قيصري/شمالي سوريا- ليلة صعبة عاشها السوريون في ولاية قيصري وسط تركيا، مساء أمس الأحد، بعد اندلاع أعمال شغب وسلسلة اعتداءات وتدمير وإحراق جماعي استهدفت ممتلكات سوريين، على خلفية انتشار فيديو يظهر "تعدي شاب سوري الجنسية على طفلة تبلغ من العمر 5 سنوات".

ومع تداول الفيديو على منصات التواصل وانتشار الأخبار المغلوطة والمحرضة ضد اللاجئين، هاجم العشرات من الشبان الأتراك ممتلكات السوريين.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة عمليات حرق محال تجارية وهجمات استهدفت سيارات سوريين، ورمي البيوت بالحجارة وتكسير زجاج النوافذ.

مواقف رسمية

ونشرت حاكمة ولاية قيصري بيانا قالت فيه إنه "في 30 يونيو/حزيران الجاري، في منطقة دانشمنت غازي بولايتنا، تحرش شخص سوري بطفلة سورية صغيرة. وجرى اعتقال المتهم من قبل وحدات الأمن، ووُضعت الطفلة تحت الحماية من قبل الجهات المختصة".

وأكدت الولاية أنها تتابع الموضوع بعناية فائقة، ودعت المواطنين إلى التحلي بالهدوء وعدم الانخراط في أي أعمال غير مصرح بها من قبل السلطات الرسمية.

ورغم تأكيد البيان أن "المتهم والطفلة هما أقرباء من أصحاب الجنسية السورية، وبدء تداول معلومات حول معاناة المتهم من اضطرابات عقلية"، لم يعط منفذو الهجوم أهمية لهذه التفاصيل. واستمروا في أعمال الشغب والتخريب.

وفي ظل تفاقم الوضع، اضطر مدير شرطة قيصري، أتانور أيدين، إلى مطالبة المواطنين بالعودة إلى منازلهم، متوعدا بترحيل المتهم وأسرته من تركيا، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث.

وذكرت وسائل إعلام تركية أن أحداث الشغب في ولاية قيصري أسفرت عن إصابة 14 ضابط شرطة ورجل إطفاء. وقالت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية، إن فرق مديرية الولاية اتخذت الإجراءات اللازمة فور إبلاغ وحدات الشرطة بالحادثة.

وأضافت أنه "تم وضع الطفلة الضحية وإخوتها ووالدتها تحت حماية الدولة بعد الإجراءات في مركز الشرطة، وقد بدأت فرق الخبراء لدينا عملية دعم نفسي واجتماعي للطفلة وعائلتها".

من جهته، أدان وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عبر منصة إكس، الاعتداءات التي وقعت على ممتلكات السوريين في حي دانشمنت غازي في منطقة مليك غازي بمدينة قيصري. وأوضح أنه تم، مساء أمس، القبض على شخص سوري يدعى (إ.أ) من قبل مواطنين بعد اتهامه بالتحرش بطفلة سورية من أقاربه، وتم تسليمه إلى قوات الأمن. وأنه تم فتح تحقيق فوري في الحادثة.

وأشار إلى أنه على الرغم من هذا الإجراء، تجمّع عدد من المواطنين في المنطقة وارتكبوا "أعمالا غير قانونية لا تتماشى مع القيم الإنسانية، حيث دمروا ممتلكات تعود لسوريين، بما في ذلك منازل ومحلات وسيارات". وخلال تدخل قوات الأمن لفض هذه الأعمال، تم اعتقال 67 شخصا، وتفرق التجمع بعد الساعة الثانية فجرا.

إجراءات قانونية

وأفاد مصدر في وزارة الداخلية التركية للجزيرة نت، بأن الأجهزة الأمنية باشرت باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق المتورطين في أعمال العنف والشغب التي اندلعت ليلة أمس في قيصري.

وأوضح أنه تم إعداد تقارير من قبل قسم الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن بشأن الوقائع، وأنه تم فتح تحقيقات ضد الأفراد الذين نشروا منشورات استفزازية على وسائل التواصل المختلفة، وذلك لتحريضهم على العنف وتأجيج الفتنة.

وأكد المصدر ذاته أن السلطات التركية ستواصل محاسبة كل من يثبت تورطه في هذه الأعمال غير القانونية، في إطار سعيها للحفاظ على الأمن والنظام العام.

وفي السياق، ندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الاثنين، في كلمة خلال الاجتماع التشاوري مع الإدارات المحلية لحزب العدالة والتنمية في أنقرة بالحادثة. وقال إن "الخطاب المسموم للمعارضة" هو أحد الأسباب وراء أحداث العنف التي استهدفت لاجئين سوريين في قيصري، ولا يمكن تحقيق أي هدف من خلال تأجيج معاداة الأجانب وكراهية اللاجئين في المجتمع".

في منشور آخر على منصة إكس، قال وزير الداخلية التركي إن نحو 343 ألف منشور حول الحادثة تم تداولها على المنصة من حوالي 79 ألف حساب. وكشف أن التحقيقات أظهرت أن 37% من الحسابات التي نشرت تلك المنشورات هي آلية (روبوت)، وأن 68% من المنشورات كانت تهدف إلى التحريض ونشر الكراهية.

وأضاف أن السلطات فتحت تحقيقات مع 63 حسابا، وتمت إحالة 10 منها إلى النيابة العامة، فيما لا تزال الإجراءات مستمرة بحق البقية.

خطابات عنصرية

يرى الباحث السياسي، جوكهان يلمازلار، أن الحادثة الأخيرة في قيصري جاءت نتيجة خطابات "عنصرية مكثفة" تم توجيهها في الفترات الماضية.

وأضاف للجزيرة نت، أنه قبل شهر فقط وقعت حادثة مشابهة قام بها مواطن تركي، لكنهم لم يشهدوا ردود فعل مشابهة لما حدث الآن. ونوّه يلمازلار إلى "خطورة تأثير حزب الظفر التركي المعادي للاجئين"، وفق قوله.

وأكد أن بعض المقربين من الحزب واجهوا اتهامات بالتضليل وإثارة الفتنة ضد اللاجئين خلال الأشهر الماضية. وشدد على ضرورة التصدي لهذه الخطابات العنصرية التي تؤجج الكراهية وتعرض السلم المجتمعي للخطر.

وأضاف يلمازلار، أن الأحداث الحاصلة تأتي بعد يومين فقط من تصريحات الرئيس التركي حول استعداده للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد واستعادة العلاقات مع سوريا، وهو ما يعني "وجود جهات قلقة من هذه الخطوة".

لم تنتظر أحزاب المعارضة في تركيا طويلا حتى بدأت بالتحريض على اللاجئين السوريين وتحميل أردوغان مسؤولية أعمال العنف الحاصلة "بسبب السياسة التي تتبعها الحكومة في استيعاب اللاجئين".

وفي تعليق لافت، طالب نائب زعيم حزب الحركة القومية التركي إسماعيل أوزدمير، بترحيل السوريين، وقال "نتوقع أن يتم تأمين عودة كريمة لضيوفنا السوريين إلى بلادهم في أقرب وقت ممكن، من أجل سلامة تركيا وأمنها".

وقال رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان المعروف بعدائه للاجئين عبر منصة إكس: "لقد أدى النضال الذي أخوضه منذ سنوات إلى نتائج في بولو. ولكن الإرادة التي تحكم بلادنا لم تتوقف عن إرسال اللاجئين، الحكومة المخطئة والمعارضة الصامتة يجب أن تتحدثا عن هذا الموضوع دون تأخير".

بدوره، قال رئيس حزب الجيد المعارض مساوات درويش أوغلو إنهم حذروا الحكومة عدة مرات لتجنب الوضع الذي حدث في قيصري، وإنهم أكدوا أن قضية اللاجئين تشكل "تهديدا وجوديا للأمن القومي ومستقبل تركيا والأمة التركية".

غضب الشمال السوري

في المقابل، شهدت مناطق ريف حلب الشمالي، بما في ذلك مدن الباب وإعزاز وعفرين، مظاهرات غاضبة تنديدا بالاعتداءات التي تعرض لها سوريون في مدينة قيصري.

وقام المتظاهرون بإنزال العلم التركي ورفع أعلام الثورة السورية على المباني الحكومية التي يديرها موظفون أتراك، مما أدى إلى إصابة بعض الموظفين الأتراك وتدمير ممتلكات ومبانٍ حكومية وخدمية.

وفي معبر باب السلامة، الذي يربط مدينة إعزاز بتركيا، تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف، حيث هاجم المحتجون سيارات الشحن التركية وكسروا بعضها، ومنعوا دخولها إلى الأراضي السورية. وأدى ذلك إلى اشتباكات بين الجانبين، أسفرت عن مقتل طفل وإصابة آخرين من الأتراك والسوريين، واعتقال الأتراك شابين سوريين بعد إصابتهما.

امتدت الاحتجاجات شرقا إلى مدينة جرابلس، حيث شهد المعبر توترا تحول إلى اشتباكات، مما دفع الموظفين والعاملين الأتراك في المعبر والمشفى إلى المغادرة باتجاه الأراضي التركية.

إلى الغرب من إعزاز، شهدت مدينة عفرين أيضا مظاهرات عنيفة وهجوما على المباني الحكومية واعتداءات على الموظفين الأتراك. وتطورت الأحداث إلى اشتباكات، أسفرت عن مقتل شاب سوري وإصابة آخرين برصاص الشرطة التركية.

وفي إدلب، هاجم شبان نقاط الجيش التركي في قرى الأتارب والأبزمو وتقاد، وأنزلوا الأعلام التركية وخربوا السواتر المحيطة، واعتدوا على المصفحات العسكرية.

كما توقفت معظم شبكات الإنترنت التركية في شمالي سوريا، مما زاد من صعوبة تواصل السكان الذين يعتمدون عليها في ظل انقطاع شبكات الهواتف الأرضية والخلوية التي تعمل بمناطق سيطرة النظام عن الشمال السوري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی قیصری من قبل أنه تم

إقرأ أيضاً:

دعوات سورية لمحاسبة مرتكبي اعتداءات قيصري.. والخارجية التركية تعلق

شددت وزارة الخارجية التركية على أن موقف أنقرة "المبدئي  من أجل ضمان سلامة الشعب السوري فوق أي تحريض"، في حين تواصلت التحذيرات السورية من مغبة "الانجرار وراء مثيري الفتن" على خلفية هجوم أتراك على ممتلكات تعود لسوريين وسط تركيا، وهو سرعان ما انعكس بحالة من الغليان على مناطق شمال غربي سوريا.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا)، مساء الاثنين، تعليقا على أحداث العنف التي طالت لاجئين سوريين في ولاية قيصري وسط البلاد، إنه "ليس من الصواب استغلال الحوادث المؤسفة التي وقعت في ولاية قيصري، والتي أطلقت دولتنا على إثرها إجراءات عدلية بحق المتورطين، كأداة للاستفزاز خارج حدودنا".

وأضافت أن "جهود بلادنا وموقفها المبدئي من أجل ضمان سلامة الشعب السوري فوق أي استفزاز"، وفقا للبيان.

تحذيرات من "الانجرار وراء الفتن"
في السياق ذاته، حذر رئيس المجلس الإسلامي السوري، الشيخ أسامة الرفاعي، من الانجرار وراء ما وصفهم بـ"مثيري الفتن"، مطالبا الحكومة التركية في الوقت ذاته "معاقبة المعتدين وجبر خاطر السوريين".

وقال الرفاعي في كلمة مصورة مساء الاثنين، إن "هذه الأحداث التي تعصف اليوم بأهلنا، يثيرها أهل الفتنة والشغب وغايتهم زعزعة الأمن الاستقرار في هذا البلد، ومن واجبنا الوقوف بوجه هذه الفتنة، وأن ندرأها بكل الوسائل الممكنة".


وأضاف "نرجو من الإخوة الأتراك أن يعاقبوا كل من يصدر عنه شيء من العنصرية غير اللائقة وغير السلمية، وأن يمسحوا رؤوس المتضررين من هذه الأحداث ويجبروا خاطرهم وتعويضهم عما فقدوه من مال وغيره"، حسب تعبيره.

وطالب الحكومة التركية بـ"سد باب الشر بكل وسيلة ممكنة، محذرا السوريين من مغبة "الانجرار وراء الفتنة، لأنها تجر علينا فتنة أفدح بكثير. وأطلب منهم الصبر وسعة الصدر، وألا يؤخذوا بردود الفعل".

كما حذر الرفاعي من التأثر بكل ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرا أن "كثيرين يعملون على استغلال تلك المواقع بهدف نشر الفتنة والكراهية بين السوريين والأتراك".

ومساء الأحد، هاجم عشرات المواطنين الأتراك منازل وممتلكات تعود للاجئين سوريين في ولاية قيصري وسط تركيا، وذلك على خلفية انتشار أنباء عن اتهام شاب يحمل الجنسية السورية بالتحرش بطفلة في حي "دانش ميت غازي".

وأعلن وزير الخارجية التركي اعتقال 67 شخصا على خلفية الاعتداءات في ولاية قيصري، في حين قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه "من غير الممكن تحقيق أي هدف من خلال تأجيج معاداة الأجانب وكراهية اللاجئين في المجتمع"، مشيرا إلى أن "أحد أسباب الأحداث المؤسفة التي ارتكبتها مجموعة صغيرة في ولاية قيصري هو خطاب المعارضة السام".

وسرعان ما انتقلت التوترات إلى مناطق سيطرة القوات التركية في شمال غربي سوريا، حيث شهدت مناطق مختلفة تظاهرات منددة بالاعتداء على اللاجئين السوريين في تركيا، كما تخلل موجة الاحتجاج مظاهر مسلحة رافقها إنزال للعلم التركي عن المباني الرسمية.

كما شهدت مناطق في جنوب تركيا في وقت لاحق الاثنين، حوادث اعتداء على محال وممتلكات تعود للسوريين وسط تشديد أمني لمنع انزلاق التوترات لهجمات واسعة ضد اللاجئين.




"علاقات الأخوة"
في غضون ذلك، أكدت قوة القيادة المشتركة التابعة للجيش الوطني السوري، على "علاقات الأخوة مع تركيا"، ورفع عناصر من الجيش العلمين السوري والتركي على السارية، وعلقوا على المشاهد المصورة بالقول :"علمنا واحد، عدونا واحد. نحن إخوة".

وكان الجيش الوطني، دعا في وقت سابق السوريين في مناطق شمال سوريا إلى "تجنب الانجرار وراء أصحاب الفتن الذين يسعون لتخريب المؤسسات".

وخلال الأسابيع الأخيرة، شهد المشهد السياسي التركي عودة قضية اللاجئين السوريين إلى الواجهة بعدما أعلن قادة من المعارضة عزمهم على إنهاء ما وصفوه بالأزمة، مطالبين بالتطبيع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وإعادة اللاجئين إلى بلدهم، وذلك بالتزامن مع حديث أردوغان عن عدم وجود سبب لدى أنقرة يمنعها من إقامة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.

وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزيل، إنه سيلتقي بنفسه خلال الأشهر القادمة مع بشار الأسد وسيقدم محفزات لعودة اللاجئين، معتبرا أن ذلك "أفضل من أن يبلغ عدد السوريين في تركيا 25 مليونا في المستقبل".

مقالات مشابهة

  • أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات شمال سوريا
  • أكبر أحزاب المعارضة التركية يعلق على اعتداءات قيصري.. معلومات جديدة عن المتورطين
  • دعوات سورية لمحاسبة مرتكبي اعتداءات قيصري.. والخارجية التركية تعلق
  • أ ف ب: مقتل 4 أشخاص بشمال سوريا خلال احتجاجات على أعمال عنف ضد سوريين في تركيا
  • مقتل 4 أشخاص شمالي سوريا في احتجاجات على أعمال عنف ضد سوريين في تركيا
  • بعد اعتداء على سوريين في تركيا.. تمرد شعبي عنيف في الشمال السوري على التواجد التركي
  • اعتداءات وحرق لممتلكات سوريين وسط تركيا.. والمعارضة تدعو إلى ترحيل اللاجئين (شاهد)
  • اعتداءات وحرق لممتلكات سوريين وسط تركيا.. والمعارضة تدعو لترحيل اللاجئين (شاهد)
  • مهاجمة ممتلكات تعود لسوريين في تركيا إثر مزاعم عن تحرش شاب سوري بقاصر