شهد المؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، الذي انعقد على مدار يومي 29 و 30 يونيو، تحت رعاية وبتشريف السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بحضور السيدة/ أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، توقيع 10 اتفاقيات بين شركاء التنمية، والقطاعين الحكومي والخاص، من بينها 8 اتفاقيات تمويلات ومنح مع القطاعين الحكومي والخاص في بقيمة 1.

42 مليار يورو، واتفاقيتين لتمكين القطاع الخاص على المستوى الإقليمي بقيمة 613 مليون يورو.

وقالت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، إن العلاقات المشتركة مع شركاء التنمية تشهد تطورًا كبيرًا نحو تمكين القطاع الخاص، وإتاحة المزيد من الآليات التمويلية التي تعزز توجهات الدولة لزيادة مشاركة القطاع الخاص في جهود التنمية، مؤكدة أن هذا التطور ما كان ليتأتى لولا الشراكة القوية التي تربط الحكومة المصرية مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين والشفافية التي تتبعها مصر في علاقتها بالشركاء، والتاريخ الممتد من الشراكات الناجحة والدقة في صياغة وتنفيذ المشروعات الممولة من شركاء التنمية. كما أكدت أن آلية الضمانات التي يتيحها الاتحاد الأوروبي ستتيح المزيد من التمويلات والفرص الاستثمارية للقطاع الخاص المحلي والأجنبي.

وأوضحت وزيرة التعاون الدولي، أن برامج التعاون الموقعة مع شركاء التنمية على المستوى الإقليمي تُعزز الشراكة بين القطاع الخاص من مصر والدول الأخرى، لاسيما مع القطاع الخاص في الدول التي تتشابه في الظروف الاقتصادية والديمغرافية.

وقد تم توقيع الاتفاقيات كالآتي:

• وقعت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، والسيد/ فالديس دومبروفسكيس، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، المرحلة الأولى من آلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة MFA، بقيمة مليار يورو، والتي تعد المرحلة الأولى من تمويلات بقيمة 5 مليارات يورو سيتم إتاحتها حتى عام 2027. ومن المقرر أن تُنفذ الحكومة عددًا من الإصلاحات الهيكلية التي تأتي في إطار ثلاثة محاور لتنمية القطاع الخاص وتعزيز مشاركته في جهود التنمية، وهي تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري وتحسين مناخ الأعمال، ودعم صمود واستقرار الاقتصاد الكلي، ودفع التحول الأخضر، حيث تعمل تلك الإجراءات على تعزيز كفاءة المالية العامة، ودعم شبكات الأمان والحماية الاجتماعية، وزيادة مستويات الشفافية، وتيسير ضم القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، وتهيئة البيئة للاستثمارات المحلية والأجنبية.

• وقعت وزيرة التعاون الدولي، مع السيد/ أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي لسياسات الجوار والتوسع، برنامج التدابير الخاصة بتعزيز القدرة لدى القارة الأفريقية على تصنيع اللقاحات والأدوية: بمنحة قيمتها 3 ملايين يورو، ويستهدف دعم التنفيذ المستدام للخطط القومية من أجل زيادة التصنيع المحلي للمنتجات الطبية، وتعزيز الوصول العادل لتلك المنتجات، ودعم البيئة المواتية لإنتاج التقنيات الصيدلانية من خلال البحث وتطوير المهارات وتعزيز البيئة التنظيمية في البلدان بهدف استكمال الدعم التنظيمي على الصعيد الإقليمي.

• بالإضافة إلى برنامج دعم الاتحاد الأوروبي لتوظيف الشباب والمهارات في مصر EU4YES بمنحة قيمتها 25 مليون يورو، في إطار خطة عمل متعددة السنوات ممولة في إطار آلية الجوار والتنمية والتعاون الدولي Global Europe. ويستهدف البرنامج دعم الشباب والكبار للحصول على المهارات ذات الصلة، بما في ذلك المهارات الفنية والمهنية للتوظيف، والوظائف ذات الدخول العادلة وريادة الأعمال. ويعزز هذا الإجراء تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال دعم أداء وتقديم نظام التعليم الفني والتدريب المهني TVET، كما يعمل على تحسين توفير برنامج التعليم والتدريب الفني مع الاهتمام بالجودة ليكون متاحًا على نطاق واسع بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل المحددة ومستقبل العمل بما في ذلك التحولات الخضراء والرقمية.

• كما تم توقيع برنامج دعم الاتحاد الأوروبي لمساندة الأجيال القادمة بمنحة قيمة 8 ملايين يورو، في إطار آلية الجوار والتنمية والتعاون الدولي، ويهدف إلى دعم النهج الوطني لنظم حماية الطفل في مصر، من خلال تنفيذ أنشطة تستهدف التركيز على الأطر السياسية والقانونية والمؤسسية الخاصة بمكافحة عمالة الأطفال، وتحسين سبل وصول الأطفال إلى الخدمات الشاملة، وتوفير بيئة اجتماعية إيجابية للأطفال من خلال تنفيذ نهجًا شاملًا لحماية الطفل وضمان حقوقه المختلفة، مثل التعليم، والرعاية الصحية، والتغذية، غيرها.

• ووقعت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، والدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، مع الاتحاد الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية، الاتفاق التنفيذى للمنحة المقدمة من الاتحاد الأوروبي، بشأن مشروع "دعم الاتحاد الأوروبى لتحسين تخزين الحبوب فى مصر" بقيمة 56، 7 مليون يورو، ويدير المنحة الوكالة الفرنسية للتنمية. ويهدف الاتفاق إلى يهدف تطوير القدرات التخزينية لصوامع القمح، من خلال زيادة قدرة مصر على الصمود في مواجهة اضطرابات سوق إمدادات القمح والصدمات الخارجية من خلال بناء سعة إضافية لصوامع القمح لزيادة القدرة الحالية، وتعزيز كفاءة وجودة سلسلة قيمة توريد القمح المحلي من خلال تسهيل توريد القمح المحلي، وتقليل خسائر الحبوب من مرافق التخزين المفتوحة التقليدية من خلال تحسين ظروف تخزين القمح في الصوامع.

• ووقعت وزيرة التعاون الدولي، والدكتور سيد إسماعيل، نائب وزير الإسكان، وبنك الاستثمار الأوروبي، مشروع المساندة الفنية التحضيرية لإدارة الحمأة في مصر، بمنحة من بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 2 مليون يورو، تستفيد منها وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، لتقديم مساعدة فنية لإعداد الدراسات اللازمة لادارة الحمأة في عدد من المواقع ذات الأولوية في مصر، بهدف تكرار الحلول النموذجية المحددة عبر المواقع الأخرى، بما يعزز تنفيذ أهداف التنمية المستدامة لاسيما الصحة الجيدة والرفاه، والطاقة النظيفة، والمدن والمجتمعات المحلية المستدامة، والاستهلاك والإنتاج المسؤولان والعمل المناخي.

• وقعت وزيرة التعاون الدولي، والدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، مع السيد/ جيرت كوبمان، المدير العام لمفاوضات الجوار والتوسيع في المفوضية الأوروبية، والسيدة/ جيلسومينا فيجيلوتي، نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، اتفاق مشروع الصناعات الخضراء المستدامة، بقيمة 271 مليون يورو، الذي يموله بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 135 مليون يورو، ومنحة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 30 مليون يورو يديرها بنك الاستثمار الأوروبي، إلى جانب تمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية وجهات تمويلية أخرى. وينفذ البرنامج جهاز شئون البيئة، والبنك الأهلي المصري. ويأتي الاتفاق الجديد في إطار جهود الدولة للتعاون مع شركاء التنمية لتعزيز التحول إلى الاقتصاد الأخضر ودعم العمل المناخي، حيث يهدف المشروع إلى يهدف المشروع إلى دعم انتقال الصناعة في مصر إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال تنفيذ الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ والاستدامة البيئية، مع التركيز على المواقع الصناعية والمناطق التي يؤثر فيها التلوث- لا سيما تلوث الهواء أو الماء - بشكل سلبي على السكان والبيئة المحيطة. كما يعزز المشروع التخلص من التلوث الصناعي للهواء والماء والتربة وأماكن العمل، ويقلل الانبعاثات الكربونية في القطاع الصناعي من خلال استخدام الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والغاز الحيوي.

• وفي ذات السياق وقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) والبنك التجاري الدولي (CIB) اتفاقيات للحصول على حزمة تمويل بقيمة 60 مليون دولار (55.9 مليون يورو) لتشجيع الإقراض للاستثمارات الخضراء والشركات التي تقودها النساء في مصر، وتنقسم الحزمة إلى 50 مليون دولار في إطار مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر (GEFF II) لتمويل الاستثمارات في تقنيات التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، إلى جانب 10 مليون دولار لتوفير فرص بناء القدرات للشركات الصغيرة التي تقودها السيدات في مصر.

*في سياق متصل تم توقيع اتفاقيتين لتعزيز تمكين القطاع الخاص في مصر وأيضًا على المستوى الإقليمي كالآتي*

• شهدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، توقيع اتفاق بين بنك الاستثمار الأوروبي، وصندوق SPE Capital، بقيمة 350 مليون يورو، يستهدف من خلاله بنك الاستثمار الأوروبي تعزيز استثمارات الصندوق في أسهم الشركات ذات النمو المرتفع خصوصًا في قطاعات الرعاية الصحية، والأدوية، والتعليم، والتصنيع، والخدمات المالية، والخدمات اللوجيستية، والسلع الاستهلاكية، في مصر وتونس والمغرب. ومن المتوقع أن يسهم التمويل في خلق أكثر من 10 آلاف فرصة عمل جديدة، بما يعزز التنمية الاقتصادية في مصر ومنطقة شمال أفريقيا.

• كما وقعت وزيرة التعاون الدولي، مع السيد/ أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي لسياسات الجوار والتوسع، برنامج التعاون عبر الحدود لحوض البحر المتوسط INTERREG NEXT MED المرحلة الجديدة 2021-2027، بقيمة 263 مليون يورو، الذي يستهدف تحقيق 3 أهداف عامة لدول حوض المتوسط من خلال تنفيذ مشروعات تتميز بالابتكار، والتحول الأخضر، وتلبي الاحتياجات الاجتماعية، وبما يعزز التنافسية، ويقلل الانبعاثات، ويدعم الحوكمة، والشمولية. وتقدر التكلفة الإجمالية للبرنامج بـ292 مليون يورو من خلال منح ويسهم فيها الاتحاد الأوروبي بنسبة 89%، وتستفيد منه 15 دولة من بينها مصر. ويستهدف البرنامج تنفيذ مشروعات في قطاعات السياحة المستدامة والتراث الثقافي، والصناعات الإبداعية والثقافية، والتحول الرقمي، والزراعة والأغذية الزراعية، والاقتصاد الأزرق والدائري، والتعليم والتدريب، والطاقة، والبناء الأخضر.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: القطاع الخاص الإتحاد الأوروبي الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي بنک الاستثمار الأوروبی الدکتورة رانیا المشاط الاتحاد الأوروبی مع شرکاء التنمیة من خلال تنفیذ القطاع الخاص ملیون یورو الخاص فی فی إطار فی مصر

إقرأ أيضاً:

التحديات والفرص في العمل الخيري الدولي الكويتي

مع نمو التوجّهات الرسمية العالمية للسيطرة على العمل الخيري الخارجي، بتبني نموذج المركزية، تزداد هذه الجدلية بين إغراء الإيجابيات وعرقلة السلبيات في اعتماد هذا النموذج.

سنتحدث عن هذا مع التركيز على نموذج العمل الخيري الكويتي، الذي قد يكون من أكثر النماذج التي يدور الحديث حولها في المنطقة العربية؛ لما يتمتع به من قوة وتأثير وجمعه بين المركزية واللامركزية، مع توقعات متزايدة بأنه سيلتحق بالنماذج الأخرى.

إيجابيات النموذج المركزي للعمل الخيري الخارجي

فعلى صعيد الإيجابيات، تبرز جودة ودقة البيانات للتبرعات والمساعدات، ولا سيما الرقم الإجمالي لها، سواء كانت من الجهات الإنسانية والخيرية، أو تلك الرسمية من الدولة بمختلف وزاراتها وأجهزتها.

كما أن هذا النموذج يسهل الوصول إلى بعض الفئات التي تتخوف من التبرع المباشر إلى الجهات الخيرية غير الحكومية، خصوصًا كبار المتبرعين والشركات الكبرى، بسبب تأثرهم بحملات إعلامية تستهدف العمل الخيري والخوف على مصالحهم.

كذلك، فإن من إيجابيات المركزية منع الازدواجية في تقديم المساعدات لنفس الفئات أو المناطق، إلى جانب تعزيز تأثير العمل الخيري بالتركيز على الأولويات والمناطق الأكثر احتياجًا.

إلى جانب هذه المزايا المغرية لكثير من الدول، يأتي مبرر آخر، وهو الوقاية من تهم دعم الإرهاب أو غسل الأموال. مما يستدعي أن تبقى التبرعات الموجهة للخارج تحت مظلة حكومية أو شبه حكومية، وهو الأمر الذي تبنته بعض الدول فيما تنوي دول أخرى تطبيقه.

إعلان

في هذا الإطار، تذكر التوصية الثامنة لمجموعة العمل المالي الدولية التابعة لصندوق النقد الدولي (FATF) كواحدة من أبرز الضوابط الدولية في الإطار المتعلق بـ «المنظمات غير الهادفة للربح»، والتي نصت على أنه «ينبغي على الدول أن تراجع مدى ملاءمة القوانين واللوائح التي تتعلق بالكيانات التي يمكن استغلالها لغايات تمويل الإرهاب، وتعد المنظمات غير الهادفة للربح، بصفة خاصة، عرضةً لذلك، وينبغي على الدول أن تطبق تدابير مركزة ومتناسبة تتماشى مع المنهج القائم على المخاطر، على هذه المنظمات غير الهادفة للربح لحمايتها من الاستغلال لغايات تمويل الإرهاب، بما في ذلك:

من قبل المنظمات الإرهابية التي تظهر ككيانات مشروعة. من أجل استغلال كيانات مشروعة كأدوات لتمويل الإرهاب، بما في ذلك من أجل التهرب من تدابير تجميد الأصول. من أجل إخفاء أو تغطية تحويل الأموال المخصصة لأغراض مشروعة سرًا إلى منظمات إرهابية.

تشير التوجيهات المرتبطة بالتوصية 8 إلى ضرورة أن تضع الدول آليات فعالة لرصد التبرعات والمعاملات المالية، كما توصي بتطبيق تدابير رقابية وتنظيمية على أنشطة المنظمات الخيرية، بما يشمل مراقبة تدفقات التبرعات الدولية؛ لضمان الشفافية وعدم استغلالها.

ورغم أن التوصية لا تتحدث صراحةً عن "آلية مركزية" لإرسال التبرعات، فإنها توصي الدول بوضع أنظمة تنظيمية تتناسب مع تقييم المخاطر الوطنية والدولية، وهو ما يشمل ضمنيًا – مع الأسف – إنشاء كيانات مركزية لإدارة ومراقبة تدفقات التبرعات الدولية.

سلبيات مركزية العمل الخيري الخارجي

من ناحية أخرى، فإن هناك العديد من السلبيات لوجود جهة مركزية لتنظيم إرسال التبرعات الخيرية إلى الخارج، أبرزها زيادة البيروقراطية وتعقيد الإجراءات، مما يؤدي إلى تأخير وصول المساعدات، خاصة في الحالات الطارئة.

كما قد يترتب عليه تركيز السلطة، مما يفتح المجال لسوء الإدارة أو المحسوبية، ويضعف دور المبادرات المستقلة والجمعيات الصغيرة التي تسهم في العمل الخيري.

إعلان

بالإضافة إلى ذلك، قد تعاني الجهة المركزية من تكاليف إدارية مرتفعة تؤثر على النسبة المخصصة للمستفيدين، مع احتمالية غياب الشفافية في تتبع الأموال المرسلة.

من الممكن أن يؤدي تدخل الاعتبارات السياسية إلى توجيه التبرعات نحو أولويات سياسية بدلًا من الاحتياجات الفعلية، مما قد يُضعف الثقة بين المتبرعين والمستفيدين.

كما قد تفتقر الجهة المركزية، إذا ما قورنت بالجمعيات الخيرية، إلى المرونة الكافية لتلبية الاحتياجات الضرورية للمجتمعات المستفيدة، مما يعيق الإبداع ويثبط الجمعيات الخيرية عن تقديم مبادرات نوعية للقطاع الخيري، فضلًا عن استحداث سوق سوداء للعمل الخيري الخارجي.

العمل الخيري العابر للحدود في تقارير مؤشرات جامعة إنديانا العالمية

وعلى سبيل المقارنة، تجدر العودة إلى تقرير مؤشر بيئة العمل الخيري العالمي 2022، الذي تصدره جامعة إنديانا، حين تناول مدى حرية المنظمات الخيرية في إرسال التبرعات إلى الخارج، دون تدخل حكومي مفرط.

على مقياس من 1-5، حصل إقليم شمال أوروبا على أعلى تقييم بدرجة 4.75، حيث تتبنى الحكومات سياسات تعزز بيئة تعاونية مع المنظمات الخيرية، والإطار التنظيمي في هذه المنطقة مصمم لتحقيق توازن بين الحاجة إلى الرقابة وتشجيع الأعمال الخيرية الدولية.

وهناك قدر محدود من العقبات البيروقراطية التي تواجهها المنظمات الخيرية عند تحويل التبرعات دوليًا، مع مستوى عالٍ من الشفافية في العمليات والآليات التنظيمية الفعالة التي تسهل عمل هذه المنظمات عالميًا.

على حين حصل إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أدنى تقييم 2.6، حيث لا تحظى المنظمات الخيرية في المنطقة سوى بحوافز محدودة للانخراط في الأعمال الخيرية الدولية، وتواجه المنظمات الخيرية رقابة حكومية مستمرة وسيطرة على أنشطتها، يشمل ذلك قيودًا على التمويل الدولي وتدفقات التبرعات.

وتفرض العديد من الدول في المنطقة قوانين صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تعيق بدورها قدرة المنظمات الخيرية على العمل عبر الحدود. وفي بعض الحالات، تتطلب اللوائح موافقات حكومية إلزامية للمعاملات عبر الحدود، مما قد يؤدي إلى تأخير أو منع التبرعات بشكل كامل.

إعلان

ومن جهة أخرى، تؤدي حالة عدم الاستقرار السياسي والتحديات الاقتصادية في العديد من دول المنطقة إلى تفاقم البيئة التقييدية، حيث تميل الحكومات إلى تشديد الرقابة خلال الأزمات، مما يحد من تدفق الموارد من وإلى المنطقة.

وعودة إلى التوصية الثامنة لمجموعة العمل المالي الدولية التابعة لصندوق النقد الدولي (FATF)، ومع الاعتراف بأهميتها بشكل عام، إلا أنها كانت موضع انتقاد من كلية ليلي فاميلي للعمل الخيري في جامعة إنديانا، ضمن حديثها عن سياق البيئة القانونية للعمل الخيري عبر الحدود، في تقريرها الذي تشرفت بالمشاركة فيه ضمن «مؤشر تتبع العطاء العالمي 2020».

حيث بين التقرير أنه رغم أن مجموعة العمل المالي شجعت البلدان على مراجعة التشريعات وتنفيذ الإجراءات المتناسبة والسياسات المرنة لضمان حيوية القطاع الخيري، إلا أن لوائح مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب ظلت حواجز أمام العطاء عبر الحدود في العقد الماضي. حين أدخلت العديد من البلدان أيضًا لوائح تحظر الأموال الأجنبية الواردة، أو التي توجه إلى المنظمات الخيرية ذات التمويل الأجنبي.

وأشار التقرير إلى أن مثل هذه اللوائح لا تعيق قدرة المنظمات الخيرية الممولة من الخارج فحسب، بل إنها تثبط عزيمة الجهات المانحة والمتلقية، على حد سواء، للمشاركة في الأعمال الخيرية الخاصة العابرة للحدود وتعزيزها على الصعيد العالمي.

كذلك، كانت التوصية ذاتها موضع انتقاد في تقرير المركز الدولي للقانون غير الربحي عام 2022، عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومنظمات المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ذكر التقرير أن تأخر التمويل سيؤثر على الخدمات التي تقدمها المنظمات غير الربحية.

فقد يؤثر على إيصال الغذاء والأدوية والتعليم وحتى إلغاء المشاريع بشكل كامل، الأمر الذي يؤثر على المستفيدين ويحرمهم من الخدمات. كما سيؤدي إلى ضياع الكثير من الجهد والوقت في الإجراءات البنكية بدلًا من التركيز على الخدمات والمساعدات، وتضرر سمعة المنظمات غير الربحية، بسبب كثرة الحديث عن احتمالية غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبالتالي، سيكون الحصول على التمويل سواءً كان تمويلًا محليًا أو دوليًا، قليلًا ومحدودًا!

إعلان النموذج الكويتي بين المركزية واللامركزية

أما الكويت، فقد عرفت بتبني مقاربة متميزة، جمعت بين المركزية واللامركزية، حيث توفرت مساحة كبيرة من الحرية في العمل للجمعيات الخيرية الكويتية، أكسبت الأخيرة إبداعًا ورشاقة، مع وجود الإشراف المباشر من وزارتي الخارجية والشؤون الاجتماعية على الجمعيات في عدم التعامل إلا مع الجهات الخيرية الخارجية المعتمدة في منظومة العمل الإنساني في وزارة الخارجية.

وذلك ضمن سلسلة إجراءات وشروط وتدقيق على ملفات وبيانات الجهات الخيرية التي تقدم للاعتماد، وصولًا إلى زيارة ممثلين من سفارات الكويت لهذه الجهات بمقارها والاستفسار الهادئ للتعرف على الجمعية. وقد حضرت جزءًا من هذه العملية مع ممثل سفارة الكويت في واشنطن ضمن مراحل اعتماد منظمة UMR في الولايات المتحدة.

كذلك، تلزم الجمعيات الخيرية الكويتية بالحصول على الموافقات المسبقة لعمليات التحويل المالية والمشاريع خارج الكويت قبل التنفيذ، ثم المتابعة والتقارير بعد التنفيذ. وكان لهذه المقاربة أن جعلت الجمعيات الخيرية الكويتية موضع ثقة كبيرة من الجهات الإشرافية والجمهور، كما أكسبها إبداعًا في تقديم المساعدات.

في هذا الإطار، كان التعميم الذي أصدرته وزارة الشؤون الاجتماعية عام 2022 بتنظيم العمل الخيري من خلال الميكنة، الذي سعى إلى إكساب عمل الجمعيات الخيرية رشاقة إجرائية بالاعتماد على الميكنة، بالارتكاز على 7 عناصر رئيسية، وهي: خطة المشاريع، والتحويلات البنكية، والتحويلات المالية، والبيانات المحاسبية، والطلبات القانونية، وقاعدة بيانات الجمعيات، وتقارير الموظفين.

ويعمل هذا النظام بدوره على الربط مع منظومة العمل الإنساني لوزارة الخارجية لتدقيق بيانات التحويلات المالية بشكل آلي، بحيث لا تستطيع الجمعية التحويل إلى أي جهة غير موجودة أو ممنوعة في منظومة العمل الإنساني لوزارة الخارجية، وفي نفس الوقت يدعم النظام الشفافية بشكلٍ كبير، حيث يكون التدخل البشري في كافة العناصر الرئيسية التي يقوم عليها عمل الجهات الخيرية محدودًا.

إعلان

وعند النظر إلى مؤشر بيئة العمل الخيري العالمي GEPI الذي تصدره جامعة إنديانا، ونتائج الكويت المتقدمة فيه مقارنة بدول المنطقة، خاصةً فيما يخص ملاءمة البيئة التنظيمية لإرسال التبرعات إلى الخارج، تبدو مساحة الحرية واللامركزية التي تمتاز بها دولة الكويت متماشية مع المؤشرات الجاذبة والفاعلة والمثلى في بيئة العمل الخيري، والتي تسعى جامعة إنديانا إلى نشرها من خلال مؤشرها الذي ينفذ في حوالي 100 دولة، وهو ما قد لا يرضي الجهات الرقابية المتشددة على العمل الخيري!

وفي سياق الحديث المستمر عن مستقبل العمل الخيري الكويتي، في ظل الإرهاصات التي تحدث في المنطقة والنماذج الموجودة حول الكويت، إلى جانب بعض التغيرات الداخلية في الكويت، التي أوحت إلى بعض الجهات أن هناك تشديدًا منتظرًا على العمل الخيري الكويتي الخارجي، رغم وجود ما يؤكد عكس ذلك، فما زلنا نشهد نشاطَ وتميزَ ورشاقة الجمعيات الخيرية الكويتية.

فمن المألوف أن ترى مدير جمعية خيرية كويتية "سعد العتيبي" في طليعة الحاضرين عند حدوث الكوارث مثل الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا والمغرب. إلى جانب الجهد المتواصل للجمعيات الخيرية الكويتية في إغاثة قطاع غزة المنكوب، والذي انطلق منذ بداية العدوان الأخير بحملة "فزعة لفلسطين" التي شاركت فيها العديد من الهيئات واللجان الخيرية، مرورًا بتسيير جسر جوي من المساعدات في 52 رحلة، وقافلة من الشاحنات من الكويت إلى معبر رفح.

بالإضافة إلى إطلاق حملة شعبية لتسيير سفينتي إغاثة إلى غزة عبر ميناء العريش البحري بالتعاون مع الهلال الأحمر التركي، شاركت فيها 30 جمعية خيرية كويتية. وتمكنت الحملة من جمع مبلغ كبير من التبرعات في دقائق معدودة، ولا أخفي سرًا بأن بعض الأصدقاء من خارج الكويت قد سألني عن كيفية تحويل تبرعاته إلى جهات خيرية كويتية لتتولى إرسالها إلى غزة!

إعلان

يعتقد العديد من الكويتيين الذين أتحدث معهم في هذا الموضوع، وقد ذكره عدة مرات رئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، د. عبد الله المعتوق، أن مما يحفظ الكويت هو خيرها الممتد لمئات الدول.

ومما يحمي العمل الخيري الكويتي هو تلك النظرة التاريخية له كجزء أساسي من تركيبة الدولة. وقد بدأ الأمر في مرحلة ما قبل الاستقلال من خلال المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في الكويت، حيث حرص تجار الكويت منذ القدم على إخراج زكاة المال وتقديمها لأوجه الخير المختلفة. فضلًا عن إقدامهم على التطوع، حيث ساهموا قديمًا بالتبرع الطوعي للدولة عبر ضريبة فرضوها على أنفسهم، بدأت بنسبة (1%) من بضائعهم التي يجلبونها إلى الكويت. ومع احتياجات الدولة، كان التجار يزيدون من نسبة هذه الضريبة التي وصلت إلى (5%) في عام 1936.

ولم تقف المسؤولية المجتمعية للتجار عند هذا الحد، بل قاموا منذ القدم بتشكيل لجان خيرية مؤقتة، وفي عام 1956 تم تأسيس اللجنة الشعبية لجمع التبرعات. تلك الجهود عبرت عنها مقولات شعبية كويتية من أشهرها مقولة "ادفع حلواها تدفع بلواها"، التي وصفت عطاء الكويتيين الممتد منذ ما قبل اكتشاف الثروة النفطية وحتى الوقت الحاضر إلى مختلف أنحاء المعمورة.

وبرز في هذا العطاء العديد من الرواد، مثل عبدالرحمن السميط وأعماله الكبيرة في القارة الأفريقية. إن مثل هذا الإرث يجعل من الصعب على الكويت أن تشدد على العمل الخيري الخارجي وتتبنى مركزية التبرعات من خلال جهات حكومية.

وعلى ذلك، لا أتوقع أن تغامر الكويت بإرثها المتواصل في العمل الخيري من خلال تبني ممارسات مفرطة في تقييد العمل الخيري الموجه إلى الخارج! وحتى لا يحدث ذلك فعلى الجهات الخيرية الكويتية واجب الامتثال للقوانين الدولية والمحلية بذكاء وتلبية متطلبات وزارتَي الخارجية والشؤون الاجتماعية، وألا تتهاون تحت أي مبرر في مسألة الشفافية وتقديم التقارير للجهات الرسمية وأصحاب العلاقة.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مستثمر سياحي: يجب فتح المجال للقطاع الخاص للمشاركة فى تطوير المطارات
  • رئيس اتحاد الغرف السياحية: الحكومة لديها نية صادقة للاستماع إلى القطاع الخاص
  • مفوضة الاتحاد الأوروبي لمنطقة المتوسط: شروط لتخصيص نصف مليار يورو للبنان
  • التحديات والفرص في العمل الخيري الدولي الكويتي
  • قرار جمهوري بالموافقة على زيادة حصة مصر بالبنك الأوروبي للإعمار بـ4.140 مليون يورو
  • رانيا المشاط: قدمنا في 2024 أكثر من 4 مليارات دولار للقطاع الخاص
  • وزيرة التخطيط: الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من أهم أولويات الدولة
  • رانيا المشاط: الدولة وفرت تمويلات ميسرة للقطاع الخاص بـ4 مليارات دولار خلال 2024
  • الاتحاد الأوروبي يحقق فائضا تجاريا بـ150 مليار يورو في 2024
  • دول الاتحاد الأوروبي تسجل 150.1 مليار يورو فائضاً تجارياً مع دول العالم