خلاف بين فلاحين يورطهما في حرق قرابة 20 هكتار من غابات ” تازملت” ببجاية
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
التمست النيابة العامة لدى محكمة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء اليوم الاثنين توقيع أقصى عقوبة في حق المتهمين الموقوفين. كل من المدعو ” ع.رابح” 68 سنة فلاح ، والمدعو ” ف.اسماعيل”. رب أسرة فلاح أيضا ويقطن بنفس المنطقة بقرية ” زبدة” ببجاية.
وجاءت طلبات النيابة بالجلسة بعد مثول كلا المتهمين للمحاكمة أمام قاضي الجلسة لمتابعتهما بجناية اضرام الحرائق عمدا بالغابات.
ولدى محاكمة المتهمين تبين أن الوقائع انطلقت خلال شهر مارس 2023، في حدود الساعة الحادي عشر ونصف ليلا. أين نشب حريق مهول بالقرب بالغابة محاذاة مسكن كلا المتهمين. الذين تربطهما علاقة جوار سيئة للغاية لوجود خلافات بينهما حول رعي الأبقار. وقرب اسطبل المتهم الموقوف ” ع.رابح” وحظيرة البقر الخاصة بالمتهم الثاني “ف.اسماعيل”.
وبعد امتداد ألسنة النيران إلى أراضي أخرى ملتهمة جزءا كبيرا من أشجار التفاح والاحراش بمساحة قدرت بحوالي 20 هكتار. ثم إلى غاية الأملاك الخاصة، تدخل السكان. وتم اخماد النيران والسيطرة عليها في حدود الساعة الثانية صباحا.
غير أنه وفي حدود الساعة السابعة ونصف من نفس اليوم اشتعلت النيران من جديد بسبب قوة الرياح. الزم الأمر تخل رجال الدرك الوطني مرفقين برجال الحماية المدنية، وخلال التنقل إلى عين المكان. وتم توقيف المدعو ” ع.رابح” زهو في حالة نفسية سيئة ‘” هيستيريا “.
اعترافات المتهموبعد إحالة المشتبه فيه للتحقيق صرح بأن من أشعل النيران عمدا، جاره المسمى ” ف.اسماعيل” الذي يختلف معه من سنوات. وعليه تنقل رجال الدرك الوطني لتوقيف المشتبه فيه الثاني للتحقيق معه حول ملابسات الجريمة.
وفي جلسة المحاكمة تراجع المتهم الاول ” ع.رابح” عن أقواله الأولية التي أدلى بها خلال التحقيق الإبتدائي. مصرحا بأنه لم يشاهد جاره المتهم الثاني “ف.اسماعيل ” يشعل النار بالغابة، يل شك فيه فبلغ عنه عبر الرقم الأخضر.
كما عجز المتهم الثاني ” ف.اسماعيل ” عن الدفاع عن نفسه أمام قضاة الجلسة. بعدما تبين بأنه بيوم الوقائع وبعد ابلاغه من طرف شريكه في المزرعة عن الحريق. لم يكترث بل بقي في منزله إلى غابة وصول رجال الدرك والحماية المدنية.
وتساءل القاضي والنيابة عن سبب مكوثه بالمنزل بدون قلق حيال ما تعرضت به أرضه من خسائر وأضرار خاصة. وان الحريق اندلع بالقرب من اسطبل ابقاره الذي يضم اكثر من ،25 رأسا. فعجز المتهم عن الإدلاء باجابة مقنعة، مكتفيا بأنه كان يعاني من حمى شديدة حينها اعجزته عن مغادرة المنزل.
كما اعترف المتهم أيضا بأنه على خلاف مع المتهم جاره نافيا تهديده أو توريطه كما يدعيه منذ مجريات التحقيق.
المصدر: النهار أونلاين
كلمات دلالية: ف اسماعیل ع رابح
إقرأ أيضاً:
في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن
لم يعد السودانيون يملكون ترف التأجيل، ولا فسحة الإنكار. فما بين حرائق الحرب، وتشظي الجغرافيا، وانكسار المعنى، تترنح البلاد على حافة الفناء. آلاف يُشرَّدون كل يوم، مدن تُمحى من الوجود، وقلوب تفيض بالغضب والحسرة والخذلان. لسنا في لحظة خلاف سياسي عابر، بل أمام تصدّع نفسي وجمعي بلغ أعماق الوجدان، وأوشك أن يقضي على آخر ما تبقى من الروابط الجامعة لهذا الشعب الذي تقاذفته نخبه وأودت به من خيبة إلى أخرى.
لقد بات من العبث أن نتحدث عن الخروج من الأزمة دون الاعتراف الجاد والعميق بأننا جميعاً في ورطة: نُخبةً وشعباً، إسلاميين وغيرهم، زرقةً وعرباً، نظاميين ومدنيين، زغاوة وعطاوة، مركزاً وهامشاً. الجميع مأزوم، وكل طرف يجرّ خلفه تاريخاً من الانكسارات أو التورط أو الغفلة. وما لم نواجه هذه الورطة بشجاعة أخلاقية ونقد ذاتي مسؤول، فإننا سنبقى أسرى سرديات التناحر والاستقطاب، وسيتسرب الوطن من بين أيدينا كما تتسرب المعاني من قلب مكلوم.
ما نعيشه اليوم لا يمكن تفسيره فقط بأدوات السياسة التقليدية؛ نحن أمام مأزق بنيوي يعيد إنتاج نفسه، مأزقٌ تتصارع فيه الروايات والهويات والمصالح بشكل متشابك، حتى أصبح الوضع شبيهاً بما تسميه “نظرية اللعبة” في العلوم السياسية: كل طرف يظن أن انتصاره مرهون بخسارة الآخر، بينما الشعب كله، في المركز والهامش، يعيش حالة خسارة مزدوجة.
الإسلاميون في مأزق أخلاقي لأن خطابهم اختُطف لصالح تيار متشدد يدّعي تمثيل الإسلام، بينما يُقصى المعتدلون الذين ما زالوا يؤمنون بشرعة الوطن الجامع. الشماليون في أزمة وجودية لأنهم تواطؤوا لقرون مع سلطة المركز وتاملوا — بوعي أو دون وعي — على ظلم المجموعات الزنجية واضطهاد الفئات المستضعفة، ثم وجدوا أنفسهم لاحقًا هدفًا للانتقام. العطاوة (الرزيقات خاصة) وُظفوا لعقود خلت كأدوات بيد المركز حتى صاروا جزءًا من معادلة سلطة لا مفر للخروج منها أو احتكارها دون خسائر باهظة.
الزرقة (الزغاوة خاصة) في ورطة لأن فصائل مسلحة اختطفت تمثيلهم السياسي باسم البندقية لا باسم الشرعية الشعبية. والمساليت، برغم عدالة قضيتهم، ارتهنوا انفسهم للنخبة العسكرية التي لا تسعى إلى حل، بل إلى تدوير الأزمة من خلال السعي لاستيلاد المليشيات. السؤال: هل ستظل قضية دار المساليت جرحاً ينكأ بلا ضماد، وبأي ثمن؟
هل سيظل السودان رهينة لخطابات الكراهية والدم ومرتعاً للغبينة وإثارة الضغائن؟
ما لم ننجح في تحويل هذا الصراع إلى معادلة “رابح-رابح”. وهنا، تحضرني “نظرية اللعبة” (Game Theory) ثانية كعدسة تحليلية يمكن أن تضيء لنا مخرجًا. فنحن كأطراف متنازعة، نتصرف كسجناء في معضلة كلاسيكية: كل طرف يفضل خيانة الآخر خشية أن يُخدع، فتضيع الفرصة على الجميع. لكننا لا نعيش معضلة سجناء، بل مصير وطن، ولا خيار لنا سوى قلب هذه المعادلة نحو “رابح/رابح” (Win/Win). ولا يتحقق هذا إلا باعترافنا المتبادل، وتخلينا عن عقلية “كل شيء أو لا شيء”.
ما نحتاجه في السودان ليس تكراراً لنموذج رواندا، رغم ما فيه من عِبَر، فالجرح السوداني أوسع وأكثر تشعباً من أن يُختصر في ثنائية قبيلتين. تجربة جنوب أفريقيا هي الأقرب لما نمر به: بلاد مزقتها العنصرية، وعُصِرت بماضٍ دموي، ثم نهضت، لا بالمحاكمات الانتقامية، ولا بالتعميم المخل، بل بـ”لجنة الحقيقة والمصالحة”، التي جعلت الاعتراف بالخطأ مدخلاً للتسامح، لا مدخلاً للتبرير.
في جنوب أفريقيا، لم يُطلب من الجلاد أن يُحب ضحيته، ولا من الضحية أن تنسى جراحها، بل طُلب من كليهما أن يعترفا بالحقيقة، ويُسهما في صناعة مستقبل مشترك. وذاك هو جوهر العدالة الانتقالية التي نحتاجها في السودان. عدالة لا تكتفي بالعقاب، ولا تكتفي بالعفو، بل تسعى إلى تحقيق التوازن الأخلاقي والوطني، بإعادة توزيع المعنى والثقة، قبل الثروة والسلطة.
ثقتي أن لنا في موروثاتنا الوطنية والدينية من الحكمة ما يؤهلنا للقيام بهذا الدور وإن افتقرنا حالياً إلى القيادة الفذة وإلى شجاعة الكبار. نحتاج فقط إلى سردية وطنية جديدة، لا تعيد إنتاج المظالم، بل تعترف بها وتعالج جذورها. سردية تُشرك الجميع في كتابة عقد اجتماعي جديد، يضع الوطن فوق الهويات الجزئية والمصالح المؤقتة. إن بقي كل طرف يكتب روايته وحده، فستبقى الذاكرة منقسمة، والدماء مستباحة. لكن إن اتفقنا على رواية واحدة—رواية المأساة الجماعية والمسؤولية المشتركة والأمل الممكن—فقد ننجو، بل قد نبني شيئاً أجمل مما تهدم.
*April 23, 2025*