عربي21:
2025-02-04@17:16:39 GMT

استهلاك إنسان القرن العشرين أحدث أزمة بيئية

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

يقول آخر التقارير المناخية إن درجة حرارة سطح المحيطات ارتفعت إلى 21.2 درجة مئوية منذ بداية شهر ابريل الماضي، وهي أعلى معدل لها منذ أن بدأت السجلات المناخية.

وتُظهر أحدث البيانات الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن متوسط مستوى سطح البحر العالمي وصل إلى مستوى قياسي جديد في عام 2021، حيث ارتفع بمعدل 4.

5 ملم سنويًا خلال الفترة من 2013 إلى 2021. إلى جانب الأعاصير المدارية الشديدة، أدى ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تفاقم الظواهر المتطرفة مثل العواصف المميتة والمخاطر الساحلية مثل الفيضانات والتعرية والانهيارات الأرضية، التي من المتوقع الآن أن تحدث مرة واحدة على الأقل في السنة في العديد من المواقع. هذا الارتفاع ستكون له انعكاساته على نطاق واسع، ومنها تسارع ذوبان الكتل الجليدية وارتفاع منسوب المحيطات وزيادة الأمطار في بعض المناطق، وهجرة بعض أنواع الأسماك من المناطق الدافئة.

الحديث عن المناخ ليس جديدا، فقد تحول إلى أمر مقلق منذ عقود، وبذلت الجهود للتعرف على أسبابه. وكان واضحا أن التطورات الصناعية والتكنولوجية وما يصاحبها من انبعاث الغازات وارتفاعها إلى الطبقات العليا في الجو، كل ذلك ساهم في التداعيات البيئية التي بدأت تنعكس على حياة البشر اليومية. في الثمانينيات كان الحديث يدور عن حدوث ثقب في طبقة الأوزون المحيطة بالغلاف الأرضي، وأن ذلك يؤدي لاختراق أشعة الشمس نحو الأرض بمعدلات أكبر، الأمر الذي يساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض. واتخذت يومها إجراءات من بينها الحد من استخدام غاز الكلوروفلوروكربون (سي اف سي) المستخدم في القنينات المضغوطة وأجهزة التبريد. ووجهت الأصابع إلى الصين بأنها من كبار مستخدميه وأنها مترددة في الحد منه. وتواصل السجال حول التداعي البيئي، وكتبت البحوث وصدرت الكتب وعقدت المؤتمرات على أمل الحد من ذلك التداعي من خلال التوافق على سياسات تصنيعية تتفادى الإضرار بالبيئة. وبعد عقود من التداول في ظل توسع التداعي البيئي تم التوصل في العام 2015 إلى ما يسمى «اتفاقية باريس» وذلك في إثر المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة الـ 21 للتغير المناخي في باريس. وصدّق على الاتفاق وفود من 195 دولة حضرت المؤتمر. يهدف الاتفاق إلى حصر زيادة درجات الحرارة في العالم بأقل من درجتين مئويتين، وسيعمل الجميع لعدم تجاوز 1.5 درجة. وخصصت ميزانية قدرها 100 مليار دولار سنويا كمساعدات مناخية للدول النامية. واليوم، بعد ثماني سنوات من ذلك الاتفاق لا يبدو أن التداعيات البيئية والمناخية تم احتواؤها. ولعل من أهم أسباب ذلك عدم التزام الدول بمقتضيات اتفاقية باريس، وكذلك رفض بعض الدول الانضمام إليها، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب.

أين هي المشكلة إذن؟ فما دام العالم يعي الأزمة ويحدد بعض أسبابها، ويستطيع التعاطي معها، فلماذا لم ينجح العالم حتى الآن في احتواء الآزمات المناخية والتداعيات البيئية؟ لماذا يتكرر السجال الذي طرح قبل اربعة عقود من قبل الجهات نفسها؟

منذ حلول موسم الصيف الحالي تصاعدت درجات الحرارة في مناطق عديدة من العالم بمعدلات غير مسبوقة. ففي منطقة الخليج والعراق وإيران بلغت درجات الحرارة معدلات غير مسبوقة تصل الى 60 درجة مئوية. وقررت الحكومة الإيرانية تعطيل العمل في القطاعين العام والخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة، في حين أدى الإعصار خانون إلى مقتل شخصين وانقطاع الكهرباء عن 166 ألف منزل جنوب اليابان، وأجبر الشركات والمدارس على الإغلاق بشمال تايوان. وانتشرت الحرائق في الأرياف الأوروبية على نطاق واسع، حتى اضطرت شركات السياحة لاتخاذ خطوات سريعة لإعادة زبائنها إلى أوطانهم من بلدان مثل إيطاليا وبعض الجزر في البحر المتوسط. وبدأ قطاع السياحة في بلدان مثل أسبانيا واليونان يتراجع بشكل مقلق سيؤثر على اقتصاداتها بشكل مباشر. وفي العادة يصل الأستراليون والاسكندنافيون والبريطانيون والروس جميعًا بحثًا عن طقس أكثر دفئًا. فبعد انتهاء أزمة وباء كورونا سعى الناس للعودة إلى حياتهم الطبيعية خصوصا في مجال السفر والسياحة. لكن هذا العام أودت موجات الحر الشديدة بحياة المئات في بلدان عديدة. وقد تضررت دول أخرى حول البحر الأبيض المتوسط. ففي إسبانيا ارتفع مقياس الحرارة بمقدار 15 درجة فوق المستويات العادية لموسم الصيف. كما عانت إيطاليا من موجات الحر مع ذوبان جزيرة سردينيا تحت 48 درجة مئوية، بينما عانت تونس الأسبوع الماضي من 49 درجة مئوية. وتم إغلاق بطاقات الجذب السياحية الرئيسية مثل الأكروبوليس في أثينا. بل أن علماء المناخ أنفسهم مذهولون من شراسة الحرارة. ومن الملاحظ انتشار أجهزة التكييف على نطاق واسع في البلدان التي كانت حتى السنوات الأخيرة لا تحتاجها، ومنها بريطانيا التي نشأت قطاعات مختصة بصناعة أجهزة التكييف وتركيبها. ومن المؤكد أن انتشار هذه الأجهزة يساهم في إحداث خلل في التوازن الحراري.

أين هي المشكلة إذن؟ لماذا عجز البشر عن التوافق على سياسات فاعلة لاحتواء الأزمة البيئية والمناخية؟ ولماذا لم تستطع السجالات الدولية تحقيق الأهداف التي رسمتها الدول الكبرى سواء من خلال الأمم المتحدة والمنظمات المرتبطة بها أم من خلال التواصل والمفاوضات الثنائية والإقليمية؟ تحدث العالم عن السعي للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية كما ذكر أعلاه، ولكن لم يتحقق شيء من ذلك. ومن المؤكد أن تضغط هذه الحقائق على المشاركين في الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 التي ستستضيفها دولة الإمارات (في مدينة إكسبو بدبي) خلال الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر 2023. وسيجمع المؤتمر ممثلي نحو 197 دولة حول العالم. ونظرا لانعكاس الأزمة البيئية على البشر فقد نشطت منظمات حقوق الإنسان الدولية في السجال بشأن ذلك. فقالت «هيومن رايتس ووتش» أن «على الحكومات الاتفاق في ما بينها ضمن قمة المناخ القادمة على الالتزام بالتخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري للوفاء بالتزاماتها الحقوقية. ينبغي أيضا التأكد من أن الإمارات، البلد المضيف، ستعمل على السماح للمجتمع المدني بالمطالبة بحرية باتخاذ إجراءات بشأن المناخ قبل المؤتمر وأثناءه وبعده».

ومن خلال تجربة العالم مع الدورات الدولية حول المناخ لا يبدو في الأفق ما يدعو للتفاؤل بإمكان احتواء الأزمة لأسباب عديدة من بينها: أن الأزمة تبدو أكبر مما يستطيع السياسيون استيعابه بسهولة، وأسرع انتشارا من أية محاولات دولية لاحتوائها. ثانيها أن التعاطي الدولي مع المناخ والتداعي البيئي بطيء ومحدود ويخلو من الجدّيّة التي تتطلبها أساليب احتوائها. ثالثها: أن المصالح الاقتصادية تحظى بالأولوية لدى هذه الدول ولو كان ذلك على حساب محاولات احتواء الأزمة، وتحتل القضايا البيئية مراتب سفلى في جدول أولويات هذه الدول. رابعها: أن هناك مستوى عاليا من النفاق لدى الدول إزاء سياساتها من الأزمة، وكأن كلا منها يقول: الحل ليست مهمتي. فمثلا في الوقت الذي استضافت فيه بريطانيا مؤتمر المناخ (كوب26) بمدينة غلاسكو قبل عامين، لم تتردد حكومتها مؤخرا في منح الشركات رخصا لإصدار المزيد من النفط في بحر الشمال، برغم مطالبات نشطاء البيئة بالتوقف عن استخدام الوقود العضوي. خامسا: عدم تطبيق الاجراءات التي اتخذتها الدول حتى الآن ومنها ما يسمى «الانبعاث الصفري» اي إحداث توازن بين الكميات المنتجة من غاز ثاني أوكسيد الكربون والكميات المسحوبة من الجو، وكذلك تقليل نسبة الرصاص في وقود السيارات، وفرض ضرائب أكثر على استخدام السيارات في المدن، فالواضح انها خطوات بطيئة وغير فاعلة، تركز على فرض الضرائب وليس على منع التلوث.

إلى أين يقود هذا السجال؟ إن احتواء الأزمة البيئية والتداعي المناخي مهمة كبرى عجز العالم حتى الآن عنها ويتحمل مسؤولية الإخفاق في التعاطي معها كافة البشر، وليس الحكومات وعليه فإن عالم القرن الحادي والعشرين مهدد بالفناء نتيجة التداعي البيئي والتغيرات المناخية المدمّرة. فمن ينقذه من المصير غير السعيد الذي ينتظره، والذي تساهم رغباته ونزواته في التعجيل بحدوثه؟

(عن صحيفة القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير المناخية البشر المناخ البشر درجة الحرارة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة درجات الحرارة درجة مئویة من خلال

إقرأ أيضاً:

أزمة غاز منزلي في تونس تفاقهما الأجواء الباردة

أكد مسؤولون عن حماية المستهلك وتجار في السوق التونسية، استمرار أزمة أسطوانات الغاز المنزلي بالبلاد، وسط توقعات بوصول موجة برد جديدة خلال الأسبوع الجاري.

وفي بداية يناير/كانون ثاني الماضي، أعلنت تونس تزودها بأكثر من 22 ألف طن من الغاز المنزلي من الجزائر، لمواجهة حاجات متصاعدة لاستهلاكه، بسبب موجة البرد التي تعيشها البلاد خلال فصل الشتاء.




ورغم وصول البواخر المحملة بالغاز الجزائري، ما تزال أزمة التزود بإسطوانات الغاز متصاعدة، حيث يتداول رواد شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لطوابير طويلة للتزود بالغاز، فيما ينشر آخرون نداءات لمعرفة أين تباع تلك الإسطوانات.

ومنتصف يناير الماضي، واجهت البلاد موجة برد قاسية، هبطت خلالها درجات الحرارة إلى الصفر، ودونه في المناطق التي هطلت بها الثلوج التي تمتد من القصرين جنوبا إلى طبرقة شمالا على الحدود التونسية الجزائرية.

المدير العام للشركة الوطنية لتوزيع البترول "عجيل"، خالد بالتين، قال الأربعاء لوكالة الأنباء التونسية، إن ثلاث بواخر محمّلة بالغاز المسال سترسو تباعا هذا الأسبوع بالموانئ التجارية التونسية.

وضع صعب

محمد المنيف، رئيس غرفة مزودي أسطوانات الغاز المنزلي التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، اعتبر أن "الأزمة كبيرة في أماكن من البلاد أكثر من غيرها".

وأضاف المنيف في تصريحات للأناضول، أن "هناك أماكن انفرجت فيها الأزمة، وهناك أماكن ما تزال وضعيتها صعبة مثل سوسة ونابل والحمامات وتونس الكبرى".

وتابع المنيف: "في تونس الكبرى الوضع صعب، ولا يتم التوزيع إلا بحضور الأمن بسبب الطلب المتزايد، ولتجنب أية إشكالات مع السكان“.

واعتبر أن "الذي جعل الوضع صعبا، هو أن أحد مراكز تعبئة أسطوانات الغاز الموجه للاستعمال في ميناء رادس تعرض إلى عطل.. إنه ينتج 35 ألف أسطوانة في اليوم، ومع موجة البرد وارتفاع الاستهلاك حدثت الأزمة“.




وقال: “عندما تتأخر باخرة عن مركز معين لتعبئة أسطوانات الغاز، فإن أزمة في الإنتاج والتعبئة تطرأ.. في هذه الفترة نحتاج 180 ألف و200 ألف أسطوانة غاز في اليوم، وعندما تنقص 35 ألف أسطوانة فهو رقم كبير".

وتابع المنيف: "في مركز التعبئة في رادس هناك انتظار كبير للشاحنات لتعبئة الأسطوانات بمعدل 75 ألف قارورة يومياً.. الخروج من هذه الأزمة يتطلب بعض الوقت وبعض الدفء“.

موجة البرد ضاعفت الأزمة

وقال لطفي الرياحي، رئيس منظمة إرشاد المستهلك إن "الإشكال في أن عدم توفر أسطوانات الغاز جاء في ظرف تميز ببرودة الطقس وكثرة الطلب.. ونحن ليس لدينا مخزون استراتيجي“.

وأضاف الرياحي: "وقع تفادي النقص بجلب 3 بواخر للغاز لثلاث مناطق بالشمال والوسط والجنوب، لكن الأزمة أن الطلب أكثر من العرض وهناك صفوف شاحنات للتزود وصفوف أناس تنتظر قوارير الغاز، فالأزمة موجودة”.

وبسحب تقديرات الرياحي: "الأزمة ستُحل خلال الأسابيع القادمة على ضوء البواخر القادمة من الجزائر، مع العلم أن الطقس بارد خاصة في الشمال حيث يرتفع استعمال الغاز".

“الدفاع عن المستهلك": رصدنا مشقة التونسي

من ناحيتها قالت ثريا التباسي، نائبة رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك: "الأزمة اشتدت في الأسبوع قبل الماضي رغم أن البلاد تتوفر على ثلاث 3 محطات لتعبئة أسطوانات الغاز.. محطة بنزرت ومحطة غنوش قابس ومحطة رادس“.




وأضافت التباسي: "مكاتبنا الجهوية رصدت أن هناك مشقة للتونسي ومعاناة للبحث عن أسطوانة غاز لمواجهة موجة البرد".

وتابعت أن "من أهم أسباب ذلك، هو تعطل باخرة في ميناء رادس وتعطل محطة التعبئة في بنزرت، إلى جانب كثافة استعمال التونسي لإسطوانات الغاز في فترة الذروة، مع موجة البرد والظروف المناخية الصعبة التي تجعل التوجه لاستغلال الغاز المنزلي كثيفا".

مقالات مشابهة

  • الاحتجاجات في السليمانية ترتدي الأكفان
  • أزمة غاز منزلي في تونس تفاقمها الأجواء الباردة
  • أزمة غاز منزلي في تونس تفاقهما الأجواء الباردة
  • مراسل "القاهرة الإخبارية": الجفاف يدق ناقوس الخطر في لبنان بسبب تغير المناخ
  • مراسل القاهرة الإخبارية: الجفاف يدق ناقوس الخطر في لبنان بسبب تغير المناخ
  • الجفاف يدق ناقوس الخطر في لبنان بسبب تغير المناخ
  • أزمة جفاف تضرب لبنان بسبب تغير المناخ.. تفسد موسم السياحة الشتوية وتهدد الزراعة
  • «جدة والآخرون».. قراءة فى الأهمية المكانية للمدينة حتى بداية القرن العشرين
  • انتشار ظاهرة الأسود الجائعة.. أزمة بيئية تهدد الحياة البرية
  • أزمة غاز غير مسبوقة في عدن