بعد سبعة أشهر من انتشارها بالبحر الأحمر.. المدمرة الأمريكية "كارني" تعود لموطنها وطاقمها يتحدث عن طبيعة المعركة (ترجمة خاصة)
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
قالت شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية إن المدمرة "يو إس إس كارني" عادت إلى موطنها في مايبورت بولاية فلوريدا، في نهاية رحلة استغرقت سبعة أشهر إلى الشرق الأوسط ــ وهي رحلة لا مثيل لها. حسب ربان السفينة.
ونقلت الشبكة عن طاقم السفينة التي يقودها الربان جيريمي روبرتسون، قولهم إن "الحرب بين إسرائيل وحماس حولت الانتشار الروتيني إلى معركة بالأسلحة النارية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن".
وقال روبرتسون "بدأ الأمر بعد وقت قصير من مرور السفينة عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر".
الملازم دينيس مورال قال "لقد بدأنا في الحصول على مؤشرات تشير إلى احتمال وجود نوع من الهجوم قادم من الجنوب باتجاه إسرائيل".
وقال روبرتسون: "أعتقد أنه تم إطلاق ما بين 25 إلى 35 طائرة بدون طيار وصواريخ كروز للهجوم الأرضي، وكان بعضها يتجه نحو البحر الأحمر". "لقد التقطنا أول طائرة بدون طيار للهجوم في اتجاه واحد على نظامنا على بعد حوالي 60 أو 70 ميلاً منا."
وأضاف "توجهت إلى مركز المعلومات القتالية بالسفينة، لقد نزلت للقتال في وقت ما حوالي الساعة 5:00 و5:30 بعد الظهر، ولم أغادر حتى حوالي الساعة 2 صباحًا".
واضاف "تتبعت سفينة كارني واعترضت الطائرات بدون طيار والصواريخ التي جاءت ضمن نطاقها – وهي أولى الطلقات الأمريكية التي أطلقت دفاعاً عن إسرائيل". مستدركا: "من غير المعروف ما إذا كانوا قد وصلوا بالفعل إلى إسرائيل أم لا، لكنهم كانوا بالتأكيد على مسافة طويلة من ديارهم، وكان هناك بالتأكيد الكثير منهم". مشيرا إلى أن كارني أطلقت النار على أكثر من 15 هدفًا.
وفي رده على تساءل مارتن: "هل خاضت أي سفينة تابعة للبحرية الأمريكية معركة كهذه من قبل؟" أجاب روبرتسون: "ليس منذ الحرب العالمية الثانية". "لقد مر وقت طويل حقا."
وأفاد أن مدمرة الصواريخ الموجهة يو إس إس كارني أطلقت صواريخ توماهوك للهجوم الأرضي ردًا على السلوك الخبيث للحوثيين المدعومين من إيران في البحر الأحمر، 3 فبراير 2024.
وقالت ريبيكا فليمنج، المسؤولة عن جميع الأنظمة التي تجتمع في مركز المعلومات القتالية: "كان الأمر مكثفًا. وبمجرد أن حان وقت الصفقة الحقيقية، لم أستطع أن أقول إن أي شخص أصيب بالصدمة، لأننا تدربنا". إليها، لكنها كانت سريالية."
استمرت المعركة تسع ساعات. بعد ذلك، قال روبرتسون: "لقد توقف الأمر نوعًا ما، ووقفنا حولنا ونظرنا لبعضنا البعض قائلين: "رائع، هل حدث هذا حقًا؟"
لا تبدو السفينة كارني مدججة بالسلاح، بل مجرد مدفع واحد يمكن رؤيته على سطحها الأمامي. لكن الملازم كيني شوك، ضابط الأسلحة بالسفينة، أظهر صباح الأحد" أنابيب الإطلاق التي تحمل قوتها النارية الحقيقية. وقال شوك: "بمجرد أن نعطي الأمر بالقتال، ستفتح فتحة الخلية ويخرج الصاروخ ويقضي على الهدف".
خلال فترة وجودها في البحر الأحمر، أسقطت كارني 45 من أصل 50 طائرة بدون طيار تحلق ببطء وصواريخ أسرع (باليستية وكروية) كانت تستهدف السفن التجارية العابرة من وإلى قناة السويس.
قال روبرتسون إن الصواريخ الباليستية كانت تقلقه أكثر من غيرها: "أنت تنظر إلى شيء يأتي إليك بسرعة 5 ماخ، أو 6 ماخ. وأمام واقف المراقبة ما بين 15 إلى 30 ثانية للاشتباك."
كان هذا أول اختبار حقيقي للبحرية على الإطلاق ضد صاروخ أسرع من الصوت. وقال روبرتسون: "يحدد الكمبيوتر أين يتجه والارتفاع وكل ذلك بسرعة كبيرة بالطبع، ولكن يتعين على البشر الضغط على الأزرار".
قبل الضغط على أي أزرار، كان على القبطان أن يحدد ما إذا كان الكمبيوتر يتتبع هدفًا مشروعًا في جزء من العالم تتقاطع فيه الطائرات التجارية.
وقال روبرتسون: "من الواضح أنني قلق للغاية بشأن إسقاط الشيء الخطأ".
وكان من المقرر أن تنفصل السفينة "كارني" للتزود بالوقود وتجديد مخازنها في البحر، ولكن كان عليها الذهاب إلى الميناء لالتقاط المزيد من الصواريخ، وهي أكبر من أن يتم نقلها.
وكانت تطلق صواريخ بقيمة مليون دولار على طائرات بدون طيار تبلغ قيمتها ألف دولار. يقول روبرتسون إن أحدًا لم يشجعه على استخدام عدد أقل من الصواريخ: "ولا مرة واحدة. لقد تم تكليفي بهذه الأصول التي تبلغ قيمتها ملياري دولار وأكثر من 300 حياة، وبالتالي فإن تحليل التكلفة والعائد بالنسبة لي لإطلاق صاروخ هو أمر في مقصورة القيادة الخاصة بي، وأنا سأفعل ذلك طوال اليوم ومرتين يوم الأحد."
كما أطلقت كارني مدفعها الرئيسي، لكن مداه أقصر بكثير، وكان روبرتسون مصممًا على إبقاء الطائرات بدون طيار والصواريخ الحوثية بعيدة قدر الإمكان. قال: "لم يكن لدينا أي شيء يقترب حتى ولو من بعيد" ، حيث كان على مسافة خمسة أميال.
لكن كارني والسفن البحرية الأخرى التي تقوم بدوريات في البحر الأحمر لم تتمكن من حماية كل سفينة تجارية من هجمات الحوثيين. غرقت سفينة واحدة.
خططت وكالة استخبارات الدفاع للهجمات الناجحة على مدى أربعة أشهر: وبحلول الوقت الذي عادت فيه المدمرة كارني إلى موطنها، كان البحر الأحمر لا يزال غير آمن، ولم تنته معارك المدمرة بعد. قال روبرتسون: "لقد تم استدعاؤنا، وعدنا إلى الرحلة وتوجهنا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط".
وفي ليلة 14 أبريل/نيسان، أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ ضد إسرائيل. وانتهت رحلة كارني كما بدأت، بإسقاط صاروخ قادم. وقال روبرتسون "لقد أطلقنا النار دفاعا عن إسرائيل".
وأردف "الطلقة الأخيرة التي أطلقتها كارني قبل عودتها إلى الولايات المتحدة، رفعت علم المعركة وتغير طاقمها إلى الأبد".
وفي مايبورت، قال أحد أفراد الطاقم الشباب للصحفيين: "لقد غادرت كشخص مختلف. وعدت كشخص أقوى. وأعتقد أنني سأتمكن من العيش مع ذلك بقية حياتي".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر مدمرة أمريكية الحوثي اسرائيل وقال روبرتسون البحر الأحمر بدون طیار فی البحر
إقرأ أيضاً:
البحر الأحمر وباب المندب… مفاتيح الصراع مع القوى العظمى
عندما تتلاقى الجغرافيا بالسياسة يصبح للبحر الأحمر والقرن الأفريقي وزنٌ استثنائي في ميزان القوى الدولية. فالمياه التي تفصل شبه الجزيرة العربية عن شرق أفريقيا لم تعد مجرد ممر تجاري بل تحولت إلى ساحة صراع جيوسياسي شديد التعقيد، تتداخل فيه المصالح الأمنية والاقتصادية والعسكرية بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وبين خمس قوى كبرى،
قلق أميركي من تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة نفوذ روسية - صينية
عندما تتلاقى الجغرافيا بالسياسة يصبح للبحر الأحمر والقرن الأفريقي وزنٌ استثنائي في ميزان القوى الدولية. فالمياه التي تفصل شبه الجزيرة العربية عن شرق أفريقيا لم تعد مجرد ممر تجاري بل تحولت إلى ساحة صراع جيوسياسي شديد التعقيد، تتداخل فيه المصالح الأمنية والاقتصادية والعسكرية بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وبين خمس قوى كبرى، الولايات المتحدة، روسيا، إسرائيل، فرنسا، وبريطانيا.
هذه الورقة تحاول فكّ شيفرة هذا التداخل، عبر تتبع خيوط النفوذ والتنافس الذي يتبلور عند بوابة البحر الأحمر، من السودان جنوباً وحتى فلسطين المحتلة شمالاً، مروراً بجنوب الجزيرة العربية وامتدادات القرن الأفريقي.
منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، برز السودان كأرض مفتوحة لتدخلات خارجية. ليس فقط لكونه يعاني من فراغ سياسي وأمني، بل بسبب موقعه الإستراتيجي على البحر الأحمر، وطموح روسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، وسعي إسرائيل لترسيخ التطبيع والسيطرة على العمق الأمني المتاخم.
وبينما تغرق الخرطوم في فوضى داخلية، تقف القوى الكبرى كلٌ بحسب أجندته، تغذي الصراع أو تتدخل في مآلاته. وهنا يصبح السودان أقرب إلى زمن الأسد “سوريا أفريقية”، تدار صراعاتها بالوكالة وتُوظَّف لتصفية حسابات كبرى.
هل ستنجح القوى الكبرى في إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع مصالحها، أم أن هناك قدرة للعالم العربي والأفريقي على فرض أجندة مستقلة ومتوازنة في مواجهة هذه الأطماع؟
وتنظر إسرائيل إلى البحر الأحمر بوصفه جبهة أمنية لا تقل خطورة عن الجبهة الشمالية. فالتمدد الإيراني في اليمن عبر الحوثيين، والتوتر المتزايد في مضيق باب المندب، يجعلان من تعزيز العلاقات مع دول القرن الأفريقي – خصوصاً إثيوبيا وإريتريا – أمراً وجودياً.
كما أن تل أبيب تسعى لخلق عمق أمني إستراتيجي في السودان، ضمن مشروع التطبيع الذي بدأ قبل الحرب وتجمّد مؤقتاً. إسرائيل لا تريد فقط علاقات سياسية، بل تريد هندسة جديدة لأمنها القومي تشمل البوابة الأفريقية كاملة.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تسعى روسيا للوصول إلى الممرات المائية الدافئة. وقد وجدت في السودان فرصة إستراتيجية لتثبيت حضور عسكري مباشر، عبر اتفاقية قاعدة بورتسودان البحرية، والتي تم تأجيلها بفعل الضغوط الأميركية.
لكن النفوذ الروسي لم ينتهِ، بل ازداد تعقيداً بفضل حضور قوات “فاغنر” في عمليات التنقيب عن الذهب، ودعمها لقوات الدعم السريع، في محاولة للسيطرة على ثروات السودان كتمويل بديل وموقع عسكري متقدم.
تسير السياسة الأميركية في المنطقة على خيط دقيق. فمن جهة، تحاول واشنطن الحد من النفوذ الروسي والصيني، ومن جهة أخرى لا تريد الغرق في مستنقعات جديدة بعد عقدين من التدخلات الكارثية في الشرق الأوسط.
وبينما تتخذ واشنطن موقفاً “مائعًا” من حرب السودان، فإن حضورها العسكري في جيبوتي والمراقبة الدائمة للممرات البحرية تعكس قلقاً إستراتيجياً من تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة نفوذ روسية – صينية. كما أن التطبيع بين إسرائيل والسودان جزء من مشروع أميركي أوسع لدمج إسرائيل في المحيط الإقليمي.
ورغم تراجع النفوذ الاستعماري، إلا أن باريس ولندن لم تغادرا المشهد. ففرنسا تعتمد على حضورها العسكري والاستخباراتي في دول الساحل الأفريقي، وتراقب السودان والقرن الأفريقي كامتداد لعمقها الأفريقي التقليدي. وبريطانيا، من جهتها، تُبقي على حضور دبلوماسي كثيف وتحالفات هادئة داخل إثيوبيا وكينيا.
فكلتاهما تدرك أن القرن الأفريقي مفتاح لأمن البحر الأحمر، وبالتالي فإن التنافس الجديد يشبه كثيرًا صراع الإمبراطوريات، ولكن بأدوات القرن الحادي والعشرين.
على الدول العربية، إما أن تُبلور دوراً سيادياً جماعياً يخلق توازناً حقيقياً، أو تذوب في خرائط النفوذ الجديدة كعوامل مساعدة لا أكثر
ولم تكن الدول العربية غائبة عن مشهد التنافس في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بل كانت حاضرة بقوة، وإن اختلفت الأدوات والدوافع. فالسعودية والإمارات، على وجه الخصوص، تدركان أن أمن البحر الأحمر ليس منفصلاً عن أمن الخليج، وقد عملتا على بناء نفوذ اقتصادي وأمني عبر استثمارات في الموانئ والبنية التحتية، لاسيما خلال الفترة الانتقالية التي سبقت الحرب.
كما لعبت قطر دوراً في الوساطات السياسية، وسعت إلى توظيف أدواتها الدبلوماسية الناعمة في النزاع السوداني، في حين ظلت مصر تنظر إلى السودان من زاوية الأمن القومي وملف مياه النيل، ما يجعلها لاعباً حذراً ولكنه حاضر بقوة.
أما الدول العربية الأخرى، وبالأخص الأردن، فتؤدي أدواراً متوازنة في دعم الاستقرار الإقليمي، من خلال المساهمة في المبادرات الدولية أو عبر علاقات خاصة مع أطراف محلية ودولية.
وبينما تتجه الأنظار إلى القوى العالمية الكبرى، فإن التوازن العربي الداخلي في هذه المنطقة الحساسة سيكون عاملاً حاسماً في صياغة المستقبل، سواء من باب المصالح المباشرة أو من زاوية الأمن الجماعي العربي رغم أنها لم تُدرج ضمن القوى الخمس التقليدية في هذا التحليل، إلا أن الصين حاضرة بقوة، وإن بصمتها أهدأ. وبكين لا تعتمد على القواعد العسكرية المباشرة كما تفعل واشنطن أو موسكو، لكنها تبني نفوذها عبر “طريق الحرير البحري”، عبر تمويل الموانئ، وبناء البنية التحتية في دول القرن الأفريقي، وعلى رأسها جيبوتي، حيث تمتلك أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها.
فالصين تنتهج سياسة “النفوذ الاقتصادي أولاً”، مستخدمة أدوات التمويل والدبلوماسية التجارية للوصول إلى الموانئ والممرات الحيوية. لكنها تراقب عن كثب ما يجري في السودان والبحر الأحمر، وتتحرك بهدوء لتأمين مصالحها التجارية، لاسيما أن أكثر من 60 في المئة من تجارتها تمر عبر هذه البوابة البحرية.
فالصراع في البحر الأحمر ليس فقط بين القوى التقليدية، بل هو أيضاً صراع بين نموذج القوة الغربية العسكري، ونموذج القوة الصينية الاقتصادي التسللي.
والبحر الأحمر اليوم ليس فقط ممراً لـ10 في المئة من تجارة العالم، بل هو نقطة الربط الحاسمة بين الخليج وشرق المتوسط، وبين أوروبا وآسيا، وبين إسرائيل وأفريقيا. ولهذا، فإن أي دولة تُمسك بمفاتيح البحر الأحمر يمكنها أن تؤثر في معادلات الأمن العالمي والتجارة العالمية.
ولذلك نشهد هذا التدافع الدولي غير المسبوق نحو الموانئ، القواعد، العلاقات الثنائية، وحتى دعم الحركات المسلحة.
وفي ظل هذا الاشتباك الجيوسياسي متعدد الأقطاب، تتبلور ملامح معركة كبرى عنوانها السيطرة على المفاتيح البحرية والنقاط الحرجة في شبكة التجارة والأمن العالمي. فالسودان، وقد أصبح عقدة رخوة في خاصرة القارة الأفريقية، مرشحٌ لأن يتحول إلى ساحة صراع مستدامة تتجاوز حدود الحرب الأهلية إلى مشهد معقد من التفاعلات الإقليمية والدولية، يتداخل فيه المسلح بالناعم، والمعلن بالمخفي.
ويتضح من هذا المشهد المركب أن البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر مائي، بل تحوّل إلى مختبر مفتوح لإعادة تشكيل النفوذ في النظام الدولي. فالقوى الكبرى لم تعد تتحرك من منطلقات عسكرية فقط، بل باتت تستخدم أدوات مركّبة تشمل المال، والموانئ، والتحالفات، والدبلوماسية، والديناميكيات المحلية، لصياغة توازن جديد في واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم.
البحر الأحمر اليوم ليس فقط ممراً لـ10 في المئة من تجارة العالم، بل هو نقطة الربط الحاسمة بين مختلف دول العالم ولهذا، فإن أي دولة تُمسك بمفاتيح البحر الأحمر يمكنها أن تؤثر في معادلات الأمن العالمي والتجارة العالمية
وفي هذا السياق، يصبح الصراع في البحر الأحمر أكثر من مجرد تنافس تقليدي، بل معركة رمزية تمثل تحوّلات عميقة في النظام العالمي نفسه. وبينما تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على توازن هش، تتقدم الصين بنموذج اقتصادي صامت، وتعود روسيا بلغة “المرتزقة والذهب”، وتلعب إسرائيل على وتر الأمن المطلق، وتتنفس أوروبا من خلال ماضيها الكولونيالي.
أما الدول العربية، فإما أن تُبلور دوراً سيادياً جماعياً يخلق توازناً حقيقياً، أو تذوب في خرائط النفوذ الجديدة كعوامل مساعدة لا أكثر.
قد لا تكون المعركة العسكرية مباشرة، ولكن معركة النفوذ جارية بكل وضوح. فالقوى الكبرى تتحرك كما لو أن البحر الأحمر هو الجائزة الجيوسياسية القادمة. والمثير أن مركز هذا الصراع لم يعد فقط الشرق الأوسط، بل الامتداد الطبيعي له في أفريقيا، وخاصة السودان.
إن البحر الأحمر، ذلك الممر المائي الذي طالما كان شاهداً على تبادل التجارة والحضارات، أصبح اليوم ساحة صراع بين القوى العظمى والإقليمية، ليس فقط على مستقبل المنطقة، بل على صياغة النظام الدولي القادم. فما يحدث اليوم في هذه المنطقة هو ليس مجرد صراع على النفوذ، بل هو معركة إستراتيجية مفتوحة، تتداخل فيها مصالح أمنية، اقتصادية، وعسكرية، مع تأثرات غير مباشرة على توازن القوى في العالم بأسره.
فمن الصراع المستمر في السودان، إلى تحركات القوى الكبرى عبر المياه الإقليمية، تحاول كل دولة فرض أجندتها الخاصة، لكن ما يظل ثابتاً هو أن البحر الأحمر، بنقاطه الحيوية، سيظل محوراً لا يمكن تجاهله في المعادلات الجيوسياسية المستقبلية. فإذا كان التاريخ قد علمنا أن مناطق الصراع الكبرى غالباً ما تقود إلى تغييرات دراماتيكية في مسار العالم، فإن البحر الأحمر اليوم ليس مجرد بوابة بين قارتين، بل هو مؤشر على التحولات الكبرى القادمة.
والسؤال الذي يطرحه نفسه، هل ستنجح القوى الكبرى في إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع مصالحها، أم أن هناك قدرة للعالم العربي والأفريقي على فرض أجندة مستقلة ومتوازنة في مواجهة هذه الأطماع؟ تبقى الإجابة مرهونة بالصراعات المستقبلية، لكن ما هو مؤكد أن البحر الأحمر سيظل هو مركز الصراع الذي يعكس التوازن العالمي بين القوى.
عبدالكريم سليمان العرجان
كاتب أردني
نقلا عن العرب