يتميز المصريون دائمًا، بخفة الظل والدعابة والفُكاهة والتندر، كما أنهم يختلفون عن غيرهم من سائر الأمم بروحهم المَرِحَة، حتى في أحلك الظروف الحياتية المريرة والقاسية.
خلال الأيام والأسابيع والشهور الفائتة، لم يتخلَّ المصريون عن عادتهم في السُّخرية، من أزمات كبيرة مستمرة كالغلاء وارتفاع الأسعار، لكن انقطاع التيار الكهربائي، منذ أكثر من عام ـ بشكل يومي ولساعات عدة ـ أصبح مادة للتندر، على «التوالي» و«التوازي»!
بالطبع «مصر منورة بأهلها»، لكن هذا النور لا يكفي لـ«انقطاع» معاناة الناس مع تلك الأزمة المستمرة والقاسية، التي ولَّدت شعورًا عامًا بالسَّخط والاستياء، إذ لم يكن في الحسبان أن تنقطع الكهرباء بهذا الشكل المُخيف خلال فصل الصيف الحارق، ودرجات الحرارة غير المسبوقة.
لذلك، لن نتحدث عن الفشل الذريع في مواجهة تلك الأزمة المخيفة أو تخفيف وطأتها، وما خلَّفته خطة «تخفيف الأحمال»، من زيادة أوجاع الناس ومعاناتهم، خصوصًا الطلبة وكبار السن والنساء والرجال والأطفال والشباب وذوي الاحتياجات!
كما لن نتحدث عن الخسائر المتزايدة التي تعرض لها مجال السياحة وكافة القطاعات الإنتاجية، أو فداحة فقدان الأرواح، أضف إلى ذلك تلف الأجهزة والممتلكات، التي «أصلحها» المصريون بـ«السُّخرية»، المقرونة بتساؤلات حول جدوى دفع فواتير «استهلاك الظلام»!
اللافت أن روح الدعابة لم «تنقطع» أبدًا مع معاناة «قطع» الكهرباء، أو «ما تيسر من التيار»، ولذلك نقول لهؤلاء المستائين والممتعضين من هذا الأمر: حاولوا أن تتجنَّبوا تلك النظرة البائسة التشاؤمية، فقطع الكهرباء فيه من الفوائد التي لا يمكن حصرها.
إن انقطاع التيار، غاية لم يُدركها الكثيرون منذ عقود، خصوصًا أنها تجربة ثرية، يجب أن تحرص على خوضها والإفادة منها بشتى السبل، فلا يمكن أن تقضي هذه الساعات اليومية من دون أن تستفيد منها.
نتصور أنه يمكنك إعادة الترابط الأسري بينك وبين زوجتك وأولادك، فهي فرصة مثالية أن تتجاذبوا أطراف الحديث في أمور حياتكم التي ضاعت في الزحام والانشغال بأعباء الحياة.
تلك الساعات فرصة سانحة لاسترجاع ذكريات الماضي السحيق، وأن تشرح لأبنائك تجربة حياتك البدائية ونجاحك في التحصيل العلمي على «لمبة الجاز»، و«الكلوب أبورتينة»، و«الطبلية»، وبعض الأدوات «التراثية» التي لم يعاصروها!
يجب استثمار تلك الساعات في التأمل، بعيدًا عن صخب الحياة والضوضاء والازدحام، لأن حالك ليس أفضل من الكثيرين الذين يلزمون منازلهم، كما أنك عندما تعتاد على الأمر، ستكون أكثر هدوءًا، وتصالحًا مع نفسك، وبالتالي ستتحلى بالصبر والجلد والتحمل.
أخيرًا.. ساعات قليلة فقط كل يوم من قطع الكهرباء، كفيلة بالاستغفار و«تخفيف الذنوب»، وتجعلك أكثر إحساسًا وشاعرية على أضواء الشموع، وكذلك لتشعر أيضًا بمعاناة غير المبصرين، وبالتالي التخلي عن كلمات مأثورة من المجاملات الكاذبة، مثل «الله ينور»، «كفاية نورك علينا»، «تسلم يا نور عينيا».
فصل الخطاب:
حكمة: «الاستغناء عن الأشياء والأشخاص يجعلك دائمًا أقوى».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قطع الكهرباء فصل التيار تخفيف الأحمال محمود زاهر طقس حار حرارة الصيف إغلاق المحال التجارية فواتير الكهرباء
إقرأ أيضاً:
338 مقبرة غامضة في منطقة أبيدوس.. لماذا بناها المصريون وكيف كان شكلها؟
في صعيد مصر، حيث تقف شواهد الحضارة المصرية دليلا على عظمة تاريخ ساحر هناك واحدة من أقدم المدن وأهم المواقع الأثرية، هي أبيدوس، وتحتوي مقابرها بطابعها الفريد وأهميتها التاريخية على قصص عن الملوك والآلهة والمعتقدات القديمة، ذُكرت حكاياتها ومحتواياتها في كتاب «سر الأهرامات» المُترجم لـ عالم المصريات التشيكي، ميروسلاف فيرنر، المتخصص في تاريخ وآثار مصر القديمة.
أسرار من مقابر غامضة في منطقة أبيدوسيقول عالم المصريات التشيكي كانت الفكرة الرئيسية لمقابر أبيدوس أكبر من مجرد ركام من الرمال، فهي مكان مقابر عصر الأسرات الأول بالتقاليد الدينية في مصر العليا في فترة ما قبل الأسرات، وعلى الجانب الغربي لأبيدوس بالقرب من مصب الوادي الكبير جبانة تحتوي على مقابر أقدم الملوك منذ نهاية فترة ما قبل الأسرات وبداية عصر الأسرات المبكر، ما يعني أنها مجموعة معمارية كاملة تقع في الصحراء.
الجزء السفلى من تلك المقابر عبارة عن حجرة دفن وحجرة أو أكثر للتخزين تستخدم في حفظ الأثاث الجنائزي، ويتكون الجزء العلوى منها من تل رملي منخفض، يتراوح ارتفاعها بين متر ومترين ونصف يحيط به سور، وبحسب وصف عالم المصريات فإن المنطقة يحيط بها مقابر فرعية بلغ عددها في عصر الملك «جر» 338 مقبرة، وقد دفن في تلك المقابر الفرعية خدم الملك وزوجاته، ويبدو أن العديد منهم قد تم ماتوا أثناء الطقوس الجنائزية ودفنهم مع الملك في الوقت نفسه.
فيما بعد دمرت الجبانة الملكية في أبيدوس وتم حرقها، ومن الصعب إعادة رسم شكلها الحقيقي وتحتوي أقدم جبانات أبيدوس على مجموعة كبيرة من كسرات أواني.
مقابر كوم السلطانيوجد في كوم السلطان مكان عبادة الإله «خنتي أمنتي» ومن بعده الإله أوزير، وبها قلاع كبيرة يبلغ ارتفاعها الأصلى عن عشرة أمتار ومبنية من الطوب اللبن الجاف ومكسوة ومطلية باللون الأبيض ومزينة من الخارج، أما من الداخل فهي فارغة في معظمها ، فيما عدا بناء صغير من الطوب اللبن بالقرب من المدخل، ويعتقد بأن طقوس الدفن كانت تتم فيها في وقت من الأوقات، ويبدو أيضا أن تلك الأبنية كانت تهدم على عجل بعد انتهاء الطقوس.