WSJ: كيف تحدت إيران أمريكا لتصبح قوة دولية؟
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا أعده سون إنجيل راسموسين ولورنس نورمان، قالا فيه إن إيران تحدت الولايات المتحدة لتصبح قوة دولية، ورغم عقود من الضغوط الغربية لا تزال طهران تمثل تهديدا على مصالح الولايات المتحدة، بسبب علاقاتها مع روسيا والصين.
وجاء في التقرير أن الفائز في انتخابات إيران الرئاسية سيرث انقساما داخليا واقتصادا أضعفته العقوبات الأمريكية المستمرة، لكنه سيرث أيضا مظاهر قوة، وهي أن لإيران تأثير متزايد على المسرح الدولي أكثر مما كان الحال قبل عقود.
ففي ظل المرشد الأعلى للجمهورية، أية الله علي خامنئي، أحبطت إيران عقودا من الضغوط الأمريكية وخرجت من سنوات العزلة عبر انحيازها لكل من الصين وروسيا، وفي الوقت نفسه زادت من مستوى المواجهة مع واشنطن. ولا يزال اقتصاد إيران ضعيفا إلا أن صفقات بيع النفط للصين والأسلحة لروسيا قدمت منافع مالية ودبلوماسية.
كما واستغلت إيران عقودا من الأخطاء الأمريكية في الشرق الأوسط والاختلافات الكبيرة في سياسات الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض.
وتعلق الصحيفة أن إيران تمثل اليوم تهديدا كبيرا على المصالح الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط، أكثر من أي لحظة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، مضيفة أن بصمات طهران العسكرية وصلت مرحلة أوسع وأعمق وأكثر من أي وقت مضى.
وأوضحت أن الجماعات المؤيدة لإيران نفذت هجمات على المنشآت النفطية السعودية، وشلت حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، وتهيمن على السياسة في لبنان والعراق وسوريا، وشنت أكثر الهجمات دمارا على إسرائيل منذ إنشائها عندما قامت حماس بشن هجومها في تشرين الأول/أكتوبر، بل وشنت إيران أول هجوم مباشر على إسرائيل في نيسان/أبريل. وكذا لاحقت المعارضين لها في الدول الخارج، حسب مسؤولين غربيين.
وستظل تداعيات صفقات المسيرات لروسيا في حرب أوكرانيا وتوسع الجماعات الموالية لإيران في المنطقة وزيادة تطوير الملف النووي، قضايا ملحة، بعيدا عمن سيفوز في جولة الإعادة الرئاسية الإيرانية التي ستعقد في 5 تموز/يوليو أو نتائج الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر.
وتقول سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز "في أكثر من ملمح، إيران قوية وأكثر تأثيرا وخطورة وأكثر تهديدا مما كانت عليه قبل 45 عاما"، إلا أن السياسة الخارجية جاءت بثمن باهظ وعلى حساب اقتصادها المتأخر عن جارتها في دول الخليج، مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية، كما وخسر النظام الكثير من الدعم الذي دفعه للسلطة قبل عقود وأدى لتظاهرات واسعة عادة ما تواجه بقمع.
ويقول إريك بريرور، المدير السابق لمجلس الأمن القومي "في كل مرة تسنح فرصة لخامنئي الخروج من العزلة يزيد من قمعه".
وترى الصحيفة أن قوة إيران المتزايدة هي علامة عن فشل الغرب. ومنذ فشل جيمي كارتر في احتواء إيران، تحولت هذه إلى الحوت الأبيض الكبير لدى صناع السياسة الغربية. فلم تعد أداة الدبلوماسية لدى الغرب ولا العقوبات ناجعة لعزل طهران. فقد ردت الأخيرة بتعميق علاقاتها مع محور روسيا- الصين، بشكل عقد الدبلوماسية أكثر، حسب رأي المحللين. وفي خارج الشرق الأوسط ساعدت صناعة المسيرات الإيرانية روسيا في حربها بأوكرانيا.
ويقول سيد حسين موساويان، المسؤول السابق في السياسة الخارجية والباحث حاليا في جامعة برنستون إن العقوبات الغربية كلفت مليارات الدولارات و "لكن لأي هدف" و "إيران مؤثرة بشكل كبير في المنطقة وأكثر من أي وقت مضى، وسيطرت الصين على الاقتصاد الإيراني وأصبحت إيران قريبة من روسيا".
ولأكثر من عقدين ظلت السياسة الغربية من إيران متأرجحة، وحول الرؤساء الأمريكيون التوازن مرارا وتكرارا من الدبلوماسية إلى القوة، التواصل أو محاولة العزلة. وكمثال، عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان عام 2001 تلقت الدعم العسكري والاستخباراتي من إيران للإطاحة بنظام طالبان.
وبعد عدة أشهر صنف جورج دبليو بوش إيران ضمن محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. ومن جانبها تبنت إيران وخلال العقود الماضية استراتيجية "الدفاع المتقدم" لردع الهجمات من الأعداء وبناء شبكة من الجماعات المسلحة الموالية لها.
وساهمت السياسات الأمريكية، احيانا وبطريقة غير مقصودة بقوة إيران. ففي عام 2003، أطاحت بنظام صدام حسين حيث خلصت طهران من عدو لدود قريبا من حدودها. وأدى فشل واشنطن بتحقيق الاستقرار في عراق ما بعد الحرب إلى تقوية التأثير الإيراني.
وبعد التخلص من نظام طالبان في أفغانستان عام 2001 كانت القوة الأمريكية بالمنطقة ضاربة، إلا أن طهران وبعد أشهر من غزو العراق عام 2003 أوقفت كل عملها على تطوير ملفها النووي، ذلك أن مبرر إدارة بوش لغزو العراق هي مزاعم امتلاكه أسلحة دمار شامل. وبدأت كما يقول مسؤولون أمريكيون مفاوضات استمرت عشرين عاما بشأن ملفها النووي.
إلا أن غزو العراق كان حلقة في تراجع حظوظ الأمريكيين بشكل نفع إيران. فقد زاد تأثيرها السياسي العسكري، وبخاصة من خلال الجماعات الوكيلة عنها. كما أن الحرب المستعصية التي قتل فيها 4,500 جنديا أمريكا ومئات الألاف من العراقيين أدت لتحول موقف الرأي العام الأمريكي من الحرب في المنطقة.
ولم تحقق إيران بعد هدفها النهائي بإخراج القوات الأمريكية من المنطقة، كما ولا تزال أمريكا هي عراب القوة الرئيسي في الشرق الأوسط. إلا أن إيران وجدت بتحالفها مع روسيا والصين قوتين تشتركان معها في هدف إضعاف القوة الأمريكية في العالم.
وبنت إيران نفوذها الإقليمي في وقت حافظت فيه على الخطوط الحمر وتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. وهذا راجع إلى أن القرارات المصيرية هي بيد مؤسسات غير منتخبة، ممثلة بمكتب المرشد خامنئي والحرس الثوري الذي يهمين على الاقتصاد والدفاع.
وتتولى الوحدات أو المقرات التي يديرها قائد سابق في الحرس الثوري، مهمة فرض الزي الإسلامي وهندسة انتخابات من بين عدة واجبات. وتهدف لتعبئة جماعاتها من أفراد المجتمع المدني وعددهم 4 ملايين شاب إيران لفرض السياسات الثقافية والأيديولوجية لرجال الدين، وبدون الرجوع إلى مؤسسات الحكومة المنتخبة.
ولكن السياسة الإيرانية تظل منقسمة بين المعسكر الإصلاحي المؤيد للتواصل مع الغرب والمعسكر المتشدد الذي يرى أن مصالح إيران هي بتحالف مع روسيا والصين. وبرز هذا الانقسام في الانتخابات الأخيرة، حيث ستكون جولة الإعادة بين الإصلاحي مسعود بزشكيان والمتشدد سعيد جليلي.
ويقدم المشروع النووي الإيراني صورة عن الطريقة التي تكيفت فيها طهران مع مواقف الإدارة الأمريكية المتناقضة، ففي عهد إدارة باراك أوباما وقعت طهران اتفاقية في 2015 للحد من نشاطاتها النووية مقابل رفع العقوبات، إلا أن المعارضون للاتفاق رأوا أنه لا ينهي الخطر النووي الإيراني، ولهذا دفعوا إدارة بايدن للخروج منه عام 2018.
وظهر التأثير الإيراني في سوريا التي دعمت فيها نظام بشار الأسد ضد التظاهرات السلمية. واستفادت من الثورة السورية لبناء ممر بري عبر العراق إلى سوريا ولبنان، استخدمته لنقل الأسلحة والجنود. وفي سوريا وثقت إيران علاقاتها مع روسيا التي سارعت لنجدة الأسد عام 2015. ونمت العلاقة أكثر أثناء الحرب الأوكرانية وصفقات المسيرات لروسيا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية إيران قوة دولية روسيا إيران امريكا روسيا قوة دولية تحدي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الشرق الأوسط مع روسیا أکثر من إلا أن
إقرأ أيضاً:
شتائم خادشة للحياء وفضائح السياسة الأمريكية في كتاب "الحرب" المثير للجدل
الرؤية- خاص
إذا كانت الصحف هي المسودة الأولى للتاريخ، فإن كتب الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودورد يمكن أن تدَّعي أنها المسودة الثانية؛ إذ إن الاقتباسات من اللاعبين الرئيسيين هي ما لا يمكن لمراسلي الصحف أن يحلموا به إلّا في قصة عاجلة.
الكتاب الجديد لوودورد الذي يحمل عنوان "الحرب"، ويتناول الأعمال الداخلية للبيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، يمثل مسودة ثانية جديرة بالاهتمام، على الرغم من أن قصته ربما كان من الأفضل أن يكون عنوانها "حروب" في صيغة الجمع لا المفرد.
يقدم كتاب وودورد الأخير "الحرب" استكشافًا تفصيليًا من وراء الكواليس للصراعات الرئيسية خلال رئاسة بايدن. ويغطي الكتاب قرار بايدن بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ويصور الخروج الفوضوي وعواقبه من هذا البلد المسلم، فضلًا عن التعامل الاستراتيجي للرئيس بايدن مع الحرب الروسية في أوكرانيا. كما يسلط وودورد الضوء على نجاح بايدن في توحيد حلف شمال الأطلسي (الناتو) واستخدام الدبلوماسية للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يقول وودورد إن هذا النهج وضع بايدن كزعيم حازم، وتمكن من اكتساب ميزة تكتيكية على بوتين.
يتعمق وودورد أيضًا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، موضحًا العلاقة المعقدة بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يصف الكتاب إحباط بايدن إزاء إحجام نتنياهو عن السماح بدخول المساعدات إلى غزة أو الموافقة على وقف إطلاق النار، ويبرز التوازن المعقد والمتوتر غالبًا بين أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والسياسة الداخلية لإسرائيل.
من خلال قيامه بالعديد من المقابلات وحصوله على الكثير من الروايات الداخلية داخل الإدارة الأمريكية، يقدم وودورد تصويرًا حيويًا للمناقشات الدبلوماسية ومعضلات السياسة وردود أفعال بايدن الصريحة، وخاصة في تعاملاته مع القادة الدوليين مثل نتنياهو.
كتاب "الحرب" الذي صدر في 15 أكتوبر المنصرم- ككتب الصحفي الأمريكي الاستقصائي، بوب وودورد الأخرى- أحدث ضجة واسعة وأطلق عليه البعض "كتاب الفضائح". فمن خلال مئات الساعات من المحادثات السرية التي أجراها وودورد مع عدد كبير من المسؤولين في البيت الأبيض، يكشف كتابه عن اتهامات لمسؤولين عرب فيما يتعلق بدعم الاحتلال الإسرائيلي بالحرب الدائرة على غزة.
كما يروي وودورد طريقة بايدن وكبار مستشاريه في اتخاذ القرارات المتعلقة بعدوان إسرائيل على قطاع غزة، وكذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وصولًا إلى الصراع على الرئاسة الأمريكية.
في المقابل، يُصوَّر الكتاب الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب كشخصية مزعجة؛ حيث يكشف أنه يتواصل بشكل متكرر مع بوتين حتى بعد الرئاسة، وهو ما يصفه وودورد بأنه أمر مزعج ويعكس نفوذ ترامب المستمر ووجوده المثير للانقسام في السياسة الخارجية الأمريكية.
أسلوب وودورد معروف ويمكن القول إنه فريد من نوعه، كما يوضح هو نفسه قائلًا: "أُجريت جميع المقابلات لهذا الكتاب وفقًا لقاعدة الصحفي الأساسية ’الخلفية العميقة‘، وهذا يعني أنه يمكن استخدام جميع المعلومات، لكنني لن أقول من قدمها". يُترَك القارئ ليتأمل لماذا قالت المصادر ما أخبرته به وودورد. وأيضًا، لماذا صدق وودورد ما قيل له؟ بعد كل شيء، هناك قاعدة أساسية أخرى للصحفي وهي عدم السماح لنفسه بأن تتلاعب به مصادره.
وتحيزات وودورد واضحة، بالنسبة لترامب، فهو "ليس فقط الرجل الخطأ للرئاسة؛ بل إنه غير لائق لإدارة البلاد". وبالنسبة لبوتين، يقتبس تعريف وكالة الاستخبارات المركزية له بأنه "الذي يتميز بانعدام الأمن الشديد والطموح الإمبراطوري".
ويقع الكتاب في 370 صفحة من القطع المتوسط، إضافة إلى ملاحظات المصادر والفهرس، مقسم إلى ما لا يقل عن 77 فصلًا، بعضها قصير لا يتجاوز الصفحة. إنه نوع الكتاب الذي قد ينتهي الأمر بالعديد من القراء إلى وضع علامات على الصفحات بطريقة أو بأخرى.
يقدم الكتاب فحصًا دقيقًا لنهج إدارة بايدن في السياسة الخارجية وسردًا للآثار الأوسع لهذه الصراعات العالمية على دور أمريكا في العالم.
يتحدث الصحفي المخضرم عن غضب بايدن من نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأسلوب كامالا هاريس الدبلوماسي العلني في مقابل نهجها السري الخاص.
عندما بدأ المؤلف كتابة كتابه، كانت حرب أوكرانيا هي القضية المهيمنة، لكن هجوم حركة حماس، طوفان الأقصى، على كيان الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 استحوذ على المزيد من العناوين الرئيسية منذ ذلك الحين.
يوم 12 أكتوبر 2023، هبطت طائرة بلينكن في فلسطين المحتلة وذهب مباشرة للقاء نتنياهو في مجلس الحرب، قال نتنياهو: "نحن بحاجة إلى ثلاثة أشياء: الذخيرة، والذخيرة، والذخيرة"، فرد بلينكن: "نحن نقف معكم، نحن نقف معكم، نحن نقف معكم". ثم سأل بلينكن نتنياهو عن وضع المدنيين في غزة؟ كان رد نتنياهو سريعًا: "سنطردهم جميعًا إلى خارج غزة نحو مصر"، تفاجأ بلينكن ولم يعلق.
مثل نظرائهم الإسرائيليين، فوجئ مسؤولو الاستخبارات الأمريكية بالهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان: "إن هجوم حماس في 7 أكتوبر كان أكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل"، في حين قالت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز: "لا شك أن هجوم 7 أكتوبر كان مفاجأة". بعد ساعات من هجوم طوفان الأقصى، ينقل وودورد قلق نتنياهو بشكل خاص من أن يشن حزب الله هجومًا على إسرائيل من الشمال إذ اتصل بجاك سوليفان وأخبره بمعلومات كاذبة عن هجوم واسع يقوم به حزب الله، ثم قال له: "جاك، نحتاج منك الآن أن تهدد حزب الله".
بعد أن حصل سوليفان على موافقة بايدن، اتصل بمستشارة السياسة الخارجية ورئيسة هيئة الأركان، كيلي ماجسامين، وأمرها بأن تحرك حاملة الطائرات في البحر الأبيض المتوسط التي كانت تساعد أوكرانيا إلى شواطئ لبنان. لكن القيادة الوسطى الأمريكية اكتشفت أن المعلومات الإسرائيلية عن هجوم حزب الله كاذبة.
إحباط بايدن من كذب نتنياهو
يكشف وودورد عن مدى الإحباط الذي أصاب بايدن تجاه نتنياهو ويصف العلاقة المتقلبة بين الرجلين في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023 ، فبينما أعرب بايدن علنًا عن دعمه القوي لإسرائيل. ففي الخفاء كان مستاءً من نتنياهو وشتمه في كثير من الأحيان بألفاظ خادشة.
وبعد أن اغتالت إسرائيل أحد كبار قادة حزب الله فؤاد شكر، والقيادي البارز في حماس إسماعيل هنية، في أواخر يوليو الماضي، صاح بايدن في وجه نتنياهو عبر الهاتف قائلًا: "أنت تعلم أن صورة إسرائيل اهتزت في جميع أنحاء العالم"، رد نتنياهو: "هذا هنية أحد الإرهابيين، لقد رأيناها فرصة واغتنمناها، وكلما زادت قوة الضربة، زادت فرص نجاحنا في المفاوضات".
لكن إحباط بايدن من نتنياهو ازداد مع استمرار الحرب؛ إذ اشتكى لأحد أقرب مساعديه في البيت الأبيض من كذب نتنياهو باستمرار، قائلًا: "نتنياهو ابن عاهرة، وكذاب لعين وشخص دنيء للغاية"؛ بل ذهب بايدن إلى أبعد من ذلك وقال: "إن 18 من أصل 19 شخصًا يعملون مع نتنياهو كاذبون".
مع ذلك، رفض بايدن وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة، واستمر في تقديم مليارات الدولارات من المساعدات، وفشل في منع وقوع كارثة إنسانية في غزة، أو الضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار.
نفاق هاريس
يكشف وودورد أنه حين كانت نائبة الرئيس كامالا هاريس تظهر تعاطفها مع معاناة الفلسطينيين في وسائل الإعلام، غضب نتنياهو منها لأنها تناقضت علنًا مع نهجها الأكثر ودية في اللقاءات الخاصة التي دارت بينهما. يقتبس وودورد من السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هيرتزوغ قوله عن هاريس: "إنها تريد أن تكون صارمة في الأماكن العامة، لكنها لم تكن أبدًا كذلك في الغرف الخاصة". لكن، لم يحصل مرة واحدة أن اختلفت هاريس جوهريًا مع دعم بايدن المستمر لإسرائيل، يؤكد وودورد.
محادثات ترامب مع بوتين
أحد أكثر الجوانب التي أثارت ضجة الرأي العام الأمريكي حول كتاب وودورد، فهي كشفه عن محادثات خاصة بين بوتين وترامب بعد أن غادر الأخير البيت الأبيض، ينقل الكاتب عن مساعد لترامب أن ترامب اتصل ببوتين سبع مرات منذ أن ترك البيت الأبيض، وبعث إليه سرًا أجهزة فحص فيروس كورونا خلال تفشي الوباء عام 2020 في وقت كانت الولايات المتحدة تواجه نقصًا في الأجهزة.
صحة بايدن
ولعل أبرز ما يكشفه الكتاب عن تدهور صحة بايدن حينما يقول: "تسببت المناظرة الرئاسية في يونيو 2024 مع ترامب في سحب بايدن ترشيحه، ولكن إلى متى كانت صحته العقلية موضع شك؟".
يروي وودورد تفاصيل 3 حملات جمع تبرعات مختلفة قبل عام، في يونيو 2023، عندما أخبره المشاركون لاحقًا أن الرئيس "مثل جدك الخرف البالغ من العمر 87 عامًا" و"لم يكمل جملة واحدة". في مايو 2024، في حملة لجمع التبرعات في وادي السيليكون لحوالي 30 شخصًا، اعتقد الضيوف أنه استخدم جهاز التلقين.
وفي جزء آخر من الكتاب، يروي المؤلف أن وزير الخارجية توني بلينكن كان في زيارة إلى المملكة العربية السعودية كجزء من رحلة إلى الشرق الأوسط مباشرة بعد هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل على أمل مقابلة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقد قيل له أن يكون مستعدًا للاجتماع إما في وقت لاحق من تلك الليلة أو في وقت مبكر من صباح اليوم التالي. وكانت النتيجة أن أبقاهم محمد بن سلمان منتظرين حتى الساعة السابعة صباحًا.
تحدث وودوورد عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وقال إنه "على الرغم من أكثر من 50 اجتماع تخطيط، فإن انسحاب إدارة بايدن (في 2021) من أفغانستان تحول إلى فوضى مدمرة. لقد فشلوا في توقع حالات الطوارئ والتخطيط لأسوأ السيناريوهات. وعندما خططوا، كان الأوان قد فات".
وتضمن الكتاب "أكثر المصادر ثرثرة": على الرغم من عدم الكشف عن هوياتهم، يبدو أن الكثير من الكتاب عبارة عن ذكريات وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين، ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ومنسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك.
كما اشتمل على "أكثر لغة سيئة"؛ حيث يبدو أن بايدن هو الفائز الواضح بهذه الجائزة المشكوك فيها. يقول بايدن: "بيبي (نتياهو)، ماذا بحق الجحيم (what the f***)؟"، هكذا صرخ بايدن في الهاتف على نتنياهو، وهو مثال ملائم على اللغة البذيئة التي يستخدمها. ومع ذلك، يتساءل المرء لماذا يخبر "صديق" للرئيس الأمريكي وودورد أن بايدن قال له: "لقد أمضيت خمس ساعات ذهابًا وإيابًا، ذهابًا وإيابًا على الهاتف مع اثنين من أكبر الحمقى في العالم - بيبي نتنياهو ومحمود عباس (الزعيم الفلسطيني)".
الحكم العام لوودورد على رئاسة بايدن أنه كانت هناك إخفاقات وأخطاء، "لكن الرئيس بايدن وفريقه سيتم دراستهم إلى حد كبير في التاريخ كمثال للقيادة الثابتة والهادفة".
يُشار إلى أن بوب وودورد صحفي أمريكي ولد في في 26 مارس 1943، وهو الآن في عمر 81. ويعد وورورد من أهم صحفيي التحقيقات الأمريكيين، ومرجعًا في صحفة الاستقصاء في العالم، عرف بأنه مفجر فضيحة "ووترغيت" التي دفعت الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة عام 1974، وظل منذ ذلك الحين يكتب تباعًا عن جميع الرؤساء الأمريكيين، حتى لُقِّب "بحامل مفاتيح البيت الأبيض".
"ووترغيت" من أشهر الفضائح الأمريكية، وقعت بعد قيام نيكسون بالتجسس عام 1972 على مكاتب الحزب الديمقراطي في مبنى ووترغيت، مما أدى بعد كشف الواقعة إلى إعلان استقالته في أغسطس 1974 ومحاكمته قبل أن يصدر الرئيس جيرالد فورد لاحقًا عفوًا عنه.
وتمكن وودورد من تأليف نحو 40 كتابًا طوال مسيرته المهنية، صنفت 16 منها بأنها أكثر مبيعًا في الولايات المتحدة، وقد تناول في بعضها أسرار وخفايا عدة حروب تورطت فيها أمريكا في العالمين العربي والإسلامي.
ومن أشهر كتبه، كتابان نشرهما بالتعاون مع الصحفي كارل برنشتاين حول فضيحة ووترغيت، وهما: "رجال الرئيس" عام 1974، و"الأيام الأخيرة" عام 1976. وله مؤلفات أخرى أبرزها: "القناع" عام 1990، و"القادة " عام 1991، و"أسرار ما قبل وما بعد حرب الخليج"، و"حروب بوش" عام 2002، و"خطة الهجوم" عام 2004، و"الرجل السري" عام 2005 و"حروب أوباما"، وكتاب "الخوف: ترامب في البيت الأبيض" عام 2018، وأخيرًا كتاب "الحرب".