هناك فرق بين أن تقع عليك المصيبة، وأن يقع عليك البلاء، فالمصيبة ما ينزل بالإنسان من شرّ، وهي حادثة واحدة تكون كبيرة أو صغيرة؛ وأما البلاء فهو تتابع المصائب واتصالُها حتى يتسبب ذلك في بِلاء الجسد بالمرض والهزال، وبلاء الروح بالغمّ والهمّ، فكأنّ المرء يَبْلَى ويتهرَّى من كثرة الحوادث وشدّتها كما يَبْلَى الثوب ويَخْلَق مع كثرة الاستعمال والامتهان.
ومن هنا جاء معنى الامتحان والاختبار في دلالة الابتلاء بالشدائد، إذ يظل المرء محبوساً على وضع شديد لا يستطيع الخروج منه، ويتعرّض فيه لأنواع الاختبارات وقياس قوّة التحمّل حتى يكاد المرء يَبْلَى من كثرة هذه الاختبارات وشدّتها.
والعجيب أن القرآن يجعل العلم وتبيّن حال المرء والمجتمع من لوازم البلاء الذي يقضيه على عباده لإظهار معدنين كريمين هما الجهاد والصبر: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).
وعندما ينجح المرء والمجتمع في فهم هذا الأمر وتتساوَى المصائب عنده، ويعتادها وإن كان ذلك برهَقٍ وكبد شديد، فإن استعداد هذا المرء سيكون أعلى لقبول التكليف الأشدّ في أمر يدبّره الله ويوفّق إليه على عينٍ منه وإرشاد، وسيتسامَى بشكل يختلف عن الآخرين.
والشعور الناتج عن الابتلاء باعتياد المصائب هو استشعار لِما وراء هذه المصائب وفتح النظر لمقارنتها ببعضها وإدراك حقائقها، فعندما ترى مصيبة جارك هنا وجارك هناك وتقيسها بمصيبتك كل يوم، وترى الفوارق، فإنك عمليّاً ستتحوّل إلى كيان صُلب، وسيتحوّل من بدأ يدرك ذلك إلى فرد في مجتمع حديديّ.
وإذا تأملتَ أيها الناجح في هذا الاختبار، فستدرك حقيقةً يقينيّة أوضحها القرآن لكَ خاصّة، لأنّك أكثر من سيفهمها، وذلك أنك وطّنت نفسك حينها على تقبّل البلاء وإدارة احتماله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).
عندما تقرأ هذه الآية ستدرك أيها الناجح أن الله العظيم هو الذي قدّر هذا البلاء “ولنبلونكم” وأقسم الله على ذلك بصيغة الجمع المعظّمة، وأن ما أصابك به هو “شيء” حقير قليل هيّن في حقيقته، وأن سبب تهويلك له هو أنك لم تختبره بالاعتياد ولم تألفه، وأن ما يصيبك من شدة البلاء بغريزة الخوف أو المجاعة أو الجوائح التي تضرب كل شيء عندك وتنقصه وتذهب به، هو في حقيقته “شيء” من الأشياء ذهبَ بإرادة الله، وأنّك لو اختبرتَ الأشياء الأخرى التي يمكن أن يقضيها عليك الله فستعرف أنّك لم تُصَب بشيء، وأنّ ما نزل بك ليس بعقوبة كما حدث لغيرك: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
ولأنّ هذا الامتحان صعب وفريد فإن الناجح فيه يستحق البشارة: (وبشّر الصابرين)، فقد نجحتَ في التدريب الإلهيّ، وغدوتَ منيعاً مطبوعاً بالقوّة، وأصبحتَ قادراً على تجاوز المألوف والخروج من التلبّس بالعوارض الصارفة الشاغلة من الوهم والجبن والخرافة والتردّد…، وأصبحتَ تدرك حقيقة مَن أنتَ، وما الذي ينبغي أن تكون عليه، وما الذي يجب عليك أن تعمله وتقصد إليه.
مؤرخ وروائي فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
عار عليك.. موظفة تقاطع مسؤولا بمايكروسوفت احتجاجا على دعم الإبادة بغزة
قاطعت موظفة مؤيدة للقضية الفلسطينية كلمة المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في شركة مايكروسوفت مصطفى سليمان (بريطاني من أصل سوري) احتجاجا على علاقات الشركة مع إسرائيل.
وهذا هو أحدث رد فعل مناهض لقيام صناعة التكنولوجيا بتزويد الجيش الإسرائيلي بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مما تسبب في تعطيل احتفال الشركة بالذكرى الـ50 لتأسيسها.
وقالت ابتهال أبو السعد (مغربية) الموظفة في مايكروسوفت في أثناء مقاطعة كلمة المدير التنفيذي مصطفى: "عار عليك" وتبع ذلك توقف الأخير عن إلقاء كلمته.
وأضافت السيدة "أنت تزعم أنك تهتم باستخدام الذكاء الاصطناعي للخير لكن مايكروسوفت تبيع أسلحة الذكاء الاصطناعي إلى الجيش الإسرائيلي. 50 ألف شخص ماتوا ومايكروسوفت تدعم هذه الإبادة الجماعية في منطقتنا".
احتجاجا على دعمهم إسرائيل.. مهندسة مغربية تقاطع رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/uYPpbkwKO9
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) April 5, 2025
من جانبه، رد سليمان قائلا "شكرا لك على احتجاجك، لقد سمعتك". بينما تابعت أبو سعد قائلة إنه و"كلّ مايكروسوفت" أيديهم ملطخة بالدماء. كما ألقت على المسرح الكوفية الفلسطينية، التي أصبحت رمزا لدعم الشعب الفلسطيني، قبل أن يتم إخراجها من الفعالية.
إعلانكما قامت محتجة ثانية من موظفي مايكروسوفت، تدعى فانيا أجراوال، بمقاطعة جزء آخر من الاحتفال عندما كان جيتس وبالمر والرئيس التنفيذي الحالي ساتيا ناديلا على خشبة المسرح (وهو أول تجمع عام منذ عام 2014 للرجال الثلاثة الذين شغلوا منصب الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت).
هذه إبتهال أبو السعد، شابة مغربية، خرّيجة جامعة هارفارد، وتعمل مبرمجة في شركة مايكروسوفت. في الذكرى الخمسين لتأسيس الشركة، صعدت إبتهال إلى خشبة المسرح خلال الاحتفال الرسمي، ووجّهت اتهامًا مباشرًا لمصطفى سليمان، المدير التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي في الشركة – من أصول عربية –… pic.twitter.com/6ER7eg38Eg
— Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) April 4, 2025
وكشف تحقيق لوكالة أسوشيتد برس في وقت سابق من العام الجاري أن نماذج ذكاء اصطناعي من شركتي مايكروسوفت و "أوبن إيه آي" تم استخدامها كجزء من برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف خلال الحربين الأخيرتين في غزة ولبنان.
كما تضمنت القصة تفاصيل عن غارة جوية إسرائيلية خاطئة في عام 2023 أصابت سيارة كانت تقل أفرادا من عائلة لبنانية، مما أسفر عن مقتل 3 فتيات صغيرات وجدتهن.
وفي فبراير/شباط، تم طرد 5 من موظفي مايكروسوفت من اجتماع مع ناديلا بعد أن احتجوا على العقود مع إسرائيل.
وفي حين أن اجتماع فبراير/شباط كان أثناء اجتماع داخلي، فقد كان احتجاج أمس الجمعة عاما وعلنيا، حيث كان عرضا مباشرا لماضي الشركة ومستقبلها. وقد تجمع بعض الموظفين أيضا خارج مكان الحفل.
وقال بيان صادر عن الشركة "نحن نقدم العديد من السبل لكي يتم الاستماع إلى جميع الأصوات.. الأهم من ذلك، نطلب أن يتم ذلك بطريقة لا تتسبب في عرقلة العمل. إذا حدث هذا، نطلب من المشاركين الانتقال. نحن ملتزمون بضمان التزام ممارساتنا التجارية بأعلى المعايير".
إعلانورفضت مايكروسوفت أن تقول ما إذا كانت ستتخذ إجراءات أخرى. وقالت أبو سعد لوكالة أسوشيتد برس إنها لم تسمع أي شيء من الشركة بعد، لكنها وأجراوال لم يعد بإمكانهما الولوج إلى حسابيهما في العمل بعد الاحتجاج ولم تتمكنا من تسجيل الدخول مرة أخرى، وهي إشارة محتملة على أن الشركة فصلتهما.