكد وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، اتخاذ 4 إجراءات لمنع استغلال الأطفال والتأثير على مستقبلهم، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية.

وقال الأسدي في حديث متلفز تابعته "الاقتصاد نيوز"، إن "موضوع الطفل والطفولة واحد من القضايا الأساسية التي تبنتها الحكومة في منهاجها الوزاري، ونحن في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لدينا هيئة رعاية الطفولة برئاسة الوزير، وهذا يؤكد اهتمام الوزارة بملف رعاية الطفولة".

وأضاف، "عملنا منذ تولينا المسؤولية في الحكومة على وضع برامج لرعاية الطفولة وعملنا بعدة اتجاهات تضمنت إطلاق حملة محاربة الفقر متعدد الإبعاد ضمن متبنيات المنهاج الوزاري، وواحدة من انعاكاساتها هي الطفولة باعتبارها الأكثر هشاشة والأكثر تأثراً".

وتابع، إن "وزارة العمل نفذت إجراءات تتعلق بالحد من عمالة الأطفال تضمنت 4 إجراءات شملت القيام بحملة تفتيشية على مواقع العمل لمحاربة تشغيل الأطفال ونسقنا مع وزارة الداخلية لمنع تسول الأطفال ولدينا تنسيق مع القطعات الأمنية لمنع استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة، ونؤكد أن العراق خالٍ من استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة وفق تأكيدات أممية".

وأعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي- في وقت سابق- خروج العراق من قائمة استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة بشكل رسمي. 

وقال الأسدي في بيان، إن "التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص الدول التي تستخدم الأطفال في النزاعات المسلحة خلا من اسم العراق، وذلك للالتزام بخطة العمل المشتركة التي وقعنا عليها مع فريق الأمم المتحدة القطري (اليونيسف ويونامي) الخاصة بمنع إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة". وأشار إلى، أن "هذه الخطوة ستعزز من مكانة العراق في المجتمع الدولي"، مؤكدا، أن "العراق التزم بكل ما تفرضه اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري لعام 2008 اللذين وقع عليهما".

مقالات مشابهة

  • عميرة: الضرورة تطلبت إحياء مجلس محلي لرعية الروم الأرثوذكس بالقدس
  • علاء مرسي في ضيافة الإعلامية ياسمين عز.. تعرف على الموعد
  • تعرف على إيرادات أمس لفيلم "أهل الكهف"
  • مختص: حب التملك يؤثر على سلوك الطفل والعلاقة مع شريك العمر مستقبلا
  • استعدوا للالتحاق بالمدرسة… ضمن ورشة عمل للمركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة
  • وزير العمل: اتخاذ 4 إجراءات لمكافحة استغلال الأطفال بالتعاون مع الأجهزة الأمنية
  • قوات الاحتلال تعتقل فلسطينياً وتهدم منزلاً بالقدس
  • «الطفولة والأمومة» يستقبل وفدا من البنك الدولي لبحث سبل التعاون المشترك
  • محمد أبو خضير.. طفل مقدسي أحرقه المستوطنون حيا