القواعد العسكرية في قبرص.. مراكز لدعم إسرائيل والتجسس بالشرق الأوسط
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
تلعب القواعد العسكرية الوطنية والأجنبية في قبرص دورا خارجيا نشطا، لا سيما القواعد البريطانية والأميركية، التي تمثل مركزا لجمع المعلومات الاستخبارية وشبكة مراقبة لمنطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، ونقطة انطلاق رئيسية لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة، تخدم المصالح الإستراتيجية لتلك الدول.
ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، استخدمت القوات الأميركية والبريطانية القواعد العسكرية في قبرص مركز انتشار لتنفيذ عمليات واسعة شملت دولا إقليمية، بما فيها سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن.
وتخدم هذه القواعد المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة عبر التعاون العسكري والاستخباراتي، ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تدعم القوات الأميركية والبريطانية إسرائيل في العدوان الذي تشنه على قطاع غزة، وتزودها بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، مستخدمةً قاعدتي أكروتيري وديكيليا.
وعلى خلفية هذا الدعم الذي تتيحه القواعد العسكرية في قبرص لإسرائيل في حربها الشاملة، حذر الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله الحكومة القبرصية من فتح المطارات والقواعد القبرصية لإسرائيل إذا قررت شن حرب على لبنان، وهدد باعتبار قبرص حينذاك جهة مستهدفة في الحرب.
لا تتمتع قبرص بمقومات عسكرية كبيرة، وتضم القيادة الجوية للحرس الوطني القبرصي أسطولا مكونا من 20 طائرة مروحية و4 طائرات من دون طيار و6 بطاريات للدفاع الجوي.
كما تمتلك 3 وحدات مضادة للطائرات، تعمل على تشغيل أنظمة صواريخ أرض-جو متعددة، وتنتشر البطاريات وقاذفات الصواريخ في أنحاء الجزيرة، ويتمركز معظمها في القواعد العسكرية الرئيسية للحرس الوطني القبرصي.
وتقتصر المنشآت العسكرية للجيش القبرصي على قاعدتين جويتين وقاعدة بحرية، إضافة إلى بعض المرافق والمنشآت العسكرية الصغيرة، أو مرافق مدنية تستخدم للأغراض العسكرية إلى جانب الاستخدامات المدنية.
وأبرز المنشآت العسكرية الوطنية في قبرص، هي:
قاعدة أندرياس باباندريوتقع قاعدة أندرياس باباندريو الجوية على بعد 10 كيلومترات من مدينة بافوس شمالي مطار بافوس الدولي، وهي القاعدة الرئيسية لسلاح الجو القبرصي، وأكبر قاعدة جوية وطنية في البلاد، وتشتمل على غالب البنية التحتية الجوية، والعديد من وحدات الاتصال التابعة للقوات الجوية.
وقد اهتمت السلطات القبرصية بالنهوض بالبنية التحتية للقاعدة، والعمل على تحديثها وتطويرها في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، فأنشأت حظائر للطائرات وأرصفة إضافية ومراكز للصيانة.
وتمثل القاعدة مقر الوحدة القتالية 55، وهي عبارة عن مجموعة عملياتية مستقلة، تابعة لقيادة القوات الجوية القبرصية، تشبه المجموعات النموذجية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتتطلب مهامها دوام الجاهزية على أعلى مستويات الكفاءة للعمل في جميع الظروف والأوقات.
والوحدة مسؤولة عن تشغيل 5 أسراب عسكرية، هي: سرب طائرات المروحية الهجومية 450، وسرب البحث والإنقاذ 460، وسرب الطائرات من دون طيار 470، وسرب الدفاع الجوي 457، إضافة إلى سرب دعم الخدمة القتالية.
وتشكل القاعدة مركزا اعتياديا للمناورات والتدريبات العسكرية المشتركة، التي تقوم بها الوحدة 55 مع دول عديدة مثل اليونان وفرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا ومصر.
وقد سمحت قبرص للطائرات المقاتلة الروسية في سوريا، بموجب اتفاق لها مع روسيا عام 2015، بأن تستخدم قاعدة أندرياس باباندريو العسكرية والمطارات الأخرى في الحالات الطارئة.
وعقب معركة طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة، بدأت المروحيات التابعة للقوات الفرنسية والألمانية والهولندية والأميركية باستخدام قاعدة أندرياس مركزا لعملياتها في شرق البحر الأبيض المتوسط لإجلاء رعاياها من دول المنطقة، كما تقوم المروحيات التابعة لهذه البلدان بنشاطات تدريبية يومية.
تقع قاعدة لاكاتاميا الجوية على بعد 7 كيلومترات جنوب نيقوسيا، وهي إحدى القواعد البريطانية إبّان الاحتلال الإنجليزي للجزيرة، وقد كانت في وقتها قاعدة نشطة، وضم مطارها آنذاك مدرجين. وبعد استقلال البلاد، سلّم البريطانيون القاعدة للسلطات القبرصية، وقد تراجعت أهميتها في أول الأمر، إذ اعتمدت القوات المسلحة القبرصية التمركز في نيقوسيا.
وعقب التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974، لم تعد قوات الدفاع القبرصية قادرة على استخدام نيقوسيا، فأعادت تنشيط قاعدة لاكاتاميا، التي أصبحت المقر الرئيسي للقوات الجوية القبرصية، كما تم تغيير اسمها إلى نيكولاس لويزو، على اسم أحد الضباط الذين قتلوا في المعارك مع الأتراك، تكريما له.
وكان يتمركز في القاعدة سرب العمليات الجوية 449، الذي يقوم بالعمليات العسكرية وتشغيل المعدات والمروحيات فيها. وفي عام 2010، تم توقيف عمل السرب، ودمجت 4 طائرات تابعة له مع السرب 450 في قاعدة أندرياس، وعلى إثر ذلك، قلّ النشاط العملياتي في لاكاتاميا، واقتصر استخدامها على عدد قليل من الطائرات.
قاعدة إيفانجيلوس فلوراكيستقع قاعدة إيفانجيلوس فلوراكيس البحرية في ماري على الساحل الجنوبي لقبرص. والبنية التحتية للقاعدة ليست مجهزة بما يكفي لتلبية الطلب المتزايد على استخدامها، إذ لا تستطيع السفن الحربية التي يزيد طولها على 65 مترا الرسو في مينائها.
ونظرا إلى الرسوم الباهظة التي يفرضها ميناء ليماسول المخصخص، فقد أدى هذا الوضع إلى استياء بعض الدول التي تعتمد سفنها على قبرص في استيفاء خدمة الموانئ، مما يتعارض مع رغبة السلطات القبرصية في لعب دور محوري في المنطقة.
وترغب قبرص في تعزيز دورها الجيوسياسي والعملياتي في منطقة شرق المتوسط، كخدمة القطع البحرية الألمانية التي تعمل في إطار مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" وتتخذ من لارنكا مقرا لها، إضافة إلى السفن الحربية لشركائها الإستراتيجيين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليونان وفرنسا، والتي ترسو في موانئها بشكل متكرر.
وفي مايو/أيار 2023، أعلنت قبرص عن تطوير البنية التحتية للقاعدة، وتوسيع الميناء بما يكفل رسو السفن الكبيرة الحجم، وبناء حوض لأعمال الصيانة وإصلاح السفن الحربية. ويرتبط المشروع باتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، التي ستسهم في دعم المشروع.
منشآت أخرىتضم قبرص منشآت عسكرية مهمة كمركز مراقبة القوات الجوية القبرصية، الذي يقع في ترودوس وسط الجزيرة، وهو عبارة عن مركز تحكم يضم العديد من وحدات الرادار وأنظمة القيادة والسيطرة وأنظمة الدفاع الجوي.
وتستخدم القوات المسلحة القبرصية منشآت مدنية بشكل منتظم مثل مطاري بافوس ولارنكا الدوليين وميناء ليماسول، وتتيح السلطات هذه المنشآت المدنية كذلك للاستخدام العسكري الأجنبي، ومن ذلك سماحها للسفن الحربية الفرنسية والألمانية والروسية وغيرها باستخدام ميناء ليماسول.
القواعد الأجنبية في قبرصتتمتع قبرص بموقع إستراتيجي متوسط بين الشرق والغرب، وتمتاز بقربها من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومناطق الصراع فيها، لذلك حرصت الدول الكبرى على تثبيت وجود عسكري لها على أراضي الجزيرة، لما يتيحه موقعها من إمكانية الوصول السريع إلى الأهداف.
وقد احتفظت بريطانيا بعد استقلال قبرص عنها عام 1960 "بمناطق سيادية" خاضعة لسيطرتها بشكل كامل، وذلك بموجب اتفاقية لندن عام 1959، وتغطي هذه المناطق مساحة تبلغ 256 كيلومترا مربعا بما يعادل نحو 3% من مساحة الجزيرة، وتضم منطقتين منفصلتين في جنوبي البلاد، هما: ديكيليا وأكروتيري، إحداهما في شرق الجزيرة، والأخرى في الغرب.
وقد تمكنت بريطانيا بفضل المنطقة السيادية من الحفاظ على وجود عسكري دائم لها في نقطة إستراتيجية في شرق المتوسط، وإنشاء قاعدتي أكروتيري وديكيليا العسكريتين، وبموجب المعاهدة، فإن المملكة المتحدة ليست ملزمة بإبلاغ السلطات القبرصية عن نشاطاتها في تلك المنشآت.
وتضم القواعد البريطانية في قبرص كتيبتي مشاة مقيمتين وأذرع دعم، تتمثل في قوات لوجيستية ومهندسي الكهرباء والميكانيكا والشرطة العسكرية وأطباء الجيش. ويقيم في المنطقة السيادية، بحسب أرقام وزارة الدفاع البريطانية لعام 2022، نحو 2490 عنصرا بريطانيا تم تعيينهم بشكل دائم للعمل في القواعد.
وقد أصبحت الميزة الإستراتيجية للمنشآت العسكرية في قبرص بالنسبة للمملكة المتحدة أكثر أهمية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.
تقع قاعدة أكروتيري الجوية في شبه جزيرة أكروتيري جنوبي غربي قبرص، وتضم مستشفى ومحطة أرصاد جوية ومطارا، وتُستخدم نقطة انطلاق مهمة لسلاح الجو البريطاني، لتأدية مجموعة متنوعة من العمليات العسكرية، تهدف إلى حماية المصالح الإستراتيجية البريطانية، وتعد مرافق الاتصالات في القاعدة عنصرا مهما في توثيق روابط المملكة المتحدة العالمية.
وتمثل القاعدة مركزا متقدما للعمليات الخارجية في الشرق الأوسط، وموقعا للتدريب على الطائرات النفاثة السريعة، وهي كذلك قاعدة عمليات مشتركة نشطة دائما لدعم العمليات الجارية في الإقليم، وقاعدة مجهزة للنشر السريع لطائرات مقاتلة من طراز تايفون وطائرات إف-35.
وتستضيف القاعدة أيضا طاقما من المروحيات التابعة لسلاح الجو البريطاني للاستجابة لحالات الطوارئ ودعم مكافحة الحرائق، وتؤدي مروحيات غريفين دورا مهما في عمليات البحث والإنقاذ، بالتعاون مع الشرطة القبرصية والقيادة الجوية للحرس الوطني.
وقد تأسست قاعدة أكروتيري عام 1955، واستقر فيها حينها 30 جنديا، وخلال سنة من تشغيلها تم تكثيف وحدة العمل فيها حتى بلغ عدد العاملين 260 ضابطا و2864 من الرتب الأخرى.
وفي أعقاب انسحاب بريطانيا من شرق السويس في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، تم نقل جميع طائرات ومروحيات سلاح الجو البريطاني إلى أكروتيري كأسراب دائمة، وبلغت القاعدة في تلك الفترة أوجها، وتدريجيا تم خفض التسليح فيها، وباتت مع نهاية الثمانينيات مركز تدريب وتشغيل متقدم.
تقع قاعدة ديكيليا جنوبي شرق قبرص على الشاطئ الشمالي لخليج لارنكا، وتتكون من حوالي 7 كيلومترات مربعة، وهي المقر الرئيسي لمنطقة قاعدة السيادة الشرقية، وتُستخدم موقعا لتمركز القوات البريطانية، ومركز تدريب، ومحطة انطلاق بين بريطانيا وجنوب آسيا والشرق الأقصى. كما تستخدم لأغراض دعم قوات الأمم المتحدة في قبرص.
وتتكون من كتيبة مشاة مقيمة، وسرب مهندسين، ووحدات لوجيستية مختلفة، وتضم مستشفى ومطارا صغيرا ومدارس وكنيسة والعديد من المرافق الرياضية والترفيهية، ويقطنها مدنيون بريطانيون مع عائلاتهم، يزيد عددهم على 1500 فرد.
القاعدة الأميركيةسمحت بريطانيا للقوات الأميركية بإقامة قاعدة عسكرية على أراضيها السيادية في قبرص، وصرحت وزارة الدفاع البريطانية بأن عناصر عسكرية أميركية تتمركز في قاعدة سلاح الجو البريطانية في أكروتيري منذ عام 1974، عندما بدأت عملية مراقبة حفظ السلام في الجزيرة.
وعلى الرغم من امتلاك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية على الأراضي البريطانية في قبرص منذ سبعينيات القرن العشرين، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا تكتمتا على حجم الوجود الأميركي وما يتعلق بأنشطته العسكرية والاستخباراتية في قبرص.
وقد كشف موقع ديكلاسيفايد عن انتشار 129 طيارا أميركيا بشكل دائم في قاعدة أكروتيري، إضافة إلى وحدة الاستطلاع الاستكشافي الأول، وهي أقدم وحدة طيران تابعة للجيش الأميركي، والمسؤولة عن تدريب أطقم طائرات الاستخبارات والاستطلاع.
كما أفادت الصحيفة بأن القوات المسلحة الأميركية بنت منشأة مكونة من 147 غرفة على مساحة 1.5 فدان من القاعدة البريطانية لاستيعاب طواقمها العسكرية وأنشطتها.
وتقول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن لديها 14 فردا فقط في قبرص، بمن فيهم 9 من مشاة البحرية وطيار واحد، بينما لا تعترف الحكومة البريطانية بأي معدات أميركية في مناطقها السيادية إلا طائرات "يو- 2″، ولكن التقارير تشير إلى وجود وحدات عسكرية أميركية أخرى نشطة.
مركز استخباراتيتُستخدم القواعد العسكرية في المناطق السيادية مركزا لجمع المعلومات الاستخباراتية، وشبكة مراقبة لمنطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ومنذ سبعينيات القرن العشرين، بدأ الحديث عن استخدام أميركا قاعدة أكروتيري محطة لمراقبة أنشطة الاتحاد السوفياتي.
وتشير وثيقة سرية مسربة عن مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية إلى أن قبرص تستضيف مجموعة واسعة من مرافق الاستخبارات البريطانية والأميركية، وبحسب موقع ديكلاسيفايد، فإن القواعد البريطانية في قبرص تشكل أكبر مرافق الاستخبارات البريطانية خارج المملكة المتحدة.
وتمتلك أميركا 4 مواقع للتجسس، منها: مركز اعتراض الاتصالات في آيوس نيكولاوس في ديكيليا، الذي يُعتقد أنه يعترض المكالمات والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهناك مركز تنصت آخر يجمع المعلومات الاستخبارية الإلكترونية السرية.
نقطة انطلاق للعمليات العسكريةاستخدمت القواعد الأجنبية في قبرص لإطلاق العديد من العمليات العسكرية منذ ثمانينيات القرن العشرين، فقد استخدمت القوات الأميركية قاعدة أكروتيري في منتصف الثمانينيات لتنفيذ هجمات على ليبيا، وفي عام 1990 انطلقت منها الهجمات على العراق.
وشنت بريطانيا إلى جانب قوات التحالف عام 2014 غارات جوية على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا باستخدام طائرات متمركزة في منشآتها العسكرية في قبرص، ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، قامت أميركا بعمليات عسكرية واسعة شملت سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن.
واستخدمت القوات البريطانية والأميركية القواعد في الجزيرة لشن غارات جوية على جماعة الحوثيين في اليمن على إثر مهاجمتهم القطع البحرية الإسرائيلية والسفن التي تعبر البحر الأحمر من وإلى إسرائيل.
خط خلفي لدعم إسرائيللا تمتلك إسرائيل أي مرافق عسكرية في قبرص، لكنها ترتبط بعلاقات عسكرية ومعاهدات أمنية مع قبرص وبريطانيا وأميركا، مما يخولها الاستفادة بفاعلية من القواعد العسكرية في الجزيرة.
وتتمتع قبرص بعلاقات عسكرية وطيدة مع إسرائيل، وتقوم القوات المسلحة للبلدين بمناورات وتدريبات عسكرية منها تدريبات "أونيسيلوس-جدعون"، التي تقام سنويا في إطار برنامج التعاون العسكري بين قبرص وإسرائيل، وتنطلق التدريبات من منطقة معلومات الطيران بنيقوسيا، وتغطي مساحة كبيرة من أراضي قبرص.
ولإسرائيل علاقات استخباراتية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة، وبحسب وثائق مسربة، تتمتع إسرائيل وفقا لذلك بميزة الوصول إلى مواقع التجسس الأميركية في المناطق السيادية في قبرص، والاستفادة من بياناتها.
وتشير تقارير عديدة، نشرها موقع ديكلاسيفايد وصحيفة هآرتس الإسرائيلية، إلى أن وتيرة الرحلات الجوية من أكروتيري إلى إسرائيل ارتفعت بشكل متزايد منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في خريف 2023.
وتضيف التقارير ذاتها أن القوات البريطانية والأميركية تدعم الهجوم الذي تشنه إسرائيل على غزة بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية من قاعدتي أكروتيري وديكيليا، وأن الولايات المتحدة تنقل أسلحة إلى إسرائيل من مختلف أنحاء أوروبا باستخدام قاعدة أكروتيري.
وقد نفت بريطانيا مرارا قيام سلاح الجو البريطاني بنقل مواد قاتلة إلى إسرائيل. وأعلنت السلطات الأميركية أن الأنشطة العسكرية الأميركية في المنطقة متوافقة تماما مع القانون الدولي، كما نفت قبرص، في ردها على تهديد حزب الله، أن تكون متورطة في الصراع بأي حال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القواعد العسکریة فی القواعد البریطانیة الولایات المتحدة العسکریة فی قبرص القوات المسلحة الجو البریطانی عسکریة فی قبرص القرن العشرین البریطانیة فی الشرق الأوسط إلى إسرائیل فی المنطقة تقع قاعدة إضافة إلى جویة على
إقرأ أيضاً:
نهج ترامب، وإعادة توزيع النفوذ الدولي بالشرق
#نهج_ترامب، وإعادة توزيع #النفوذ_الدولي بالشرق
د. #هشام_عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية
إذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن الشرق الأوسط لا يسمح له بذلك دون تعديلات جذرية. كلما استقرت خريطة النفوذ، تدخلت قوى جديدة لتعيد رسم المشهد وفق مصالحها الخاصة. اليوم، لا تتغير الخرائط بالحروب المباشرة، بل عبر الضغوط الاقتصادية، والمناورات السياسية، واتفاقيات غير معلنة تُبرم خلف الأبواب المغلقة.
الشرق الأوسط يشهد مرحلة إعادة ضبط واسعة: إيران تتراجع، روسيا تحاول الحفاظ على موقعها، الولايات المتحدة تعيد فرض استراتيجيتها بضغط أكبر، وتركيا تترقب لتوسيع نفوذها حيثما أمكن. أما إسرائيل، التي لطالما كانت لاعبًا أساسيًا في أي تحول استراتيجي، فقد وجدت نفسها خارج بعض المعادلات، لكنها لا تزال قادرة على استغلال الفوضى لصالحها
في هذا السياق، تُطرح أسئلة أساسية:
هل نحن أمام شرق أوسط جديد يُرسم وفق رؤية ترامب أم وفق فوضى لا أحد يسيطر عليها؟
هل الهدف من الحصار الأمريكي لإيران هو إخضاعها بالكامل، أم أنها مجرد ورقة في صفقة أكبر؟
وأخيرًا، هل الاتفاق بين إسرائيل وحماس في مرحلته انقلالية الثانية يخدم نتنياهو، أم أنه محاولة لشراء الوقت وإعادة ترتيب الأوراق؟
(1) سوريا: مسرح القوى المتصارعة لكن بلا تأثير إسرائيلي
بعد سنوات من الصراع، لم تعد إيران لاعبًا مؤثرًا في سوريا. انسحابها لم يكن مجرد قرار، بل نتيجة لضغوط مركّبة سياسية وعسكرية واقتصادية جعلت وجودها غير قابل للاستمرار. لم تعد دمشق جزءًا من مشروعها الإقليمي، ولم يعد لها نفوذ يمكن الحديث عنه بعد تقلص دور حزب الله وفقدان السيطرة على الميليشيات الموالية لها.
اليوم، المشهد السوري يُعاد تشكيله بين موسكو وواشنطن وأنقرة، لكن لا يمكن اعتبار إسرائيل جزءًا من هذه اللعبة. صحيح أن تل أبيب تشن ضربات جوية من وقت لآخر، لكنها لا تؤثر فعليًا على الوضع الاستراتيجي داخل سوريا. الضربات التي تنفذها إسرائيل ليست محاولة لإعادة ترتيب المشهد، بل مجرد عمليات أمنية لضمان عدم تشكل تهديدات مستقبلية من الأراضي السورية.
إذا كان هناك من يعيد رسم خطوط النفوذ داخل سوريا، فهو ليس إسرائيل، بل روسيا التي تحاول إدارة علاقتها المعقدة مع تركيا والولايات المتحدة، بينما تحاول الحكومة المؤقتة في دمشق أن تجد لنفسها موقعًا ضمن هذه التوازنات دون امتلاك القدرة الحقيقية على فرض أي معادلة مستقلة بسب من تركة نظام الاسد من فاسد مدمر بكل موسسات الدولة السورية ٫
(2) حصار إيران: الاستسلام أم جزء من صفقة أكبر؟
الولايات المتحدة لم تختر فقط الضغط على إيران، بل تنفيذ استراتيجية حصار كامل أزالت فيه آخر مواقع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
في لبنان، لم يعد حزب الله بنفس القوة، بسبب الأزمة الاقتصادية والضغوط الخارجية.
في سوريا، خرجت إيران بالكامل من المشهد.
في فلسطين، لم تعد إيران قادرة على تقديم الدعم كما في السابق.
في اليمن، الضربات الجوية الأمريكية على الحوثيين تستهدف إضعاف آخر أذرع إيران العسكرية في المنطقة.
السؤال هنا:هل هذه الاستراتيجية تهدف إلى إجبار إيران على الخضوع بالكامل؟ أم أن الضغط الأمريكي هو مجرد ورقة في صفقة أخرى أكبر لم تُعلن بعد؟
واشنطن لا تمانع التفاوض مع طهران، لكن بشروطٍ قاسية: وقف دعم الفصائل المسلحة، الانسحاب من الأزمات الإقليمية، والتخلي عن أي طموح نووي أو استراتيجي مستقل. لكن هل إيران مستعدة للخضوع لهذه الشروط؟ أم أنها ستحاول البحث عن طرق أخرى للمناورة، مثل التقارب مع أوروبا، أو حتى إعادة ترتيب علاقتها مع بعض القوى الإقليمية؟
بعض العواصم الأوروبية تبحث عن حلول بديلة ردًا على الضغوط الأمريكية.
استمرار الضغط الأمريكي قد يؤدي لتغير غير متوقع في العلاقات الأوروبية-الإيرانية، مما يعيد التوازن في المنطقة.
(3) أوكرانيا: الفخ الذي وقع فيه الجميع!
الحرب الروسية-الأوكرانية لم تكن مجرد صراع إقليمي، بل كانت كمينًا استراتيجيًا نُصب لأوروبا أكثر مما كان موجهًا لروسيا. واشنطن، التي لطالما أرادت إبقاء أوروبا تحت المظلة الأمريكية، وجدت في هذه الحرب فرصة ذهبية لربط القارة العجوز بها من جديد.
النتيجة؟ أصبحت أوروبا أكثر ارتهانًا للولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا، وأصبح القرار الأمني الأوروبي يُصاغ في البيت الأبيض أكثر مما يُصاغ في بروكسل. أما روسيا، فرغم العقوبات والضغوط، لم تنهَر كما توقع البعض، بل وجدت في هذه الحرب فرصة لتعزيز نفوذها في مناطق أخرى، وربما للمساومة لاحقًا مع واشنطن على ملفاتٍ أكثر أهمية من أوكرانيا نفسها.
أمريكا بلا ناتو؟ هل أصبح كل شيء ممكناً؟
وهنا نأتي إلى الفكرة الأكثر جنونًا على الإطلاق: إيلون ماسك، الرجل الذي يريد إرسال البشرية إلى المريخ، يُقال إنه همس في أذن ترامب بأن الولايات المتحدة قد تكون أقوى لو انسحبت من الناتو أو حتى الأمم المتحدة. بعبارة أخرى، “لماذا نتبع القوانين الدولية بينما يمكننا أن نصنع قوانيننا الخاصة؟”
السؤال هنا: هل يمكن لأمريكا أن تصبح دولة “خارج القانون”، تتصرف كما يحلو لها بلا أي قيود؟ أم أن خروجها من هذه المنظمات سيجعلها تفقد نفوذها تدريجياً لصالح قوى أخرى مثل الصين وروسيا
في هذا السياق، تُطرح أسئلة أساسية:
هل نحن أمام شرق أوسط جديد يُرسم وفق رؤية ترامب أم وفق فوضى لا أحد يسيطر عليها؟
(4) تشتيت للأزمة أم تمهيد لصفقة أكبر؟
إذا نظرنا إلى المشهد العام، نرى أن ما يجري الآن قد يكون أكثر من مجرد تفاهمات محلية، بل قد يكون جزءًا من تحولات أوسع تهدف إلى ضبط الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في إطار جديد.او كأداة تكتيكية لكسب الوقت؟
ما هو واضح أن الجميع يناور، ولا أحد يريد أن يحسم الأمور بشكل نهائي. لا واشنطن مستعدة لمواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين بسبب ارتقاء الموقف العربي الرسمي ، ولا إسرائيل قادرة على إدارة حرب طويلة دون غطاء دولي، ولا حماس مستعدة للتخلي عن أوراقها دون مقابل واضح بالوقت الحالي .
الخاتمة: من يرسم ملامح المرحلة المقبلة؟
نحن اليوم أمام شرق أوسط يُعاد ترتيبه وفق حسابات دقيقة، حيث لم تعد القوة العسكرية هي المحدد الوحيد، بل أصبحت المصالح والصفقات أكثر تأثيرًا.