سودانايل:
2025-04-23@22:14:56 GMT

مؤتمر القاهرة ومحددات الحوار السوداني

تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

تعتزم جمهورية مصر العربية عقد مؤتمر للقوى المدنية والسياسية السودانية بالقاهرة في السادس والسابع من يوليو/تموز الجاري في حضور الشركاء الإقليميين والدوليين. وبحسب خطاب الدعوة الموجه من وزارة الخارجية المصرية، فإن هدف المؤتمر هو الاستماع لرؤية القوى المدنية والسياسية السودانية حول التداعيات السلبية للصراع الراهن في السودان وسبل معالجته وطبيعة الاحتياجات المطلوبة للمتضررين في شتى بقاع السودان، وكذلك إلقاء الضوء على محددات الحوار السياسي السوداني، وأن فعاليات المؤتمر ستتضمن عقد ثلاث جلسات متوازية للعصف الذهني بهدف الوصول إلى تصور القوى المدنية حول ثلاثة موضوعات هي وقف الحرب، معالجة الأزمة الإنسانية، وسبل تهيئة المسار السلمي لحل الأزمة.

وفي تطور إيجابي هام، أكدت القوى المدنية والسياسية السودانية مشاركتها في هذا المؤتمر. وكنت قد أشرت في عدة مقالات سابقة إلى أن السودانيين ظلوا مع كل صباح دام من صباحات الحرب، يتطلعون إلى قواهم المدنية من أحزاب ومنظمات وصناع الرأي وقيادات المجتمع والزعامات الأهلية والروحية، علّها تستجيب وتنفعل عمليا مع هذا التطلع، فتضاعف من جهودها للتنسيق فيما بينها، وتتوافق حول رؤية موحدة لكيفية إسكات البنادق والانتقال بالبلاد إلى مربع السلام ومسار التحول المدني الديمقراطي. كما كنت قد أشرت إلى أن بوصلة مشاركات القوى المدنية والسياسية السودانية في العديد من ورش العمل والسمنارات التي عقدت خلال الفترة الماضية منذ اندلاع الحرب، ظلت تشير بقوة إلى إمكانية تحقيق هذا الهدف، لذلك فإن مؤتمر القاهرة يمكن أن يكون خطوة متقدمة وعملية في هذا الاتجاه.

جوهر العملية السياسية يبدأ بصياغة الرؤية لوقف الحرب، والتي في قمة أولوياتها مخاطبة المأساة الإنسانية الراهنة والمتفاقمة في البلاد.

إن موافقة القوى المدنية والسياسية السودانية على المشاركة في هذا المؤتمر، يعني أن هذه القوى والتي تقف على ذات صفة الوطنية ورفض الحرب، باتت على قناعة بأن الوطن كله أصبح في مهب الريح، وأن خطرا داهما يتهدد الجميع، وأن ما يجمع بين هذه القوى من مصالح في الحد الأدنى الضروري للحياة في سودان آمن، أقوى مما يفرقها، وأنها لا بد أن تلتقي وتعمل بجدية وإخلاص لتمنع انهيار الدولة السودانية، وتتماهى مع حلم الشعب السوداني اليوم في وقف الحرب وبسط السلام واستكمال ثورته ورتق جروح الوطن. وكل هذا لن يتأتى إلا بتوفر الإرادة والرؤية والأداة المناسبة عند قيادات القوى المدنية والسياسية المشاركة في المؤتمر، وقناعتها أيضا بأن وقف الحرب وإعادة بناء الوطن يحتاج إلى توسيع مبدأ القبول والمشاركة ليسع الجميع إلا من ارتكب جرما في حق الوطن، فهؤلاء مصيرهم المثول أمام العدالة. صحيح أن الطرفين المتقاتلين وبما يمكن أن يخضع له من ضغوط، قد يوافقان على وقف إطلاق النار والقتال، لكن ليس باستطاعتهما وحدهما وقف الحرب، ولا يمكن أن يحددا هما فقط مصير السودان ومستقبله. فالمسؤولية الأكبر والرئيسية في وقف هذه الحرب المدمرة تقع على عاتق القوى المدنية السودانية، لأنها هي المناط بها تصميم وقيادة العملية السياسية التي بدونها لن تضع الحرب أوزارها. وجوهر العملية السياسية يبدأ بصياغة الرؤية لوقف الحرب، والتي في قمة أولوياتها مخاطبة المأساة الإنسانية الراهنة والمتفاقمة في البلاد، والتي يمكن أن تكون مدخلا ملائما، وربما المدخل الوحيد، للإجابة عن العديد من الأسئلة الجوهرية الأخرى حول مستقبل قيادة الجيش ومستقبل قوات الدعم السريع والميليشيات الأخرى، والمساءلة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وإرساء ملامح فترة انتقال بقيادة مدنية لا تشوه بأن تختصر فقط في اقتسام كراسي السلطة، وإنما تكتسب طابعا تأسيسيا عبر مخاطبتها لجذور الأزمة السودانية والأسباب الجوهرية لاندلاع الصراعات والحروب في البلاد، ومنها هذه الحرب المدمرة. وهذه المهمة المصيرية، بالإضافة إلى مهمة تصميم العملية السياسية وصياغة الرؤية حول وقف الحرب الراهنة، ليست فرض كفاية، يقوم به قسم من القوى المدنية، ويسقط عن أقسامها الأخرى، بل هي تشترط مشاركة كل القوى المدنية الرافضة للحرب، ومن هنا كانت دعواتنا المتكررة لانتظام هذه القوى في حوار سوداني سوداني، أو مؤتمر المائدة المستديرة. بهذا الفهم، وفي هذا السياق، أنظر إلى المؤتمر الذي دعت له القيادة المصرية والمزمع التئامه بعد أيام، من خلال النقاط التالية:

أولا، هذا المؤتمر ليس هو الفصل النهائي في الحوار السوداني، وإنما هو ضربة البداية وخطوة هامة في هذا الاتجاه، وبالضرورة أن تتبعها خطوات أخرى. والمؤتمر فرصة ثمينة، شكرا لمصر قيادة وشعبا على إتاحتها لنا، ويجب على القوى المدنية والسياسية السودانية أن تستثمرها بالكامل، وعلى أحسن وجه لصالح أحلام شعبنا الممكن وصابر.

ثانيا، لا ينتظر الشعب السوداني أن تغرق مناقشات المؤتمر في تكرار ما ظلت تتبادله، وتتناوش به في أحيان كثير، مخاطبات القوى المدنية والسياسية، بل يتوقع أن يسعى المؤتمرون لمضاعفة المشتركات والتوافق حول مقترحات عملية، وأن لا تبدأ المناقشات من الصفر، وإنما تُبنى على نتائج السمنارات ورش العمل العديدة التي جمعت القوى المدنية في الفترات السابقة.

ثالثا، وباعتباره ضربة بداية، فليس من المتوقع أن يحسم المؤتمر كل القضايا المطروحة أول وهلة، فهي

قضايا تحتاج إلى إعداد ذهني وسياسي وسط الفصائل المختلفة المكونة للقوى المدنية والسياسية السودانية، وذلك من خلال عمل تحضيري واسع يشارك فيه الكل، وصولا إلى لقاء ثان، أو عدة لقاءات، لحسم التوافق حولها.

رابعا، لذلك، ليس مفيدا شحن المؤتمر بالقضايا الشائكة التي تسبب له حمولة الزائدة، ويستحسن في هذه المرحلة أن تكتفي محصلته بنقطتين *التأكيد على المبادئ العامة حول وقف الحرب عبر التفاوض، وأولوية مخاطبة الأزمة الإنسانية، والحفاظ على وحدة السودان، وعملية سياسية تؤسس لفترة انتقال تأسيسية. *والتوافق على لجنة تحضيرية يمثل فيها الجميع مع مراعاة عدم الترهل الذي يعيق حركتها، لتبدأ مباشرة بعد انتهاء المؤتمر في التحضير السياسي والذهني والتنظيمي للقاءات تالية مكملة.

نقلاً عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العملیة السیاسیة وقف الحرب یمکن أن فی هذا

إقرأ أيضاً:

مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم

في عالم تتلاطم فيه أمواج التحديات وتتصارع فيه المفاهيم، تظل القيم الإسلامية النقية صامدة، تمدّ الإنسان بالحكمة، وتدعوه للتفكر في معنى وجوده وعلاقته بالآخر، ومن هنا، يأتي مؤتمر مكة الدولي الرابع للدراسات الإسلامية ودورها في خدمة الإنسانية، كحدث عالمي لا يقتصر على الطرح العلمي، بل يتجاوز ذلك إلى إحياء الرسالة الإسلامية في بعدها الإنساني، هذا المؤتمر الذي بات إحدى العلامات الفارقة في الساحة الفكرية والعلمية، يأتي هذا العام ليؤكد أن الإسلام لم يكن يومًا معزولًا عن حياة الإنسان، بل كان دائمًا في قلب الأحداث، يوجه، ويهذب، ويدعو إلى الخير والسلام، وها هو يجمع اليوم نخبة من العلماء، الباحثين، الأكاديميين، وصناع القرار، في حوار مفتوح حول الدور الحقيقي للدراسات الإسلامية في خدمة الإنسان والمجتمع، بعيدًا عن التنظير الجاف، أو الانغلاق الفكري، وما يميز هذا المؤتمر في دورته الرابعة، هو وضوح الرؤية، وواقعية الطرح، فلم تعد الدراسات الإسلامية حبيسة الماضي، أو مقتصرة على الطرح التقليدي، بل باتت أداة حية لفهم الواقع والتفاعل معه، من خلال قيم التسامح، والعدل، والتكافل، والاحترام المتبادل.
انعقاد المؤتمر في مدينة جدة، لم يكن اختيارًا عابرًا، فهذه المدينة الساحلية التي تفتح ذراعيها للعالم منذ قرون، كانت ولا تزال بوابة حضارية تعكس انفتاح المملكة على العالم وتفاعلها الخلاق مع الثقافات، قيمة المؤتمر في رسالته، وهو ما يجعل هذا المؤتمر مختلفًا في مضمونه ليس فقط حجم المشاركة أو عدد الأبحاث المقدمة، بل جوهر ما يطرحه من أفكار تواكب التغيرات المتسارعة، فالمؤتمر لا يتعامل مع الدراسات الإسلامية كمعارف جامدة، بل يعيد تقديمها كأدوات حية قادرة على معالجة أزمات العصر من خطاب الكراهية، إلى التفكك الأسري، مرورًا بالتحديات البيئية، والصراعات الفكرية، كذلك رؤية شاملة لخدمة الإنسانية حيث يحمل المؤتمر رؤية واضحة أن الإسلام دين حياة، وأن رسالته الأساسية هي خدمة الإنسان ورفعته، وقد ظهر هذا المعنى جليًا في تعدد المحاور التي ستغطي الجوانب الفكرية، الاجتماعية، التربوية، والاقتصادية، بل إن تركيز المؤتمر على المفاهيم الإنسانية مثل السلام، العدالة، الرحمة، والتكافل، يجعل منه حدثًا يعكس الوجه المشرق للإسلام، في وقت يحتاج فيه العالم إلى صوت العقل والحكمة، أهداف المؤتمر تؤسس لتوجه علمي وإنساني واضح، يتمثل في، التأكيد على أن الدراسات الإسلامية ليست معزولة عن الواقع، بل لها دور أصيل في معالجة مشكلات الإنسان، كذلك إبراز قيم الإسلام الإنسانية، وتسليط الضوء على قدرته في بناء مجتمعات متماسكة ومتعايشة، وإعادة النظر في الخطاب الديني التقليدي وتطويره بما يتناسب مع لغة العصر واحتياجاته، وتشجيع البحوث الجادة التي تدمج بين الأصالة والمعاصرة، ودعم التواصل العلمي والثقافي بين المؤسسات الإسلامية حول العالم، لكنه تجديد لا يتصادم مع الأصالة. فمن أبرز ما يلفت النظر هو أن المؤتمر يتبنى منهج التجديد المسؤول، حيث تُطرح الأسئلة الكبرى دون تردد، ويُعاد النظر في الكثير من المفاهيم السائدة ولكن دون أن يتم المساس بثوابت العقيدة، أو جوهر الشريعة. هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة، هو ما يعطي للمؤتمر ثقله العلمي ومكانته الفكرية. وسيشهد المؤتمر مشاركة واسعة من أكاديميين، مفكرين، وعلماء شريعة من مختلف أنحاء العالم، مما يضفى عليه طابعًا عالميًا، ويحوّل جلساته إلى حوار ثقافات حقيقي، كما يتح فرصًا للشباب والباحثين الجدد لعرض أفكارهم ومناقشتها في أجواء علمية ونقاشات ثرية.
المؤتمر لا يكتفي بعرض الإنجازات، بل يُشكل ورشة تفكير جاد في مستقبل الفكر الإسلامي، ومدى قدرته على تحقيق التوازن بين الروح والمادة، بين الثابت والمتغير، وهو في حقيقته دعوة مفتوحة لإعادة قراءة الإسلام كقوة إصلاح، لا مجرد منظومة تقليدية.
إن مؤتمر مكة الدولي الرابع ليس مجرد حدث، بل هو خطوة جديدة في مشروع حضاري أوسع، تسعى من خلاله المملكة العربية السعودية لقيادة صحيحة للدور الريادي للفكر الإسلامي في بناء المجتمعات وخدمة الإنسان أينما كان.

NevenAbbass@

مقالات مشابهة

  • مؤتمر لندن خطوة تحتاج إلى إرادة
  • اندلاع حريق في مستشفى الجلاء التعليمي والحماية المدنية تدفع بسيارات الإطفاء
  • سراب التحليل الطبقي في الحرب السودانية وشياطين أخري
  • هذا ما حدث ويحدث داخل وزارة الخارجية السودانية .. ولاعزاء للشعب السوداني
  • الكاتب محمد جلال عبد القوى: هل لابد من تدخل الرئيس حتى ننهض بالدراما ونطورها
  • مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم
  • بريطانيا وصمود .. محاولة الإلتفاف على الدولة والشعب السوداني
  • نائب يحمل حكومة السوداني مسؤولية عدم ارسال قانون الخدمة المدنية للبرلمان
  • جريمة مقتل شاب سوداني في مصر تهز القاهرة وصدمة وسط الجالية السودانية
  • ده كان حزب المؤتمر السوداني قبل ما يختطفوه العملاء!