أفريقيا والقوى العظمى: انقلابات وطرائف سوريالية
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
أفريقيا والقوى العظمى: انقلابات وطرائف سوريالية
لا العرب ولا الأفارقة أوّل مَنْ أدرك الترابط الوثيق بين الشرق الأوسط وأفريقيا، بل كانت القوى الإمبريالية الأوروبية هي السبّاقة إلى ذلك الإدراك الحاسم.
تقاسم النفوذ الراهن بين واشنطن وموسكو سياسيا واقتصاديا واستثماريا وعسكريا وأمنيا؛ تغيب عنه حصص فرنسا، ذات الماضي الكولونيالي العريق في القارّة.
اشتغلت القوى الاستعمارية الأوروبية على توظيف ديناميات الترابط بين الشرق الأوسط وأفريقيا، ولم تجد مشكلة في المزاوجة بين الانقلابات والطرائف السوريالية!
تتوارى أنساق النفوذ الصيني، وإنْ كانت تحضر فعلياً على الأرض وفي قلب المنافسات الاستثمارية الضارية، رغم الغياب الشكلي عن الحصص الظاهرة على الخريطة.
لم تكد تختتم قمة سانت بطرسبرغ حتى هبّ جنرالات النيجر وأطاحوا برئاسة المدني المنتخب محمد بازوم، وسجلوا سابع انقلاب في القارة خلال أقلّ من 3 سنوات.
لم يفوّت بريغوجين فرصة مديح جنرالات النيجر الانقلابيين، وفي الآن ذاته الإعراب عن مزيد من مظاهر الولاء لعرّابه سيّد الكرملين، كأنه لم يأمر بالزحف نحو موسكو قبل أسابيع.
* * *
في وسع امرئ أن يبدأ من إحصائيات بسيطة، لكنّ دلالاتها وافرة ومتعددة الجوانب: القمة الروسية – الأفريقية التي احتضنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بطرسبورغ مؤخراً، اجتذبت 21 رئيساً أفريقياً، مقابل 45 في قمةّ مماثلة انعقدت سنة 2019؛ وفي المقابل، نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في جمع 50 من ضيوفه الأفارقة، خلال قمة التأمت أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
هذه خريطة تعكس تقاسم النفوذ الراهن بين واشنطن وموسكو، على أصعدة سياسية واقتصادية واستثمارية وعسكرية وأمنية؛ تغيب عنها حصص فرنسا، ذات الماضي الكولونيالي العريق في القارّة، وصاحبة العدد الأكبر من أشكال التدخّل في شؤون البلدان الأفريقية.
كذلك تتوارى أنساق النفوذ الصيني، وإنْ كانت تحضر فعلياً على الأرض وفي قلب المنافسات الاستثمارية الضارية، رغم الغياب الشكلي عن الحصص الظاهرة على الخريطة.
في جانب آخر، لم يكن من دون مغزى خاصّ أنّ قمة سانت بطرسبرغ لم تكد تختتم جلساتها حتى هبّ جنرالات النيجر وأطاحوا برئاسة المدني المنتخب محمد بازوم، وسجلوا بذلك الانقلاب السابع في القارة خلال أقلّ من 3 سنوات؛ فحذوا في النهج الانقلابي حذو رفاقهم في السلاح، جنرالات مالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد والسودان؛ وكانوا على نحو أو آخر يقتفون أثر الرئيس التونسي قيس سعيّد، أستاذ القانون الذي بزّ غالبية العسكر الانقلابيين في القارّة.
طريف، في مغزى ثالث، أنّ المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا («إيكواس») سارعت إلى إطلاق وساطة بين رئيس البلاد والمجلس العسكري الانقلابي في النيجر، ولكن اختيارها وقع على محمد إدريس ديبي، الرئيس الانتقالي التشادي الذي كان هو نفسه قد انتزع السلطة عبر انقلاب؛ ولم يكن عجيباً بالطبع، بقدر ما كان سوريلياً، أن يدعو الانقلابي إلى… إعادة الحياة الديمقراطية والدستورية في النيجر!
طرفة أخرى، لا تغيب عنها خلائط سوريالية من طراز هو الأشدّ ابتذالاً في علاقات القوى العظمى بالقارة الأفريقية، تمثلت في أنّ يفغيني بريغوجين، قائد ميليشيات «فاغنرّ»، كان أحد نجوم قمة سانت بطرسبرغ الروسية – الأفريقية؛ في غمرة تهليل وترحيب من جانب بعض انقلابيي القارّة، ممّن يتطلعون إلى خدمات مرتزقته، طال الزمان أم قصر.
وهكذا لم يفوّت بريغوجين فرصة مديح جنرالات النيجر الانقلابيين، وفي الآن ذاته الإعراب عن مزيد من مظاهر الولاء لعرّابه سيّد الكرملين، وكأنه لم يكن الآمر بالزحف نحو موسكو قبل أسابيع معدودات.
أمّا التواجد الأمريكي في القارّة، العسكري منه على وجه التحديد، فإنه بدأ ويتواصل كإرث مستدام لشراكة واشنطن مع الحلف الأطلسي في تشكيل القيادة الأمريكية الأوروبية، EUCOM؛ وشقيقتها القيادة الأمريكية الأفريقية (أفريكوم)، ولا يغيب هنا المعنى الخاصّ خلف اختيار مدينة شتوتغارت الألمانية مقرّاً لرئاسة أركان هذه القيادة الأخيرة، بالنظر إلى اعتذار 54 دولة أفريقية عن استقبالها، فالتنافس بين القوى العظمى محتدم على قدم وساق!
ولا عجب أن تجلي فرنسا رعاياها من النيجر، ولا ترى واشنطن أيّ سبب للقيام بالإجراء ذاته، متكئة على قاعدة عسكرية للطائرات المسيّرة، وإلى عديد من 1000 جندي أمريكي، واطمئنان إلى واردات الأورانيوم من النيجر.
وقد يصحّ هنا استذكار مواقف الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إزاء مفهوم أفريقيا، والتي انطوت على إدراك إشكاليات الموقع والانتماء، وظلت تتأرجح بين القطب الآسيوي (ثم العربي والإسلامي، استطراداً) الذي انخرطت فيه مصر والناصرية؛ والقطب الأفريقي، الذي اكتشفه ابن النيل وربيب الفلاحين والغيطان.
المفارقة أنه لا العرب ولا الأفارقة كانوا أوّل مَنْ أدرك طبيعة الترابط الجدلي والوثيق بين الشرق الأوسط وأفريقيا، بل كانت القوى الإمبريالية الأوروبية هي السبّاقة إلى ذلك الإدراك الحاسم؛ فاشتغلت على توظيف دينامياته المختلفة، ولم تجد مشكلة في المزاوجة بين الانقلابات و… الطرائف السوريالية!
*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا فرنسا روسيا فاغنر إيكواس انقلابات بريغوجين أمريكا الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
الجماعات المتطرفة في الدول الأفريقية تلجأ للنهب والسرقات لتمويل أنشطتها.. والتحالف الدولي يؤكد التزامه بتجفيف المنابع
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تستغل الجماعات المتطرفة والإرهابية العديد من المصادر المختلفة في تمويل أنشطتها التخريبية و التدميرية في البلاد الأفريقية التي تنتشر بها، وتعمل الجهات الأمنية الدولية على عرقلة ومنع تمويل أنشطة الجماعات المتطرفة لوقف تنامي الإرهاب في الدول الأفريقية.
في نيجيريا نجد أن الجماعات المتطرفة و المتمردة تعمل على تعزيز مصادرها المالية من خلال سرقة الماشية، واختطاف النساء لطلب الفدية، وابتزاز المزارعين وسرقة بعض المحاصيل، والاستيلاء على مناجم الذهب الحرفية، إذ فرضوا بعض الجبايات على عمال المناجم، كما سيطروا على بعض المناجم وقاموا بنهبها.
وتفيد بعض التقارير بأن جماعات متطرفة على علاقة بتنظيم داعش الإرهابي عملت على الاستفادة من قاطعي الأشجار وبائعي الخشب، إذ تسيطر الجماعات على مناطق الغابات فتعمل على تهريب الأخشاب وبيعها للاستفادة المباشرة من أموالها المساعدة في الأنشطة الإرهابية.
وعلى الرغم من أن موزمبيق كانت قد فرضت حظرا على تصدير الأخشاب منذ العام 2017، لكن هذا لا يمنع أن الجماعات تمكنت من بيع كميات هائلة من الخشب المحظور.
وأفاد تقرير نشره معهد دراسات الحرب الأمريكي Institute for the Study of War بأن تنظيمي القاعدة وداعش عملا على زيادة نفوذهما في منطقة الساحل الأفريقي من خلال زيادة روابطها مع الشبكات الإجرامية المحلية والتي تنشط في منطقة الصحراء الكبرى، مؤكدا أن التعاون المشترك بين الجماعات الإرهابية والمجموعات الإجرامية المتخصصة في الإتجار بالبشر والتهريب يزيد من نفوذ التنظيمات الإرهابية ويجعلها أكثر خطرًا.
ولفت التقرير في الوقت نفسه إلى أن العديد من الهجمات الإرهابية التي وقعت في مالي والنيجر، وزيادة نشاط المجموعات الإرهابية يعود إلى انسحاب قوات فرنسية وأمريكية من مواقعها.
وبحسب التقرير فإنه "من المؤكد أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجماعة الدولة الإسلامية في ولاية بورنو تتعاونان مع جهات فاعلة محلية كنقطة دخول لتوسيع مناطق عملياتهما.
ونقلا عن موقع "الانتربول" فإن شل حركة تمويل الجماعات الإرهابية ضرورة لا غنى عنها لتقويض أنشطتها، وأنه يمكن استغلال أي جريمة تعود بالأرباح لتمويل الإرهاب، وهذا يعني أن البلدان قد تواجه مخاطر تمويل الجماعات الإرهابية وإن كان خطر وقوع اعتداء إرهابي فيها ضئيلاً.
ووفقا للانتربول فإن من مصادر تمويل الجماعات الإرهابية نذكر مثلاً لا حصراً الأفعال الاحتيالية الصغيرة والاختطاف طلباً للفدية واستغلال المنظمات غير الربحية والاتجار غير المشروع بالسلع كالنفط والفحم والماس والذهب وأقراص "الكابتاجون" المخدّرة والعملات الرقمية.
وأوضح الانتربول أنه من خلال تقويض حركة أموال الجماعات الإرهابية وتكوين فهم عن تمويل اعتداءات سابقة، نستطيع أن نساعد في منع وقوع اعتداءات أخرى في المستقبل.
وكان التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، قد تعهد بمواجهة الانتشار المستمر لتنظيم داعش على مستوى العالم، بما في ذلك عبر أجزاء من أفريقيا ووسط وجنوب شرق آسيا مؤكدًا التزامه بتعبئة الأعضاء والشركاء الشرعيين واتباع نهج حكومي شامل لتعطيل الشبكات العالمية لتنظيم داعش من خلال تقاسم المعلومات عِبر أنظمة موثوقة وآمنة لحرمانها من حرية التنقل، وتقييد وصولها إلى التمويل والموارد الأخرى بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي 2178 و 2396 و 2462.
ولفت التحالف في بيان سابق له، إلى ضرورة تعزيز الجهود الشاملة لمكافحة الإرهاب، وضمان أن تكون سياساتنا وممارساتنا قائمة على حقوق الإنسان بشكل مناسب، ومنع وصول الإرهابيين إلى الموارد والتمويل، وتعطيل تحركات تنظيم داعش عبر الحدود، وحماية الضحايا الذين عانوا تحت الحُكم السيء للتنظيم ومساعدتهم.
وأشاد التحالف بعمل مجموعة التركيز المعنية بأفريقيا التابعة للتحالف الدولي في تعزيز الدور النشط للشركاء الأفارقة، ويسلطون الضوء على ضرورة مواجهة الجهات الفاعلة المسلحة الخبيثة غير الحكومية التي تؤدي أفعالها إلى تقويض التعاون في مكافحة الإرهاب وزعزعة استقرار المناطق التي تعمل هذه الجهات فيها.
وأشار التحالف الدولي إلى المبادرات الجارية لمنع الإرهابيين من السيطرة على الروايات العامة عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل المشفرة، ويؤكدون على أهمية الذكاء الاصطناعي في مكافحة الدعاية الإرهابية والتجنيد.
ويؤكد الوزراء على أن الإرهاب، في أي شكل أو مظهر، لا ينبغي أن يرتبط بأي عقيدة أو دين أو جماعة عرقية.