ما لم يُعلن عن أنفاق حزب الله.. هل دخلت التفاوض؟
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
عادت إسرائيل لتتحدّث عن إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان بهدف إبعاد "حزب الله"، وذلك بعدما وجدت أن الأخير ساهم بنشوء منطقةٍ أمنية ضمن المستوطنات التي تمّ إخلاؤها بسبب هجماته اليومية. تجديد التأكيد على المسألة المطروحة جاء يوم أمس على لسان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي دعا إلى شنّ حرب ضدّ لبنان، قائلاً: "يجب إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان بدلاً من إبقاء هذه المنطقة على أرضنا".
ما يقولهُ سموتريتش يتنافى مع التحذيرات الأخرى الصادرة داخل إسرائيل والتي تُنبه من "خطورة" شنّ حرب ضد لبنان، في حين أن الوساطة الأميركية ما زالت مستمرّة ولم تتوقف. في هذا السياق، تقول معلومات "لبنان24" نقلاً عن مصادر مواكبة لملف التفاوض أنَّ هناك إصراراً أميركياً على عدم جعل إسرائيل "تتمادى" في خطواتها العملياتية أكثر ضد لبنان، مشيرة إلى أنّ واقع الحال الآن يشير إلى استمرار الأمور على حالها وبالتالي لا تصعيد نحو حرب من الآن ولغاية منتصف شهر آب المقبل.
وبالعودة إلى المنطقة العازلة، يمكن القول هنا إن الحديث عنها يعني إنسحاباً لـ"حزب الله".. المعروف هو أن هذه النقطة من الصعب تحققها، ذلك لأن "الحزب" موجود في الجنوب عبر المنتسبين إليه والسكان بغض النظر عن السلاح الموجود هناك. ولكن، السؤال الأهم هنا هو التالي: هل تحقق إنسحاب الحزب فعلاً؟ وإن وصلت التسوية إلى هذه النقطة، متى يمكن أن يقبل الحزب بهذا الإنسحاب؟ ميدانياً، لا يمكن نكران أمرٍ أساسي يرتبط بخسارة "حزب الله" جزء أساسي من "الميدانيات"، بحسب ما تقول مصادر معنية بالشأن العسكري لـ"لبنان24"، والتي وصفت الإشتباكات الحالية بأنها حربٌ لكسر قوة معينة من دون أن تُساهم بـ"تغيير الوضع الأمني".
بحسب المصادر عينها، فإن "حزب الله" خسر غرف عمليات ميدانية، مقرات عسكرية تُستخدم لتنسيق هجمات ضد الجيش الإسرائيلي ونقاط تمركز عند الحدود، وتضيف: "أمام المشهدية هذه، هل يمكن وصف ذلك بالإنسحاب؟ حتماً لا، فإذا كان الحزبُ قد خسر بنية تحتية فوق الأرض، إلا أنه ما زال يحافظ على أخرى تحت الأرض، وبالتالي إسرائيل لم تستطع منذ 8 تشرين الأول من تقويض تلك البنى التحتية الخفية.
وخلال آخر زيارة قام بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، وأثناء لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، جدّد هوكشتاين مطلب واشنطن بضرورة إنسحاب "حزب الله" 8 كيلومرات خلف الحدود. عندها، ردّ بري قائلاً: "إذا أردتم ذلك فعلى الجيش الإسرائيلي أيضاً أن ينسحب".
بالنسبة للمصادر، فإن كلام بري يندرجُ في إطار "وطني"، لكنه في الوقت نفسه لا يمكن أن يُطبق ميدانياً لسبب أساسي وهو أنّ الجيش الإسرائيلي، وباعتباره جيشا تقليديا، لا يمكن أن ينسحب مقابل إنسحاب "تنظيم مسلح"، وتضيف: "المسألة هذه في علم التفاوض غير قائمة، ويمكن اعتماد هذا المنطق إن كان هناك جيش يواجه جيشاً آخر، لكن هذه الحالة غير موجودة في لبنان".
المسألة الأكثر إثارة هنا هو أن التفاوض على الإنسحاب طرح انسحاب "القوات فوق الأرض"، لكنه لم يناقش أصول "حزب الله" تحت الأرض المتمثلة بـ"الأنفاق". وعليه، تلفت المصادر إلى أن مناقشة هذه النقطة وطرحها قد يُعقد الأمور أكثر، باعتبار أن الحزب لن يتنازل عن هذه الأنفاق لسببين: الأول إنها تمثل قاعدة أساسية له، وثانياً إن مسألة خسارتها في الحرب صعبة جداً، وبالتالي لن يُسلمها على طبقٍ من فضة في السلم، كما تقول المصادر. طرحٌ غير مقبول
في غضون ذلك، حذرت المصادر عينها من طرح مسألة انسحاب الحزب من جنوب لبنان مقابل إنشاء منطقة عازلة بإشرافٍ دولي يُهمش أي قوة لبنانية شرعية، على اعتبار أن إسرائيل تزعم بأنّ الجيش اللبناني يمثل "غطاء لحزب الله"، وهو ما تم التسويق له بشكل أو بآخر داخل تل أبيب من خلال تقارير إعلامية عديدة.
المسألة هذه والتي تستبعد "سلطة لبنانية" على الحدود، قد لا تلقى تأييداً في الداخل اللبناني على الرغم من التناقضات السياسية واختلاف وجهات النظر بشأن الحرب التي يخوضها الحزب. عملياً، ترى المصادر أن تأييد مثل هذا الطرح يعني التسليم بمنطقة أمنية داخل لبنان تم العمل سابقاً على نسفها بضغط شعبيّ مُسلح قبل تحرير الجنوب عام 2000، وبالتالي ليس وارداً أبداً قبول الداخل اللبناني بإنسحاب "حزب الله" مقابل إنشاء منطقة عازلة مجردة من أي أمرٍ لبناني، وتضيف: "إذا كانت هناك من منطقة أمنية، فالأساس فيها هو تكريس وجود للجيش اللبناني على طول الحدود على أن يقترن ذلك بتثبيت للحدود البرية يقابله ذلك تثبيت للنقاط الحدودية وإغلاقها تماماً، وبالتالي فصل إسرائيل عن لبنان كلياً، ووضع نقاط لقوات دولية إضافية عند الحدود، تضمنُ عدم حصول أي خرق، وبالتالي إنفاذ القرار 1701 بشكلٍ يضمنُ إستقراراً طويل الأمد ويتضمن شراكة واضحة وأساسية للدولة اللبنانية".
متى يمكن لـ"حزب الله" أن يقبل بهذا الإنسحاب؟ بشكلٍ أو بآخر، يمكن لـ"حزب الله" أن يقبل بـ"إنسحاب عسكري" إن حصل على ضمانات دولية بأن إسرائيل لن تشنّ حرباً جديدة ضد لبنان، مع انتزاع اعترافٍ كامل بشرعية عمله العسكري في حال حصول أي عدوان. المسألة هذه مفصلية واستراتيجية بالنسبة لـ"حزب الله"، وتقول المصادر هنا إن "ورقة القوة هنا تكمنُ في أن الحرب ضد حزب الله ستكون كارثية، وستعني دخول قوى كبيرة بها، وبالتالي فإن إقرار الخطورة المرتبطة بشن معركة ضده، ستعني تثبيتاً لوجوده وإقراراً دولياً به". وفي الأصل، فإن "حزب الله" خرج من إطار الحدود على الصعيد العسكري، فالصواريخ الموجودة بحوزته، وباعتراف إسرائيلي، يمكنها أن تطال الداخل الإسرائيلي من مدى بعيد. لهذا السبب، فإن مسألة مواجهة التهديدات بالإنسحاب قد لا تكون كافية، ففي حال حصول أي حرب، فإن الحزب ومن منطقة بعيدة، يمكن أن يشن هجمات وضربات بصواريخ بعيدة المدى.
في خلاصة القول، فإن المسألة لا تبدو معقدة كثيرة لكنها بحاجة إلى ترتيبات وتنسيق للشروط، لكن ما يبقى أساسياً هنا هو أن ورقة لبنان قوية، وبالتالي فإن تأثيره على المنطقة من البوابة العسكرية لا يُستهان به.. المسألة هذه واضحة جداً، ولكن يبقى السؤال: هل سينتزع حزب الله اعترافاً حقيقياً من لبنان كعنصر أساسي في الاستراتيجية الدفاعية المقبلة؟ المسألة هذه شائكة والبحث فيها عميقٌ جداً.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إنشاء منطقة عازلة المسألة هذه یمکن أن ی حزب الله
إقرأ أيضاً:
بريطانيا مستعدة لتركيب أبراج للرقابة بديلة للمواقع المحتلة جنوب لبنان
كتب محمد شفير في" الشرق الاوسط": يترقب لبنان الرسمي ما ستؤول إليه الوعود الأميركية بالضغط على إسرائيل لإلزامها بالانسحاب من المواقع التي ما زالت تحتلها، والتي تُشكل خرقاً لوقف النار. ورغم أن أركان الدولة لديهم اقتناع بأن احتفاظ إسرائيل بهذه المواقع لا يرتبط بضرورات أمنية لطمأنة المستوطنين بشأن عودتهم إلى المستوطنات الواقعة في الشمال الإسرائيلي، بحيث تبقى في منأى عن تهديدات «حزب الله»، فإن هذا الاحتفاظ يعود إلى «كمائن» سياسية تستخدمها إسرائيل لربط انسحابها من هذه المواقع بنزع سلاح الحزب تطبيقاً للقرار «1559». وتتحصن إسرائيل، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بضوء أخضر أميركي يشترط وضع آلية للتخلص من سلاح الحزب الثقيل، بدءاً من شمال الليطاني، ليشمل لاحقاً جميع الأراضي اللبنانية، في مسعى لحصر احتكار السلاح بالدولة، كما تعهد رئيس الجمهورية جوزيف عون في خطاب القسم.
فالوعود الأميركية، وفق المصدر السياسي، تبقى حبراً على ورق، ولن تأخذ طريقها إلى التنفيذ ما دامت واشنطن تتفهم وجهة نظر إسرائيل بتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته، ولا تؤيد دعوة باريس بأن تُخلي إسرائيل المواقع التي تحتلها، على أن تحل مكان جيشها الموجود فيها قوة مشتركة من قوات الطوارئ الدولية المؤقتة «يونيفيل»، والجيش اللبناني تحت إشراف هيئة الرقابة المكلفة وقف النار؛ تمهيداً للشروع في تنفيذ القرار الدولي ببسط سلطة الدولة على كل أراضيها.
وفي هذا السياق، كشف المصدر نفسه أن الحكومة البريطانية دخلت على خط الاتصالات في محاولة لإيجاد حل يؤدي إلى إقناع إسرائيل بالتخلي عن المواقع، واقترحت بأن تتولَّى تركيب أبراج للرقابة أسوة بتلك الأبراج التي أقامتها في عدد من النقاط الواقعة في السلسلة الشرقية قبالة الأراضي السورية، لمساعدة الدولة اللبنانية على وقف التهريب بين البلدين عبر المعابر غير الشرعية، وضبط محاولات الدخول خلسة من وإلى سوريا.
وقال إن تركيب أبراج الرقابة يأخذ في عين الاعتبار بأن توضع في المواقع التي تحتلها إسرائيل، على أن تتولَّى تشغيلها وإدارتها قوة مشتركة من «يونيفيل»، والجيش اللبناني تحت إشراف هيئة الرقابة، ما يدعو إسرائيل للاطمئنان بأنها لن تُستخدم، كما تدّعي، لتهديد أمن المستوطنين، وتفرض رقابة على جنوب الليطاني وشماله، ما يُصعّب على المجموعات المسلحة التسلّل أو الدخول إليهما.
وأكد أن الحكومة اللبنانية تتعامل بإيجابية مع العرض البريطاني، وتُبدي انفتاحاً عليه، وترى فيه الحل الممكن المؤدي لانسحاب إسرائيل، ويبقى أن نترقب رد فعلها، مع أنه المخرج للتوصل إلى تسوية لتثبيت وقف النار بصورة نهائية، وأنه لا حاجة لاحتفاظها بهذه المواقع، ما دام لديها من الرادارات ما يُمكّنها من مراقبتها لأبعد من لبنان.
ومع أن البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام يُعطي لبنان الحق في الدفاع عن أراضيه، ولم يأتِ على ذكر ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، كما يُطالب «حزب الله»، فإن واشنطن تتردد في الضغط على إسرائيل للانسحاب، على الأقل في المدى المنظور، ما لم تُعِد النظر في حساباتها، وتتجاوب مع الرغبة اللبنانية، رغم أنه لا شيء يمنعها من إعطاء فرصة للعهد الجديد ليلتقط أنفاسه للتأكد لاحقاً بأن ما كُتب في البيان قد كتب، وأن مثولها أمام البرلمان طلباً لثقته لن يُبدّل من مضامينه في هذا الخصوص؛ لأنه يحظى بتأييد الأكثرية النيابية.
كما أن الحزب، حسب المصدر، لن يتذرع باحتفاظ إسرائيل بهذه المواقع، ليواصل مقاومته لجيشها، بقدر ما يفضل الوقوف خلف الدولة في مطالبتها بإنهاء الاحتلال. خصوصاً أن قيادته لن تُقدم على مغامرة غير محسوبة، في وقت تعمل فيه على تقييم الأبعاد الأمنية والسياسية المترتبة على التحولات في المنطقة وتأثيراتها على الوضع الداخلي اللبناني، في ضوء تراجع محور الممانعة بقيادة إيران واضطراره للانكفاء إلى الداخل.
يتقدّم الخيار الدبلوماسي للضغط على إسرائيل للانسحاب على الحل العسكري، وبات على الحزب أن يتكيف مع طبيعة المرحلة السياسية، وهذا يتطلب من قيادته تغليب الواقعية على الشعبوية، آخذة بعين الاعتبار تبدُّل المزاج اللبناني الذي ينشد الاستقرار، ولا يرى من حل لاستكمال انسحابها سوى وقوف اللبنانيين خلف الدولة وإعطائها الفرصة للاتصالات التي تجريها لكسب التأييدين الدولي والعربي لوجهة نظرها، بإعطاء الأولوية للحل الدبلوماسي الذي لا يزال متعذراً ما لم تبدّل واشنطن موقفها، وتستعيد مصداقيتها بإلزام إسرائيل الانسحاب انطلاقاً من الاتفاق الذي صاغته ورعته مباشرة بالشراكة مع فرنسا، ليكون في وسع لبنان إعداد دفتر الشروط المطلوب ليؤهله للحصول على المساعدات لإعادة إعمار ما تهدم، وإن كان الطريق إليه يتطلب تطبيق الـ«1701»، بكل مندرجاته وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.