قيس سعيد من عُهدة الزعامة إلى عُهدة الرئاسة
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
يبدو أن قيس سعيد قد ختم مرحلة "صناعة الزعيم" ليدخل مرحلة "مسؤولية الرئيس".
1- مرحلة نحت الزعامة
ظل قيس سعيد منذ انتخابه في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 يروّج لنفسه كمُخلّص وكزعيم وطني وإنساني، وظل "يراكم" مفردات الوصم والوشم والذم والبخس لإرباك كل الطبقة السياسية التي حكمت أو عارضت، فقد ابتدع من المفردات ما لم يسبقه إليها أحد في وصم الآخرين (لا حاجة للتذكير بتلك المفردات في زمن يبدو "ساكنا").
وبقدر ما كان يهاجم خصومه كان يجتهد في تمثّل سيرة الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فيُعبّرُ بالكلام وبالأحضان عن حبه للناس وعطفه على الفقراء الذين "نكّل" بهم الفاسدون والمفسدون و"الكارتيلات"، أصحاب "مسالك التوزيع والتجويع". كان يجد خطابُه الهجومي استحسانا لدى طيف واسع من عامة الناس، فيزيد هو من ذاك الهجوم على الطبقة السياسية ويرسل تهديداته ضد اللصوص ويتوعدهم بالملاحقة في البر والبحر وفي السماء.
حتى لا يقاسمه أحد "المجد" ولا يمنّ عليه أحد بدور في نحت "زعامته"، فقد اتخذ مسافة من كل من تقرّبوا منه وحتى ممن بالغوا في التعبير عن مساندته والدفاع عن "مشروعه"، مما اضطر عددا منهم للتراجع واتخاذ مسافة نقدية أو قاطعة، إنها فكرة "الزعامة" التي لا يقبل صاحبُها بأن يكون مدينا لأيّ كان
لقد كان يحاول أن ينحت لنفسه صورة "زعيم" مختلف عن بقية زعماء تونس، فلا يحتفل لا بعيد استقلال ولا بعيد شغل، بل ولا يُلقي على التونسيين خطاب معايدة في المناسبات الدينية، إنما ظل وفيا لمنهجه في "تجريف" كل مكونات المشهد القديم؛ لرسم "مسار" جديد يقول إنه يخدم التونسيين الطاهرين ويساهم في خدمة الإنسانية.
وحتى لا يقاسمه أحد "المجد" ولا يمنّ عليه أحد بدور في نحت "زعامته"، فقد اتخذ مسافة من كل من تقرّبوا منه وحتى ممن بالغوا في التعبير عن مساندته والدفاع عن "مشروعه"، مما اضطر عددا منهم للتراجع واتخاذ مسافة نقدية أو قاطعة، إنها فكرة "الزعامة" التي لا يقبل صاحبُها بأن يكون مدينا لأيّ كان ولا يقبل بتقاسم "المجد"، بما هو غنيمة اعتبارية، مع الآخرين.
2- مرحلة هيبة الرئاسة
منذ كلمته أمام وزيرة العدل يوم 22 أيار/ مايو 2024، وبعد إقالة أهم وزيرين في "حكومته"، لم يتكلم قيس سعيد كلاما سياسيا ولم يهاجم معارضيه، رغم استمرار لقاءاته بعدد من الوزراء والمسؤولين، إذ كانت اللقاءات مرفوقة بموسيقى خاصة بصفحة الرئاسة.
يوم 24 حزيران/ يونيو 2024، وهو ذكرى تأسيس الجيش الوطني، ألقى قيس سعيد كلمة، والملاحظ فيها:
أولا: أنها كانت كلمة مكتوبة، وقد اعتاد الارتجال أو الاستعانة بجذاذة لتذكّر بعض النقاط المسجلة عليها مما قد يكون حريصا على ذكرها.
ثانيا: أنه، على غير عادته، لم يتوجه بأي شتيمة أو تهديد أو اتهام لأطراف داخلية، وإنما كان الخطاب لتأكيد جاهزية القوى الحاملة للسلاح لحماية الوطن بما هو تراب وماء وسماء وثروات، وللتصدي لكل من يحاول "تمزيق" وحدتنا، وللتذكير ببطولات جيشنا منذ مراحل الاستقلال الأولى، وبعد 2011 في تأمين الامتحانات الوطنية والانتخابات، مع التذكير بمؤسسة "فداء" وواجبها تجاه شهداء وأبناء القوات الحاملة للسلاح، ودعوة الشعب إلى تحمل مسؤوليته تجاه جيشنا الوطني.
قيس سعيد دخل مرحلة "التعاقد" لا بمفهوم "العقد الاجتماعي" لروسو، وإنما بمعنى تحديد المهام والمسؤوليات في نص مكتوب يذهب مباشرة الى الأهداف العملية، بعيدا عن الأسلوب الإنشائي التقليدي الذي كثيرا ما أوقع صاحبه في أخطاء تواصلية أو في سوء فهم أو سوء تأويل
ثالثا: تأكيد الخطاب على السيادة الوطنية ورفض أي قواعد عسكرية على ترابنا الوطني، دون امتناع عن تعاون تقليدي مع دول أخرى ضمن مبدأ السيادة (ردّا على ما قيل من تواجد قوات روسية بالجنوب التونسي)، ورفض "التوطين" غير القانوني (تفاعلا مع انعاج عدد من المواطنين من تواجد كثيف لأفارقة بعدد من المدن التونسية).
ما يمكن أن يستنتجه أي مشتغل على اللغة/ الخطاب هو التالي:
- أن قيس سعيد دخل مرحلة "التعاقد" لا بمفهوم "العقد الاجتماعي" لروسو، وإنما بمعنى تحديد المهام والمسؤوليات في نص مكتوب يذهب مباشرة الى الأهداف العملية، بعيدا عن الأسلوب الإنشائي التقليدي الذي كثيرا ما أوقع صاحبه في أخطاء تواصلية أو في سوء فهم أو سوء تأويل.
- أن موضوع الرئاسة في عُهدتها القادمة قد حُسم وفق قاعدة "بقاء أو فناء"، وأن هذا الحسم ليس بعده تراجع، بل "انتصار" أو "استشهاد".
- أعتقد أن قيس سعيد، وبداية من تاريخ كلمته تلك بحضرة قادة الجيش، قد أعلن مرحلة "العبور"، وكان قد قال هذه الكلمة في خطاب شفوي سابق، وأن دورة ما بعد 2024 هي ضمن مسار 25 تموز/ يوليو مهما كانت احتجاجات المعارضة وضغوط الخارج.
3- عناد سعيد وتردد المعارضة
العقل السياسي لا يعبر عما يشتهي وإنما بعبر عما يرى وعما يقوله الواقع وتشهد به الوقائع، ولا يكفي مواجهة من "يفعل" ويصنع الأحداث ويفرض طبيعة المعركة بالسخرية والشتائم، فذاك سلاح الضعفاء لا يغير موازين قوى ولا يؤثر في مسار التاريخ، كما أن الاعتماد على المنظمات الحقوقية الأجنبية أو على الاتحاد الأوروبي وأمريكا، سيسمح لخصوم المعارضة باتهامها في مبدئيتها وفي وطنيتها، خاصة وقد انكشف بعد طوفان الأقصى زيف القيم الكونية لدى القوى الغربية؛ بما هي لوبيات وأنظمة حكم رغم معارضات شعبية واسعة خاصة في الجامعات.
المعارفي الوقت الذي تبدو فيه المعارضة مترددة وغير منسجمة، يتابع التونسيون نشاطا ميدانيا مكثفا يقوم به قيس سعيد، وقد يُفهم على أنها حملة انتخابية سابقة لأوانهاضة التونسية ما زالت في وضع تردد وحالة انقسام، خاصة وأن قيس سعيد يعتمد معها أسلوب "الغموض" من ناحية، ولا يكف من ناحية أخرى عن جرّ منافسيه إلى المحاكم لإرباكهم ولوضعهم تحت طائلة القانون الانتخابي الذي يمنع ترشح من هو في حالة تتبع قضائي.
وفي الوقت الذي تبدو فيه المعارضة مترددة وغير منسجمة، يتابع التونسيون نشاطا ميدانيا مكثفا يقوم به قيس سعيد، وقد يُفهم على أنها حملة انتخابية سابقة لأوانها، خاصة بعد اتخاذ قرار الترفيع على دفعتين بنسبة 14.5 في المائة في الأجور المضمونة في القطاع الخاص تشمل مجموعة من النشيطين والمتقاعدين.
وقد ورد في صفحة الرئاسة بعد لقاء جمع قيس سعيد بوزير الشؤون الاجتماعية يوم 27 حزيران/ يونيو ما يلي: "وتناول هذا اللقاء جملة من المحاور من بينها الترفيع بنسبة 7 في المائة في الأجور الدنيا المضمونة في القطاع الخاص بالنسبة للنشيطين وذلك انطلاقا من الشهر القادم مع أثر رجعي بداية من 1 أيار/ مايو 2024، وزيادة ثانية بنسبة 7.5 في المائة بداية من أول كانون الثاني/ يناير 2025، وهو ما سيترتب عليه آليا الترفيع في جرايات المتقاعدين في القطاع الخاص بأثر رجعي أيضا بداية من 1 أيار/ مايو 2024 وكذلك بداية من أول يناير 2025 والذي سيشمل حوالي مليون متقاعد".
ويُتوقعُ أن تُتخذ إجراءات أخرى تتعلق بالفئات الاجتماعية الضعيفة، وهو سيوفر خزانا انتخابيا لمترشح ليس له حزب ولا يؤمن بدور للأحزاب ولا للمنظمات والكيانات الوسيطة.
x.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه قيس سعيد الزعامة تونس الرئاسة تونس الانتخابات الرئاسة الزعامة قيس سعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن قیس سعید بدایة من
إقرأ أيضاً:
احتجاجات بتونس تنديدا بتواصل الاعتقالات للمعارضين.. وتحركات داعمة لسعيد
شهدت العاصمة تونس، الخميس، مظاهرات وتحركات احتجاجية، انقسمت بين رافضة لتواصل الاعتقالات للمعارضين السياسيين ومطالبة بإطلاق سراحهم جميعا وإسقاط النظام، قابلها تحرك داعم للرئيس قيس سعيد، ورفضا للتدخلات الأجنبية في البلاد.
وقد تجمع المئات من المعارضين أمام المحكمة الإدارية حيث طالبوا بإطلاق سراح جميع المعارضين السياسيين رافعين شعارات "حرية، حرية..الشعب يريد إسقاط النظام، شغل حرية كرامة وطنية، ارحل يا فاشل، فاسدة المنظومة من قيس للحكومة".
وجاء التحرك بدعوة من عائلة القاضي السابق والمحامي، أحمد صواب الذي تم اعتقاله وإيداعه السجن بـ"تهم إرهابية" منذ أيام على خلفية تصريح له أمام دار المحامي في علاقة بقضية ملف "التآمر".
وقد انطلقت المسيرة من أمام المحكمة باتجاه مقر اتحاد الشغل (صواب كان نقابيا)، مرورا بشارع الثورة حيث حاول المحتجون تجاوز الحواجز الأمنية ولكن تم منعهم، وقد شهدت العاصمة ومعظم الطرق انتشارا أمنيا واسعا وعمليات مراقبة وتفتيش، ما حال دون حدوث أية مناوشات بين المحتجين المعارضين للنظام والمساندين له.
تقارب المعارضة"
وقال القيادي بحركة "النهضة" وعضو جبهة "الخلاص" رياض الشعيبي، :"نزلنا إلى الشارع اليوم للمطالبة بسراح جميع المعتقلين السياسيين،وتنديدا بإجراءات السلطة التي تتبعها في التضييق على حرية الرأي والتعبير والتظاهر،خرجنا للمطالبة بجميع الحقوق".
وأضاف الشعيبي في توضيح خاص لـ "عربي21" عن تواصل الانقسام بين صفوف المعارضة، إن "هناك انقسام نعم ولكن هناك بداية تحول في تذويب عديد الحواجز ودليل ذلك تواجد أغلب توجهات المعارضة والعائلات السياسية في مسيرة واحدة".
وأكد"هناك إحساس بالخطر من جميع الإيديولوجيات لأن هذه السلطة لا تفرق في استهدافها بين اليمين واليسار"، لافتا إلى أن "هناك تقارب وتواصل مع أغلب الفاعلين السياسيين وهناك توجه جديد بالبحث عن المشتركات الوطنية ولاشك أن مسيرة اليوم هي خطوة جديدة لمزيد التقارب على أمل أن يتدعم ذلك خلال الأسابيع القادمة ونجد المعارضة بصوت وبرنامج وشعار واحد تطالب بعودة الديمقراطية والتصدي لهذا الانقلاب".
يشار إلى أن المسيرة شاركت بها مختلف الأحزاب من اليمين إلى اليسار أبرزهم "النهضة، العمال، الدستوري الحر"، وغيرهم مع عدد من الشخصيات الوطنية وحقوقيين.
"أزمة خانقة"
بدوره، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إن"البلاد تمرّ اليوم بأزمةٍ عامّة وخانقة مماثلةٍ لأزمات سابقة مسّت جميع المستويات "مشيرا إلى "توسّع موجة الانغلاق والتضييق على الحرّيات، حتى أصبحت العبارة والصورة والأغنية والشعار والاستعارة، أيّا كان منطقها وأهدافها وإطارها، سببا للزّجّ بأصحابها في السجون وتسليط أقسى الأحكام عليهم وخاصّة منذ سنّ المرسوم 54".
وأضاف الطبوبي في كلمة له بساحة محمد علي حيث تجمع المتظاهرون والعمال بمقر اتحاد الشغل، إن "التهم صارت تطلق جزافا والقضايا تحاك في المكاتب المغلقة وأصبحت محاكمة الرأي والتعبير خبزا يوميا مسّ النقابيين والإعلاميين والمحامين والنشطاء المدنيين والمدوّنين من الشباب الذين سلّطت عليهم أحكام جائرة بعد أن سُلب أغلبهم الحقّ في محاكمة عادلة تكفل فيها العلنية وحقوق الدفاع والمكافحة وغيرها من الشروط التي يضمنها الدستور والتشريعات الوطنية والدولية".
"لا للتدخل الأجنبي"
وفي مقابل تنديد المعارضة بملاحقة السياسيين واعتبار ما حصل بتونس منذ 2021 انقلابا، أكد متظاهرون بالعشرات دعمهم للسياسات الرئيس قيس سعيد مؤكدين مساندتهم المطلقة له ورفضهم أي تدخل أجنبي في قرارات الدولة التونسية.
وشدد الداعمون للسعيد رفضهم للبيانات الخارجية المنددة والرافضة للأحكام الصادرة في حق أكثر من أربعين شخصا أغلبهم سياسيون ورجال أعمال في ما يعرف بملف"التآمر".
واعتبر مساندوا الرئيس أنها قرارات قضائية وأن الرئيس قيس سعيد لا يتدخل مطلقا في القضاء وهو ما يؤكده هو نفسه وأنه لا عودة للوراء.
وقال رئيس المكتب السياسي لمسار 25 يوليو/ تموز، عبد الرزاق الخلوليي "إن تونس دولة مستقلة وذات سيادة ومطلقا لا يسمح بالتدخل في شؤونها الداخلية".
وشدد الخلولي في تصريح خاص لـ "عربي21"،" السيادة الوطنية خط أحمر ولا مجال مطلقا للاستقواء بالأجنبي،نحن نساند الرئيس سعيد في كل قراراته".