حقق حزب التجمع الوطني الفرنسي الأحد، فوزا ساحقا في الجولة الأولى من التصويت للجمعية الوطنية الفرنسية، جالبا بذلك علامته السياسية القومية المناهضة للمهاجرين، والتي كانت منبوذة لفترة طويلة إلى عتبة السلطة للمرة الأولى.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في مقال لمدير مكتبها في باريس، روجر كوهين: إن "النتائج الرسمية التي نشرتها وزارة الداخلية أظهرت أن الحزب وحلفائه حصلوا على نحو 33 بالمئة من الأصوات، متفوقا بفارق كبير على حزب النهضة الوسطي الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون وحلفاؤه، الذي حصل على نحو 20 بالمئة ليحتل المركز الثالث".



وحصل ائتلاف من الأحزاب اليسارية، الذي يسمى الجبهة الشعبية الجديدة، على نحو 28 بالمئة من الأصوات، وتراوحت هذه الائتلافات بين الاشتراكيين المعتدلين وحزب فرنسا المتطرف اليساري، وقد تعززت بفضل الدعم القوي بين الشباب.


وكانت نسبة المشاركة مرتفعة بنحو 67 بالمئة، مقارنة بـ 47.5 بالمئة في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2022، ما يعكس الأهمية التي يوليها الناخبون للانتخابات المبكرة. 

وظهر للكثيرين أن مستقبل فرنسا كان على المحك مع حزب يميني متطرف اعتبر لفترة طويلة غير قابل للانتخاب لتولي مناصب عليا بسبب ازدياد شعبية وجهات نظره المتطرفة.

وتم انتخاب أكثر من سبعين مرشحا بشكل مباشر الأحد، ولكن في معظم الحالات ستكتمل الانتخابات بجولة إعادة في 7 تموز/ يوليو بين الحزبين أو الثلاثة الرئيسيين في كل دائرة انتخابية.

ولا تقدم نتائج الجولة الأولى من التصويت عادة توقعات موثوقة لعدد المقاعد البرلمانية التي سيحصل عليها كل حزب، لكن يبدو من المرجح الآن أن يشكل حزب التجمع الوطني أكبر قوة في الجمعية الوطنية، وهو المجلس الأدنى في البرلمان حيث توجد معظم السلطات، وإن لم يكن بالضرورة بأغلبية مطلقة.

بالنسبة لماكرون، وهو الآن في عامه السابع كرئيس، كانت نتيجة التصويت بمثابة نكسة شديدة بعد أن راهن على أن فوز حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة لن يتكرر. 

ولم يكن هناك أي التزام بإدخال فرنسا في اضطرابات الصيف من خلال تصويت متسرع، لكن ماكرون كان مقتنعا بأن واجبه الديمقراطي هو اختبار المشاعر الفرنسية في انتخابات وطنية.

وأشارت الجولة الأولى من التصويت إلى أن النتائج الأكثر ترجيحا الآن هي إما الأغلبية المطلقة للتجمع الوطني أو جمعية وطنية لا يمكن حكمها. 

وفي السيناريو الثاني، ستكون هناك كتلتان كبيرتان على اليمين واليسار معارضتين لماكرون، وسوف يضطر حزبه الوسطي الذي تم تقليص حجمه بشكل كبير إلى الضغط بين الطرفين إلى حالة من العجز النسبي.

وإذا فاز حزب التجمع الوطني بالأغلبية المطلقة، فمن المتوقع أن يتولى رئاسة الوزراء ويعين أعضاء مجلس الوزراء، مما يحد من صلاحيات  ماكرون، على الرغم من أنه سيبقى رئيسا.

وأشارت توقعات عدة معاهد استطلاعية إلى أن حزب التجمع الوطني سيفوز بما يتراوح بين 240 و310 مقاعد في جولة الإعادة للمجلس الوطني المؤلف من 577 مقعدا؛ والجبهة الشعبية الجديدة بين 150 و200 مقعدا؛ وحزب النهضة [الجمهورية إلى الأمام] الذي يتزعمه ماكرون وحلفاؤه بين 70 و120 مقعدا. 

وتعد النطاقات واسعة لأن الكثير يمكن أن يتغير في الأسبوع الذي يسبق الجولة الثانية، ويحتاج الحزب للحصول على الأغلبية المطلقة إلى 289 مقعدا.

وقد أصيب ماكرون، الذي احتل حزبه وحلفاؤه حوالي 250 مقعدا منذ آخر تصويت برلماني في عام 2022، بالإحباط في محاولاته لتحقيق أجندته بسبب افتقاره إلى الأغلبية المطلقة وعدم قدرته على تشكيل ائتلافات مستقرة، والآن، مع احتمال خفض مقاعده، يبدو الوضع أسوأ بكثير بالنسبة له.


وفي بيان صدر فور نشر التوقعات، قال ماكرون: إنه "في مواجهة التجمع الوطني، حان الوقت لتحالف كبير وديمقراطي وجمهوري واضح للجولة الثانية".

ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك لا يزال ممكنا في الوقت الذي تهب فيه الريح لصالح حزب التجمع الوطني.

وقال زعيما اليسار وحزب ماكرون إنهما سيحثان مرشحيهما على الانسحاب من بعض السباقات الانتخابية التي احتلوا فيها المركز الثالث في الجولة الأولى، والهدف هو تجنب تقسيم الأصوات والانضمام إلى الجهود المبذولة لمنع اليمين المتطرف من الفوز بالأغلبية المطلقة.

وقال رافائيل جلوكسمان، الذي قاد الاشتراكيين من يسار الوسط في الانتخابات الأوروبية: "يتعين علينا أن نتحد، ويتعين علينا أن نصوت لصالح ديمقراطيتنا، ويتعين علينا أن نمنع فرنسا من الغرق".

وأعلن حزب  ماكرون في بيان خاص به: "لا يمكننا إعطاء مفاتيح البلاد لليمين المتطرف. كل شيء في برنامجهم، وقيمهم، وتاريخهم، يجعل منهم تهديدا غير مقبول يتعين علينا محاربته".

وأعلنت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني، مساء الأحد، أن فرنسا صوتت "دون غموض، لتطوي صفحة سبع سنوات من القوة المدمرة"، وحثت أنصارها على ضمان أن يصبح تلميذها جوردان بارديلا (28 عاما) رئيس الوزراء المقبل.

وقال غابرييل أتال، 34 عاما، الذي كان في يوم من الأيام المفضل لدى ماكرون، والآن يكاد يكون من المؤكد رئيس الوزراء المنتهية ولايته بعد ستة أشهر فقط من توليه منصبه، "إذا أردنا أن نرتقي إلى مستوى المصير الفرنسي، فمن واجبنا الأخلاقي أن نمنع حدوث الأسوأ"، مشيرا إلى أنه لم يحدث قط في تاريخ الجمعية الوطنية أن تعرضت لخطر هيمنة اليمين المتطرف.

وأذهل قرار ماكرون إجراء الانتخابات الآن، قبل أسابيع قليلة من دورة الألعاب الأولمبية في باريس، الكثير من الناس في فرنسا، وليس أقلهم  أتال، الذي ظل في الظلام، ويعكس هذا القرار أسلوب الحكم من الأعلى إلى الأسفل الذي جعل الرئيس أكثر عزلة.

وكان ماكرون مقتنعا بأن حل الجمعية الوطنية وإجراء الانتخابات سيصبح أمرا لا مفر منه بحلول تشرين الأول/ أكتوبر، لأن ميزانيته المقترحة لخفض العجز كان من المتوقع أن تواجه معارضة لا يمكن التغلب عليها.

وقال أحد المسؤولين المقربين من ماكرون، وطلب عدم الكشف عن هويته بما يتماشى مع البروتوكول السياسي الفرنسي: "كان من الأفضل إجراء الانتخابات الآن. بحلول تشرين الأول/ أكتوبر، كانت الأغلبية المطلقة لحزب التجمع الوطني أمرا لا مفر منه، وفقا لاستطلاعاتنا".

وبالطبع قد ينتهي التجمع الوطني بالحصول على الأغلبية المطلقة.


وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، حاول ماكرون استحضار كل شبح تهديد، بما في ذلك "حرب أهلية" محتملة لتحذير الناس من التصويت لما أسماه "المتطرفين"، وهم التجمع الوطني الذي ينظر إلى المهاجرين باعتبارهم من الطبقة الثانية، واليسار المتطرف "فرنسا الأبية" لمعاداته للسامية.
وقال للمتقاعدين إنهم سيكونون مفلسين، مضيفا أن التجمع الوطني يمثل "التخلي عن كل ما يشكل جاذبية بلادنا ويحافظ على المستثمرين". 

وقال إن اليسار "سيفرض ضرائب على حيوية الاقتصاد الفرنسي وسيغلق محطات الطاقة النووية التي توفر حوالي 70 بالمئة من الكهرباء في البلاد.. إن المتطرفين هم إفقار لفرنسا".

لكن هذه النداءات لم تلق آذانا صاغية لأنه، على الرغم من كل إنجازاته، بما في ذلك خفض البطالة، وفقد ماكرون الاتصال بالناس الذين راق لهم خطاب حزب التجمع الوطني. وقال هؤلاء الأشخاص، في جميع أنحاء البلاد، إنهم شعروا بأن الرئيس استعلى عليهم وأنه لم يفهم معاناتهم.

وفي بحثهم عن وسيلة للتعبير عن غضبهم، تمسكوا بالحزب الذي قال إن المهاجرين هم المشكلة، على الرغم من حاجة فرنسا ذات النسبة العالية من كبار السن إليهم. لقد اختاروا حزب التجمع الوطني، الذي لم يذهب قادته إلى مدارس النخبة.

وكان صعود التجمع الوطني ثابتا ولا هوادة فيه، إذ تأسست الجبهة الوطنية منذ أكثر من نصف قرن بقليل على يد والد لوبان، جان ماري لوبان، وبيير بوسكيت، الذي كان عضوا في فرقة فرنسية تابعة لفافن إس إس [النازية] خلال الحرب العالمية الثانية، ولقد واجهت على مدى عقود حاجزا صارما ضد دخولها إلى الحكومة.

وكان هذا متجذرا في "العار الفرنسي"، بينما قامت حكومة فيشي المتعاونة خلال الحرب العالمية الثانية بترحيل أكثر من 72 ألف يهودي إلى حتفهم، وكانت فرنسا مصممة على أنها لن تجرب مرة أخرى أبدا حكومة قومية يمينية متطرفة.

وطردت لوبان والدها من الحزب في عام 2015 بعد أن أصر على أن غرف الغاز النازية كانت "مجرد تفصيل في التاريخ". 

وأعادت تسمية الحزب واحتضنت بارديلا الذي يتحدث بسلاسة ويصعب إزعاجه كتلميذ لها. كما تخلت عن بعض مواقفها الأكثر تطرفا، بما في ذلك الضغط من أجل مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وقد نجح هذا النهج، حتى ولو ظلت بعض المبادئ دون تغيير، بما في ذلك النزعة القومية المتشككة في أوروبا التي يتبناها الحزب وتصميمه على ضمان منع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. 


ولم يتغير أيضا استعدادها للتمييز بين المقيمين الأجانب والمواطنين الفرنسيين، وإصرارها على أن مستوى الجريمة في البلاد وغير ذلك من العلل تنبع من عدد كبير للغاية من المهاجرين، وهو ادعاء دحضته بعض الدراسات.

ويبدو أن  ماكرون، الذي تقتصر ولايته على منصبه ويجب أن يغادر منصبه في عام 2027، يواجه ثلاث سنوات صعبة مقبلة، ولن يتضح مدى الصعوبة إلا بعد انتهاء الجولة الثانية من التصويت.

ومن غير الواضح كيف سيحكم مع حزب يمثل كل ما قاومه واستنكره طوال حياته السياسية. إذا حصل حزب التجمع الوطني على منصب رئيس الوزراء، فسيكون في وضع يسمح له بتحديد جزء كبير من الأجندة المحلية.

وقد تعهد ماكرون بعدم الاستقالة تحت أي ظرف من الظروف، وكان الرئيس في الجمهورية الخامسة يمارس بشكل عام سيطرة واسعة على السياسة الخارجية والعسكرية. لكن حزب التجمع الوطني أشار بالفعل إلى رغبته في الحد من سلطة ماكرون. ولا شك أن الحزب سيحاول إذا حصل على الأغلبية المطلقة.

من خلال الدعوة لانتخابات مبكرة. لقد خاض  ماكرون مخاطرة تقديرية هائلة. أعلن بعد وقت قصير من اتخاذ قراره: "لا للهزيمة. نعم للصحوة، للقفز إلى الأمام للجمهورية"، ولكن مع اقتراب الجولة الثانية من الانتخابات، تبدو الجمهورية جريحة، وتمزقها الانقسامات.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية باريس ماكرون فرنسا فرنسا باريس الانتخابات الفرنسية اليمن المتطرف ماكرون المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب التجمع الوطنی الأغلبیة المطلقة الجولة الأولى من من التصویت بما فی ذلک على أن فی عام

إقرأ أيضاً:

ما الخطر الذي يمثله تشقق اليمين الإسرائيلي على الضفة والقدس؟

مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، وتكشُّفِ حقيقة الفشل الإسرائيلي الكبير هناك الذي يتكلم عنه الإعلام والمحللون الإسرائيليون منذ التاسع عشر من الشهر الجاري، واستقالة إيتمار بن غفير وأعضاء الحكومة عن حزب "القوة اليهودية" والانشقاق الواضح بينه وبين حليفه سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي وقائد تيار "الصهيونية الدينية"، ثم استقالة قائد الجيش وقائد المنطقة الجنوبية، تتوالى الأخبار لتتابع انتكاسة لم تكن متوقعةً لليمين المتطرف في إسرائيل، وخاصةً تيار الصهيونية الدينية.

فالتراجع الإسرائيلي في غزة لم يبدأ مع إقرار صفقة وقف إطلاق النار فعليًا، وإنما بدأت بوادر الانشقاقات تظهر في معسكر الحرب في إسرائيل قبل ذلك مع تكشّف إخفاقات الحرب الإسرائيلية على غزة وظهور الفشل المريع الذي مني به الجيش الإسرائيلي هناك حتى لم يعد له أية أهدافٍ واضحة في الحرب سوى التدمير لأجل التدمير، والقتل لأجل القتل، فتحققت فيه مقولة موشيه فيجلين زعيم حزب "الهوية" المتطرف عندما قال خلال اقتحامه المسجد الأقصى المبارك نهاية أغسطس/ آب الماضي: (نحن ننتقل من فشل إلى فشل على الجبهتين؛ الجنوبية والشمالية).

هذه التراجعات في تيار الصهيونية الدينية يبدو أنها تسببت في ارتدادات قوية على وحدته، بعد أن كان قد بات قاب قوسين من إمساك كافة خيوط الحكم في إسرائيل خلال الشهور الخمسة عشر للحرب على غزة.

إعلان

أوّل انشقاق بين أقطاب التيار وجدناها تمثلت في انفراط عقد التحالف بين حزبَي "القوة اليهودية" بزعامة بن غفير، وحزب "الصهيونية الدينية" بزعامة سموتريتش، ففيما استقال الأول من الحكومة وانسحب من الائتلاف احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار، بقي الثاني حتى لحظة كتابة هذه السطور مع التهديد بالانسحاب وإسقاط الحكومة في حال عدم استئناف الحرب، رافضًا جميع مناشدات بن غفير للانسحاب معه من الحكومة.

وبينما جنح الكثير من المحللين إلى الاعتقاد أن منبع هذا الرفض يعود إلى أسبابٍ تتعلق بمبدأ بقاء اليمين في الحكم، إلا أني أرى أن الأمر لا يتعدى المصلحة الانتخابية لسموتريتش هذه المرة، فاستطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل أعطت بن غفير تسعة مقاعد في الكنيست، بينما لم ينجح حزب سموتريتش في تخطي العتبة الانتخابية لدخول الكنيست أصلًا، وبذلك نراه لأول مرة مضطرًا للتعلق بنتنياهو للبقاء في الحلبة السياسية بالرغم من تهديداته المتكررة بإسقاط الحكومة.

ويفسر هذا حماسة بن غفير للخروج من حكومة نتنياهو، وهو الذي يمنّي نفسه بأن يتم ترسيمه وحزبه زعيمًا لليمين في إسرائيل خلفًا لنتنياهو والليكود مستقبلًا، الأمر الذي يكشف لك حجم الشعبوية التي يجنح إليها حاليًا جمهور اليمين في إسرائيل، والذي بات يلهث خلف شعبويات وعنتريات بن غفير في مقابل ابتعاده عن تخطيطِ وذكاءِ سموتريتش!

والحال كذلك، فإن القسم المناصر لبن غفير في تيار الصهيونية الدينية لا بدَّ أن يحاول التعويض عن هذه التراجعات في الملف الأقوى لديه وهو ملف القدس والمسجد الأقصى – الذي يعتبره بن غفير اختصاصه – في مقابل تخصص سموتريتش في الاستيطان في الضفة! ومن الواضح أن التحرك في هذا الاتجاه لا يزال يسير بخطى ثابتةٍ لم تتأثر بما يجري في المنطقة، بل ربما يزيد في الفترة القادمة لتعويض النقص الذي جرى في ملف غزة.

إعلان

في ذروة الصراع الداخلي خلال مناورات ومفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أسبوعين خبرًا حول إيداع لفافةٍ مكتوبةٍ يدويًا من التوراة في إحدى المدارس الدينية اليهودية في مستوطنة "موديعين عيليت" في الضفة الغربية (غربي رام الله) وسط احتفال كبير، وسبب الاحتفاء بإيداع هذه اللفافة من التوراة في هذه المستوطنة هو كونها مخصصة لتوضع في كنيسٍ داخلَ المسجد الأقصى المبارك بمجرد بنائه.

وفكرة التوراة المكتوبة في لفافةٍ واحدةٍ تراثٌ متعارَف عليه في الكنس اليهودية، حيث تُكتَبُ هذه النسخ يدويًا في العادة، وتستغرق سنواتٍ لتجهيزها وتكلّف مبالغ كبيرة، ولذلك فإن مشروع كتابة لفافةٍ من التوراة يعتبر أمرًا مهمًا في التقاليد الدينية اليهودية.

هذه اللفافة تبرع بها الحاخام يسرائيل إلباوم، والد شمعون إلباوم الذي يشغل منصب المدير العام لوزارة شؤون القدس التي يرأسها الوزير مائير بوروش العضو في حزب (يهدوت هتوراه) الحريدي المتدين، وهو – للمفارقة – لا يقتحم المسجدَ الأقصى ولا يدخله ويلتزم بفتوى الحاخامية الكبرى لدولة الاحتلال التي تمنع دخول اليهود إلى المسجد.

وبالرغم من ذلك، فإنه قدم هذه اللفافة لتكون جاهزةً لإدخالها إلى المسجد الأقصى عندما يحين الوقت المناسب. لكن الوقت المناسب في نظر جماعات المعبد المتطرفة وتيار الصهيونية الدينية هو الآن؛ فالحاخام شمشون إلباوم، (وهو من نفس عائلة "إلباوم")، والذي يسمي نفسه "رئيس مجلس إدارة جبل المعبد"، صرّح بوضوحٍ خلال حفل إيداع هذه اللفافة في مستوطنة "موديعين عيليت" أن الخطوة القادمة هي بناء كنيسٍ يهودي داخل المسجد الأقصى المبارك.

وبالنسبة لجماعات المعبد التي تشكل جزءًا مهمًا من تيار الصهيونية الدينية، فإن خطوة بناء كنيس يهودي داخل المسجد الأقصى هي الهدفُ الإستراتيجي في هذه المرحلة، وهي ترى أن الشخصية السياسية التي تمثل تطلعاتها هذه، هو الوزير السابق إيتمار بن غفير، وليس سموتريتش الملتزم بموقف الحاخامية الكبرى حتى الآن.

ولذلك، فليس مستبعدًا أن تعمل هذه الجماعات في المستقبل القريب على محاولة تخريب أي تقارب بين نتنياهو وسموتريتش لصالح بن غفير، على الرغم من الرشوة السياسية التي قدمها نتنياهو لسموتريتش بإعلان عمليته العسكرية (السور الحديدي) في جنين شمال الضفة الغربية.

إعلان

وهذا يعني أن الانقسام الداخلي في إسرائيل قد وصل إلى قلب تيار الصهيونية الدينية، وقد يتسع قريبًا. لأنه بالنظر إلى استطلاعات الرأي في إسرائيل – كما أسلفنا – يبدو أن سموتريتش بات مقتنعًا أنه يحتاج نتنياهو في الوقت الحالي أكثر مما يرى بن غفير ذلك.

ولا نستبعد أيضًا أن يحاول أنصار بن غفير في تيار الصهيونية الدينية التصعيد في القدس وفي الأماكن المقدسة في الفترة المقبلة؛ سعيًا لرفع شعبيته وشأنه بين أبناء اليمين في إسرائيل، وفي المقابل، فإن سموتريتش يرى في العملية العسكرية في الضفة الغربية طوقًا يحتاجه للنجاةِ من فشل متوقع حال إجراء انتخاباتٍ قادمةٍ ليؤمِّنَ دخوله الكنيست، ويكون رصيدًا له لدى مستوطني الضفة الغربية الذين يشكلون في مجملهم عصبَ تيار الصهيونية الدينية، وخاصةً جناح جماعات المعبد المتطرفة.

محصلة كل هذا أن التركيز في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، سيكون كما توقعنا على القدس والضفة الغربية، في تنافسٍ غيرِ شريفٍ بين سموتريتش وبن غفير. وقد بدأ الأول بالفعل العمل في الضفة، وهو ما يحتم على فلسطينيي الضفة الغربية والقدس على حد سواء المبادرة بالتحرك ضد هذين الطرفين؛ حتى لا يستفرد كل طرفٍ منهما بقسم من الشعب الفلسطيني.

فكل دقيقةٍ تمر في انتظارِ ما سيفعله نتنياهو وسموتريتش في الضفة من ناحية، أو بن غفير وأنصاره في القدس من ناحية أخرى، هو عنوانٌ لكارثةٍ حقيقيةٍ يريد الاحتلال من خلالها تعويض فشله المدوّي في غزة، وردَّ الاعتبار لكرامة جيشه التي أهدرتها منازلُ غزة المدمرةِ وصمودُ أهلها الأسطوري.

وإن تأخر الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس عن التحرك، فإن الطريق سيكون مفتوحًا لاستكمال هذه المنافسة بين أجنحة تيار الصهيونية الدينية على حساب أراضي الضفة شيئًا فشيئًا من الشمال إلى الجنوب.

إعلان

وقد بدأ التحرك بالفعل الآن في جنين، وعلى حساب مقدساتنا الأكثر أهميةً في هذه المعركة، أي المسجد الأقصى المبارك. لا يرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشكلة في أي من هذين الطرفين، فهو يعد تيار الصهيونية الدينية كلّه حليفًا له، ولا يهمه ما إذا انتصر سموتريتش أو بن غفير. وذلك يرتب على الشعب الفلسطيني تحمل المسؤولية الأولى للدفاع عن أرضه ومقدساته بنفسه، وألا ينتظر مساندة من أحد ولا سيما إدارة الرئيس الأميركي الجديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • محلل سياسي: الضفة الغربية جزء من أيديولوجية اليمين الإسرائيلي المتطرف
  • شولتس ينتقد ماسك: حرية التعبير ليست مبررًا لدعم اليمين المتطرف
  • ما الخطر الذي يمثله تشقق اليمين الإسرائيلي على الضفة والقدس؟
  • بعد تنصيب ماكرون..ماكرون: على أوروبا حماية سيادتها
  • بعد حملة الكراهية.. فرنسا تتودد للجزائر وتصدم اليمين المتطرف
  • بعد التحية النازية..شولتس يحذر ماسك من دعم اليمين المتطرف
  • لو إجازة ثورة 25 يناير ضاعت عليك.. اعرف طرق تعويضها بمقابل مادي طبقًا للقانون
  • أردوغان: من المهم جدًا استمرار صداقتنا مع ترامب
  • ماكرون يعترف: تشديد إجراءات منح التأشيرات أضر بصورة فرنسا في الخارج
  • ماكرون وإفريقيا.. نفوذ فرنسي يتضاءل وخطاب استعماري يتزايد