شينيجانغ.. أرض التعايش والتسامح الديني ومعبر القوافل التجارية على مر العصور
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
◄ الحكومة الصينية تنجح في القضاء على الفقر في شينجيانغ بفضل الزراعة
◄ ترسيخ أعمدة التسامح والتعايش بين الأديان والقوميات العرقية المتنوعة
◄ شينجيانج بوابة الصين الكبرى في "الحزام والطريق" بفضل حدودها مع 8 دول
◄ زيارات وجولات في مواقع تراثية تعكس الثراء التاريخي المُتنوِّع
◄ المائدة الشينجانية تتميز بالتوابل الحارة.
. والسمك المشوي بالصدارة
◄ الأكاديمية الإسلامية في أورومتشي.. صرح ديني لتعليم أصول الدين وترسيخ الاعتدال
◄ شينجيانغ زاخرة بتنوع موسيقي مُدهش ورقصات تقليدية عريقة
الرؤية - فيصل السعدي
السلام الاجتماعي والديني أساس التنمية الشاملة.. هذا ما أدركتُهُ خلال العشرة أيام التي قضيتُها في مقاطعة شينجيانغ الصينية، بما في ذلك فترة عيد الأضحى المبارك؛ حيث الأُلفة وتقبل الأديان والقوميات؛ مما ساهم في رفع المستوى التنموي للمقاطعة والمستوى المعيشي للفرد في هذه المقاطعة ذات الأغلبية المُسلمة والتي تتمتع بحكم ذاتي.
ولعل أكثر ما يثير الدهشة في مختلف المدن والقرى التي زرتها، استثمار الموارد الطبيعية في تجسيد لـ"بداية الحضارات"؛ فالمشاهد الزراعية والمساحات الحضراء لم تفارق نافذة الحافلة، كما لم تقتصر الثروة الزراعية الهائلة في شينجيانغ على زراعة الحبوب والفواكه؛ بل تعدت إلى زراعة القطن والخُوزامي بأحدث التقنيات الزراعية. ولم تكن لتكتمل العملية التجارية إلّا بمصانع تُنتج مختلف المنتجات العطرية ومستحضرات العناية بالبشرة من زهور الخُزامَى، ومصنع القطن الذي ينتج المنسوجات والملابس، مما يضمن مختلف الوظائف للأسر الشينجانية، وبالتالي زيادة دخل الفرد وتحولت الكثير من الأسر الريفية الزراعية إلى أسر مُتمَدِّنة تعمل في الصناعة والبيع والتصدير.
ومع تنوُّع السلة الغذائية في شينجيانغ مثل البطيخ والعنب والكوميثرا والكرز والرُمّان وغيرها، نجحت الحكومة الصينية في القضاء على الفقر؛ حيث وفرت شتى الطرق والسبل في استزراع الأراضي القاحلة وتحويلها إلى استثمار وأمن قومي للبلد فقد تم العمل على استغلال الممرات المائية والأودية ومعابر المياة الناتجة عن ذوبان الثلوج في الصيف في ري المزارع بالإيضافة إلى محاربة التصحر والحد من التلوث.
السلام أساس التنمية
تعاملت الحكومة الصينية بحكمة التعايش وتقبل الأديان والثقافات مع جميع الأقليات المختلفة ليصبح حق ممارسة الشعائر الدينية حقًا لكل قومية. ومقاطعة شينجيانغ الأكبر مساحة بين المقاطعات الصينية، الواقعة في شمال غرب الصين. تتميز بالتعايش السلمي رغم تنوع أعراقها؛ مثل: الإيغور والهان والكازاخ والكيرغيز والطاجيك والتتار وغيرها الكثير من القوميات، وهذا يعود إلى ارتباط المنطقة الوثيق بحضارة طريق الحرير القديم، وموقع المنطقة اللوجستي بحدود 8 دول هي: الهند وباكستان وروسيا ومنغوليا وكازخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان؛ ما جعل منها مركزًا تجاريًا مهمًا وبوابة الصين الكبرى في مبادرة الحزام والطريق.
وخلال الزيارة، تعرفتُ على الحياة الإجتماعية للفرد الشينجاني في البيت والسوق والشارع وفي مواقع أعمالهم؛ حيث تجد المجتمع متسامحًا دينيًا بعيدًا عن التطرف، باعتبار أن جميع القوميات يجمعها تاريخ مشترك وتعاون اقتصادي أساسه السلام والتعايش.
وعند أدائي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد شانسي الواقع في مدينة إيلي، رافقني شعور جميل بعد انتهاء صلاة العيد ومباشرة مسلمي المقاطعة التحيات الحارة لي وتهانيهم مرددين بكل فرح: "عَرَبُو.. عيد مبارك"؛ إذ أدركوا من ملامحي أني من دولة عربية، وقد لفتت انتباههم عمامتي العُمانية، وكانت مصدر سعادة وبهجة لهم. ولم تقف اللغة حاجزًا بيننا أبدًا، وكانت الابتسامة تعلو محياهم، والفرحة تملأ قلوبهم، ولم أتوقف عن التقاط الصور الجماعية طوال اليوم.
واهتمامًا واحترامًا للدين الإسلامي، بُنيت الأكاديمية الإسلامية في مدينة أورومتشي على مساحة 6 آلاف متر مربع باستثمار حكومي، وبدأت الأكاديمية عملها في عام 1989 والتشغيل الحديث في عام 2007. حيث تُعلِّم هذه الأكاديمية الطلبة قراءة القرآن الكريم وأصول الفقة والشريعة الإسلامية، إضافة إلى تَعلُّم اللغة العربية، ولذا نجد طابقًا بالكامل للتدريس باللغة العربية. ويضم المركز مكتبةً باللغة العربية، والصينية والإيغورية ولغات أخرى. وتحتفي الأكاديمية بتاريخ دخول الإسلام إلى الصين. ويحصل الطلاب عند تخرجهم على شهادة البكالريوس في علوم الإسلام، ويعملون أئمةً في المساجد.
ويؤكد الشيخ عبدالرحمن رئيس الأكاديمية الإسلامية في أورومتشي ورئيس قسم جمعية الدين الإسلامي في الصين: "لا يوجد في الصين من يُجبر شخص على تغير دينه، وهناك حرية تامة في الدخول إلى الإسلام وتعلم القرآن الكريم"، موضحا أن الاحترام متبادلٌ بين الأديان في الصين، والدين الإسلامي دين اعتدال وتسامح، وأن الأكاديمية من جانبها تكافح التطرف.
موروث ثقافي وتنوع حضاري
وتزخر شينجيانغ بتنوع موسيقي عجيب ورقصات تقليدية عريقة؛ حيث يملأ صوت العزف الأسواق والشوارع؛ ممزوجًا بجمال البساطة والطبيعة والأرواح المرحة، وتجد مختلف القوميات يؤدون معزوفات ورقصات مشتركة في الشوارع والأسواق.
وخصَّصَت الحكومة الصينية قرية "تايي" موطنًا لصناعة مختلف الآلات الموسيقية؛ وذلك للحفاظ على الموروث الموسيقى المتمثل في متحف الآلات الموسيقية، والذي صُمِّمَ على شكل طيني جبلي يُحاكي فترة طريق الحرير القديم؛ باعتبار أن شينجيانغ كانت معبر القوافل التجارية والفنون.
ويوضح المتحف تاريخ صناعة الآلات الموسيقية وتطورها عبر العصور القديمة؛ حيث يعرض المتحف قطعًا موسيقية تعود إلى أكثر من 300 عام من تاريخ وإنتاج الآلات الموسيقية في شينجيانع. واهتم الإنسان القديم بصناعة الآلات الموسيقية كي يعبر عن هويته ومشاعره.
ووثقت الزيارات الصحفية العديد من المواقع الأثرية في شينجيانغ، والتي تُبرهن على تاريخ قديم غني يعود إلى أكثر من 2000 عام؛ حيث تشهد بعض المناطق بقايا معابد ومساكن ومدافن كانت على مراكز ل
عبور طريق الحرير القديم.
وتعد التوابل الحارة والمكونات المحلية أهم ما يميز المائدة الشينجانية، فالوجبات الشينجانية في المنازل الريفية رحلةٌ لذيذةٌ عبر أقدم الثقافات تعكس التنوع الثقافي والطبيعي في المنطقة، ومن أشهر ما يُقدَّم في المطبخ الشينجاني: السمك المشوي واللحم المشوي والخبز والشاي الأخضر وسط فقرات من الموسيقي والرقصات التقليدية.
أورومتشي.. بوابة التبادلات التجارية
وتعد شينجيانغ العمود الفقري لمبادرة الحزام والطريق؛ باعتبارها المنطقة الأساسية لمشروع "الحرير الحديث"؛ حيث يُشكِّل ميناء أوروموشي البري الدولي للتصدير العالمي، همزة وصل وتقاطع تجاري مُهم للعبور إلى وسط آسيا وأوروبا، لأنه "معبر تجاري محلي ودولي" يضمن الوصول إلى أسواق ضخمة.
ومن خلال شبكة سكك حديدية داخلية وخارجية، وخطوط بحرية وجوية تغطي كل آسيا الوسطى وروسيا، يعزز ميناء أورومتشسي الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي، ويُحقِّق ترابط الدول الواقعة على طول طريق الحرير البري والبحري التقليدي.
وفي حديث خاص لـ"الرؤية"، قال مدير ميناء أورومتشي إن تصل مساحة الميناء إلى 67 كيلو مترًا مربعًا، ويمتلك الميناء 5 رافعات عملاقة لتوزيع حوالي 100 حاوية يوميًا على مختلف الدول الواقعة على طريق الحيوي للمشروع، ويعمل الميناء على مدار اليوم والسنة دون توقف. ويضم الميناء منطقة حرة مُعفاة من الضرائب، ومن أبرز ما يُصدَّر من الميناء: الفولاذ والمنتجات الكهربائية والمنسوجات واللوازم اليومية، والمواد الأخرى بينما تشمل قائمة السلع المستوردة: النفط والمشتقات الطبيعية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الآلات الموسیقیة الحکومة الصینیة طریق الحریر فی شینجیانغ
إقرأ أيضاً:
لتعزيز التعايش.. صورة وحكاية من تراثنا مبادرة جديدة بالإسكندرية
أطلق مجموعة من خريجي شباب الإعلاميين بالإسكندرية المشاركين في برنامج منتدى حوار الثقافات “يلا حوار”، تحت رعاية الهيئة القبطية الإنجيلية، الثقافات "هند حسن ، رامي جمال ، أحمد السيد ، زهراء أحمد ورحمة أحمد " مبادرة "صورة وحكاية من تراثنا"، بهدف تسليط الضوء على قيم التسامح والتعايش بين الأديان من خلال الفن الصحفي والصورة.
واستهدفت المبادرة 40 مشاركًا ومشاركة من طلاب وخريجي كلية الإعلام بجامعة الإسكندرية، من المسلمين والمسيحيين، حيث شملت أنشطة تعليمية وزيارات ميدانية للمعالم الدينية والتراثية بمحافظة الإسكندرية.
وانطلقت المبادرة بمحاضرة تدريبية قدمها الدكتور عصام عامر، الصحفي بجريدة الشروق، حول مهارات إعداد التقارير الصحفية والصورة الصحفية تحت عنوان "دور الإعلام في إبراز الهوية الثقافية والحفاظ على التراث وبناء الإنسان". تضمنت المحاضرة كيفية صياغة العناوين وربطها بالصورة بشكل احترافي يعزز المعنى والقيمة.
وبدأ المشاركون جولتهم بزيارة الكنيسة المرقسية، أقدم كنائس الإسكندرية، حيث استمعوا إلى شرح وافي عن تاريخ الكنيسة قدمه خدام الكنيسة والأسقف، وتبادل المشاركون المسلمون والمسيحيون التقاط الصور، كما شارك المسلمون في إضاءة شموع الصلاة في لفتة رمزية للتعايش.
وتبع ذلك جولة في شارع النبي دانيال وصولًا إلى المتحف اليوناني الروماني، حيث قدمت إحدى المرشدات السياحيات شرحًا تفصيليًا عن تاريخ القطع الأثرية، بمشاركة دكتور خالد صلاح، أستاذ علم النفس بكلية التربية، الذي أضفى بُعدًا تاريخيًا وثقافيًا للزيارة. شملت الجولة قاعة أزيزيس ودورين آخرين من المتحف، مما أثرى المعرفة التاريخية لدى المشاركين.
واختتمت الزيارات بـ مسجد باسيلي بمنطقة الورديان، حيث ألقى مفتش أول إدارة غرب كلمة عن قيم التسامح والتعايش السلمي، فيما قدم إمام المسجد شرحًا تاريخيًا عن المسجد الذي بناه أسعد باسيلي، رجل الأعمال المسيحي اللبناني، كرمز للتعايش والمحبة.
وقاد الصحفي رامي جمال، مدير مكتب قناة "تن" بالإسكندرية، تدريبًا ميدانيًا حول تكوين الصور الصحفية بطرق احترافية، واختار بمشاركة لجنة التنظيم أفضل 3 صور بين المشاركين.
في ختام الفعاليات، أقيمت المسابقة داخل مسجد باسيلي لتقييم نتاج اليوم، حيث قدم المشاركون عناوين صحفية مرفقة بالصور التي التقطوها خلال الجولة. فازت 3 متسابقات بجوائز قيمة تقديرًا لجهودهن وإبداعهن.
واختُتمت المبادرة بكلمة من محب شفيق، مسئول الأزمات بالهيئة القبطية الإنجيلية، وأنطون الفريد، مسئول الأنشطة بالهيئة، حيث ثمّنوا جهود الشباب في إبراز التراث وتعزيز الهوية الثقافية المشتركة.
وأكد المشاركون في نهاية المبادرة أنها تجربة عززت لديهم روح التسامح والتعايش، وأبرزت أهمية الإعلام والصورة في تعزيز قيم الحوار والتقارب بين الثقافات المختلفة.