القدس المحتلة- لم يكن شهر يونيو/حزيران الماضي في القدس المحتلة أفضل حالا مما سبقه، إذ شملت الانتهاكات الإسرائيلية البشر والحجر والشجر؛ فاستشهد طفل، ونفذت عمليات هدم جديدة، وسُلبت حرية كثيرين، ودُنّست ساحات المسجد الأقصى باعتداءات المستوطنين، ومنها ما سُجّل لأول مرة منذ احتلال شرقي القدس عام 1967.

في بلدة قطنّة شمال غرب القدس شُيع الطفل محمد حوشية (12 عاما) بعد أسبوع من إصابته برصاص الاحتلال في مدينة البيرة، وقتل الاحتلال حلمه بأن يصبح لاعب كرة قدم أو مدرّبا مشهورا.

وبالإضافة لانتهاك حق هذا الطفل في الحياة، فإن نحو 20 طفلا مقدسيا سُلبت حريتهم على مدار الشهر بعد اعتقالهم، وهم من بين 134 مقدسيا اعتقلتهم قوات الاحتلال في محافظة القدس عبر الاعتقالات الميدانية أو من داخل منازلهم.

وسُجلت في المحافظة أيضا أرقام عالية للاعتقال الإداري (دون تهمة أو محاكمة بادعاء وجود ملف سرّي)، ورصدت الجزيرة نت صدور 22 أمر اعتقال إداري خلال الشهر الماضي، وتوزعت الأوامر بين جديدة وأخرى تم خلالها تمديد هذه العقوبة لأسرى إداريين.

5141 مقتحما للأقصى

في المسجد الأقصى المبارك، تمكنت جماعات الهيكل المتطرفة من حشد 5141 متطرفا ومتطرفة لاقتحام أولى القبلتين على مدار الشهر، وسُجل أعلى رقم للاقتحامات يوم ما يسمى "توحيد القدس"، إذ اقتحم الأقصى خلاله 1601 من المستوطنين.

وسُجلت خلال الاحتفال فيه انتهاكات عدة أخطرها ارتداء لفائف الصلاة السوداء (التفلين) على يد المستوطن المتطرف ميخائيل فوا، وهذه هي المرة الأولى التي يسجل فيها هذا الانتهاك في الأقصى منذ عام 1967.

وفي يوم ما يسمى "توحيد القدس" أيضا، رددت المستوطنات النشيد الوطني الإسرائيلي "هاتيكفا" بشكل جماعي ولوّحن بالأعلام الإسرائيلية، كما أدى متطرفون طقس السجود الملحمي، وارتدى بعضهم قمصانا كُتب عليها "جبل الهيكل بأيدينا"، وعليها يد تحمل الهيكل المزعوم وأخرى تُدمر مصلى قبة الصخرة المشرفة.

وخلال يونيو/حزيران أيضا، ارتدى متطرف شال "الطاليت" المخصص لصلاة اليهود، وقدمت منظمة "بيدينو" المتطرفة التماسا للمحكمة العليا لتقليص تدخل الشرطة بسلوك المقتحمين للأقصى، و"إنهاء سياسة إبعاد اليهود عن جبل الهيكل".

ونشر أحد قادة جماعات الهيكل صورة لمستوطن اقتحم الأقصى بقميص كُتب عليه "من يتحكم بجبل الهيكل، يتحكم في البلاد كلها"، وواصل هؤلاء نشر صور من قطاع غزة تظهر قيام جنود الاحتلال برسم الهيكل المزعوم في عدة أماكن بالقطاع، أو تعمدهم ارتداء قماشة صغيرة على بزّاتهم العسكرية رُسم عليها الهيكل.

هدم وإبعاد وحبس منزلي

جرائم عدّة سجلت أيضا في القدس من خلال تنفيذ 21 عملية هدم، 8 منها أجبر خلالها أصحاب العقارات والمنشآت على هدمها بأيديهم تجنبا للغرامات الباهظة التي تفرضها بلدية الاحتلال، وبينما تركزت عمليات الهدم في المناطق الواقعة خلف الجدار العازل في كل من حزما وجبع والولجة وعناتا، تركزت عمليات الهدم داخله في كل من الطور والعيساوية وسلوان وجبل المكبر.

وفي شهر يونيو/حزيران، تسلم 5 مقدسيين أوامر إبعاد، أحدها عن المسجد الأقصى، وآخر عن مدينة القدس، بالإضافة إلى 3 أوامر إبعاد عن البلدة القديمة.

وخضع لعقوبة الحبس المنزلي 19 مقدسيا، بينهم 3 أطفال، أصدرت محاكم الاحتلال أوامر بحقهم، ويرضخ هؤلاء لهذه العقوبة إلى جانب نحو 70 مقدسيا تتراوح فترة عقوبة حبسهم منزليا بين أسابيع وأشهر.

ولم يسدل الستار على يونيو/حزيران قبل أن تُسجل انتهاكات تتعلق بالاستيطان، كإعلان بلدية الاحتلال نيتها "تنسيق حدائق" على مساحات شاسعة من حي وادي الجوز بالقدس بادعاء أنها فارغة منذ عام 1987.

كما أقدم مستوطنون على اقتحام منزل يعود لعائلة الخالدي -التي يلاصق عقارها المسجد الأقصى من جهة باب السلسلة- ومحاولتهم الاستيلاء عليه، وذلك قبل أن يصدر قرار من المحكمة بإخلائهم والسماح لعائلة الخالدي بالعودة إلى عقارها بقرار قضائي.

واعتدى المستوطنون أيضا على السكان في "سوق البازار" بالبلدة القديمة، حيث أطلقوا النار تجاه تاجر مقدسي في السوق، مما أدى لإصابته بجروح خطيرة، وأطلق سراح المعتدين بعد ساعات من اعتقالهم، بينما اعتُقل التاجر الجريح لساعات وأُفرج عنه بشرط الإبعاد عن السوق الذي يقع حانوت والده فيه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المسجد الأقصى یونیو حزیران

إقرأ أيضاً:

حرب ضد الهوية الإسلامية .. المساجد هدف الصهاينة من اليوم الأول

يمانيون – متابعات
تاريخيًا، كانت المساجد والمقدسات الإسلامية في فلسطين شاهدة على عمق الهوية الثقافية والدينية للشعب الفلسطيني. ولأنها كذلك، فقد ركّز عليها العدو المحتل باكرًا حين مارس عليها صنوف الاعتداءات بهدف تهويدها ومحوها. ونذكّر هنا بحادثة إحراق المسجد الأقصى الشهيرة (صباح يوم الخميس 21 أغسطس 1969/ 7 جمادى الآخرة 1389هـ). ورغم أنه من أقدس المواقع الإسلامية، فقد تكررت الاعتداءات الصهيونية عليه مرارًا، ناهيك عن الاقتحامات المتواصلة بشكل أصبح مؤخرًا شبه يومي، ولا يُخفي اليهود رغبتهم الشديدة في فرض السيطرة عليه وتهويد محيطه، علاوة على أعمال الحفريات التي تهدد بانهياره.

احراق المساجد الأقصى عام 1969
المدينة المقدسة برمتها تتعرض معالمها الإسلامية للتهديد بشكل يومي، ويمارس العدو المحتل صنوف الانتهاكات على قاصديها يوميًا. هذا الوضع يعكس استراتيجية العدو الإسرائيلي في السيطرة على المدينة، ومحاولة فرض واقع جديد يهدف إلى تهويدها. وجدير بالذكر هنا أن المسجد الأقصى، برمزيته الدينية الكبيرة في الوعي الإسلامي، اتخذ منه اليهود المحتلون معيارًا لقياس ردّة الفعل، ليس الفلسطينية وحسب، بل في عموم العالم الإسلامي.

ويظهر ذلك جليًا من خلال تتبع حوادث الاعتداء المختلفة على المسجد الأقصى في سبعة عقود من الاحتلال، والنتيجة الكارثية تظهر نجاح اليهود في كي الوعي الإسلامي وترويضه بالتدريج على القبول بالانتهاكات، والتي أضحت مؤخرًا مجرد خبر يومي لا يثير المشاعر الدينية ولا يستنهض الغيرة القومية. وهذه واحدة من نتائج العمل التراكمي لليهود على تغفيل الأمة وتخديرها وفصلها عن مقدساتها ورموزها.

وهنا الدور يناط بوسائل الإعلام العربية التي قدمت الخبر مجردًا عن سياقه الصدامي الحضاري الديني. والأصل أن أخبار الاعتداءات على المسجد الأقصى يجب أن تحظى بخصوصية بالغة في التقديم والترتيب، إذ إن الاعتداء على المقدسات لا يُمثل فقط اعتداءً على مبنى عادي أو حتى موقع عبادة، بقدر ما هو هجومٌ على الهوية الإسلامية بأكملها.

إبادة الفلسطينيين وإعدام هويتهم:

في غزة، وقبل معركة الطوفان، شهدت المساجد والمقدسات هجمات متكررة، حيث يتم استهدافها بشكل مركز مع كل عدوان إسرائيلي. في العدوان على غزة في عام 2014، تم تدمير عدد من المساجد بشكل كامل وعلى نحو متعمد. ودائمًا كانت إحصاءات الدمار التي طالت المساجد تنسجم تمامًا مع أهداف الإسرائيلي ونواياه في استئصال جذور الوجود الفلسطيني بهويته الإسلامية، وصولاً إلى خلق واقع جديد يتجاهل تاريخ الشعب الفلسطيني المسلم وحقوقه، واستبداله بالمغتصبين اليهود.

في معركة الطوفان، وفي فصول الاعتداءات والإبادة الجماعية الصهيونية على غزة وسكانها وهويتها، وجد العدو الصهيوني فرصته لتطال نيرانه كل مساجد القطاع بالتدمير الجزئي أو الكلي. في أحدث بياناتها، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بقطاع غزة، قبل أيام، أن جيش العدو الإسرائيلي دمر خلال حرب الإبادة الجماعية على القطاع 79 بالمئة من مساجد القطاع و3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة.

وقالت الوزارة في بيان لها: “جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر 814 مسجداً من أصل 1245، بما نسبته 79 بالمئة، وتضرر 148 مسجداً، بالإضافة إلى 3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة من أصل 60 بشكل ممنهج ومتعمد.” وأضافت: “تكلفة الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الوزارة نحو 350 مليون دولار.” وتابعت: “خلال حرب الإبادة، قام جيش الاحتلال بنبش القبور وسرقة الآلاف من جثامين الأموات والشهداء، والتمثيل بها بعد قتلهم بطرائق همجية وحشية.”

ولفت بيان الأوقاف إلى أن العدو الإسرائيلي دمر 11 مقراً إداريًا وتعليميًا، ما نسبته 79 بالمئة من إجمالي المقرات بالقطاع البالغة 14 مقرًا. وقالت الوزارة إن الجيش الإسرائيلي قتل 238 من موظفيها، واعتقل 19 آخرين خلال عملياته البرية بالقطاع.

حرب على الهوية الإسلامية لن تنتهي في فلسطين:

إن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في سياق الحرب على هويتهم ودينهم ومعالمهم الإسلامية هي جزء من صراع حضاري وحلقة من حرب قديمة متجددة على الإسلام والمسلمين. هذه الحرب لا تستهدف فقط المباني، بل تهدف إلى محو الذاكرة الجمعية للفلسطينيين واستئصال جذور وجودهم الإسلامية. وهي بالأولى تعبير عن صدام ديني، ليس الفلسطينيين إلا أول ضحاياه، ويأتي الدور حتمًا على الجميع بدءًا من دول محيط فلسطين.

لم يكن حرق المسجد الأقصى إلا مشهدًا ضمن مسلسلٍ لا ينتهي، قامت عليه ما تُسمى إسرائيل، بدأ صباح الواحد والعشرين من أغسطس عام 1969 حين أضرموا النار في المسجد الأقصى. شجعهم أن نار إحراق المسجد لم تصل حرارتها إلى صدور الأنظمة العربية، ولم تبعث فيهم أي حمية لبيت مقدسهم المبارك. نتيجة لذلك الهوان، تلا الحرق اقتحاماتٌ لباحات المسجد الأقصى، وتجريف لمعالمه وطمس لآثاره وحفر أنفاقٍ أسفله تهدده بالسقوط، بينما يقاوم الفلسطينيون وحدهم بما تيسر من حجارة، يمنعون تدنيس وتهويد ما تبقى من شرف الأمة، فلا يجدون من حكامها سوى الصمت والتطبيع!

ولأن الصهاينة يتحركون من منظور ديني، تجدهم في غزة يقصفون أينما سمعوا مساجد يُذكر فيها اسم الله، بذريعة أو بدون مبررات. تارةً يفتشون عن المساجد، يقصفون جوامع غزة التي تأوي النازحين بحجة أنها تأوي مقاتلي حماس، كما فعلوا في وقائع عدة منها قصف جامع شهداء الأقصى ومسجد الشيخ رضوان ومسجد العطار. وكان حقدهم بيّنًا في قصفهم للجامع العمري التاريخي الشهير، الطاغي بقدمه على زيف تاريخهم ووجودهم المؤقت.

تدمير العدو الإسرائيلي للمساجد في غزة
في جوامع الضفة، يتعمّد الصهاينة بين فينة وأخرى اقتحامها تدنيسًا لها واستهزاءً واستفزازًا لمشاعر الفلسطينيين، في مشهد بات جزءًا من يوميات أهالي الضفة القابعين تحت قبضة المحتل وسطوة المستوطنين اليهود. كذلك الحال في جوامع جنوب لبنان في بلدة مجدل سلم، وجامع الزهراء وجامع الظهيرة، الذي تغنوا على دخانه وتعمدوا نشر مقاطع الفيديو المصورة لهذه الانتهاكات، ومنها مشاهد صعود المنابر والغناء منها، وكذلك إحراق المصاحف داخل المساجد، والذي تكرر في غير مسجد من غزة، واليوم في قرى جنوب لبنان.

العدو يدنس مسجدا بالضفة الغربية، ويرفع «العلم الإسرائيلي» على مئذنة مسجد معاذ بن جبل في مخيم الفوار بمدينة الخليل
من نافل القول إن استمرار الاعتداءات على المساجد والمقدسات الإسلامية وتكررها على هذا النحو الواضح المتعمد والممنهج وغير المسبوق يعكس عقيدة العدو الإسرائيلي المحرفة وخرافاته التوراتية الباطلة في تحقيق مشروع الصهاينة “إسرائيل الكبرى” عبر التأسيس لواقع جديد يتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني بهويته الإسلامية. لكن في ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقودًا على صمود الفلسطينيين في الدفاع عن هويتهم ومقدساتهم، وعلى فعل المحور المساند والمنخرط بالفعل في معركة تتجلى أكثر بطبيعتها الدينية الحضارية، وفيها امتحان عسير وفرز خطير، لعله غير مسبوق في تاريخ الصراع.
——————————————-
موقع أنصار الله – يحيى الشامي

مقالات مشابهة

  • 97 مغتصباً يهودياً يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
  • ما الثمن الذي ستدفعه القدس خلال ولاية ترامب الجديدة؟
  • ترامب ينوي إنشاء معبد يهودي في المسجد الأقصى
  • نصرة الأقصى تدين الانتهاكات بحق الأسيرات الفلسطينيات
  • عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
  • عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
  • حرب ضد الهوية الإسلامية .. المساجد هدف الصهاينة من اليوم الأول
  • الاحتلال ينفذ عملية هدم واسعة لمساكن فلسطينية بالقدس
  • عشرات المستوطنين الصهاينة يواصلون تدنيس المسجد الأقصى المبارك
  • 131 مستوطنًا يقتحمون المسجد الأقصى