الخليج الجديد:
2025-03-12@18:05:13 GMT

إيكواس وانقلاب النيجر.. تفاءلوا بحذر؟!

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

إيكواس وانقلاب النيجر.. تفاءلوا بحذر؟!

"إيكواس" وانقلاب النيجر.. تفاءلوا بحذر؟!

هل الصراع بين "الديمقراطيات" و"النظم الشمولية" الذي ترفع شعاره إدارة بايدن قد بدأ فعليًا في أفريقيا؟

دان القادة الأفارقة في قمة الاتحاد الأفريقي (أديس أبابا 2022)، ما اعتبروها "موجة" انقلابات عسكرية في القارّة.

انتقال روسيا والصين إلى السعي الخشن لتأمين بعض مصالحهما في العالم برعاية انقلابات عسكرية، يشكّل تحديًا خطيرًا لخطاب إدارة بايدن.

تغيّر مهم تصرّ عواصم عربية على التعامل معه بخليط من التجاهل والإنكار جادّ، ومن المحتمل أن يعيد "هندسة" اللعبة السياسية في أفريقيا.

عندما تعلن عدة دول مجاورة للنيجر، جميعها، تحكُمها سلطات انقلابية، أنها ستعدّ أي تدخل عسكري في النيجر عدوانًا عليها، فهذا اصطفافٌ بين النظم الانقلابية.

قرار إيكواس علامة على توجّه عالمي جديد فيما يتصل بـ"عسكرة السلطة" والاختباء وراء "سيادة الدولة" لتمرير سياساتٍ ستصبح بنهاية المطاف "محرّمات سياسية".

كانت "طلقة البداية" لمسار استحداث آلية تدخّل عسكري في دولة بمظلة إقليمية اقتراح إيغاد بالتدخّل العسكري في السودان لوقف الحرب بين الجيش ومليشيا الدعم السريع.

فكرة أن الانقلابات العسكرية لم تعد وسيلة مشروعة للوصول إلى السلطة، وأن النظم الديمقراطية أرقى من النظم الشمولية، إحدى المقولات الرئيسة في "الحرب الباردة الجديدة".

* * *

"إيكواس" هي "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا". أصبحت فجأة نجمًا في سماء السياسة العالمية، إطارًا لمواجهة الانقلاب العسكري في النيجر. والقرار (غير المتوقّع) بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المنتخب إلى السلطة، حتى لو لم يُنفَّذ، فإنه يرقى إلى أن يكون سابقة تاريخية. ومن الحكمة أن يكون التفاؤل به حذرًا!

والتدخل العسكري في شؤون دولة "ذات سيادة" قضية تثير جدلًا وغبارًا كثيريْن منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وحقبة تسعينيات القرن الماضي وحدها شهدت من المنعطفات المتّصلة بهذا الجدل أكثر من أية حقبة أخرى.

وبدأت الوقائع التي جعلت "سيادة الدولة" موضع جدل كبير بكوارث الحرب الأهلية في البلقان، حيث أدّى تَـفَـكُّـك يوغوسلافيا السابقة إلى حرب أهلية مروّعة استمرّت حتى قرب نهاية التسعينيات، وتذرّعت دول عديدة برفض "حقّ التدخل" رفضًا تامًا، ما ساعد صربيا على أن تحتمي بالسيادة، وهي تبيد مسلمي البوسنة. وفي النهاية، قاد تحالف أميركي/ بريطاني ضربة عسكرية أطلسية لوقف الحلقة الأخيرة من الحرب الأهلية في كوسوفو.

وخلال هذه السنوات العصيبة، بدأ مسار تدافع دولي حول "سيادة الدولة"، والسعي لوضع قيود عليها في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان (فيينا 1993)، حيث سعت دول غربية، بقيادة أميركا، لإنشاء منصب "مفوضٍ سامٍ" لحقوق الإنسان، يملك سلطة تعلو على "سيادة الدولة".

ورغم أن تحالفًا من الأنظمة الشمولية، ضمنه كل الدول العربية تقريبًا، كان يملك أغلبيةً أجهضت الاقتراح الغربي، إلا أن العام التالي (1994) شهد صراعًا أهليًا مذهلًا في رواندا قُتِل فيه ثمانمائة ألف من المدنيين، فضلًا عن جرائم اغتصاب جماعي واسعة.

وفتحت هذه المذبحة باب نقاش واسع بشأن الدور الذي لعبه رفض "حقّ التدخل" في منع العالم من إنقاذ ضحايا "الهولوكوست الرواندي". وقبل نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان نظام صدّام حسين قد استُهدَف بضربة عسكرية أميركية بريطانية (عملية "ثعلب الصحراء" 1998)، وبعدها فرضت الدولتان حظرًا جويًا في شمال العراق وجنوبه، كان سابقة تاريخية في العلاقات الدولية.

وبديهي أن "حقّ التدخّل" ليس فكرة رومانسية مثالية يمكن أن تحدُث بشكل "مُعَـقَّم" ملائكي، بل سيظلّ خاضعًا، ولو جزئيًا، لحسابات المصالح وتوازنات القوى. لكنه، رغم ذلك، يظلّ متغيرًا عالميًا، يمكن أن يُعيد تعريف الدولة وحدود سيادتها.

وفكرة التدخّل (تحت مظلة إقليمية ومن دون تفويض من الأمم المتحدة) لإعادة رئيسٍ مُنتخَب إلى السلطة في مواجهة انقلاب عسكري سيكون جزءًا من آليات الصراع بين الغرب والثنائي الروسي/الصيني.

وفكرة أن الانقلابات العسكرية لم تعد وسيلة مشروعة للوصول إلى السلطة، وأن النظم الديمقراطية أرقى من النظم الشمولية (عسكرية أو أيديولوجية)، إحدى المقولات الرئيسة في "الحرب الباردة الجديدة".

وفي تفاصيل ما حدث، في الوسع تقديم قائمة "مبرّرات" تتصل بمصالح قوى كبرى تبرّر قرار "إيكواس" باستخدام القوة العسكرية في مواجهة الانقلاب، كالنفوذ الفرنسي، والوجود الروسي، وخطر الإرهاب، ... وغيرها.

لكن القرار يظلّ علامة على توجّه عالمي جديد في ما يتصل بـ "عسكرة السلطة"، والاختباء وراء "سيادة الدولة" لتمرير سياساتٍ ستصبح، في نهاية المطاف "محرّمات سياسية".

ولن يحدُث التحول سريعًا، لكن انتقال روسيا والصين من التذرّع بـ "السيادة"، لحماية مصالحهما المباشرة، إلى السعي الخشن لتأمين بعض مصالحهما في العالم برعاية انقلابات عسكرية، يشكّل تحديًا خطيرًا لخطاب إدارة الرئيس الأميركي، بايدن، عن ضرورة حماية الديمقراطية في العالم.

كانت "طلقة البداية" في مسار استحداث آلية تدخّل عسكري في دولة تحت مظلة إقليمية اقتراح الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) بالتدخّل العسكري في السودان لوقف الحرب بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، وقد دان القادة الأفارقة في قمة الاتحاد الأفريقي (أديس أبابا 2022)، ما اعتبروها "موجة" انقلابات عسكرية في القارّة.

وهذا التغيّر الذي تصرّ عواصم عربية على التعامل معه بخليط من التجاهل والإنكار جادّ، ومن المحتمل أن يعيد "هندسة" اللعبة السياسية في أفريقيا.

وعندما تعلن عدة دول مجاورة للنيجر، جميعها، تحكُمها سلطات انقلابية، أنها ستعدّ أي تدخل عسكري في النيجر عدوانًا عليها، فهذا اصطفافٌ بين النظم الانقلابية، يشير إلى أن الصراع بين "الديمقراطيات" و"النظم الشمولية" الذي ترفع شعاره إدارة بايدن قد يكون بدأ فعليًا في أفريقيا.

*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أفريقيا روسيا الصين إيغاد إيكواس النيجر انقلاب الديمقراطيات الحرب الأهلية إدارة بايدن الحرب الباردة الجديدة سیادة الدولة فی أفریقیا العسکری فی إلى السلطة ل عسکری فی ل العسکری

إقرأ أيضاً:

الكوار وعمي التاريخ في دار حياد

قبل نشوب الحرب بسنين قلنا أن الدولة السودانية وحكومتها ممتلئتان بالعيوب حد السقف ولكن في كل الظروف ليس الحل في التعويل علي ميليشيا همجية وغزاة أجانب.
والان في هذه الحرب لا يعني الوقوف مع حق الدولة السودانية ومؤسساتها في الوجود أن هزيمة الميليشيا الغازية سيعقبه واقع سوداني مثالي. من المؤكد أن عالم ما بعد الجنجويد سيكون مليئا بالمشاكل والتحديات والعيوب والانتهاكات وسيكون من واجبنا مقاومتها والسعي لتأسيس سودان معافي مدركين أن بناء دولة عملية معقدة تحتاج لعقود واحيانا قرون.

لذلك يدهشنا من ينتظرون إنتهاكات الجيش الآن أو في فترة ما بعد الميليشيا لمهاجمة المدافعين عن الدولة السودانية كمبرر لحيادهم تجاه غزو أجنبي علي رماح ميليشيا إبادة جماعية وعنف جنسي واسع النطاق. هذه العقلية تتبني عمليا عيوب الدولة السودانية وقبل وبعد الحرب للتبرير للحياد تجاه الغزاة وهكذا يصير الموقف من السيادة الوطنية وضد االهمجية قابلا ن للتفاوض حسب الظروف. وهنا يصير رفض الغزو والهمجية قضية إختيارية سياقية وليست قضية مبدئية.

في الحرب العالمية الثانية حارب الشيوعيون بكل دولهم ومدارسهم جنبا إلي جنب مع الدول الرأسمالية لهزيمة النازية لأنها أشد خطرا وهمجية من الرأسمالية. ولم يكن في توحيد جيوش الشيوعيين مع الراسمالية أي اعتراف منهم بقبول مطلق بالرأسمالية ولا نسيان لعيوبها قبل أو بعد الحرب. كان الموقف فقط هو أن النازية لو انتصرت ستعيد المجتمع قرونا للوراء ما يعني أن النضال من أجل العدالة والكرامة الإنسانية سيبدأ مجددا من منصة أدني كثيرا من منصة النضال من داخل نظم رأسمالية في مرحلة حضارية وإنسانية أعلي بما لا يقارن.

وفي عقود من الصراع ناضل كل اليسار الفلسطيني جنبا إلي جنب مع الحركات الإسلامية لتحقيق حلم دولتهم وإنهاء الإحتلال. وفي انتخابات الجامعات يخوضها اليسار في لستة موحدة مع الأحزاب الإسلامية لإدراكهم إنها لحظة وطنية وليست مذهبية. وهذا التحالف المرحلي لا يعني أن اليسار الفلسطيني قد تبني وجه نظر الأحزاب الإسلامية حول الحجاب أو الحدود أو أي شيء آخر.

العمل المشترك بين أصحاب الخلفيات الأيديلوجية المختلفة سنة راتبة وليس بدعة كما يعتقد طهرانيو السياسة السودانية في يومنا هذا الذين تهمهم بتولية أخلاقية سطحية النقاء أكثر من مصير شعب وأمة.

ومن فضل الحزب الشيوعي السوداني أنه كان قد أعلن في أيام حكم البشير رفضه لأي غزو غربي للسودان، علي نهج غزو العراق، واعلن استعداده للانخراط في الدفاع عن السودان لو حدث هذا الغزو في أيام البشير. ولا أعتقد أن قول الحزب الشيوعي هكذا قد تغاضي عن إجرام البشير السابق واللاحق. ولا يعطي قوله هذا أي أحد حق المزايدة عليه بأي جرم ارتكبه البشير قبل أو بعد. أيضا لن يحق لاحد المزايدة علي المدافعين عن الدولة السودانية بأي أخطاء يرتكبها الجيش أو حلفائه أثناء أو بعد هذه الحرب.

وهذا التوجه ليس حكرا علي الحزب الشيوعي فكل الأحزاب المختلفة تتحالف معا لتحقيق هدف مرحلي. فقد تحالفت جل أحزاب السودان سابقا في التجمع الوطني أو نداء السودان أو قوي الحرية والتغيير أو تقدم. ولم يكن التحالف المرحلي يعني أن الحزب الجمهوري قد لبس جناح أم جكو وامن برسالة المهدي ولم يعن أن الحزب الشيوعي قد أمن بالرسالة الثانية من الإسلام ولا أن ود الفكي قد أعتنق القرنقية ولا أن التكنوقراط المستنيرين تبنوا أوراد السيد علي الميرغني. لذلك لا أدري مشروعية تفسير الدفاع عن الدولة السودانية كتماه مع حكم عسكري أو أخواني أو غيره. هذا كوار إما عن فساد فكر أو سوء نية.

المسكوت عنه في خطاب الحياد هو الافتراض الضمني إنه موقف يضمن عدم انتصار أحد طرفي النزاع وان أجسام ديمقراطية مثالية سترث الأرض حينها. وهذا وهم غليظ. هذه الحرب أما أن ينتصر فيها الجيش أو الجنجويد وسيكون للمنتصر القدح المعلي في تشكيل مشهد ما بعد الحرب.

القوي الوطنية المثالية لن ترث السلطة بعد الحرب لو أنتصر الجيش أو الجنجويد أو اتفقا علي اقتسام الكيكة. وفي كل الأحوال عليها مواصلة النضال من أجل الديمقراطية والعدالة. الخيار الواقعي أمامها هو ما إذا كانت تفضل مواصلة النضال من منصة إحتلال أجنبي جنجويدي يفكك الدولة وأسس المجتمع أم من منصة يعلو فيها كعب الجيش السوداني الذي خبرته وعاشت في ظله منذ الإستقلال وصارعته.

كان موقف الشيوعية العالمية إنها تفضل مواصلة النضال في ظل نظم رأسمالية لان درك النازية يعني النضال لعقود أو قرون فقط للعودة لنقطة راسمالية ما قبل هتلر. وكذلك موقف اليسار الفلسطيني إنه يفضل النضال من داخل دولة مستقلة ينازع فيها الاسلاميين والليبراليين من داخل دولة يحتاجها الجميع بغض النظر عمن يسود في مرحلة ما.

خلاصة القول أن الوقوف مع الدولة السودانية لا يعني الذهول عن أي انتهاكات من قبل الجيش أو من معه قبل أو بعد الحرب فلا داعي للمزايدة إلا إذا كان المزايد يعتقد أن الجنجويد هم الحل. واجب الجميع التصدي للغزو الأجنبي الجنجويدي ومن ثم مواصلة النضال الجماعي من أجل كل تفاصيل التنمية والحكم الرشيد.

معتصم اقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كنيسة لبنان تقف بحذر خلف البطاركة السوريين
  • الكوار وعمي التاريخ في دار حياد
  • بعد الاتفاق بين دمشق وقسد..تركيا: متفائلون بحذر
  • ضبط أجهزة عسكرية في المهرة.. كيف تصل تقنيات الحرب إلى الحوثيين عبر المنافذ الشرعية؟
  • المايكروبلاستيك يدمر النظم البيئية ويضر بصحة الإنسان
  • الركراكي يعلن الجمعة المقبل عن قائمة لاعبي منتخب المغرب لمواجهتي النيجر وتانزانيا
  • في اليوم الدولي للقاضيات.. مجلس الدولة يشيد بدورهن في تعزيز العدالة وترسيخ سيادة القانون
  • الركراكي يكشف الجمعة عن قائمة الأسود لمواجهة النيجر وتنزانيا
  • فرنسا تعتزم تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بـ 200 مليون يورو
  • ان صالح.. 6 جرحى في إنحراف وانقلاب سيارة