يعيش الآلاف من النازحين من جنوب لبنان في ظروف معيشية صعبة، دون عمل وبعيدا عن منازلهم وقراهم، وفي أماكن تفتقر للخدمات الأساسية، وكأنهم مغتربين في بلدهم، في حين يحلمون باليوم الذي يعودون فيه إلى قراهم، وقلب صفحة الحرب ورائهم، ومعبرين عن رغبتهم بعدم انخراط بلدهم في حرب شاملة ستكون مدمرة لهم ولبلدهم.

وفي شهادات لوكالة "رويترز" الإخبارية، تحدث الكثير من النازحين من جنوب لبنان إلى أماكن مختلفة من الشمال عن وضعهم الصعب وصعوبة الحصول على عمل لإعانة أسرهم، وغياب الخدمات الأساسية التي يحتاجونها، وكأنهم مغتربين داخل بلدهم.


وقال محمود رسلان، من قرية العدايسة، الواقعة على الشريط الحدودي على مسافة صفر من شمال دولة الاحتلال، "لم يعد هناك أي محلات أو شيء يمكن الإعاشة منه، خرجت أنا وعائلتي ونزحنا بحثا عن مكان جديد آمن، وأحاول عمل أي شيء لكسب قوت يومي والنجاة بأسرتي".
وأردف الذي يقطن داخل أحد الفنادق الذي تحول إلى مركز لجوء، "أحاول أن أعيش أنا وأسرتي، مجرد الخروج من المنزل هذه غصة كبيرة في القلب"، متابع، "أحن لضيعتي (قريتي) أحن لترابها ولرائحتها".
وأظهرت صور الأقمار الصناعية جزء كبير من القرى الحدودية، على رأسها قرى العدايسة وكفر كلا وعيت الشعب، قد تحولت إلى أنقاض بعد أشهر من الغارات الجوية الإسرائيلية، وتقدم لمحة عن حجم الأضرار في أحد معاقل حزب الله الرئيسية في جنوب لبنان.
ورغم أن القتال الحالي بين إسرائيل والحركة الإسلامية الشيعية المدعومة من إيران، لم يتحول إلى حرب شاملة رغم التصعيد الكبير خلال الفترة الأخيرة، فإنه يمثل أسوأ مواجهة تحدث بين الطرفين منذ 18 عاما، مع وقوع أضرار واسعة النطاق في المباني والأراضي الزراعية في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
ويتبادل حزب الله مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التصعيد، إذ يطلق الحزب صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، بينما ترد إسرائيل بالضربات الجوية والمدفعية، الأمر الذي تسبب في إخلاء جنوب لبنان تقريبا وهروب ما يقرب من مائة ألف، حسب أرقام المنظمة الدولية للهجرة، تاركين أعمالهم وأرضهم الزراعية ومنازلهم، خوفا على حياتهم.
ومنذ اندلاع الحرب، لقى 350 مقاتل من حزب الله مصرعهم، بينهم العديد من القيادات التي استهدفتهم إسرائيل.
وتهدد إسرائيل بأنها سوف تدمر لبنان وتعيدها إلى العصور الوسطى، مثل التدمير الواسع الذي ارتكبته في قطاع غزة، إذا تحول التصعيد الحالي إلى حرب شاملة.
ويشتكي النازحون اللبنانيون بعدم وجود أي مساعدات مقدمة من الدولة لهم للإعاشة في هذه الظروف الصعبة، إذ يتركون لمصيرهم وضحية لهذه التوترات.
وردا على هذه التصعيد، يطالب الكثير من اللبنانيين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حزب الله بعدم التصعيد والدخول في حرب قد تكون مكلفة بشكل كبير للبنان، التي تأن تحت أزمة اقتصادية خانقة، تجعلها غير قادرة على توفير الخدمات للمواطنين، لا سيما الخدمات الصحية والكهرباء والمياه. وبحسب الوكالة، فإن العديد من المواطنين سبق وأن تداولوا هشتاغ "لبنان لا تريد الحرب" في العديد من المرات لمنع انجرار بلادهم إليها.
تقول سيدة أخرى نازحة من قرية العدايسة،"هربنا من الضيعة (القرية)، بعد 3 أيام من اندلاع التصعيد، وذهبنا إلى بيروت، لأن بيتنا مواجه للجانب الإسرائيلي، وخشيت أنا وأولادي على حياتنا، لذا نزحنا جميعا، برفقة أمي وأختي".
وتابعت، "نفتقد للأمان والاستقرار ولراحة البال، نفتقد للعمل".
وتقيم هذه السيدة مع أولادها في غرفة بفندق مونتانا، الذي تحول إلى مركز لجوء، موضحة، "في عيد الأضحى، جلسنا في الغرفة أنا وأبنائي نبكي وحدنا".
توضح الوكالة أنه على عكس إسرائيل التي تمول إقامة في الفنادق للنازحين من الجنوب وتوفر لهم سكن مؤقت، إلا أن العائلات في لبنان لا يتلقون أي دعم تقريبا من الدولة، ويعيشون بحثا عن عمل وعن إعاشة سواء من المساعدات أو أي عمل مؤقت يجلب لهم بعض الليرات.
توضح الوكالة أن حتى الفنادق التي تفتقد للسياح في الوقت الحالي باتت ملاجئ للمواطنين، فندق مونتانا استقبل أكثر من 152 عائلة، كما تحول فندق الصنوبر إلى مركز إيواء للنازحين في منطقة العرقوب، وحاليا يضم 40 عائلة، وجميع غرفه ممتلئة باللاجئين وليس السياح.
هذا ما يحدث للطفل باسم علي، صاحب الثانية عشر من عمره، الذي افترش الشارع بالكرتون لبيع بعض المواد الغذائية للإنفاق على والديه، يوضح باسم، "منذ 5 ديسمبر، وتهجرنا من منازلنا بسبب العدو الصهيوني، كان هناك قصف بالقرب من منازلنا، وفي منزلنا، لذلك نزحنا وجئنا إلى صيدا".
يضيف الطفل، "عملت هذه الفرشة من الكرتون لبيع بعض المنتجات كي أساعد والدي وأهلي بالمصروف اليومي".
يوضح الطفل أنه لم يعد يدرس، بعد ترك مدرسته في قريته، وعدم التمكن من التسجيل في مدرسة جديدة.
وقال الشهود إن الأضرار التي وقعت بالكثير من القرى في الجنوب تماثل الأضرار التي حدثت في عام 2006، في الوقت الذي أثار فيه التصعيد مخاوف متزايدة من حرب شاملة أخرى بين الخصوم المدججين بالسلاح.
حتى وأن تمكن هذا الطفل من إيجاد هذا العمل ذو الدخل الضئيل، إلا أن جاره النازح إلى مدينة صيدا لم يجد نفس المصير.
يقول نازح من قرية العدايسة، "حينما بدأ القصف وأنا في المنزل، شعر أولادي وزوجتي بالخوف الشديد، وقررنا الهرب إلى مدينة صور، وبقينا هناك حتى نفذت أموالي، ولم يعد لدي أي مدخرات لإنفاقها، ولا يوجد عمل لي هنا".
وتابع، "أعيش في طابق لا يوجد به كهرباء، وكأني في العصور الوسطى"، مستطردا، "خلال العيد، كنا متعودين لتبادل التهانئ بيننا، لكن بالنسبة لي فعيد الأضحى الأخير لم يكن عيد، لا استطيع الاحتفال وأنا بعيد عن منزلي وقريتي، وأشعر وأني مغترب في بلدي".
وبين، "الحرب أثرت علي كثيرا، لقد تدمر جزء من منزلي وسقط السقف"، متابعا، "لا نريد التصعيد، ولا نريد أن تندلع حرب شاملة، حينها لن يكون الخسائر مادية فقط، ولكن بشرية وباهظة".
ورغم اختلاف التجارب والصعوبات التي يواجهها النازحون، إلا أن أمنية ودعوة واحدة تجمعهم: رؤية هذه الحرب تنتهي والتمكن من العودة إلى منازلهم وقراهم حتى وأن كانت مهدمة. 
يختتم محمود رسلان بالقول، "أمنيتي العودة لقريتي وتنتهي هذه الحرب وهذه الغمة، ونعود إلى حياتنا الريفية".

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: مساعدات قدم قرار الضرب مواد صناعي خدمات واقعة جنوب لبنان حرب شاملة حزب الله

إقرأ أيضاً:

إسرائيل: صفقة الرهائن "أقرب من أي وقت مضى"

أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الإثنين، أنّ المفاوضين الإسرائيليين "أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق" بشأن إطلاق سراح الرهائن في قطاع غزة.

وقال كاتس أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان "نحن أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن، منذ الاتفاق السابق" الذي تمّ التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بين حركة حماس وإسرائيل، حسبما أفاد المتحدث باسمه وكالة فرانس برس، مؤكداً بذلك ما نقلته الصحف الإسرائيلية في وقت سابق.

إلى 45028 قتيلاً..ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة - موقع 24قالت وزارة الصحة الموالية لحماس في غزة الإثنين، إن حصيلة الحرب في قطاع غزة ارتفعت إلى 45028 قتيلاً منذ 7 اكتوبر (تشرين الأول) 2023.

من جانبه، قال مسؤول في حركة حماس في الدوحة لوكالة فرانس برس مشترطا ًعدم الكشف عن هويته، "بالنسبة للتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال ووقف الحرب، أعتقد أنها أصبحت فعلياً أقرب من أي وقت مضى، الظروف مُهيّأة أكثر من قبل... إذا لم يقم (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتانياهو بتعطيلٍ مقصود للاتفاق، كما فعل في كلّ المرّات السابقة".

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، سمحت هدنة لمدّة أسبوع بالإفراج عن 105 رهائن محتجزين في قطاع غزة و240 فلسطينياً معتقلين في السجون الإسرائيلية.
وهذه الهدنة هي الوحيدة التي تمّ التوصّل إليها في الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في أعقاب هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس على إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، فشلت جميع جهود الوساطة التي قادتها مصر والولايات المتحدة وقطر، للتوصل إلى هدنة جديدة.
وفي بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت قطر تعليق جهودها متهمة الطرفين المتحاربين بعدم رغبتهما في التوصّل إلى اتفاق.
ولكن الجهود استنفت الدبلوماسية بقيادة مشتركة من واشنطن والقاهرة والدوحة وأنقرة.
والخميس، أكد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان خلال زيارة إلى إسرائيل، أنّ لديه "انطباعاً" بأنّ نتانياهو مستعدّ للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.

مقالات مشابهة

  • جدد التهديد بقصفها..الحرس الثوري: الهجوم على إسرائيل في الوقت والمكان المناسبين
  • وزير إسرائيلي: صفقة التبادل المطروحة سيئةولا تخدم أمن إسرائيل
  • إسرائيل تتحدّث عن بلدة لبنانيّة جنوبيّة... ماذا شهدت خلال الحرب الأخيرة؟
  • المطران عطا الله حنا: يجب أن تتوقف الحرب التي يدفع فاتورتها المدنيين الأبرياء
  • الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب
  • روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
  • رويترز: سوريا تحتفظ بنحو 26 طنا من احتياطي الذهب
  • ما الذي اختلف بين سورية ولبنان في مواجهة العدوان “الإسرائيلي”؟
  • إسرائيل: صفقة الرهائن "أقرب من أي وقت مضى"
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"