صناعة الحرير على طريق الحضارات.. سمرقند تنسج التاريخ بخيوط الفضة
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
سمرقند وطشقند، أوزباكستان – في بوتقة وملتقى ثقافات العالم القديم، تتربع سمرقند التاريخية في واحة كبيرة بوادي نهر زرافشان (ناثر الذهب) المتفرع من نهر جيجون، وتفخر بكونها عاصمة الإمبراطورية التيمورية التي امتدت عبر قارات العالم القديم، كما يقول سكانها باعتزاز.
تتوسط المدينة العريقة شبكة الطرق القديمة التي سميت بطريق الحرير، حيث ترك رحالة وأدباء وعلماء وأمراء ومحاربون بصماتهم في المدينة التي وهبت العالم أسرار صناعة الورق الصينية وعرفت ازدهار منتجات الحرير، والفضل في صناعة الورق والحرير يعود للِحاء وأوراق أشجار التوت التي تصبغ طرقات سمرقند.
لكن الطريق إلى نسيج الحرير، شاق وغير ناعم، ويحتاج لكد وتعاون الأقارب والجيران وفق تقليد محلي قديم بطلته يرقة دودة القز، التي تلف نفسها في خيوط الحرير وتتحول إلى شرنقة يتضاعف وزنها 17 مرة بفضل تناولها أوراق التوت الخضراء، كما يُفصِّل الفيديو الشارح أعلاه.
التوت والقزّتقول مزارعة أوزبكستانية إن دودة القز المتكورة تنام 4 مرات وتتغدى 7 مرات يوميا وتموت إن تأخرت وجباتها ساعة واحدة، وهي حساسة جدا للضوء والضوضاء وحتى النسيم العليل، ولكن بعد إنتاج خيوط الحرير تصير بلا فائدة فيتخلّص منها الفلاحون قبل أن تتحول إلى فراشة بغطس الشرنقة كلها في الماء الساخن أو حتى بإدخالها الفرن.
وتحت ظلال شجرة اللوز الوارفة، تبدأ زبيدة برديفا العملية التي تكررها كل صيف بجمع شرانق ديدان القز لتحويلها إلى نسيج حريري غالي الثمن بالطريقة التقليدية التي تسعى أوزبكستان -ثالث أكبر منتج للحرير في العالم- لتطويرها.
بأصابعها الخبيرة التي صقلتها 40 عامًا من العمل، أزالت برديفا الشرانق البيضاء لدودة القز من أغصان التوت المجففة الكثيفة، في تقليد قديم لإنتاج الحرير وهو القطاع الذي يخضع لسيطرة الدولة وغير مربح كثيرا للمزارعين والعمال.
كل شرنقة تحتوي على خيط حرير يبلغ طوله حوالي كيلومتر أو اثنين، تفرزه يرقانة "دودة القز المنزلية".
"كل شيء يتم يدويًّا. الجزء الأكثر تعقيدًا هو رعاية ديدان القز ثم حصاد شرانقها دون التأثير على جودتها" تقول برديفا من مدينة نرافشون، جنوب العاصمة طشقند.
خلال موسم التربية، من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران، "يشارك الجميع"، تقول المرأة الستينية.
"الرجال يقطعون أغصان التوت لإطعام ديدان القز والنساء يتولين رعاية اليرقات".
في حظيرة مجاورة، كانت الديدان الصفراء تقضم أوراق التوت بشراهة، ويتطلب التحويل إلى النسيج الحريري المتين والناعم عدة خطوات أخرى تشمل خنق ديدان القز في شرانقها عند درجات حرارة عالية.
ثم يتم تجفيفها وغمرها في ماء مغلي، فتلين خيوطها، ويجري فَكّ الخيط ثم نسجه.
"وبعد الحصاد، سنسلم الشرانق للدولة" قالت برديفا، محاطة بالنساء الأخريات اللائي كن "يساعدن طوعًا".
بعد تجميع الخيوط تمر بمراحل أخرى منها الغسل والتلوين الذي تستخدم فيه مواد طبيعية كالرمان، وقشور البصل، وقشور الجوز، والأكاسيا. ومن أرقى استخدامات خيوط الحرير حرفة السجاد الحريري التي تتوارثها الأجيال.
شرانق الفضة
ورغم أن إنتاج الحرير، وتربية ديدان القز، تقليد قديم في هذه البلاد العريقة الواقعة على "طريق الحرير"، فإنه يسير ببطء نحو التحرير الاقتصادي تحت قيادة الرئيس الأوزبكستاني شوكت ميرضيائيف، لكنه لا يزال تحت السيطرة الحكومية وغير مربح كثيرا لمنتجيه.
وذلك نتيجة لعقود من الاقتصاد الشيوعي والتخطيط المركزي السوفياتي حتى عام 1991، ثم ربع قرن من العزلة تحت قيادة الزعيم السابق إسلام كريموف.
"تُدار صناعة الحرير بطرق مأخوذة من العهد السوفياتي، مع مزارعين مجبَرين على رعاية الشرانق، خاصة الذين لديهم بالفعل مزارع توت"، يوضح الخبير الاقتصادي الأوزبكستاني يوليا يوسوبوف حيث يستلم مزارع مثل جانوبيل تاشيبيكوف (3 صناديق من بيض ديدان القز) من الحكومة الأوزبكستانية.
"إذا كنت محظوظًا، سأجمع 150 كيلوغرامًا من الشرانق، مما سيجلب لي 6 ملايين سوم"، يقول المزارع تاشيبيكوف، أي حوالي 450 يورو، وهو ضعف راتبه الشهري.
مع إنتاج 26 ألف طن من الحرير في عام 2023، تهدف أوزبكستان إلى تعزيز مكانتها كثالث أكبر منتج في العالم، وتمثل الصين والهند حوالي 95% من الإنتاج العالمي، وفقًا للّجنة الدولية لتربية ديدان القز.
وأمر الرئيس ميرضيائيف بزيادة سعر شراء الشرانق، وإنشاء مزارع توت جديدة، وإعفاءات ضريبية للمربين وإعادة هيكلة المزارع لجعل الإنتاج أكثر ربحية.
الهدف هو تعزيز صادرات المواد الخام والقماش، بشكل خاص إلى السوق الأوروبية ومصممي صناعات الحرير الفاخرة.
مريم نيازوفا، مؤسسة "توموش تولا" (الألياف الفضية باللغة الأوزبكية)، تدير إحدى الشركات الأوزبكستانية القليلة التي تقدم الدورة الكاملة للحرير، بدءًا من تربية الديدان وصولًا إلى تصنيع الملابس والمفروشات.
"في عام 2020، اشتريت معدات من الصين وكوريا الجنوبية وتمكنت من إنتاج الأقمشة. كان ذلك صعبًا بسبب نقص المتخصصين"، قالت، مستذكرة "سنوات الركود" تحت حكم كريموف.
لكن الآن نيازوفا أكثر تفاؤلًا.
"نحن نصدر بالفعل إلى إيران والصين وأذربيجان، ونأمل قريبًا أن نصدر إلى أوروبا"، قالت.
وتأمل أوزباكستان أن يؤدي استعادتها مكانتها في صناعة الحرير لتعزيز حضورها في مجال التبادل الثقافي، وهو الدور الذي لعبته إبان توسط مدنها القديمة -مثل سمرقند وطشقند وبخارى وخوارزم- مفترق الحضارات النابض بالحياة بين الشرق والغرب، فميراث طريق الحرير ليس المنسوجات الناعمة فحسب، وإنما مزيج من الفنون والآداب واللغات والعلوم والعمارة التي عبرت هذه الطرق البرية مع السلع والقوافل التجارية في بلاد لا تطل على البحار والمحيطات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
الأنبا باخوميوس.. المطران الذي لم يبحث عن الأضواء لكنه صنع التاريخ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في هدوء الراهب، وفي وقار الأسقف، وفي حكمة الأب، عاش الأنبا باخوميوس سنوات عمره يخدم الكنيسة والوطن ، لم يكن مجرد أسقف أو مطران، بل كان مرجعًا روحيًا، وأبًا للجميع، وصوتًا عاقلًا في أصعب اللحظات.
مشهد لا ينسي، الكنيسة في انتظار بابا جديد، والأنبا باخوميوس وحده يقف في المنتصف، حاملاً مسؤولية أكبر من أي شخص آخر ،كان المشهد تاريخيًا، لكنه لم يكن جديدًا عليه؛ فهو الراهب الذي تعلم الصبر، والأسقف الذي تعوّد على حمل المسؤولية، والمطران الذي يعرف كيف يعبر الأزمات بحكمة.
في حياة الكنيسة، هناك شخصيات تذكر بسبب المناصب التي شغلوها، وأخرى تبقى في الذاكرة بسبب المواقف التي صنعوها ، الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، ينتمي إلى الفئة الثانية.
لم يكن يبحث عن الأضواء، لكنه كان حاضرًا دائمًا عند الحاجة، رجل تميز بالحكمة، استطاع أن يدير الكنيسة في أصعب الفترات، وأن يترك أثرًا لا يمحى في الخدمة والرعاية.
ولد الأنبا باخوميوس في 17 ديسمبر 1935 في مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، باسم سمير خير سكر، في أسرة قبطية متدينة منذ صغره، عرف بحبه للكنيسة وانضباطه في حياته الروحية، لكنه لم يكن يخطط للرهبنة في البداية.
التحق بكلية التجارة بجامعة عين شمس، وحصل على درجة البكالوريوس عام 1956.
وفي تلك الفترة، كانت حياته تتجه نحو مسار وظيفي تقليدي، لكنه كان يحمل في داخله شيئًا مختلفًا، بحثًا عن معنى أعمق لحياته، وهو ما قاده إلى الكلية الإكليريكية عام 1959، حيث بدأ في دراسة اللاهوت ليزداد ارتباطه بالكنيسة أكثر فأكثر.
في 11 نوفمبر 1962، قرر ترك الحياة العامة والانضمام إلى دير السيدة العذراء الشهير بالسريان في وادي النطرون، حيث ترهبن باسم الراهب أنطونيوس السرياني.
كان الرهبان في ذلك الوقت يعيشون حياة زهد وتقشف شديدة، لكنه لم يتراجع، بل انغمس في حياة الصلاة والتأمل، وكان يلفت الأنظار بتواضعه الشديد وانضباطه الروحي.
لم تستمر فترة رهبنته داخل الدير طويلًا، إذ تم إرساله للخدمة في السودان عام 1964، حيث خدم هناك عدة سنوات، ثم انتقل إلى لندن، حيث كان له دور بارز في تأسيس أول كنيسة قبطية هناك، مما جعله من أوائل الرهبان الذين خدموا في المهجر.
الأسقفية.. بداية مرحلة جديدةفي 12 ديسمبر 1971، وبعد تنصيب البابا شنودة الثالث بطريركًا بوقت قصير، قرر البابا اختيار الراهب أنطونيوس السرياني ليكون أسقفًا لإيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، ليصبح أول أسقف يرسمه البابا شنودة، وهو ما كان يحمل دلالة على ثقة البابا في شخصه.
مع بداية خدمته كأسقف، لم يكن الطريق سهلًا، فالإيبارشية كانت مترامية الأطراف، وتضم مناطق عديدة تحتاج إلى تطوير رعوي.
ركز الأنبا باخوميوس على ثلاثة محاور أساسية في خدمته:
1-بناء الكنائس وتطوير الخدمات الرعوية، لتلبية احتياجات الأقباط في الإيبارشية.
2-الاهتمام بالتعليم الكنسي، فأنشأ العديد من مدارس الأحد، وكان له دور في دعم التعليم اللاهوتي.
3-تطوير العمل الإداري داخل المطرانية، حيث نظم الملفات الرعوية، واهتم بإعداد الكهنة وتأهيلهم للخدمة.
وفي عام 1990، تمت ترقيته إلى رتبة مطران، تقديرًا لدوره الكبير في إدارة الإيبارشية بكفاءة عالية.
القائم مقام البطريركي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية،إدارة الكنيسة في لحظة فارقة
في 17 مارس 2012، رحل البابا شنودة الثالث بعد 40 عامًا من قيادته للكنيسة القبطية، لتدخل الكنيسة في مرحلة انتقالية حساسة ، كان لا بد من اختيار شخصية حكيمة لإدارة الكنيسة خلال الفترة المؤقتة لحين انتخاب بطريرك جديد، ولم يكن هناك اسم أنسب من الأنبا باخوميوس، الذي تم اختياره القائم مقام البطريركي للكنيسة القبطية الأرثوذكسي.كانت الفترة التي أدار فيها الكنيسة من أكثر الفترات حساسية، فقد كان عليه أن يحافظ على استقرار الكنيسة داخليًا، وأن يدير عملية انتخاب البابا الجديد وفقًا للائحة عام 1957، مع الحرص على أن تكون العملية نزيهة وشفافة.
وبالفعل، نجح في إدارة الملف بحكمة كبيرة، حتى تم انتخاب البابا تواضروس الثاني في 18 نوفمبر 2012.
ورغم انتهاء مهمته كقائم مقام بطريركي، ظل الأنبا باخوميوس مرجعًا روحيًا للبابا الجديد، وللمجمع المقدس، حيث كان دائمًا صاحب رأي متزن في القضايا الكنسية والوطنية.
علاقته بالبابا شنودة لم تكن مجرد علاقة أسقف ببطريرك، بل كانت علاقة تلميذ بأستاذه، وصديق بصديقه.
كان الأنبا باخوميوس من الشخصيات التي كان يعتمد عليها البابا شنودة في العديد من الملفات، وكان دائمًا ضمن دائرة الثقة الخاصة به.
بعد انتخاب البابا تواضروس الثاني، لم يتراجع دور الأنبا باخوميوس، بل ظل أحد أهم مستشاري البابا الجديد، خاصة في الملفات الرعوية والإدارية ، كانت العلاقة بينهما قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل، حيث كان البابا تواضروس يعتبر الأنبا باخوميوس أبًا روحيًا له.
علاقته بالطوائف المسيحية الأخرى
كان الأنبا باخوميوس داعمًا قويًا للحوار المسكوني بين الكنائس، وسعى دائمًا إلى بناء جسور تواصل مع الطوائف المسيحية الأخرى، سواء داخل مصر أو خارجها.
لم تكن علاقته بالأزهر مجرد علاقة بروتوكولية، بل كانت علاقة تفاهم وتعاون، حيث كان يؤمن بأن الحوار الإسلامي المسيحي هو السبيل لترسيخ المواطنة. شارك في العديد من اللقاءات مع علماء الأزهر، وكان له دور في تقريب وجهات النظر بين المؤسستين الدينيتين.
وكان الأنبا باخوميوس واحدًا من القيادات الكنسية التي تتمتع بعلاقات متزنة مع الدولة، فهو لم يكن تصادميًا، لكنه في الوقت نفسه كان يدافع عن حقوق الأقباط بروح وطنية، ويعمل على حل الأزمات بروية وحكمة.
إرثه الذي لن ينسىقد يكون حاضرًا أو قد تظل ذكراه هي الباقية، لكن المؤكد أن اسمه سيظل محفورًا في ذاكرة الكنيسة القبطية كواحد من أعمدتها القوية،و كرجل لم يبحث عن الأضواء، لكنه صنع التاريخ بصمته وحكمته وخدمته الصادقة.
وقال الكاتب والمفكر كمال زاخر ، في تصريح خاص" للبوابة نيوز ": إن الأنبا باخوميوس يعد أحد أبرز الشخصيات الكنسية التي أدارت الكنيسة في أوقات غاية في الحساسية والدقة، بحكمة وهدوء، وأوضح أن دوره البارز تجلّى في محطتين رئيسيتين في تاريخ الكنيسة القبطية.
عضويته في اللجنة الخماسية بعد حادث المنصةأشار زاخر إلى أن الأنبا باخوميوس لم يكن ضمن التشكيل الأصلي للجنة الخماسية التي شُكلت بعد قرار الرئيس الراحل أنور السادات بعزل البابا شنودة الثالث، لكنه أُضيف لاحقًا إلى اللجنة بعد رحيل الأنبا صموئيل في حادث المنصة في أكتوبر 1981.
وأضاف أن الأنبا باخوميوس كان “دينامو” العمل داخل اللجنة، حيث لعب دورًا محوريًا بفضل خبراته وعلاقاته الطيبة مع الأساقفة ومع الدولة، مما ساهم في تسيير أمور الكنيسة خلال تلك المرحلة الحرجة.
إدارة الكنيسة بعد رحيل البابا شنودةأما المحطة الثانية، فكانت عندما وقع الاختيار عليه ليكون القائم مقام البطريركي بعد اعتذار الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، عن تولي المهمة ، ولفت زاخر إلى أن هذه الفترة كانت من أصعب المراحل التي مرت بها مصر والكنيسة القبطية، إذ تزامنت مع:
قيام ثورة يناير وما تبعها من اضطرابات وقلاقل.
صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، وما حمله ذلك من مخاوف وتحديات.
احتدام الصراع داخل الكنيسة على خلافة البابا شنودة الثالث، وسط بروز العديد من الأسماء المرشحة.
وأكد زاخر أن الأنبا باخوميوس استطاع إدارة هذه المرحلة بحكمة وهدوء وحزم، حتى انتهت بانتخاب البابا تواضروس الثاني، وخرجت الكنيسة من هذه الأزمة بسلام.
واختتم كمال زاخر حديثه قائلًا: “سيظل الأنبا باخوميوس رمزًا للحكمة والهدوء، وقد ترك للكنيسة منهجًا إداريًا متوازنًا، بعيدًا عن الصخب أو الاشتباك مع السياسة”.
القس رفعت فكري ينعى الأنبا باخوميوس: الكنيسة والوطن فقدا شخصية عظيمةرحل الأنبا باخوميوس، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من الخدمة والعطاء، ليس فقط داخل إيبارشية البحيرة، بل على مستوى الكنيسة المصرية ككل ، فقد كان شخصية محورية ومؤثرة في تاريخ الكنيسة المعاصر، من خلال أدواره المتعددة داخل المجمع المقدس، وزياراته المستمرة، وحلوله الحكيمة للمشكلات التي واجهت الكنيسة.
بعد رحيل البابا شنوده الثالث، تولى الأنبا باخوميوس منصب القائم مقام في واحدة من أصعب الفترات التي مرت بها الكنيسة والوطن. كانت تلك الفترة مليئة بالتحديات، سواء على المستوى السياسي أو داخل الكنيسة، لكن بحكمته وقيادته الرشيدة، استطاع توجيه السفينة إلى بر الأمان، متجاوزًا العواصف التي كادت أن تعصف بالكنيسة.
لم يكن الأنبا باخوميوس مجرد أسقف لإيبارشية، بل كان شخصية وطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يسعى دائمًا لخدمة الكنيسة والوطن بروح المحبة والتفاني. لذلك، فإن رحيله لا يمثل خسارة للكنيسة فقط، بل هو فقدان لشخصية وطنية بارزة كانت دائمًا تسعى لتحقيق الخير والاستقرار.
في وداعه، نصلي أن يمنح الله العزاء لكل أفراد الكنيسة وأسرته ومحبيه، وأن تبقى سيرته وخدمته وعطاؤه شاهدًا حيًا على محبته للكنيسة والوطن. لقد ترك الأنبا باخوميوس بصمة لا تُمحى، وسيظل اسمه مرتبطًا بالحكمة والخدمة الحقيقية.