بضعة أيام قضيتها مؤخرا في أفغانستان، ومن قبلها عشت معظم حياتي مهتما بالقضية الأفغانية، حيث ألّفت عددا من الكتب عنها، والتقيت معظم إن لم أقل كل قادتها منذ الثمانينيات، وفي زياراتي الأخيرة إلى كابول ولقائي مع قادة الإمارة الإسلامية الأفغانية، بالإضافة إلى كتاب وصحافيين وناشطين إغاثيين، تكوّنت لدي أفكار عن سبب هذا الانتصار الطالباني، ربما تكون مهمة للساحة العربية والإسلامية، لا سيما وأن التجربة الأفغانية طرية وجديدة.
وهنا أود أن أبرز عدة نقاط وأسباب جعلت الانتصار الطالباني العسكري على تحالف دولي من 38 دولة، بقيادة أقوى قوة على وجه الأرض وهي أمريكا، ممكنا وواقعيا:
- يتميز الأفغان بالصبر والجلد والمثابرة، ووضوح الهدف، وحشد الشعب الأفغاني على هذا الهدف الذي لا يحيدون عنه، حتى ولو استغرق الأمر عشرين عاما من المقاومة ضد القوات الغربية بقيادة أمريكا، وهو ما حصل طوال تلك الفترة، الأمر الذي زاد من التفاف الشعب حولهم، فحصدوا ما زرعوه طوال السنوات الماضية. هذا الصبر والجلد والمثابرة، تمت ترجمته عسكريا وسياسيا، وحتى في مجال العلاقات الدولية مع الأطراف الفاعلة، إن كانت إقليمية أو دولية.
حصدوا ما زرعوه طوال السنوات الماضية. هذا الصبر والجلد والمثابرة، تمت ترجمته عسكريا وسياسيا، وحتى في مجال العلاقات الدولية مع الأطراف الفاعلة، إن كانت إقليمية أو دولي
وقد لمس الكل هذا الصبر الأفغاني، فشجع ذلك حتى بعض الأطراف الإقليمية والدولية المعادية للمشروع الغربي على المراهنة على الشعب الأفغاني الذي يمكن أن ينجح وينتصر، لا سيما وأن للشعب الأفغاني إرثا تاريخيا حين هزم الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات، ومن قبلها هزم الإمبراطورية البريطانية في ثلاث حروب ممتدة لأكثر من نصف قرن على فترات متباعدة.
- يتميز الأفغان بالثقة بالنفس وعدم الاعتماد على الآخرين، وقد انعكس هذا بشكل واضح في علاقتهم مع أفغانستان. وهنا أتحدث عن تجربة طالبان وليس عن تجربة الجهاد الأفغاني، فقد اعتمد الطالبان على أنفسهم عسكريا وسياسيا، وفتحوا نافذة تفاوض مع عدوهم الأمريكي من خلال قطر، وذلك ليكون التأثير المباشر عليهم وعلى استراتيجيتهم ونشاطاتهم غير موجود، بخلاف ما لو اعتمدوا في ذلك على باكستان، التي ستفضل بالتأكيد مصالحها الاستراتيجية والمباشرة، وما أكثرها في أي تفاوض أمريكي، وهذا ما فعلته طالبان طوال سنوات التفاوض مع الأمريكي عبر البوابة القطرية، وهو ما يفسر بشكل واضح وجلي التوتر الطالباني- الباكستاني، إذ إن إسلام آباد تشعر اليوم بأنها فقدت ورقة تفاوضية مهمة لديها، وهي أفغانستان، مع القوى الدولية.
- التركيبة العرقية والقبلية والمولوية المتناغمة والمنسجمة مع بعضها بعضا، إن كانت التركيبة العرقية القبلية البشتونية، أو التركيبة المولوية، كانت خلطة كيميائية مهمة وناجحة في أفغانستان، وهو تناغم ونسيج استطاع خلال سنوات الحرب ضد البريطانيين، والسوفييت، والغربيين بقيادة أمريكا؛ أن ينتج عملية كيميائية صالحة للانتصار العسكري، ولكن التحدي أمامه يبقى في قدرتها على البقاء والاستمرار سياسيا، وإن كانت طالبان قد استطاعت بعد الانتصار الأخير توسيع المشاركة السياسية إلى عرقيات أخرى، لا سيما بعد أن نجحت في تحجيم المعارضة السابقة من خلال هروبها إلى خارج أفغانستان، حيث أنها المرة الأولى في تاريخ أفغانستان الحديث التي نرى فيها البلاد آمنة مطمئنة لا حروب داخلية فيها، باستثناء بعض التفجيرات التي يقوم بها تنظيم الدولة "داعش"، وإن كانت عمليات محدودة بدأت تتراجع بشكل واضح.
درة الأفغان على تحييد العامل الأجنبي حتى الإيجابي منه عن ساحتهم، كان مهما ولافتا، فليس هناك تأثير إسلامي باكستاني أو عربي أو طاجيكي أو غيره على الساحة الطالبانية الأفغانية، وإنما التأثير للإسلامي الأفغاني
- قدرة الأفغان على تحييد العامل الأجنبي حتى الإيجابي منه عن ساحتهم، كان مهما ولافتا، فليس هناك تأثير إسلامي باكستاني أو عربي أو طاجيكي أو غيره على الساحة الطالبانية الأفغانية، وإنما التأثير للإسلامي الأفغاني، لا سيما وأن الأفغان يستمعون إلى علمائهم ومشايخهم الذين يفتون لهم، أما الساحات الأخرى فقد تشظت وتفتت لكونها تسمع لمراجع متعددة، مما أضعف التلاحم والتآلف والتوحد بين الأماكن الأخرى مقارنة بأفغانستان. ولذلك تجد كل من دخل أفغانستان من غير الأفغان قد بايع الحركة الطالبانية، والإمارة لاحقا، والتزم الصمت إزاء كل تحركاتها وعملياتها وأعمالها، ولذا فإن البلاد تدار من رأس واحد، لا رؤوس متعددة، وهو الأمر الذي تمت ترجمته لاحقا على الساحة الدولية من خلال عملية تفاوض معقدة في الباطن، سهلة في الظاهر، ولكن ما كان ذلك ممكنا لولا الإرث الاجتماعي المعقد الذي مرت به أفغانستان واستمسكت به قيادة الحركة..
ذكرت بعض النقاط القوية التي كانت في صالح طالبان ومقاومتها العسكرية والسياسية، لعلها تكون نقاط علامة واسترشادية لكل القوى الحية الطامحة في التغيير والراغبة في العمل العسكري والسياسي الجاد، بحيث لا تكرر تجاربها الفاشلة، مع إداركي التام أن لكل تجربة ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، ولكن هذا لا يمنع أبدا من استغلال التجارب، والاستفادة منها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الطالباني التجارب امريكا افغانستان طالبان تجارب القيادة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إن کانت لا سیما
إقرأ أيضاً:
الثالث خلال 24 ساعة.. زلزال قوي يضرب بحر إيجه غربي تركيا
سجلت إدارة الكوارث والطوارئ التركية - آفاد - هزة أرضية بقوة 4.5 درجة على مقياس ريختر وقعت على عمق 7 كيلومترات في بحر إيجه غربي تركيا.
ويشار الي أن هزتين أرضيتين بقوة 4.7 درجة على مقياس ريختر، وقعتا في بحر إيجه أمس.
جدير بالذكر أن تركيا التي تقع على خط صدع زلزالي رئيسي في العالم، حيث شهدت زلزالا مدمرا في السادس من فبراير 2023، حيث أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، وأدى لدمار كبير في البنى التحتية بعدد من ولايات البلاد، علاوة على آلاف الجرحى.
وفي وقت سابق أعلن المركز القومي الأفغاني لرصد الزلازل اليوم عن تعرض أفغانستان لزلزال بلغت شدته 3ر4 درجة بمقياس ريختر.
وذكر المركز - في تدوينة نشرها على منصة (إكس) - أنه تم رصد هذا الزلزال عند خط عرض 64ر36 درجة شمالا، وخط طول 16ر71 درجة شرقا، وعلى عمق 60 كيلومترا.
وأضاف أنه تم تسجيل هذا الزلزال في منطقة "باداخشان" الجبلية الأفغانية، وأن هذه المنطقة معرضة لكوارث طبيعية.
ولفت المركز إلى أن أفغانستان كانت قد تعرضت لزلزال بنفس الشدة 3ر4 درجة في وقت سابق أمس الثلاثاء على عمق 10 كيلومترات، وأنه تم رصده عند خط عرض 41ر36 درجة شمالا وخط طول 95ر70 درجة شرقا، مشيرا إلى أن الزلازل من هذا النوع توصف بأنها زلازل ضحلة وتعتبر بوجه عام أكثر خطورة من الزلازل العميقة لأن الزلازل الضحلة تطلق المزيد من الطاقة بالقرب من سطح الأرض، مما يتسبب في حدوث هزات كثيفة أكثر ضررا.
ونوه المركز بأن أفغانستان شهدت 13 زلزالا خلال فترة الثلاثين يومًا الماضية.
من جانبه، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية من أن أفغانستان مازالت تتعرض بدرجة كبيرة لكوارث طبيعية، من بينها كوارث الزلازل والانهيارات الأرضية والفيضانات الموسمية، وأن الزلازل المتكررة في أفغانستان تتسبب في حدوث أضرار للتجمعات السكانية التي تعاني بالفعل من جراء الصراعات هناك منذ عشرات الأعوام.