يعد الأزهر الشريف -والذي تجاوز عمره الألف وثمانين عاما- أبرز القوى الناعمة لمصر، ويعرف الكثير من أبناء العالم الإسلامي مصر بالأزهر، وليس هذا من قبيل المبالغة، بل إن الواقع المشاهد يكشف أن الأزهر لم يقتصر على كونه قلعة علمية وثقافية تصدر للعالم الإسلامي المنهج الوسطي المستنير، وإنما سعى لتوطيد علاقاته بكل الدول الإسلامية لدعم وحدة الأمة وتلاحمها، واستقلال عالمنا الإسلامي باستقلال كل جزء فيه، وبعث روح التضامن بين كل أجزاء الجسد المسلم.

الجامع الأزهر يناقش الإسلام وحقوق الجار.. غدًا

وكان الطلاب الوافدون للدراسة في الأزهر والمبتعثين الأزهريين، عاملين مهمين في توطيد علاقة الأزهر بدول العالم الإسلامي، ولذا؛ حرص الأزهر على فتح أبوابه لكل الراغبين في تلقي العلوم من مختلف دول العالم، وذلك من خلال تخصيص منح دراسية مدعومة بالكامل، وزيادتها بشكل دوري لاستيعاب كل القلوب المعلقة بمآذن الجامع الشريف، وعقول علمائه الذين سعوا لنشر الصورة الصحيحة عن الإسلام وتعليم علوم الدين والدنيا.

الأزهر الشريف يحظى بمكانة رفيعة في القارة الأسيوية 

ويحظى الأزهر الشريف بمكانة رفيعة في القارة الأسيوية وبخاصة بين شعوب جنوب شرق القارة، والتي يأتي في مقدمتها إندونيسيا وماليزيا، ويحتفظ الأزهر بعلاقات تاريخية وثيقة بماليزيا، حيث حرص الماليزيون على إرسال أبنائهم للدراسة في الجامع الأزهر، وأنشئوا رواقا خاصا بهم سمي رواق جاوة أو الرواق الجاوي، والذي بدأ بعشرات الطلاب من ماليزيا وإندونيسيا والفلبين، حتى تجاوز أعداد الطلاب الماليزيين آلاف الطلاب والطالبات في الوقت الراهن.

وكان الأزهر داعما لاستقلال ماليزيا من وطأة الاحتلال الإنجليزي عام ١٩٥٧، وقد حمل خريجو الأزهر في ماليزيا، بعد الاستقلال، جنبا إلى جنب مع المبعوثين الأزهريين، مهمة نشر العلوم الشرعية، وقام عدد من خريجي الأزهر في ماليزيا بإنشاء المعاهد الدينية لتعليم المسلمين علوم الدين، كما حرصت ماليزيا على تنسيق الجهود والقضايا ذات الصبغة الشرعية مع الأزهر باعتباره المرجعية الإسلامية الأكبر، فبادر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، بزيارة ماليزيا عام ١٩٦٢، وأعلن آنذاك ترحيب الأزهر بمبادرة "صندوق الحج" التي أطلقتها ماليزيا، وهي عبارة عن تأسيس صندوق استثماري خاص بالحج يضمن جمع أموال الماليزيين الراغبين في أداء فريضة الحج واستثمارها في مشروعات ربحية تتوافق مع الشريعة الإسلامية بهدف زيادة رأس مال الصندوق، وتنظيم الوفود بما يسمح للجميع بأداء الفريضة، وقد استحسن المبادرة الدكتور شلتوت وهو ما أكسبها ثقة كبيرة لدى الماليزيين.

كما قام علماء الأزهر وأساتذته وخريجيه بدور محوري في تأسيس أقسام وبرامج العلوم الإسلامية بجامعة مالايا في نهايات الستينيات من القرن الماضي، والجامعة الوطنية الماليزية في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، وحرصت الجامعتان على إيفاد الكثير من طلابها وباحثيها إلى الأزهر للنهل من منابعه العلمية الأصيلة والعودة إلى ماليزيا محملين بالكثير من المعارف والعلوم ليصبحوا بعد ذلك قادة وروادًا للعلوم الإسلامية في ماليزيا.

ومنذ ذلك الحين تطورت العلاقات العلمية والثقافية والدعوية بين ماليزيا والأزهر، وعزز فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، العلاقة مع ماليزيا من خلال زيادة المنح الدراسية المخصصة لأبناء ماليزيا للدراسة في الأزهر لتصل أعداد المنح إلى ٣٨ منحة سنوية، وقد وجه فضيلته بمضاعفة هذا العدد استثناء للعام الحالي ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤، حيث تجاوز  أعداد خريجي الأزهر في ماليزيا بعد الاستقلال ما يزيد عن ١٠٠ ألف خريج، وهو ما يشير إلى متانة العلاقة بين الأزهر وماليزيا، وثقة الماليزيين في الأزهر، وتم توقيع بروتوكول تعاون بين الأزهر ووزارة التعليم الماليزية عام ١٩٩٩ لتنظيم توافد الطلاب الماليزيين إلى الأزهر، وتم تجديده عام ٢٠٢٢.  

وحرصا من الأزهر على تعزيز العلاقات مع ماليزيا، استضافت أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ منذ إنشائها عام ٢٠١٨، عشرات الأئمة الماليزيين، لتدريبهم على كيفية التعامل مع القضايا الدينية المعاصرة، وصقل مهاراتهم في تفنيد أفكار الجماعات المتطرفة، ورفع وعيهم بقضايا التعايش والاندماج والأخوة الإنسانية، والتعامل مع الشبهات المثارة حول قضايا المرأة في الإسلام وقضايا الجهاد والحاكمية وغيرها.

التعاون المشترك في مجالات التعليم والدعوة والبحث العلمي

وفي مجال التعاون المشترك بين الأزهر الشريف وماليزيا في مجالات التعليم والدعوة والبحث العلمي، فشهدت العديد من البروتوكولات والاتفاقات، ففي ديسمبر عام 2008 تم عقد بروتوكول تعاون بين الحكومة الماليزية وجامعة الأزهر، ينص على أن تنظم الجامعة برنامجًا دراسيًّا خاصًّا متكاملًا وشاملًا للعلوم الإسلامية والعربية للطلاب والخريجين الماليزيين، وفي عام 2011) تم عقد  اتفاقية التعاون الأكاديمي والتعليم المشترك بين الأزهر وجامعة العلوم الإسلامية الماليزية (USIM) لتعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي وتبادل الأساتذة والطلاب. شملت الاتفاقية تنظيم ورش العمل والمؤتمرات العلمية المشتركة، وفي عام 2013 تم عقد اتفاقية التعاون مع الحكومة الماليزية، تهدف إلى إرسال مزيد من الطلاب الماليزيين للدراسة في الأزهر، وتضمنت الاتفاقية أيضًا تنظيم برامج تدريبية للأئمة والدعاة الماليزيين في الأزهر.

وفي عام 2015 تم عقد مذكرة التفاهم مع جامعة ملايا وهي إحدى أقدم وأعرق الجامعات في ماليزيا، لتعزيز التعاون الأكاديمي والثقافي، تضمنت المذكرة تبادل الطلاب والأساتذة وتنظيم الأبحاث المشتركة، أما في عام 2017 فقد تم عقد اتفاقية التعاون في مجال الدعوة والتعليم الإسلامي مع جامعة السلطان إدريس التربوية لتعزيز التعاون في مجالات التعليم الإسلامي والدعوة. هدفت الاتفاقية إلى تطوير المناهج الدراسية وتبادل الخبرات بين الأساتذة والباحثين، بينما في عام 2020  فتم عقد اتفاقية التعاون الثقافي والعلمي مع وزارة الشؤون الدينية الماليزية؛ لتعزيز التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين، شملت الاتفاقية برامج تدريبية للمعلمين والأئمة، بالإضافة إلى تنظيم المؤتمرات العلمية المشتركة.

وتكريما لجهود فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في خدمة الإسلام وقضايا المسلمين والطلاب الوافدين، تُوج في عام 2020 بجائزة «الشخصية الإسلامية الأولى"، الجائزة التي تُمنح للشخصيات المرموقة دوليًّا التي تلعب دورًا بارزا في خدمة الإسلام والمسلمين، بحضور رئيس وزراء ماليزيا وأعضاء الحكومة، وذلك خلال الاحتفاء بذكرى الهجرة النبوية الشريفة، حيث قرر فضيلته التبرع بقيمة الجائزة المالية للطلاب الوافدين الماليزيين، لتلبية متطلباتهم ورعاية لهم.

6500 طالب وطالبة ماليزي يدرسون بمختلف المراحل التعليميَّة

ويستضيف الأزهر ما يزيد عن 6500 طالب وطالبة ماليزي يدرسون بمختلف المراحل التعليميَّة من رياض الأطفال حتى مرحلة الدراسات العليا، فضلا عن مجمع أزهري "دار القرآن" في ماليزيا يضم ٨ مبتعثين أزهريين يُدرِّسون العلوم الشرعية والعربية لآلاف الطلاب الماليزيين، بالإضافة إلى خمس مدارس معادلة بشهادات الأزهر وهم: (الشهادة الدينية العالية- معهد تحفيظ القرآن بسلطنة ترنجاتو- كلية إسماعيل فترا الإسلامية –معهد دار القرآن الكريم جاكيم- معهد تحفيظ القرآن الكريم والقراءات).

جدير بالذكر أن السيد أنور إبراهيم، رئيس الوزراء الماليزي، قدَّم دعوة رسمية لشيخ الأزهر لزيارة البلاد، في 23 أكتوبر عام 2023، مؤكدًا أن الشعب الماليزى ينتظر هذه الزيارة بشغف كبير لما يحمله من حب وود لفضيلته وشعور بالانتماء لهذه المؤسسة الإسلامية العريقة، مشيرًا إلى أن الأزهر هو المؤسسة الإسلامية الأكبر في العالم الإسلامي، وهو قِبلة طلاب ماليزيا لتعلم العلوم الشرعية واللغة العربية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأزهر أبناء العالم الإسلامي الدول الإسلامية روح التضامن اتفاقیة التعاون لتعزیز التعاون الأزهر الشریف فی مالیزیا للدراسة فی بین الأزهر فی الأزهر فی مجالات تم عقد فی عام

إقرأ أيضاً:

«أمين البحوث الإسلامية»: خطى رسول الله ومنهجه السبيل لتحقيق الإنسانية الكاملة

قال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الجندي، إن الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر أ.د.أحمد الطيب شيخ الأزهر يمارس دوره في أداء رسالة النبي صلى الله عليه وسلم والبلاغ عنه في أكمل وجه وأتمه.

وأضاف الجندي، أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ربط الأوردة والمشاعر والمواجد عند نقطة الإنسانية وقرر أهمية التكامل والتعاون بين الجميع، فخطانا على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السبيل لتحقيق الإنسانية الكاملة)، فتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم حققت للمجتمع استقراره وبناءه.

جاء ذلك خلال إلقاء محمد الجندي محاضرة تثقيفية بعنوان: (نبي الإنسانية محمد ﷺ ودوره في بناء الإنسان)، بقاعة الاحتفالات في استاد المنصورة، ضمن جولته بمحافظة الدقهلية، في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر. وفضيلة وكيل الأزهر أ.د.محمد الضويني بضرورة تكثيف الفعاليات التوعوية والثقافية.

وقال الجندي إن الواجب على كل فرد لتحقيق الإنسانية أن يسقط الأنا وأن يحب للآخرين كما يحب لنفسه، قال تعالى: { لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وأن طريق إسقاط الأنا يتمثل في التعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبط بوصلة أرواحنا تجاه قبلة محبته والاقتداء به في جميع أمور حياتنا، ونتعلم من حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته ورحمتهم في الدنيا والآخرة، فنحن جميعًا في قلبه وقولبنا بحاجة إلى أن ترتبط به صلى الله عليه وسلم.

وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على الخلوة بالنفس لمحاسبتها ومراجعتها لترسيخ تجدد معنى الإنسانية وعدم الانحراف للوحشية والحيوانية، مؤكدًا ضبطه صلى الله عليه وسلم للفكر والعقل والقلب والخواطر والجوارح على منهج الاستقامة على دين الله عز وجل بعيدا عن التطرف الفكري والسلوكي والأخلاقي.

مقالات مشابهة

  • 1980 طالب وطالبة يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الأول بهندسة قناة السويس
  • 1980 طالبا وطالبة يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الأول بهندسة قناة السويس
  • البابا تواضروس لوفد المؤسسات الإسلامية:نصلي ليديم الله الاستقرار في بلادنا
  • عضو بالشؤون الإسلامية: حيادية الأزهر جعلته مؤسسة تعليمية وعلمية بحتة
  • عضو بالشؤون الإسلامية: الأزهر يدرس علوم الإسلام بعيدًا عن أي انحيازات سياسية
  • 1000 طالب في المراجعات المجانية لطلاب الصف الثالث الاعدادي بكفر الشيخ
  • «أمين البحوث الإسلامية»: خطى رسول الله ومنهجه السبيل لتحقيق الإنسانية الكاملة
  • مجمع البحوث الإسلامية وجامعة المنصورة يعززان التعاون العلمي والدعوي
  • «الباعور» يبحث تعزيز التعاون مع الجزائر بمختلف المجالات
  • فحص 373 ألف طالب وطالبة بمبادرة القضاء علي البلهارسيا والطفيليات المعوية بسوهاج