قراءة اشتراكية لمداخلة فياض: الصيغة اللبنانية ليست هشة والكيان، لا الطوائف، يواجه التحديات الوجودية
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
الحلقة الأولى من سلسلة نقاشات يفتتحها "لبنان 24" في 1-6-2024، عقدت حركة "تجدد للوطن" مؤتمرها السنوي تحت عنوان "من لبنان الساحة... إلى لبنان الوطن" في البيال، ومن ضمن فعاليات هذا المؤتمر ألقى عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض مداخلة بعنوان"موقع لبنان في النظام الاقليمي الجديد" أثارت ردود فعل استثنائية داخل المؤتمر وعلى مدى الأسابيع الماضية، بحيث جرى تداولها على نحو واسع وجذبت اهتمام الاحزاب لما تضمنته من طروحات جديدة تفتح الباب أمام مناخ حواري لبناني لمناقشة قضايا غير مسبوقة خاصة وأن فياض هو أحد مسؤولي حزب الله ونوابه البارزين.
تضمنت المداخلة الدعوة إلى التعاطي مع هواجس الطوائف كما هي حتى لو كانت تستند إلى أوهام لأن تلك الهواجس ذات أثر واقعي، واعتبر فياض أن الهاجس الاساس عند الطائفة السنية هو حماية اتفاق الطائف الذي اعطى موقعا متميزاً لرئيس الحكومة في البنية الدستورية، أما الهاجس الدرزي الاساسي، فهو حماية الدور في ظل التحولات والاضطرابات التي تخيم على لبنان والمنطقة، اما الهاجس المسيحي الأكبر فهو يتمثل بحماية الوجود واستعادة الدور والصلاحيات في ظل مشكلة التضاؤل الديمغرافي في حين أن الهاجس الشيعي هو حماية الوجود في مواجهة العدوانية الاسرائيلية، معتبراً أن الهاجسين السني والدرزي هما هاجسان سياسيان طبيعيان، أما الهاجسان المسيحي والشيعي فهما هاجسان وجوديان يستدعيان أدوات معالجة من خارج المنطق الطبيعي للدولة.
ويرى فياض أن الصيغة اللبنانية هشة جداً بحيث أنها تنتج بطرفة عين أزمة حكم ومؤسسات، وقوية جداً بحيث لا يستطيع أي من المكونات إحداث تغييرات فيها. ووفق قراءته للدستور وما ينص عليه مدخل المادة 95 بأن ما دون مرحلة الاصلاحات الجذرية هي مرحلة انتقالية، وما لم تطبق هذه الإصلاحات، جاز القول أيضاً أن الدولة أيضاً هي دولة انتقالية. ومن ناحية أخرى يرى فياض أن البيئة الاقليمية تمر في مرحلة انتقالية لولادة نظام اقليمي قيد التشدد في ظل صعود جيواستراتيجي لـ"محور المقاومة" الذي يعاني في المقابل من ضعف جيواقتصادي، في حين أن الخريطة المجتمعية على المستوى الاقليمي "الجيو مجتمعي" تعاني من انقسامات خطيرة.
وبحسب النائب فياض فإن المعالم الكبرى لهذا النظام الاقليمي هي، إسرائيل أكثر ضعفاً، والولايات المتحدة أقل قدرة على الإمساك بملفات المنطقة، ومحور المقاومة أكثر فعالية.
يشدد فياض على نجاح تجربة التكامل بين المقاومة والدولة بعيداً عن علاقة الاحتواء ، ومشدداً على ضرورة المحافظة على المسافة الفاصلة بين الدولة والمقاومة وقد خلص في مداخلته إلى الانتقال من المعالجات العائمة إلى المعالجات العميقة مؤكداً على الأهمية الحاسمة لثلاث خلاصات وهي : قيمة الدولة وقيم التفكير الدولتي. المقاومة لمواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها لبنان. اعتماد منهجية تبادل الهواجس والضمانات بين المكونات اللبنانية.
بالاستناد إلى ذلك يستضيف "لبنان 24" تباعاً أصحاب رأي أكاديميين يعبرون عن اتجاهات سياسية مختلفة لمناقشة ما ورد في مداخلة فياض من أفكار حوارية جديدة.
الحلقة الأولى مع استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية والقيادي في "الحزب التقدمي الاشتراكي" الدكتور وليد صافي.
من المهم، بحسب الدكتور صافي، أن نلاقي بعضنا البعض في منتصف الطريق، وذلك لإطلاق حوار جدي ومسؤول حول القضايا الشائكة التي نختلف عليها. ولبنان بتركيبته السياسية والطائفية التعددية محكوم بالحوار والتسويات، وقد أكدت التجربة اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم أن الاقتتال الداخلي ومواجهة القضايا الخلافية بمقاربات مضادة ،كانت كلفتها كبيرة على المستويات كافة ولم تؤد إلى حل مشاكلنا المستعصية. لذلك يبقى الحوار والتسوية أقل كلفة بكثير ومن شأنهما أن يفتحان الأفق على حلول مستدامة ويعززان الثقة بين الطوائف .
لكل طائفة هواجسها المختلفة، وهذا أمر ليس جديداً في لبنان. والأزمة التي يمر بها البلد على المستوى الوطني والانسداد في أفق التسوية السياسية بدءا من انتخاب الرئيس وصولاً إلى البحث في المسائل الخلافية كافة ، هي المسؤولة، بحسب صافي، عن عودة الهواجس لتتصدر المشهد السياسي.
ولا يوافق القيادي في الاشتراكي، نائب حزب الله أن هناك طوائف تواجه تحديات وجودية لا يمكن حلها من خلال منطق الدولة. بالاساس، لبنان الكيان يواجه التحديات الوجودية وليس بعض الطوائف، وأن الدولة هي المرجعية التي يمكن أن نعهد إليها بتبديد الهواجس وتقديم الضمانات للجميع. فالطوائف تستطيع من خلال مواقفها العقلانية والواقعية أن تطمئن بعضها البعض. أما الضمانات فهي مسؤولية الدولة. واحترام دستور الدولة وقوانينها والحفاظ على اللعبة الديمقراطية والحريات والتنوع السياسي، كل ذلك يشكل أهم الضمانات للطوائف كافة.
ويعتبر الدكتور صافي أن اتفاق الطائف لم يكرس هواجس الطوائف ولا يوجد في علم السياسة ما يبرر القول أننا في دولة انتقالية. ويلفت الانتباه إلى اهمية الفصل بين الدولة والنظام السياسي. عناصر الدولة هي الاقليم الجغرافي، السكان والحكومة او السلطة السياسية. الدولة اللبنانية مكتملة الشروط، ويمكن الحديث عن المرحلة الانتقالية في النظام السياسي الذي ينتظر إكمال الإصلاحات التي حددها اتفاق الطائف وهي تتناول الإصلاح السياسي والاقتصادي والقضائي وفي مقدمها إنشاء مجلس شيوخ ، وإعداد قانون انتخابي على أساس وطني وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية واعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة . ويبقى الطائف في رأي الدكتور صافي هو العقد الاجتماعي الناظم لحياتنا السياسية والدستورية، ومن الحكمة اليوم التمسك به وعدم القفز فوق ، أو تفسيره بما يتوافق مع المصالح الضيقة، والحفاظ على روحه الميثاقية وعدم إخضاعه للعبة ميزان القوى.
وفي السياق، يتردد في بعض الصالونات السياسية أن الدروز يخوضون اليوم معركة البقاء، وأن مصلحتهم تكمن في الوقوف إلى جانب العروبة. ومن هذا المنطلق يقول القيادي في الحزب الاشتراكي أن الدروز يخوضون اليوم بقيادة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط معركة وجود لبنان والحفاظ على رسالته ونظامه الديموقراطي وهم لا يشعرون البتة أن وجودهم مهدد. فالدروز يشعرون بالتحديات التي تواجه لبنان والعالم العربي والقضية الفلسطينية، لذلك هم اليوم أكثر من أي وقت مضى متمسكون بخياراتهم السياسية التي تنسجم مع تاريخهم العروبي والإسلامي. ففي الماضي لقبهم الأب يواكيم مبارك "بالأرستقراطية المحاربة"، نظراً إلى دورهم الطليعي في مواجهة كل مشاريع الإخضاع التي تتعرض لها المنطقة. أما اليوم فيمكن وصفهم "بالأرستقراطية السياسية"، التي تتميز بالحكمة في قراءة الأحداث وطرح المقاربات للحفاظ على لبنان في إطار التنوع ضمن الوحدة، وعدم الانسياق وراء الأوهام والمشاريع التي لا تتفق مع تاريخنا وانتمائنا العربي. فموقف الدروز من القضية الفلسطينية وتأييد حق الفلسطينيين بالمقاومة للاعتراف بحقوقهم وتأسيس دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية هو موقف تاريخي ومبدئي كرسه الشهيد كمال جنبلاط وحافظ عليه النائب السابق جنبلاط رغم كل التحديات والمخاطر. وللتذكير فإن اتفاق الطائف الذي كرس نهائية الكيان اللبناني، قد أكد أيضاً دون أي لبس انتماء لبنان وهويته العربية. لذلك، فالدروز متصالحون مع أنفسهم في اعتقادهم الراسخ بعدم تناقض انتمائهم اللبناني مع انتمائهم العربي، إذ ينظرون إلى العروبة على أنها رابطة حضارية وليس قومية مغلقة. كما أنهم، بحسب الشهيد كمال جنبلاط، "وديعة الاسلام" في هذا الشرق الغني بثقافته وتقاليده وقيمه. وبالنتيجة، الدروز هم إلى جانب العروبة وحريصون على أن يستعيد العالم العربي مكانته الاقليمية والدولية، وهذا الموقف لا يتعلق بالمصالح الآنية والظرفية، إنما هو مرتبط بتاريخهم وهويتهم والتي تعرضت لتحديات كبيرة، لكنهم عرفوا كيف يدافعون عنها ويحافظون عليها.
يرى صافي أن الصيغة اللبنانية ليست صيغة هشة، معتقداً أن الممارسات السياسية التي لا تتفق مع روحية هذه الصيغة والتي تخالف أحكام الدستور، هي التي تقف وراء هشاشة المشهد السياسي الحالي وتعطل آليات اتخاذ القرار في المؤسسات الدستورية. فالصيغة اللبنانية قائمة في روحها على التوافق، وهي تحتاج إلى رجال سياسة توافقيين ويعرفون معنى الحوار والتوافق وأهميتهما.
ولذلك، ليست الصيغة السياسية بمفردها من يمنع أي حزب من السيطرة على السلطة بالكامل، يقول صافي، فهناك دور أساسي للمواطنين اللبنانيين في هذا الموضوع. فاللبناني عبر تاريخه هو مقاوم لكل أنواع الإخضاع والاحتلالات والوصايات. والفكرة الواحدة أو نظام الحزب الواحد لا يمكن أن يعيشا في لبنان لأنهما ضد طبيعة رسالة لبنان. لبنان يقوم على الحريات والمبادرة الفردية والتعددية الدينية والسياسية، هو "ملتقى الإسلام والمسيحية"، كما وصفه الشهيد كمال جنبلاط، لذلك فهو مقبرة الفكرة الواحدة، والتوجهات التوتاليتارية.
ويعتقد القيادي في الاشتراكي أننا اليوم بحاجة إلى مراجعة طريقة إدارة الصيغة أكثر من الحاجة للنظر في التعديلات المطلوبة، كما يعتقد بأهمية تطبيق الطائف في كل محاور الإصلاح الذي تطرق إليه، فهذه أفضل طريقة للكشف عن الحاجة إلى التعديلات الضرورية وجعل النظام أكثر فعالية، فنحن بحاجة لتغيير الممارسات القائمة والعودة إلى احكام الدستور لقيام حكم القانون Rule of law. ويسأل ما هي منافع أية تعديلات في الصيغة، إذا بقيت الممارسة السياسية على حالها من تقويض لسلطة القانون، وتعميم ثقافة الإفلات من الحساب. لقد آن الأوان للنظر إلى فعالية النظام التي تخدم اللبنانيين كافة، بدلاً من السعي لبعض التعديلات التي تهدف إلى تحسين موقع هذا أو ذاك الطرف في الصيغة السياسية.
ويرى صافي أن الدولة المركزية قائمة في لبنان، وهي تمارس وظائفها السيادية في العلاقات الدبلوماسية والقضاء وصك العملة والأمن الوطني. لكن الاشكالية تكمن على مستوى السياسة الدفاعية اذ تعجز الدولة حالياً عن ممارسة دورها في قرار السلم والحرب. فحزب الله يتمسك بسلاحه ويعتبره ضمانة للتحديات الوجودية التي تواجهها الطائفة الشيعية بحسب الكلام الأخير للنائب فياض. وهناك تقدم في طرح الحزب من خلال الاقتراح القاضي بالحوار على وظيفة هذا السلاح. في الواقع، إن سلاح حزب الله هو مسألة اقليمية والكلمة الفصل فيه تعود للجمهورية الإسلامية. ومن حيث المبدأ، لا يجوز للدولة أن تتنازل لأي طرف عن أي من وظائفها السيادية لاسيما الأمن الوطني والدفاع . وهذا الأمر يكتسب أهمية بالغة في بلد مثل لبنان حيث أن السلاح بأيدي أي طائفة ومهما كانت وظيفته يعطي أرجحية لها في ميزان القوى الداخلي. ولكن لا يجب أن نقلل من أهمية الدور الذي أداه هذا السلاح والتضحيات التي بذلت في تحرير الجنوب ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وآخرها العدوان المستمر منذ عملية طوفان الأقصى. لذلك نحتاج إلى مقاربة واقعية لمسألة هذا السلاح والتفكير بسياسة دفاعية تعيد للدولة قرار السلم والحرب، وتتيح للجيش تحديد استراتيجية دفاعية قادرة على الاستفادة من خبرات المقاومة، لمواجهة التحديات والمخاطر الاسرائيلية القائمة، وما أكثرها مع حكومة بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف.
وإلى أن تنضج شروط تسوية إقليمية تساعد في حل هذه المسألة، يحتاج لبنان، وفق صافي، في هذه المرحلة إلى تفعيل العمل الدبلوماسي لتطبيق القرار 1701، وتفويت الفرصة على حكومة نتنياهو من إشعال حرب واسعة لا قدرة للبنان على تحمل تداعياتها. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: اتفاق الطائف حزب الله
إقرأ أيضاً:
قراءة في الفكر الاستراتيجي لليهود.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب للواء محمد الغباري
أصدرت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «قراءة في الفكر الاستراتيجي لليهود من كتبهم المقدسة لإقامة الدولة اليهودية» للواء الدكتور محمد الغباري.
يتناول هذا الكتاب دراسة الفكر الاستراتيجي اليهودي من خلال النصوص الدينية اليهودية، مثل التوراة والتلمود، ويوضح كيف تم استخدامها كإطار أيديولوجي لتحقيق الأهداف الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل. يسعى المؤلف إلى تحليل المبادئ الدينية التي اعتمد عليها اليهود عبر التاريخ في بناء مشروعهم، ومدى تأثيرها على السياسات الإسرائيلية الحديثة.
يدور الكتاب حول عدة محاور اساسية، منها الأسس الدينية والتاريخية للفكر الصهيوني حيث يوضح كيف استند المشروع الصهيوني إلى مفاهيم دينية مثل "شعب الله المختار" و"أرض الميعاد"، ويناقش كيف تم توظيف النصوص الدينية لتبرير احتلال فلسطين وتهجير سكانها.
أما المحور الثاني التخطيط الاستراتيجي لإنشاء الدولة الصهيونية، ويتطرق إلى الأدوار التي لعبها رجال الدين والمفكرون اليهود في تشكيل الوعي القومي اليهودي عبر العصور، ويوضح الكتاب كيف تم توظيف التعاليم الدينية لدعم مشروع الاستيطان والتوسع.
أيضا دور التوراة والتلمود في صياغة العقلية الصهيونية، ويناقش الكتاب كيف استُخدمت هذه الكتب في ترسيخ مفاهيم مثل الهيمنة الدينية، والتوسع الجغرافي، وإقامة الدولة اليهودية على حساب الشعوب الأخرى، ويوضح كيفية تبرير العنف والاستيطان والتمييز العنصري من خلال تفسير معين للنصوص الدينية.
وكذلك التطبيقات السياسية والعسكرية للفكر الصهيوني، حيث يرصد الكتاب السياسات الإسرائيلية الحديثة من منظور الفكر الديني الصهيوني، ويدرس مراحل الحروب الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني في إطار العقيدة اليهودية.
وانعكاسات الفكر الاستراتيجي اليهودي على الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يوضح كيف أثر الفكر الديني اليهودي على سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين والعرب، ويتناول العلاقة بين الديانة اليهودية والتوجهات السياسية والعسكرية للدولة الصهيونية.
يقدم الكتاب رؤية تحليلية عميقة لكيفية استخدام النصوص الدينية في تشكيل الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، مما يجعله مرجعًا هامًا لفهم طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي من منظور أيديولوجي، ويساعد الكتاب القارئ على إدراك الدوافع الفكرية والعقائدية التي توجه السياسات الصهيونية، ما يسهم في فهم أعمق للقضية الفلسطينية.
يقدم اللواء محمد الغباري في هذا الكتاب دراسة متعمقة حول الفكر الاستراتيجي اليهودي، معتمدًا على النصوص الدينية، ومبينًا كيفية تطويعها لخدمة الأهداف الصهيونية.
الكتاب يمثل إضافة مهمة لفهم جذور الصراع في المنطقة، ويكشف عن البعد الديني الذي لعب دورًا رئيسيًا في إقامة الدولة الصهيونية.