من برجي بتروناس التوأم إلى برج القاهرة.. كيف عزز الأزهر علاقة مصر بماليزيا؟
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
يعد الأزهر الشريف، والذي تجاوز عمره الألف وثمانين عاما، أبرز القوى الناعمة لمصر، ويعرف الكثير من أبناء العالم الإسلامي مصر بالأزهر، وليس هذا من قبيل المبالغة، بل إن الواقع المشاهد يكشف أن الأزهر لم يقتصر على كونه قلعة علمية وثقافية تصدر للعالم الإسلامي المنهج الوسطي المستنير، وإنما سعى لتوطيد علاقاته بكل الدول الإسلامية لدعم وحدة الأمة وتلاحمها، واستقلال عالمنا الإسلامي باستقلال كل جزء فيه، وبعث روح التضامن بين كل أجزاء الجسد المسلم.
وكان الطلاب الوافدون للدراسة في الأزهر والمبتعثين الأزهريين، عاملين مهمين في توطيد علاقة الأزهر بدول العالم الإسلامي، ولذا، حرص الأزهر على فتح أبوابه لكل الراغبين في تلقي العلوم من مختلف دول العالم، وذلك من خلال تخصيص منح دراسية مدعومة بالكامل، وزيادتها بشكل دوري لاستيعاب كل القلوب المعلقة بمآذن الجامع الشريف، وعقول علمائه الذين سعوا لنشر الصورة الصحيحة عن الإسلام وتعليم علوم الدين والدنيا.
ويحظى الأزهر الشريف بمكانة رفيعة في القارة الأسيوية وبخاصة بين شعوب جنوب شرق القارة، والتي يأتي في مقدمتها إندونيسيا وماليزيا، ويحتفظ الأزهر بعلاقات تاريخية وثيقة بماليزيا، حيث حرص الماليزيون على إرسال أبنائهم للدراسة في الجامع الأزهر، وأنشئوا رواقا خاصا بهم سمي رواق جاوة أو الرواق الجاوي، والذي بدأ بعشرات الطلاب من ماليزيا وإندونيسيا والفلبين، حتى تجاوز أعداد الطلاب الماليزيين آلاف الطلاب والطالبات في الوقت الراهن.
وكان الأزهر داعما لاستقلال ماليزيا من وطأة الاحتلال الإنجليزي عام ١٩٥٧، وقد حمل خريجو الأزهر في ماليزيا، بعد الاستقلال، جنبا إلى جنب مع المبعوثين الأزهريين، مهمة نشر العلوم الشرعية، وقام عدد من خريجي الأزهر في ماليزيا بإنشاء المعاهد الدينية لتعليم المسلمين علوم الدين، كما حرصت ماليزيا على تنسيق الجهود والقضايا ذات الصبغة الشرعية مع الأزهر باعتباره المرجعية الإسلامية الأكبر، فبادر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، بزيارة ماليزيا عام ١٩٦٢، وأعلن آنذاك ترحيب الأزهر بمبادرة "صندوق الحج" التي أطلقتها ماليزيا، وهي عبارة عن تأسيس صندوق استثماري خاص بالحج يضمن جمع أموال الماليزيين الراغبين في أداء فريضة الحج واستثمارها في مشروعات ربحية تتوافق مع الشريعة الإسلامية بهدف زيادة رأس مال الصندوق، وتنظيم الوفود بما يسمح للجميع بأداء الفريضة، وقد استحسن المبادرة الدكتور شلتوت وهو ما أكسبها ثقة كبيرة لدى الماليزيين.
كما قام علماء الأزهر وأساتذته وخريجيه بدور محوري في تأسيس أقسام وبرامج العلوم الإسلامية بجامعة مالايا في نهايات الستينيات من القرن الماضي، والجامعة الوطنية الماليزية في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، وحرصت الجامعتان على إيفاد الكثير من طلابها وباحثيها إلى الأزهر للنهل من منابعه العلمية الأصيلة والعودة إلى ماليزيا محملين بالكثير من المعارف والعلوم ليصبحوا بعد ذلك قادة وروادًا للعلوم الإسلامية في ماليزيا.
ومنذ ذلك الحين تطورت العلاقات العلمية والثقافية والدعوية بين ماليزيا والأزهر، وعزز فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، العلاقة مع ماليزيا من خلال زيادة المنح الدراسية المخصصة لأبناء ماليزيا للدراسة في الأزهر لتصل أعداد المنح إلى ٣٨ منحة سنوية، وقد وجه فضيلته بمضاعفة هذا العدد استثناء للعام الحالي ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤، حيث تجاوز أعداد خريجي الأزهر في ماليزيا بعد الاستقلال ما يزيد عن ١٠٠ ألف خريج، وهو ما يشير إلى متانة العلاقة بين الأزهر وماليزيا، وثقة الماليزيين في الأزهر، وتم توقيع بروتوكول تعاون بين الأزهر ووزارة التعليم الماليزية عام ١٩٩٩ لتنظيم توافد الطلاب الماليزيين إلى الأزهر، وتم تجديده عام ٢٠٢٢.
كيف عزز الأزهر علاقة مصر بماليزياوحرصا من الأزهر على تعزيز العلاقات مع ماليزيا، استضافت أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ منذ إنشائها عام 2018، عشرات الأئمة الماليزيين، لتدريبهم على كيفية التعامل مع القضايا الدينية المعاصرة، وصقل مهاراتهم في تفنيد أفكار الجماعات المتطرفة، ورفع وعيهم بقضايا التعايش والاندماج والأخوة الإنسانية، والتعامل مع الشبهات المثارة حول قضايا المرأة في الإسلام وقضايا الجهاد والحاكمية وغيرها.
وفي مجال التعاون المشترك بين الأزهر الشريف وماليزيا في مجالات التعليم والدعوة والبحث العلمي، فشهدت العديد من البروتوكولات والاتفاقات، ففي ديسمبر عام 2008 تم عقد بروتوكول تعاون بين الحكومة الماليزية وجامعة الأزهر، ينص على أن تنظم الجامعة برنامجًا دراسيًّا خاصًّا متكاملًا وشاملًا للعلوم الإسلامية والعربية للطلاب والخريجين الماليزيين، وفي عام 2011) تم عقد اتفاقية التعاون الأكاديمي والتعليم المشترك بين الأزهر وجامعة العلوم الإسلامية الماليزية (USIM) لتعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي وتبادل الأساتذة والطلاب. شملت الاتفاقية تنظيم ورش العمل والمؤتمرات العلمية المشتركة، وفي عام 2013 تم عقد اتفاقية التعاون مع الحكومة الماليزية، تهدف إلى إرسال مزيد من الطلاب الماليزيين للدراسة في الأزهر، وتضمنت الاتفاقية أيضًا تنظيم برامج تدريبية للأئمة والدعاة الماليزيين في الأزهر.
وفي عام 2015 تم عقد مذكرة التفاهم مع جامعة ملايا وهي إحدى أقدم وأعرق الجامعات في ماليزيا، لتعزيز التعاون الأكاديمي والثقافي، تضمنت المذكرة تبادل الطلاب والأساتذة وتنظيم الأبحاث المشتركة، أما في عام 2017 فقد تم عقد اتفاقية التعاون في مجال الدعوة والتعليم الإسلامي مع جامعة السلطان إدريس التربوية لتعزيز التعاون في مجالات التعليم الإسلامي والدعوة. هدفت الاتفاقية إلى تطوير المناهج الدراسية وتبادل الخبرات بين الأساتذة والباحثين، بينما في عام 2020 فتم عقد اتفاقية التعاون الثقافي والعلمي مع وزارة الشؤون الدينية الماليزية، لتعزيز التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين، شملت الاتفاقية برامج تدريبية للمعلمين والأئمة، بالإضافة إلى تنظيم المؤتمرات العلمية المشتركة.
وتكريما لجهود فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في خدمة الإسلام وقضايا المسلمين والطلاب الوافدين، تُوج في عام 2020 بجائزة «الشخصية الإسلامية الأولى"، الجائزة التي تُمنح للشخصيات المرموقة دوليًّا التي تلعب دورًا بارزا في خدمة الإسلام والمسلمين، بحضور رئيس وزراء ماليزيا وأعضاء الحكومة، وذلك خلال الاحتفاء بذكرى الهجرة النبوية الشريفة، حيث قرر فضيلته التبرع بقيمة الجائزة المالية للطلاب الوافدين الماليزيين، لتلبية متطلباتهم ورعاية لهم.
ويستضيف الأزهر ما يزيد عن 6500 طالب وطالبة ماليزي يدرسون بمختلف المراحل التعليميَّة من رياض الأطفال حتى مرحلة الدراسات العليا، فضلا عن مجمع أزهري "دار القرآن" في ماليزيا يضم ٨ مبتعثين أزهريين يُدرِّسون العلوم الشرعية والعربية لآلاف الطلاب الماليزيين، بالإضافة إلى خمس مدارس معادلة بشهادات الأزهر وهم: (الشهادة الدينية العالية- معهد تحفيظ القرآن بسلطنة ترنجاتو- كلية إسماعيل فترا الإسلامية - معهد دار القرآن الكريم جاكيم- معهد تحفيظ القرآن الكريم والقراءات).
جدير بالذكر أن السيد أنور إبراهيم، رئيس الوزراء الماليزي، قدَّم دعوة رسمية لشيخ الأزهر لزيارة البلاد، في 23 أكتوبر عام 2023، مؤكدًا أن الشعب الماليزى ينتظر هذه الزيارة بشغف كبير لما يحمله من حب وود لفضيلته وشعور بالانتماء لهذه المؤسسة الإسلامية العريقة، مشيرًا إلى أن الأزهر هو المؤسسة الإسلامية الأكبر في العالم الإسلامي، وهو قِبلة طلاب ماليزيا لتعلم العلوم الشرعية واللغة العربية.
اقرأ أيضاًبحضور وكيل الأزهر.. «البحوث الإسلامية» يفتتح لجنة الفتوى الرئيسة بالمنوفية بعد تطويرها
وكيل قطاع المعاهد الأزهرية: أجواء هادئة واستقرار في لجان الثانوية ولا توجد شكاوى
الضويني يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية في شبين الكوم.. ويؤكد: طلابنا أمانة في رقابنا
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأزهر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب رئيس الوزراء الماليزي الطلاب المالیزیین لتعزیز التعاون للدراسة فی فی مالیزیا بین الأزهر فی الأزهر فی عام
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة الأزهر: نحمل رسالة سامية لمكافحة التطرف والإرهاب
أكد د. سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، أنّ الجامعة ليست بمعزل عن التطور التكنولوجى، سواء فى المناهج الدراسية أو النظم الإدارية، موضحاً أن التعليم الأزهرى منظومة متكاملة تجمع بين التراث والدين الحنيف والعلوم الشرعية والتخصّصات العملية، كما أنّ ملف تعيين أوائل الخريجين له أولوية فى المناقشات الحالية.
وقال «داود» فى حوار لـ«الوطن»، إنّ الجامعة تولى المشروعات القومية والمبادرات الوطنية اهتماماً كبيراً وواضحاً، بجانب تدريب الطلاب على مكافحة الفكر المتطرف والإرهاب بكل أشكاله، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية وطلاب غزة محل اهتمام من الجامعة بمختلف كلياتها، والإمام الأكبر شيخ الأزهر يوليهم اهتماماً خاصاً، وإلى نص الحوار:
أعلنتم فى وقت سابق تطبيق نظام التعليم الموازى فى الفصل الدراسى الثانى.. وبعد ذلك تم تأجيله، فما تفاصيل هذا النظام وكيفية وموعد تطبيقه؟
- بالفعل أعلنا عن التعليم الموازى فى كليات الجامعة، ولم يتم تأجيله بشكل كامل، لكنه موجود لمن يحقق شروطه، ففكرته أنه يُشترط حصول الطالب الراغب فى الالتحاق بالبرنامج على نفس مجموع كلية الطب، بمعنى أنه إذا رغب طالب حاصل على مجموع كلية الطب بأسيوط أو دمياط فى الالتحاق بهذا البرنامج بالقاهرة لا مانع من ذلك.
أين تقع جامعة الأزهر على خريطة كليات الذكاء الاصطناعى والكليات التكنولوجية فى قطاع التعليم؟
- جامعة الأزهر رائدة فى مختلف العلوم، وندرس كل ما يتعلق بالتكنولوجيا فى مختلف الكليات، حسب كل تخصّص، فمثلاً الإعلام الرقمى فى كليات الإعلام، الحاسب الآلى والإنترنت، ولغات البرمجة فى كليات العلوم والهندسة، ولدينا قسم خاص بالتربية والتكنولوجيا فى كلية التربية وهكذا، أما بخصوص كلية للذكاء الاصطناعى، فقد شكلنا لجنة من عمداء العلوم والهندسة، ونواب رئيس الجامعة، لبحث إنشاء كلية بهذا المسمى فى القريب العاجل.
ما أبرز التحديات التى واجهتكم فى ملف التنسيق هذا العام؟ وكيف تغلبتم عليها؟ وماذا عن أعداد الطلاب الجُدد ونسبة المحولين إلى جامعة الأزهر من طلاب التعليم العام؟
- شهد ملف التنسيق هذا العام عدة تحديات، أبرزها الزيادة الملحوظة فى أعداد المتقدّمين، وهو ما تطلب تطوير نظم التنسيق الإلكترونى لضمان تسجيل رغبات الطلاب بكفاءة ودقة، وتم الاستعداد لذلك بشكل استباقى، بالإضافة إلى توفير الدعم الفنى لتيسير إجراءات التسجيل، وشهدنا زيادة متوقعة فى أعداد المتقدّمين، فقد بلغ عدد الناجحين فى الثانوية الأزهرية 91٫341 طالباً، تقدم منهم 77٫065 طالباً للتنسيق.
وتم توحيد الحد الأدنى لكليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة على مستوى المناطق الجغرافية «القاهرة - قبلى - بحرى»، لتحقيق المساواة بين الطلاب، بالإضافة إلى دخول كليات وأقسام جديدة، فتم افتتاح كلية الخدمة الاجتماعية بالقليوبية، وعلوم للبنات بأسيوط، وشعبة للقراءات بدراسات بنات القاهرة، مما استلزم تحديثات فى نظام التنسيق، أما التحويل من التعليم العام فالمسموح به قبول طالبات فى أقسام اللغة الإنجليزية والفرنسية بكلية الدراسات الإنسانية بنات.
كيف تتعامل جامعة الأزهر مع فروعها خارج مصر، وعلى سبيل المثال فلسطين؟ وما حجم الدعم الذى قدّمتموه للطلاب الفلسطينيين الناجين من حرب غزة؟
- أبناء فلسطين هم فلذة أكبادنا، وكل الكليات ترحب بهم، وفضيلة الإمام الأكبر يوليهم اهتماماً خاصاً، وكذا كل العاملين فى الأزهر، وفى الحقيقة جامعة الأزهر فى فلسطين سُميت بذلك لأنها تقع فى أرض بجوار معاهد الأزهر، فجامعتنا ليس لها فروع بالخارج، لكن لديها بروتوكولات تعاون مع كثير من الجامعات والدول.
كيف تتعامل جامعة الأزهر مع الطلاب غير القادرين مادياً؟
- الضعيف أمير الركب، وهذه قاعدتنا العامة، فغير القادر على رؤوسنا، وكان كثير من العلماء من غير القادرين، لهذا نوليهم رعاية خاصة، فمثلاً أولوية السكن فى المدينة الجامعية للأعلى تقديراً، يليه الأبعد مسافة، وكذا الحالات الخاصة ممن فقدوا والديهم، أو ذوى الهمم من أصحاب الإعاقات الحركية أو البصرية، وفى ما يخص الرسوم الدراسية، فقد خصصنا جزءاً من مصروفات الكتب لهؤلاء الطلاب، وبهذا نعفيهم من الرسوم بموجب تقديم إثبات عدم المقدرة، إضافة إلى صرف إعانة لهم من الإدارة العامة لرعاية الطلاب.
ماذا عن تعيين الخريجين؟
- خاطبنا وزارة المالية لتوفير الدرجات المالية اللازمة للتعيينات، وقد بدأنا بالفعل فى الإعلان المكمل لتعيينات خريجى 2014 - 2015 من الكليات العملية فى وظيفة «معيد»، من خلال توفير 160 فرصة عمل عن طريق بوابة الوظائف الحكومية، ومنها كليات العلوم والصيدلة وطب الأسنان، وباقى الكليات سيتم الإعلان عنها قريباً.
أعلنتم مؤخراً حظر إقامة حفلات التخرج بعيداً عن الحرم الجامعى.. فما السبب فى ذلك؟
- تنظيم حفلات التخرج وإقامتها سيكون من خلال التنسيق مع إدارة كليات الجامعة، وذلك حرصاً على الضوابط المتبعة داخل جامعة الأزهر، وحفاظاً على مكانتها العالمية، وعدم استغلال طلاب وطالبات الجامعة من بعض الجهات والهيئات غير الرسمية، وعدم استقطابهم خارج الجامعة، والقرار جاء لمنع أى حفلات قد تخرج عن تقاليد الأزهر الشريف، وحرصاً على مستقبل طلاب وطالبات الجامعة، والقرار يتضمن التعاون مع المنظمة العالمية لخريجى الأزهر الشريف.
ماذا عن التحول الرقمى فى جامعة الأزهر، وإداراتها المختلفة؟
- لدينا وحدة لنظم المعلومات، وشكّلنا لجاناً للتحول الرقمى وخطونا خطوات جادة فى تفعيل الحرم الذكى بالجامعة، فالتحول الرقمى فى جامعة الأزهر يُمثل محوراً رئيسياً ضمن خطط التطوير التى نسعى لتحقيقها لمواكبة العصر وتلبية احتياجات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، واتخذنا خطوات واسعة فى هذا المجال، تشمل تحديث البنية التحتية التكنولوجية وإطلاق عدد من المنصات الرقمية، التى تخدم العملية التعليمية والإدارية، وعلى سبيل المثال، أطلقنا منصة إلكترونية شاملة تُتيح للطلاب تسجيل المقرّرات الدراسية، والوصول إلى المواد التعليمية، وأداء الامتحانات إلكترونياً فى بعض المقرّرات، كما قُمنا برقمنة الملفات الإدارية لتسهيل التعامل مع الطلبات والخدمات المختلفة، سواء للطلاب أو الموظفين.
وفى ما يتعلق بالدراسات العليا، تم تطوير نظام إلكترونى يتيح للباحثين تقديم مقترحات الرسائل العلمية ومتابعة إجراءات التسجيل والمراجعة بسهولة، وتسعى الجامعة لتعزيز استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى والبيانات الضخمة لتحليل أداء الطلاب وتقديم الدعم الأكاديمى المناسب لهم، بالإضافة إلى ذلك، نتعاون مع مؤسسات وطنية ودولية لتدريب كوادر الجامعة على أحدث الأدوات التكنولوجية وضمان استدامة هذه المبادرات، وهدفنا النهائى هو توفير بيئة تعليمية متميزة تدعم الإبداع والابتكار، مع الحفاظ على هوية الجامعة ورسالتها الرائدة فى العلوم الدينية والدنيوية.
كيف تتعامل جامعة الأزهر مع تصنيفها على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى؟
- نُحقّق تقدماً فى التصنيفات المحلية والعالمية، من بينها حصول الجامعة على المركز الأول فى تصنيف «التايمز» على مستوى الجامعات الحكومية، كما حصل الكثير من مجلات كلياتنا على المراكز الأولى على مستوى الوطن العربى فى معامل التأثير والاستشهادات المرجعية «أرسيف»، وعلى الدرجات النهائية فى تصنيفات المجلس الأعلى للجامعات، ونحن فى جامعة الأزهر نعتبر تصنيف الجامعة على المستويات «المحلى والإقليمى والعالمى» مؤشراً مهماً على جودة التعليم والبحث العلمى والخدمات التى نُقدّمها، ونعمل على تحسين ترتيب الجامعة من خلال عدة محاور أساسية، حيث نركز على دعم الأبحاث التى تتناول قضايا معاصرة وتحقّق تأثيراً عملياً فى المجتمع، مثل التكنولوجيا المتقدّمة والتنمية المستدامة والابتكار، ونُشجع أعضاء هيئة التدريس والباحثين على النشر فى مجلات علمية مرموقة دولياً من خلال دعم مالى ومعنوى قوى، كما نعمل على تحديث المناهج الدراسية، لتتوافق مع متطلبات سوق العمل محلياً ودولياً، مع الحفاظ على هوية الجامعة الإسلامية والتراثية، ونسعى دائماً للتوسع فى البرامج الثنائية مع جامعات عالمية، ولدينا وحدة لمتابعة مؤشرات التصنيفات العالمية، مثل تصنيف QS وتصنيف Times Higher Education، وتحديد نقاط القوة والضعف لتحسين الأداء، كما نعمل على تحسين معايير أخرى، من بينها نسبة الطلاب الوافدين، ونسبة أعضاء هيئة التدريس، والتعاون مع الجامعات الدولية.
ونُنفذ مبادرات تخدم المجتمع وتعكس تأثير الجامعة فى محيطها، مثل مشروعات التوعية البيئية والتكنولوجيا المستدامة، ونُقيم مؤتمرات وندوات علمية دولية تستقطب الباحثين من مختلف أنحاء العالم، بما يُعزّز سمعتنا الأكاديمية، ونسعى لتطوير البنية التحتية وتحديث المرافق الجامعية، بما فى ذلك المعامل ومراكز البحث والمكتبات الإلكترونية، كما نُركز على التحول الرقمى فى تقديم الخدمات الأكاديمية والإدارية، فنحن ندرك أن التحديات كبيرة، لكننا نؤمن بأن جامعة الأزهر بتاريخها العريق وإمكاناتها تستطيع تحقيق المزيد من التقدم على جميع المستويات.
100 ألف جنيه مكافأة النشر فى المجلات الدولية من الجامعة لأعضاء هيئة التدريسما رؤية الجامعة وآلياتها فى التعامل مع الابتكارات والبحث العلمى؟ وكيف يتم التعامل مع مشروعات التخرج؟
- جامعة الأزهر تسعى دائماً لتعزيز مكانتها كمؤسسة أكاديمية رائدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وذلك من خلال رؤية طموحة تُركز على دعم الابتكارات والبحث العلمى لخدمة المجتمع والتنمية المستدامة، كما نُشجّع البحث العلمى من خلال صرف أكثر من 100 ألف جنيه لمن ينشر فى مجلات عالمية، وبالنسبة إلى مشروعات التخرج، ندعم كل ما هو قابل للتطبيق، ونؤمن بأن البحث العلمى هو المحرك الأساسى للتقدّم، ولهذا نعمل على توفير بيئة محفّزة للإبداع والابتكار، ونهدف لأن تكون الجامعة منبراً للإنتاج الفكرى والمعرفى، يجمع بين العلوم الشرعية والعلوم الحديثة، لتحقيق التقدم فى مختلف المجالات.
كما نمتلك الكثير من المراكز البحثية التى تغطى مجالات متنوعة، ونقدّم دعماً مالياً ولوجيستياً للباحثين، ونسعى لتوفير منح وفرص تدريبية، بالتعاون مع جامعات ومؤسسات دولية، وداخل الجامعة نتبنى الأفكار المبتكرة وندعم تحويلها إلى مشروعات قابلة للتطبيق، ويتم تنظيم مسابقات علمية ومؤتمرات طلابية لتشجيع الطلاب على تقديم أفكارهم ومشروعاتهم.
البعض يقول إنّ الفصل بين طلاب وطالبات جامعة الأزهر نتجت عنه مشكلة فى التعامل بين الجنسين بعد التخرّج.. فما ردكم على ذلك؟
- هذا غير صحيح، بدليل أن كثيراً من المدارس غير الأزهرية بدأت تتبنى هذا الاتجاه، بتخصيص مدارس للبنين وأخرى للبنات، بل إن المدارس الخاصة تفعل ذلك، ونُؤكد أن سياسة الفصل بين الطلاب والطالبات فى جامعة الأزهر ليست جديدة، بل هى جزء من رؤية الجامعة وهويتها القائمة على الجمع بين العلم والقيم الإسلامية، ومع ذلك نُدرك أهمية إعداد طلابنا وطالباتنا للتعامل بفاعلية مع المجتمع بمختلف مكوناته، والجامعة لا تقتصر على الفصل المكانى فقط، بل تهتم بتطوير شخصية الطلاب والطالبات من خلال برامج تدريبية وورش عمل تُعنى بمهارات التواصل والتعاون فى بيئات العمل المختلطة، كما نُشجّع المشاركة فى أنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تجمع بين الجنسين فى إطار من الاحترام والتعاون، مثل المؤتمرات والندوات والمبادرات المجتمعية، وجزء كبير من طلابنا وطالباتنا يشاركون فى تدريبات ميدانية ومهنية أثناء الدراسة، مما يُتيح لهم العمل فى بيئات مختلطة تمثل الواقع العملى، ويسهم فى إعدادهم للتفاعل مع الجنس الآخر، كما أن المناهج التعليمية والأنشطة الجامعية تهدف لتعزيز قيم الاحترام والتعاون، وهى أساس أى تفاعل إيجابى بين الأفراد، بغض النظر عن الجنس.
وتجارب خريجى الأزهر فى سوق العمل تُثبت أن معظمهم يتمتعون بكفاءة مهنية وشخصية تجعلهم قادرين على التعامل بفاعلية فى مختلف الظروف المهنية، بما فى ذلك بيئات العمل المختلطة، ويجب أن نُدرك أن التعامل بين الجنسين فى المجتمع ليس مسئولية التعليم فقط، بل هو نتاج مزيج من التربية الأسرية، والتعليم، والقيم الثقافية والاجتماعية، ونحن فى جامعة الأزهر نحرص على أداء دورنا فى إعداد طلابنا ليكونوا قدوة فى السلوك والتعامل الراقى.
ماذا عن جهود الجامعة فى مكافحة التطرّف والإرهاب الفكرى والثقافى؟
- جامعة الأزهر تحمل رسالة سامية فى مكافحة التطرّف والإرهاب الفكرى والثقافى، وهى رسالة ترتكز على نشر قيم الإسلام الوسطية وتعزيز الفكر المستنير الذى يواجه الأفكار المتشدّدة، وجهودنا فى هذا المجال متعدّدة المحاور وتجمع بين التعليم، والتثقيف، والمبادرات المجتمعية، ودور المؤسسات التابعة للجامعة، مثل مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف.
كما تضم مناهج جامعة الأزهر مقرّرات تتناول القضايا المعاصرة، مثل التطرف والإرهاب، وتشرح جذور هذه الظواهر من منظور علمى وشرعى، ونُركز على تعزيز فهم الطلاب لقيم التسامح، والتعايش، واحترام الاختلاف، كما يعتبر مرصد الأزهر من أبرز المؤسسات التابعة للجامعة فى هذا المجال، ويقوم المرصد برصد وتحليل الخطاب المتطرّف على مستوى العالم بعدة لغات، ويعمل على تفنيد الأفكار المتشدّدة بأسلوب علمى وموضوعى، ويعمل به ويتدرّب طلاب الجامعة، كما يُصدر المرصد تقارير دورية وأبحاثاً تشرح جذور الفكر المتطرّف وكيفية مواجهته، ويُسلط الضوء على الطرق التى تستخدمها الجماعات المتطرّفة لاستقطاب الأفراد، ويدير المرصد حملات توعية للشباب على وسائل التواصل الاجتماعى، ويعتمد على محتوى مبتكر لتوضيح المفاهيم الصحيحة للإسلام.
كما تنظم الجامعة ندوات ومؤتمرات دورية تتناول قضايا التطرّف والإرهاب، بمشاركة نخبة من العلماء والمتخصّصين من داخل مصر وخارجها، وتشارك الجامعة فى مبادرات مجتمعية، بالتعاون مع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى، لتعزيز الوعى بخطر الإرهاب الفكرى وكيفية مواجهته، إلى جانب تدريب أئمة وخطباء من مختلف الدول فى أكاديمية الأزهر لتأهيلهم لنشر الفكر الوسطى ومكافحة الخطاب المتطرف فى مجتمعاتهم، وتقدّم الجامعة برامج تعليمية وتدريبية لطلابها، ليكونوا سفراء لقيم الوسطية والسلام فى مختلف التخصّصات، وتستخدم الجامعة والمرصد، الإعلام الرقمى فى نشر رسائل مضادة للتطرّف تصل إلى الشباب فى بيئاتهم الإلكترونية، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فنحن فى جامعة الأزهر نُؤمن بأن مواجهة التطرف ليست فقط مسئولية المؤسسات الأمنية، بل مسئولية فكرية وثقافية بالأساس، ومن خلال التعليم والبحث العلمى، والتواصل مع المجتمع، نقوم بدورنا الريادى فى نشر قيم السلام ومكافحة الأفكار المتطرفة.
هل تم تنقيح ومراجعة مناهج الأزهر مؤخراً؟
- نعم، والكتب والمناهج تتطور باستمرار بما يواكب العصر ويُلبى احتياجات المجتمع، وكل كلية تُدرّس ما يلائمها من المواد الشرعية فى إطار خطة شاملة لتطوير التعليم الأزهرى بما يتماشى مع متطلبات العصر، مع الحفاظ على هوية الأزهر ومبادئه الراسخة، وهذه العملية جاءت استجابة للتحديات الفكرية والثقافية التى تواجه المجتمعات، وتهدف إلى تعزيز الفهم الوسطى للإسلام وترسيخ قيم التعايش والسلام.
هناك من يرى أن تطوير منظومة التعليم الأزهرى لا يتواكب مع المتغيرات الراهنة.. فما ردّكم على ذلك، ومدى ارتباط تطوير التعليم الأزهرى بتطوير منظومة التعليم العالى فى مصر فى إطار رؤية الجامعة؟
- نسير بخُطى قوية وثابتة فى منظومة تطوير التعليم بما يتلاءم مع معطيات العصر وقضاياه وآماله وآلامه، ونسعى للتجديد فى العلوم والمعارف وفتح آفاق الابتكار فى جميع التخصّصات، ولكن لا بد من المحافظة على الثوابت والأصول، لأن المحافظة على تراث الأمة رسالة الأزهر بنص الدستور، وتطوير منظومة بهذا الحجم والتأثير يحتاج إلى رؤية شاملة، وإلى خطوات مدروسة بعناية لضمان تحقيق التوازن بين الحفاظ على الهوية الأزهرية ومتطلبات العصر الحديث، وتم تحديث عدد كبير من المناهج، ودمج العلوم الحديثة مع العلوم الشرعية لتلبية متطلبات سوق العمل، كما تمت الاستعانة بتقنيات التعليم الرقمى فى الكثير من الكليات، مع التركيز على التحول الرقمى للجامعة بأكملها، ونعمل على تحسين قدرات أعضاء هيئة التدريس من خلال برامج تدريبية مستمرة، بالتعاون مع مؤسسات تعليمية دولية، والتعليم الأزهرى ليس مجرد تعليم أكاديمى، بل هو مؤسسة لها دور ثقافى ودينى كبير فى المجتمع، وتطويره يُسهم فى تشكيل فكر وسطى ومستدام يخدم مصر والعالم الإسلامى.
شاركنا فى دعم المبادرات الوطنية والمشروعات القومية بقوافل طبية ودعوية.. ومنها القضاء على فيروس «سى» ومواجهة جائحة «كورونا»ما استراتيجية الجامعة للتعامل مع المشروعات القومية وتقديم الدعم لها؟
- تتبنى جامعة الأزهر استراتيجية شاملة لدعم المشروعات القومية، ترتكز على التعليم والبحث العلمى والمشاركة المجتمعية، وتوفر الجامعة تخصّصات وبرامج تعليمية تلبى احتياجات المشروعات القومية، مثل مشروعات البنية التحتية، والتنمية الزراعية، والطاقة المتجدّدة، وتشجيع البحوث التطبيقية التى تُسهم فى إيجاد حلول للتحديات الوطنية، بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات المعنية، كما تشارك فى مبادرات توعوية لتعزيز وعى المجتمع بأهمية هذه المشروعات ودورها فى تحقيق التنمية المستدامة، وتقدّم الجامعة كوادر متخصّصة ومؤهلة من خريجيها للعمل فى هذه المشروعات، بالإضافة إلى دعمها بقوافل طبية ودعوية، وتسعى الجامعة لأن تكون شريكاً رئيسياً فى تحقيق رؤية مصر 2030 للتنمية الشاملة، كما كان للجامعة دور واضح خلال جائحة كورونا، وكذا فى القوافل الطبية، وفى القضاء على فيروس سى، وغيرها من المبادرات الوطنية.
وكيف دعمتم مبادرة «بداية»، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى؟
- كنا أول من بادر بدعم هذه المبادرة، وأصدرنا بياناً بذلك فى مجلس الجامعة، ومنذ أيام كرمنا أبناءنا المتفوقين فى القراءة الحرة، لأن بناء الإنسان يبدأ بالقراءة وتحقيق حياة كريمة له، وأسهمت الجامعة أيضاً فى نشر التوعية بأهداف المبادرة داخل كلياتها، وشجّعت المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتؤكد الجامعة دورها كمنارة تعليمية تدعم التنمية المستدامة وتعزّز اقتصاد مصر الوطنى.
ما موقف الجامعة من أساتذتها الذين يصدرون فتاوى -غريبة- تؤثر على الرأى العام، مثلما حدث من أحد الأساتذة فى فتوى جواز سرقة التيار الكهربائى؟
- الفتاوى لها جهاتها المختصة، مثل دار الإفتاء ومشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، وتجاوز أحد الأساتذة فى إصدار فتاوى أمر يستوجب اتخاذ الإجراءات القانونية لضبط العمل والحفاظ على المجتمع.
كيف تتعامل جامعة الأزهر مع أىٍّ من أعضاء هيئة التدريس الداعمين لتيارات متطرفة؟
- مهمتنا فى الجامعة ضبط العملية التعليمية، ومن يخرج عن النُّظم الجامعية يواجه بالقانون، فالقانون يحكم الجميع، ونُطبقه على من يخالف ذلك، والجهات المختصة هى التى توجّه الاتهام لمن يخرج عن السياق، وبعدها تتخذ الإجراءات القانونية نحوه.