عندما شرعت في كتابة هذا المقال ، وذلك استجابة لرغبة قديمة ، ظلت تلاحقني منذ أعوام ، فأول ما طاف بذاكرتي ذياك العهد ، أيام دراستنا في المعهد العالي للموسـيقي والمسـرح – كلية الموسيقى والدراما لاحقا – وصاحب هذه السيرة ، هو عميدها ، كما هو أحد أعظم الأساتذة تأثيرا في حياتنا العلمية والمهنية .
لم تفارق ذاكرتي حتى الآن لحظة وقوفه أمامنا داخل القاعة ، وهو يؤدي محاضراته في مادة ” علم الجمال ” بطريقة تمنح أرواحنا مبررا للرقص في دواخلنا ، حتى تعلقنا كثيرا بمحاضراته التي لم يكن يسبر بنا أغوار المعرفة فحسب ، بل يبهجنا بانغام طريقة أداءه التعبيري – لسانا وجسدا – أداء باذخ مبهج ، لا مثيل له .


تمتلكنا الرهبة الممتعة ، ونحن نسمع صوته العميق ، بتعدد طبقاته ، يرزم فضاء القاعة رزما ، بلسان طليق آسر النبر ، وتواضع صادق معنا غير متكلف ، لا يتعارض كونه رجلا أنوفا .
في أغلب الأحايين نقصد مقابلته ، فندخل مكتبه ، وبالرهبة نفسها نمد أيادينا لمصافحته ، فنشعر بذهول عظيم ممزوج بفرح باهر ، لرحابة روحه وهو يرد تحيتنا بأحسن منها ، يصافحنا واحدا تلو الآخر ، حانيا قامته وكأنه ينحني من قمته المشرفة على سهول الكون .
نعجب لرجل يلتمع اسمه على عرض البلاد وطولها ، كيف يبلغ هذه الدرجة من سعة هذا الود لنا جميعا بلا تمييز .
جميل الدفء باذخ البداهة مهيب حتى في لحظة المرح .
نتأمل الوجه الذي يوحي بالوقار والهيبة المعتقة ، نختلس النظر ، نتلصص في فضاء مكتبه الزاخر الجمال ، وهو أقرب إلى مرسم للتشكيل تحيطه لوحات بديعة الرسوم يشتغل عليها في التو .
كل لوحة من تلك اللوحات مزينة بتوقيع خطه المميز ، فنستدعي في تلك اللحظة قوله الذي اختزناه في مستودع ذاكرتنا وهو يقول دائما :
” أحيانا يعبر الخط عن صاحبه ، فكانما يتحدث بصوته ويتقمص شخصيته ” .
الناظر للبناء الجمالي في امضاء اسمه الخاص ، يجد فعلا أنه لا يعبر إلا عن عمق صوت الفنان التشكيلي الأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم عبدالعال – رحمه الله وغفر له – ذلك الفنان الذي كان يمشي على صراط الجمال وئيد الخطى .
وإذ ثمة علاقة حب جارف تربطنا بفكره ، ومذهبه الفني ، ونحن ثلة من الطلاب نتوق – باستمرار – الإستماع إليه وهو يدمغ طابعه في القول عن الفنون :
” أنه لا قيمة لتعبير فني دون مدلول حضاري ”
فثمة معنى وراء كل رسم شيد بناءه الجمالي ، الفنان أحمد عبدالعال ، وبين كل قصة وأخرى يكتبها نجد مغذي ذلك القول ، ثابت وطاغ ، بل لازمة لا تنفك تتكرر دون تكرار للبناء قيمة الشكل ، الحضارة الإسلامية ، هو الدال اللحوح ، المتعلق في اشتغالته الإبداعية المتعددة ، أوجها ، أشكالا ، ألوانا وملامسا ، بل حتى في كتاباته الأدبية ، وأقاصيصه المكثفة أحيانا بالفنتازيا ، أو اللطافة المرحه ، نجد ذلك الدال الحضاري – ذهابا وإيابا – بين كلمة وأخرى .
الفنان أحمد عبدالعال ، عندما نستدعي حضوره في مقالنا هذا ، محبة واحتفاء بسيرته ، لا من باب المندوب ، بل من باب فرض العين الواجب عقديا ووطنيا ، أن نسهم في كتابة تاريخ سيرة رجل يعد صوتا شاهقا ومائزا في تاريخ حركة الإبداع الثقافي ، داعيا بإيمان عميق أن يقف الفن خاضعا أمام جلال الله الواحد الأحد وجماله .
كما أن الكتابة عنه هو كتابة لتاريخ السودان ، فما تاريخ السودان إلا سيرة الرجال الناصعين في نموذجهم الأعلى الأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم عبد العال الفنان التشكيلي السوداني الذي يرى ضرورة أن يستحضر في مخياله الإبداعي الإنعتاق نحو هدى التوحيد .
مكان وتاريخ الميلاد والتكوين
تقول السيرة الأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم عبدالعال أستاذ جماليات الفكرة والشكل في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا .
أن مولده كان في 4 يوليو 1946م بمدينة ” كسلا ” شرقي السودان .
* تلقى تعليمه في المرحلة الأولية بمدينة ” كسلا ” وكذلك المرحلة الوسطى .
* انتقل إلى الخرطوم طالبا للعلم في الكلية المصرية الثانوية بالخرطوم .
* التحق جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، وبعدها التحق مباشرة بكلية الفنون الجميلة حيث تخرج في نهاية الستينيات من القرن الماضي .
* حصل على بعثة دراسية في جامعة السوربون بفرنسا ، ونال درجتي الماجستير والدكتوراه في جمالية الخط العربي ، وفي علم الجمال الإسلامي .
* نال الدكتوراه بدرجة الشرف العليا في علم الجمال برسالة متخصصة في ( المبادئ والأصول الجـمالية في الحضارة الإسلامية ، دراسة في فكر الشيخ ابن عربي ) في العام 1988م .
* نال دبلوما من معهد فيشي للغات الحديثة بفرنسا 1981م .
وبحكم دراسة الدكتور أحمد عبدالعال في الجامعات الفرنسية فقد أجاد لغة أهلها ، وتمكن من الاطلاع آدابهم وفنونهم بفلسفاتها المتعددة ، واستطاع الجمع بين كل متناقضاتها ، حتى السريالية وسعيها في تثوير الحياة .
بيد أن أحمد عبدالعال ، بشخصيتة الممحصنة والمصونة بمياسم الثقافة السودانية المائزة ومحدداتها الإسلامية العربية ، لم يأخذ إلا مقدار المعرفة التي تضيء ، من باب أن الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أولى بها .
عاد الدكتور أحمد عبدالعال إلى السودان وهو أكثر فطنة ورسالية في الحياة السودانية .
وفي مقاربة تصف الحال – قبل وبعد تجليه ، أكد أغلب طلابه ومحبي فنه بمعنى القول :
” قبل ظهور عبد العال الذي رحل عن دنيانا يوم الخميس 23 أكتوبر 2008م ، كان الفن التشكيلي حكرًا على اليساريين ، حتى أصبح من المسلمات الفكرية الكبرى ، أن الدين يحارب الإبداع ويجافيه ، وشرط الفنان أن يكون مجافياً للدين وعُرف المجتمع ، في مظهره وسمته وسلوكه ، فلما ظهر عبد العال ، أعاد الأناقة الإسلامية للفنان التشكيلي ، وأضحى رمزًا للفن التشكيلي الراقي ، وقد تحققت الرسالة ، إذ اقتربت الذائقة السودانية المتدينة خطوات من الفن ، بعدما اختلط في مخيلتها العامة طويلاً بالوثنية الغليظة ، والعري الفاحش والجرأة التي لا تعرف الحياء ” ..
كما كتب الناقد الدكتور محي الدين خليفة الحاج الأستاذ بجامعة السودان المفتوحة – وهو من تلاميذ أحمد عبدالعال – تحت عنوان ” الواح الحكايات ” قائلا :
* اللوح الاول ..
الراحل المقيم ، البروفيسور أحمد إبراهيم عبد العال ، الفيلسوف الفنان الفنان ، ابن كسلا الوريفه ، عليه وافر رحمه ربي وغفرانه ، ذلك القادم من أقاصي تخوم بلاد البجا ، حيث تشرق الشمس ساطعه على صفحه أمواج القاش وعلى سهول العتباي وجبال توتيل ومكرام ، وأعالي أويتلا ، هادرا وصخابا وملهما ومعطاءا بلا حدود .
هناك حيث تشكلت ملامح مشروعه المعرفي والجمالي من أمشاج صلصال القاش وأرض التاكا ، أرض البداءه الأولى وصباحات التكوين ، يختزن طاقات هائله من العطاء الإبداعي فيفيض على ماحوله مثلما نهر القاش العظيم .
يرسم إو يلون أو يشكل او يحكي ويقص ، وهو يمتح من عيون الكتابه الابداعيه .
اللوح الثاني ..
افترع رؤى جديده لجسد إبداعي مغايرا يختال مابين مسارب السرد والحكاية والقصة واللوحة والموسيقى والفلسفة ، أمشاجا تخرج من شغاف الروح ومن عمق الوجدان . ويالها من أمشاج مزاجها الامتاع والمؤانسة الشجية ، وهى تنداح إزاء الآخر فتصهل الروح شفيفة تحجل مابين النهر والجبل .
ويمضى مسرعا فى رحلته التاريخيه . شهابا يلمع فى ظلام الفلوات ، كسيف بجاوي مشهرا ينهض فى إباء مهيب عبر عن أحلام أمته وتطلعاتها في مشروعه الإبداعي وألوان لوحاته الباذخه الإشراق والخصوبة والجمال . ومقاطع سرده الشعرية تحكي وتفصح عن كل شيئ . متراوحة تختال جائلة ما بين مدارس التشكيل والشعر وفلسفات الجمال ، هو البوح نفائسا من درر الكلام والتلوين .
اللوح الثالث ..
وسدر احمد عبد العال طويلا فى صحارى ومجاهيل فلوات الإبداع وأشرع مراكبه نحو قوس الإشراق الكبير ، فحملته أشواقه الكظيمة الظميئه إلى مونبيليه ، وليون ، وباريس وأصداء الثقافة واللغة الفرنسية الرفيعة وأنفق سنوات أنجز خلالها سفرا ماتعا للدكتوره فى فلسفه الجمال الاسلامى ، والموسوم بالأصول الجماليه فى الفلسفه الاسلاميه . سيدى محيى الدين بن عربي أنموذجا ، بكامل حضوره العرفاني الجليل ، وفتوحاته التي لاتنتهي والمقامات مكية القسمات تمضى خضلة على مدارج الجمال والجمال الإلهي ، ناشدة جوهر الروح وكمالاتها ، وقل الروح من أمر ربي .
وتضرب القوافل سادرة فى مجاهيل وبيادر الزمان والمكان السرمدي بلا انتهاء والمقاصد ليست المحطات أو الوصول ، بل غايه الروح المسير فهي مأمورة ان تسير فحسب .
وهو مفتاح الوصول والحصول ، وقد أبدعت وأجدت وجددت ياسيدي المبجل . وأمعن المشرقي فى المسير . والتحم بالثقافة الغربية ، واجاد اللغة الفرنسيه ، وتحدث بها وأبان فصيحا وجاذبا ، ذهب إلى ديار الفرنسيس كما يقول الزول السودانوي .
ذهب مشرقي الهوى والهوية ، وعاد من رحله مجده هذه مشرقيا يتقن معرفة أن كيف يفكر الغرب فى المشرق والمشارقة ، فاقام وعاد منحازا إلى مشاربه الأولى .
أيكون هاهنا قد تخلق علم الاستغراب فى مقابل علم الاستشراق .
اللوح الرابع
ومضت محطات العطاء تترى . تباعا فى مسيرة حياته .
هويه وقضية وانتماءا إلى رحاب المحمدية الفاتحة الخاتمة ، فتحا وكشفا بين يدي الطريق . وتبلورت النهايات البدايات ، فاجترح فى خضم التشكيل والحروفية دالة الحرف القرآني ،فكانت مدرسة الواحد التشكيلية ، محاوله لحقن أوردة الفنون التشكيلية بطاقات روحية جديدة ومعرفية وسطية ضالعة فى الوعي والاستناره . وفى سانحة تالية كان قيما على بيت الثقافة ، والهيئة القومية للثقافة والفنون فى ميلادها الدفيئ وليس انتهاءا بعودته سادنا لكليه الموسيقى والدراما ، وعماد براحاتها الممتده .
وتشتعل الذاكرة ، ويقدح زنادها البرق حينما يشيل قبلي وتوالى الثنايا اختزان سنوات من الاتصال والمجايلة والمعاصرة النابهة ، ووردنا نستقى على ظمأ منا إلى منهل النجوى ، نطمع ان نتخلى فنتخلى ، فنسمو ويشهق أوان القدوم ووارد الوقت .
إذن هاهنا والآن ، لعلها أقباس من وهج الراحل المقيم أحمد عبد العال وهو يمثل وعيا مغايرا ، وضميرا جمعيا لماضي وحاضر أمته ومسيرتها المتجددة ، تلقاء قوس الإشراق العظيم ” ..
وذهب الناقد اللبناني الدكتور عمران القيسي مذهبا في نص مقالته كاتبا من بيروت لصحيفة الرأي العام الصادر يوم 30 سبتمر 2009م واصافا أحمد عبدالعال في أول لقاءه به قائلا :
” دخلت السيارة السوداء التي تحمل لوحة دبلوماسية صفراء بوابة منزلي الجبلي ، كنت أقف في الشرفة انتظر أن تنفتح الأبواب لتطل من جوف الحديد الاسود الجميل ثلاث قامات فارهة ، الأولى لصديقي سفير السودان في بيروت ” كاب الرفيق ” والثانية للصديق اللبناني الطيب ” منذر سماقيه ” ،
أما القامة الثالثة فكانت لرجل يمنحك في اطلالته الأولى هدوءاً يمور بشتى اللغات ، أنها القامة السودانية التي يتكثف فيها المعنى كما يتكثف العمر ، لتبقى الطفولة برقعا أزليا على الوجه الذي يقدم ابتسامة كمقدمة الكلام .
كان الفنان السوداني الكبير الدكتور أحمد عبد العال ، يحمل مجموعة من الأعمال التصويرية الورقية ، لم أرى لغة تصويرية متوازنة بمستواها ، ولم أتعرف يوماً على مجموعة أعمال رسمت ذاتها كقوة إدراك قصدية تتمادى بهذه الثقة صوب العفوية التي تفصح عن الزمان السوداني في مضمون مكانه الانساني .
وعبر السنين كان الفنان الدكتور أحمد عبد العال ينغرز أعمق في تربة وعيي النقدي بمجمل نتاجه ، حتى اقتنعت أخيرا أنه لا مفر من شطره إلى حضورين متعاضدين ، ليكونا شخصية المفكر الذي يرسم شخصية الكاتب الذي يموسق نصه الكتابي ليتلوه علي ذاته بصوت مسموع اولاً .
لذلك يجيء النص ناضجاً بقدر هائل من العذوبة لكنها عذوبة تمتلك عمقاً بمستوى السؤال المصيري ، إنه الأقرب إلى اللغة الصوفية حيث المقامات عبر النص تصير أحوالاً ، وحيث الإشارة تعطي مدلولات باطنية تتجاوز كل سطوعها المباشر . ففي مقام الري يكتب في كتابه الأخير الذي اسماه ” أمشاج وقائع من حضرة الخيال ” فيها يقول :
” لقد وصلت متأخراً يا بني ، صرفتك عنا النزهة في مقام التلوين ، وتعددت أمام عينيك المسالك في حدائق الاشكال والألوان ، ناديتك قبل نشر القلوع فتشاغلت عنا بالبنفسج والأرجوان واللازورد .
ولما أوغل بنا السفين في ثبج اليم رزيناك تلوح وتنادي فكان ما كان ، انتسب لنادي الماء ، علك تروى ” .
في هذه الكلمات القليلة ، وفي نص مكثف يطرح المسافة بين ارادتي الرسم والكتابة ، انه يري في انتسابه لنادي الماء ، نادي هذا الكائن المشترك الذي ترتشف منه جميع المخلوقات الحية ، هذه الوحدة الواحدة المذاق ، لأن ، لا مذاق لها ، والواحدة اللون لا ، لون لها ، وحدة الصفة المائية الجامعة ، هي التي تصلح أن تتحول الى حضور اجتماعي يكون هو الاتفاق الأول بين جميع بني البشر علي قاسم مشترك اسمه الماء ، وهذا الاتفاق المبدئي لا بد وأن يتبعه أكثر من اتفاق على الهواء والارض ، فيما الاساس السابق لكل هذه المسلمات هو الإقرار بوحدة الإنتماء الحياتي الى أسباب الحياة حيث كل اتفاق وجداني هو اعتراف صريح بوحدانية الخالق .
إذن أحمد عبد العال يكتب لنا رسالته الأولى ، لأن من واجبه ابتعاث هذه الإشارات وهو الذي تمت في 72 رجب عام 2241 هجرية أي عام 2002 ميلادية مراسم مشيخته علي طريقة السادة ” الصادقاب ” القادرية وهي احدى الطرق الصوفية المنتشرة في السودان ، حيث يأخذ المريد معارفه بوعي مميز يدرك فيه اولاً معنى التفكر في محتوى كلمات الله في كتابه ، لأن هنالك في الحروف وفي الكلمات والمعاني ما هو أعمق من المقروء ، هناك عالم من الرجال والنساء قال عنهم كاتب النص وهو يقدم أمشاجه :
” وقد يتراءى لك في جذوع الرجال والنساء طلع نضيد وهم يخوضون نهر الرجاءات الطويلة ، نعم هذه وجوه من ظلوا يوقدون قناديل حبهم لعقود وعقود في مصر الفاطمية ، وذاك طيف من ظل واقفاً لقرون على شرفة في اشبيلية يراني بعين خياله ولا يذود عني الضربات ، أناديه بين اليأس والرجاء وأذود عن نفسي بترديد اسمه القديم ” .
هنا تكمن المسافة بين الصورة البصرية والصورة الذهنية ، بين المرسوم رسماً والمكتوب نصاً كتابياً ، فكلا النصين التصويري والكتابي يمتلك حدود محاكاته فلا عجب أن نقرأ اعتراف عبد العال في مقدمة كتابه إذ يقول :
” لقد انحلت عُرى الصور وها أنا أسأله إلحافاً في أصائل السلطنة الزرقاء لكنه منشغل عنى برمانة الوجد القديم ، يغمسها الفينة بعد الفينة في ملتقى النيلين بالخرطوم ” .
إذن لا بد من أن يتحد النيلان الازرق والابيض فهذه أرض تجمع ولا تفرق ، وهؤلاء أصحاب الطرق ، ورواد الذكر ، ما برحوا يرددون ذكر خالقهم منفصلين عن أجسادهم غائرين في لجج أرواحهم التي أعتقوها في براري الوجد .
لكن أحمد عبدالعال الذي يمتلك أذناً موسيقية ، وعيناً شغوفة باللون والجمال ، وأصابع تعرف عندما تمسك فرشاة الرسم أن ترسم ، بمعنى أدق أن تنفذ بدقة ما يأمر به العقل الواعي الذي كثف الرؤيا والاحاسيس .
هذا الفنان سوف يعزز نصه بالصورة بمعنى أوسع سوف يرسم العالم الذي كتبه ، فأي تداعيات تلك التي اختزل بها عالم الصور؟ ”
وبناء على ما ذهب إليه الدكتور عمران القيسي ، يمكن القول ، أن أحمد عبدالعال هو مثال للفنان الذي استطاع أن يجمع في عمق أعماقه ، أنغام الإنسانية جمعاء ، حتى أصبح مثالا جميلا للتناغم بين الحلم والكائن في الطبيعة .
أحمد عبدالعال ، فنان صاحب قدرات متعددة نجح باكرا ، وبأعلى درجات النجاح مما أثار الكثير من الحسد والغيرة إزاءه ، وتعرض لحملات تجريح من بعض الكارهين ، إلا أنه لم يرتعب يوما قط ولم يجزع ، بل كان يرعبهم بإنتاجه ، واستقامته في الدرب ، بكارزميته النادرة في الوسط الفني ، جعل من ذلك كله مصدا مانعا بأن لا يستطيع أحد أن يلتهمه برغم الأكاذيب التي نسجوها حوله ، فقد كان بلا نديد حقيقي ، متآلفا مع التحديات الكبرى .
وبمثل ما كان مبدعا فنيا ، كان كذلك قائدا في وإداريا حاذقا ، لا يشق له غبار .
قال الدكتور سيد أحمد أحمد عميد كلية الموسيقى والدراما عنه :
” البروفيسور العالم الجليل أحمد إبراهيم عبدالعال – رحمة الله عليه وأرضاه – يعرف خبايا النفس الإنسانية التي تقف أمامه . ولا تستطيع مداراة ما يجول بخاطرك ..
أنا خبرته عندما كان يدرسنا مادة علم الجمال ، وخبرته عندما أصبحت مساعد تدريس بالكلية ، كان لدي علاقة خاصة جدا ومميزة ، رغم صرامته الإدارية ، فكان يحمل مشاعر انسانية تنم عن فنان صوفي معتق ، عندما أحضر أمامه لطلب معونة مادية ، قبل أن اتفوه يقول لي ( نعم يا سيد أحمد أفندي .. عاوز كم ؟ ) ..
يتبادل معي دائما شذرات من أحاديث المتصوفة ، كيف لا وهو الباحث المتعمق في فلسفة بن عربي ، وقد أبلى حسنا في أطروحته لدرجة الدكتوراة من إحدى الجامعات الفرنسية عن هذا الشامخ بن عربي .
كان يرسم ، وفي نفس الزمن يعرف ما يدور في كل أروقة الكلية ، كنا نعتقد أن به شئ من السحر ، أو الحدس اللامنتهي ، أسلوب أسلوب إدارته لم يتكرر ، فهو لا يعرف نقل الأخبار والدسائس ، ولا يستأنسها ، بل يجمع من قال ومن قيل فيه ويواجههم ، وبهذه السمة توقفت عن مكتبه قيل وقال .
فترة عمادته لكلية الموسيقى والدراما ، كانت من أكثر الأوقات استقرارا في عمر الكلية ، وفي عهده تم ترفيع الدرجة من دبلوم أربعة سنوات إلى بكالوريوس . وتجدد اسم المعهد العالي للموسيقى والمسرح إلى كلية الموسيقى والدراما .
رحمة الله عليه وأرضاه ” .
ذلك هو أحمد عبدالعال الذي ظل بحساسيته يسكب داخل منجزه الفني تأملاته الفلسفية التوحيدية ، فتنسرب أخيلة رائعة التصوير في عمق إبداعه .
وفي “أمشاج ” نصوصه الأدبية كان مختلفا في منهج القص القصير عن غيره من الرواية .
وإن تعجب يا قارئي ، فاعجب لإيقعات صوت حنجرته عندما يتكلم مجلجلا الفضاء ، صوت هو السحر أو الأسطورة .
الكلمات تخرج منه مثل صليل الأجراس ، يأخذ مجامع القلوب ، ويملأ النفوس بالفخر والأعتداد .
يحدثك بمفرداته الآسرة الفاتنة فيعطيك ويمنحك معارف لا حدود لها ، هو ” أمشاج ” الثقافة ، الذي أمسك بكلتا يديه بالوجدان السوداني .
الدكتور عادل ضيف الله أستاذ دراما الراديو والتلفزيون في كلية الموسيقى والدراما قال في مقالته :
” كنا نجد باب الدخول إلى عوالم الفنان دكتور احمد عبدالعال مفتوحة وكان ذلك مغري لامثالنا ورغم أنه كان استاذ مادة فلسفة الجمال لطلاب المستوى الرابع الا ان وجوده في ظلال شجرة العرديبة التي نعيت سقوطها الداوي كان متاحا. كان الدكتور استقباله بظلالها حميما وكان لايحتقر فكرة ويجل كل صاحب فكرة يستمع إليك بأدب جم وكنا نظن أن رهق الوظيفة ربما ينسيه دوره كفنان متفاعل مع محيطه ولكن كان أكثر إقبالا على الناس.
جمعتني به فرصة نادرة ونحن نوسس لمشروع هوية تلفزيون السودان رفقة الدكتور أنس العاقب وكنت مندهش لزوايا النظر إلى المشروع عندما يتحدث عن الفهرس الانتقائي وجلال الصورة التلفزيونية في السودان وبلاغة معطياتها ومكوناتها الدلالية والفكرية يغذي ذلك فهمه العميق لما يسميه فنون الإحاطة التي صارت تحتوينا من كل جانب من جوانب الحياة.
أحمد عبدالعال مفجر أسئلة الفنون والحياة خرج من سكونها في قاعات العرض لاتساع الشوراع وشاشات التلفزة ونظر للصورة التلفزيونية باكرا وهو يعيد التحام الصورة المتحركة في السينما والتلفزيون في السودان إلى إحدى منابعها الأساسية ومتحرر من قوالب التنظير الغربي بربطها بمشروع لهوية تلفزيون السودان فكان مفكر برؤية ثاقبة نحو ترسيم معالم التفكير بمستقبل هذا الفن في السودان.
أن المنطلقات الفكرية لأحمد عبدالعال من تأسيس فلسفي لرؤية توحيديه الفنون يجعل من تراثه الفني وتنظيره المعرفي مادة نقدية ضرورية للتاسيس لمشروع فني عميق يربط بين تاريخ الإنسان وروحه على بعد فلسفي هي إجابة على أسئلة مدرسة الواحد التي نظرت إلى الفنون من وجدان سوداني ومعاني فلسفية راشداة وهادية لاستشراف المستقبل بوعي فكري مؤسس.
أن وعي أحمد عبدالعال الباكر بفنون الإحاطة جعله سباق لاقرانه في الدخول إلى عوالم وظيفية للفنون واشتغالتها المختلفة وبالتالي استيعابه لضرورة أن تتحرر الصورة من إطار اللوحة إلى شعار أو فيلم أو مسرحية أو رواية أو كلها مجتمعه وكان هذا سر تجربته التي تحررت من تقاليد الفن التشكيلي إلى عوالم تجاوره مع الفنون الأخرى في معملية تطبيقية كان لها شراكات كبيرة ومؤثرة على مستويات الأداء والتعاطي المتميز ” ..
أحمد عبدالعال مؤسس مدرسة ” الواحد ” في الفن التشكيلي ، وهي مدرسة أسسها برؤية كلية للفن ، وفقا للمنظور التوحيدي الشاهد بأنه ” لا إله إلا الله ” .. إذ لابد للفنان المسلم أن ينظر بظلال ألوانه وأبعاد خطوط رسومه إلى جلال الله الواحد الأحد ، فالفن إبداع للحياة ونشاط المسلم في الحياة هي بالضرورة كلها لله . قال في إحدى بياناته :
” أجد في عملي التشكيلي كل الذي يتوقعه الإنسان من الفن ، لكني لا أجد فيه تمامًا ما ، قد يقبل الناس عليه باسم ” المتعة ” ، وعلى هذا ، فالمتعة في أعمق حالاتها عندي هي طرف قريب وبداية سرعان ما تتحول إلى مجال يتسع باضطراد ، فيه ما فيه من الإدراك والتساؤلات والمقارنات ، وفيه أيضًا من التحقق الفردي قدر أساسي”.
الدكتور عوض الكريم الزين بشرى أستاذ تصميم فنيات المسرح بكلية الموسيقى والدراما – جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا – في إحتفاءه الجميل بسيرة الفنان التشكيلي أحمد عبدالعال كتب تحت عنوان ” أحمد عبدالعال منارة العلم والشغف بالفن والكرم ” قائلا :
الحديث عن ھذا العالم القامة لا تستوفية الصحائف والمجلدات فھو بحر ومحيط من العطاء وصيرورة الفعل المنجز فنا وتعليما وتربية على كافة المناحي .
وقدرة على صناعة الأحداث والمواقف النافعة والمفيدة بلا توقف .
وعلى مستوى خاص فأنا بين قوسين ( أحمدين ) كتب لي بھما الله منابع غير محدودة من الفن والعلم والمعرفة وعالي ورفيع الأخلاق والسلوك في بواكير أيام دراستي للفنون الجميلة والتطبيقية وكأن القدر قد ھيأ لي كل أسباب النجاح والفلاح والتميز وھذه سانحة وحظ لا تسنح إلا لمن رضي الله عنه وأراد .
الأول ھو أحمد الطيب زين العابدين رئيس قسم الدراسات الإنسانية في ذلك الوقت ، وما أدراك ما أحمد الطيب ؟
فلقد كان حقا رئيسا وقدوة في كل ما يتعلق بالإنسانية بكل تفاصيلها وعلومها وسلوكها في الواقع العملي وكان مكتبه بالكلية كرنفالا دائما لقادة العلم والفكر والفن والثقافة بالسودان ولم انقطع عنه وعن مجالسة ما بعد التخرج إلا بعد وفاتة .
والثاني ھو الشيخ العالم الجليل والفنان الفذ الشغوف والمفكر العرفاني الذي لا تنغلق مداركه ونقاشاته عن أي فكرة عالية الحضور والمنطق وكأنه يتعلم من جديد ويستأنس بالرأي فيما ينتج من فن وفكر بكل من حوله من الثقاة والأحباب الذين ارتضى ولا يقف عندھم فلقد كان ينتج بكثافة والھام ومكتبه بكلية الموسيقى والدراما ھو منتدى ومعمل ودار عرض ومقصد لأصحاب الحاجات الفكرية ، والسند المادي للزملاء ، والطلاب وزوار الكلية من عارفي فضله وطالبي سنده ..فھو بحر ومحيط لا ينضب وتتلاطم امواجه وتعلو ما فوق التوقع والظن . ولا يمنعه ذلك من تدبير أمر الإدارة التي تمكن منها واجادها بالقول الفصل والفعل القويم المنجز بالمرونة والقوة ما استطاع الى ذلك سبيلا ، وكذلك التدريس كاستاذ يستوفي مستحقات الحضور والالتزام بما يفوق من ھم أصغر منه سنا وعلما .
ومشرف على بحوث الطلاب والخريجين وطلاب الدراسات العليا وتحكيمها داخل وخارج الجامعة وكان في ذلك قامة لا تدانى أو توصل .
رحم الله ابي وأخي واستاذي وصديقي وزميلي البروف أحمد عبدالعال ، فقد نفع وأنجز في كل الضروب ” ..
تلك الأقوال الحافلة بالمحبة والوفاء من الأكاديميين الذين الذين درسوا على يدي الأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم عبدالعال ، ونهلوا من معينه ، قطعا يؤكد أنه قد ترك آثار فكره ورؤاه الفلسفية فيهم ، كما يؤكد أنه من آخر أساتذة الفنون الكبار بوصفه لم يكن منجما أكاديميا فحسب بل كان أحمد عبدالعال يرتكز على قدرة هائلة من الإنتاج الفكري وعلى خلفية من التاريخ الثقافي الحضاري للأمة الأسلامية ، أهلته أن يكون منظرا ومفكرا بمعناه الحقيقي . فالتف من حوله الطلاب محبين لمنهج تفكيره في الفنون .
ومقالنا هذا لا ينفك يتعمق بأقول طلابه الذين أصبحوا اليوم في صدارة حركة الإبداع الثقافي السوداني .
ومنهم أيضا الدكتور أبوبكر الشيخ أستاذ التمثيل والإخراج في كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان للعلوم كتب :
” الفنان الراحل الأستاذ الدكتور أحمد عبدالعال عرفناه فنانا تشكيليا ، وكاتب صحفي وكاتب سيناريو ومخرج ، فقد حالفنا الحظ وجميل القدر ان نتزامن كطلاب في المعهد العالي للموسيقي والمسرح عندما كان عميدا للكلية .
كنا عندما نحضر للكلية باكرا نجده قد جاء في وقت ( أبكر ) ويجلس جلسته المعهودة في تلك ( النجيلة ) وينظر في عمق كل ماحوله بنظرة الأب العميد الفنان .
كنا نهاب تلك الطلة وتلك الكاريزما التي صنعت مجدا للمعهد والذي تحول لكلية في عهده .
نحاول ان نرد عند سؤاله عن تجاربنا خارج اطار الكلية والتي يثني عليها ويقدم النقد والنصح والارشاد لنا فيها .
وتكون اللعثمة سيدة الموقف لأننا نقف أمام قامة لايمكن أن يتجاوزها التاريخ ..
فكل عبارات الشكر تخجل منه ، لأنّه أكبر منها .
رحم الله الفنان الشامل الأستاذ الدكتور أحمد عبدالعال ” .
اسهاماته التطبيقية
يمكن القول أن عظمة الفنان أحمد عبدالعال في تقديري تكمن في كونه فنان مفكر ، منتج تطبيقيا ، تجلى ذلك في إسهامه العملي المنجز متمثلا في :
* أقام أكثر من خمسة وأربعين معرضًا تشكيليًّا ، في السودان ولبنان ، وألمانيا وفرنسا ، وقطر ، ودولة الإمارات العربية المتحدة ، ودولة الكويت ، وجمهورية مصر العربية ، وجمهورية إيران الإسلامية .
* قام في الفترة من 1970 م – 2005 م بتصميم أكثر من مائة وخسين شعارًا لمناسبات وطنية ، ولمؤسسات رسـمية وشعبية مختلفة ، ومن هذه الشعارات : شعار مؤتمر التصوف في السودان ، شعار تلفزيون جمهورية السودان ، شعار الاتحاد النسائي الإسلامي العالمي .
* صمم ستة وجوه للعملة الورقية السودانية الـجديدة بعد اتفاقية نيفاشا للسلام .
* توجد مجموعة من أعماله ضمن مجموعات : الأميرة وجدان في المتحف الملكي بالأردن ، ومبنى منظمة الوحدة الإفريقية بأديس أبابا .
ومتحف الفن العربي الحديث بدولة قطر .
ومتحف الشارقة للفنون التشكيلية بدولة الأمارات العربية المتحدة .
والمتحف البريطاني بلندن
ومبنى المجلس الوطني بالسودان .
* صمم جدارية ( شجرة التوحيد ) في صالة المغادرة بمطار الخرطوم .
الجوائز والأوسمة
* نال عبد العال عدد من الجوائز والأوسمة منها : وسام الجمهورية للجدارة – السودان ( 1975 ) .
* الميدالية الذهبية لرواد الفنون التشكيلية العرب في القرن العشرين 1999.
* وسام الجدارة من إيران 2002 .
* وسام الجدارة السودان 2003 .
* كساه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ” بردة ” خادم القرآن الكريم .
الوظائف الأكاديمية والمناصب القيادية
تولى الأستاذ الدكتور أحمد عبدالعال مسؤوليات وظيفية وأكاديمية مختلفة :
* أستاذ علم الجمال في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا منذ العام 1988 وحتى 1990م .
* مدير إدارة التصميم الفني بوزارة الشباب والرياضة السودانية .
* الأمين العام للهيئة القومية للثقافة والفنون خلال الفترة من 1991 إلى 1993م
* عميد كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا لدورتين متتاليتين في الفترة من 1993 حتى 2002م
* عميدا لكلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالجامعة نفسها في الفترة من 2002 وحتى 2006م .
خط البردة المباركة
صمم الدكتور أحمد عبدالعال خطا عربيا جديدا باسم ” خط البردة المباركة ” ورد عنه في حوار خاص بمجلة أوراق – السنة الثانية – العدد الرابع والعشرون ص 34 – 35 فقال :
” خط البردة ” هو نتاج لتفكير عميق أساءت إلى المسلمين كثيرا ، وأعني بذلك الأسفاف في بعض الصحف الدنماركية ، والصحف الغربية الأخرى في محاولة للإساءة لشخص الرسول صل الله عليه وسلم ، فكرت ، أنه كان من الممكن . أن أرد الصاع صاعين . بتوجيه الإساءة إلى الذين فعلوا ذلك .
ولكن رأينا أنه ليس من خلق النبي صل الله عليه وسلم ، وليس خلق الإسلام أن نسئ إلى الآخرين ففكرت في الرد المتسامي ، فوجدت أن قصيدة البردة للإمام البصيري هي من أجمل ما جاء في مدح الرسول صل الله عليه وسلم .
وفي الثقافة الإسلامية العديد من القصائد التي حاول أصحابها مجاراتها من بينهم الشاعر أحمد شوقي والبردة عمل شعري ذو منهجية تبدأ منذ ميلاد الرسول صل الله عليه وسلم وما قبله ، ثم صباه وبعثته ، وخلقه . ولقد وجدت أن البردة هي النص المادح لرسول الله بامتياز حتى الآن ، ففكرت في نص تشكيلي مرئي عله يكون مادحا لرسول الله صل الله عليه وسلم ” .
أمشاج إبداعية القصص
قرأت له ” أمشاج ” وهي اسم مجموعته القصصية ، التي أخذها بقصدية معناها كما وردت في القرآن الكريم ، والتي تعني :
” أَمْشَاجٍ ” وردت في سورة ” الإنسان ” وهي أخلاط .
نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ : أي خليط من ماء المرأة وماء الرجل .
الأمشاج : أختلاط النطفة ، ماء الرجل وماء المرأة و الدم و العلقة إذا وقع في الرحم ، واحده مشيج . وهو ممشوج أو مخلوط . و المشج : كل لونين اختلطا .
قال تعالى :
” من نطفة أمشاج نبتليه ” – الإنسان/2 – أي : أخلاط من الدم ، وذلك عبارة عما جعله الله تعالى بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله :
” ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظم لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ” ( سورة المؤمنون: آيات 12 – 14 ) ..
تجد في كل قصة ، من قصص مجموعته ” أمشاج ” مصحوبة برسم تشكيليًّ ، يتحرك مع البناء الموسيقي لكلمات القصة ، يتواشجان ، ويمتحان المتلقي المتبصر نوعا من الإهتزاز اللذيذ ، كل ما تنتجه العلامات الخاصة بكلام النص المكتوب وموسيقى ألوان الرسم المرفق ، تطلع جميعها لتجد طريقا في التأثير على تنفس وضربات قلب القارئ الناظر ، حتى يسمو بالروح إلى حضرة الحق والخير والجمال .
وثمة كلام مشابه للمعنى الذي قصدته في وقوفي بهذا المقال أجده كاملا في قول أبوبكر الأمين ، لحظة زيارته لداره يوما بعد غياب إذ قال :
” كما البدايات تأتي لحظة البعد وغياب الحيز الهيكلي . تسمو الأرواح بعبق الغرس المرتوي بدفق المحبه . ماتجيش به الداوخل يعصي عن التعبير لأن الكلمات في قواميس الذاكره تتقازم ، لأننا في حضره الحق و الخير والجمال ..
موعد ضرب علي عجل يسوقنا الحنين الي دار السلام والطمأنينة يطل بيت كسائر البيوت علي ميدان فسيح برحابة ساكني الدار ومن عمرها تسبيح وزهد وورع ..
المكرمة التي هي من أصل المضيف أن يفتح لنا جرح المرسم وهو مغلق طيلة أعوام خلت لأن الحزن مخيم في جنبات اللوحات قبل أهل البيت .
سلام الله عليك في الخالدين وأسرتك الكريمة الشيخ الورع والمعلم الأب بروفيسور أحمد عبدالعال .
إرث معرفي يشمل أعظم وأندر المخطوطات وآلاف من اللوحات بعضها عرض في مختلف دول العالم والبعض الآخر أو الجزء الأكبر لم يتكحل به أهل المحبه بالرؤية ..
إن الإنتاج الفكري للراحل يوازي الإنتاج التشكيلي .
أو كما قال عنه الناقد اللبناني ، أن أحمد عبدالعال مفكر يرسم .. وضع منهج يسير عليه طلابه ، ورسالة الدكتوراة سفر يضيء ماهو معتم .
وأهل الكفر والشرك يسيؤن لأفضل البشر صلوات ربي وسلامه عليه . يشهر ريشته ويكون خط البرده الذي يآخي النسخ والرقعه والديواني أبلغ رد ”
مدرسة الواحد
يقول أحمد عبدالعال ، مدرسة الواحد ، مشروع فكري وروحي متكامل ، جاء على أثر دراسته الأكاديمية للفن الإسلامي وإنجاز رسالته للدكتوراه في جماليات الحضارة الإسلامية بوصفها حضارة توحيدية كونية كما يؤكد ذلك دائما . ناهضا إلى تأسيسٍ جمالي جديد ، مسترفدا ذاته من منابع الجمالية والفكرية للحضارة الإسلامية وتجربتها التاريخية ، التي امتدت عبر بيئات طبيعية وكتل إجتماعية وأمزجة قومية مختلفة مفضية إلى ضمير جمالي منسجم ، وكتب عبد العال بيان هذه المدرسة في 1989م ، للتعريف بمدرسة الواحد .
الفكرة الجوهرية للمدرسة والفلسفة التي تحكم إنتاجها الجمالي هي ” التوحيدية ” ..
الفن يستمد وجوده المادي منها ، وتمام اللحظة المبدعة عنده ، يكون عندما يتحقق التلازم بين الذات والموضوع ، يقول :
ويقول عبدالعال “وجودي وإنتاج عملي هما عمليتان متساندتان في تلازم ، وأعني بوجودي الشروط الحياتية والروحية كافة واستقرارها في العمل الجمالي ، في التلوين أو النحت ، أو التصميم أو النص الإبداعي في الكتابة .
وراء هذه المكابدة أجد شيئًا من رضا السعي نحو قدر من الـتـوازن بـيـن الخيال الـموضوعي وبين إرادتي ، وإلحاحي علي تحقيق صورة ” العمل ” عـبر الوسـائط من ألوان وخامات أخرى ، وكلمات وحروف “..
ويقول مستدركا : ” فالمسعى التوحيدي في الفنون هو أن يتحول الزمان بأبعاده الثلاثة المعلومة ، من ماضٍ وحاضر ومستقبل إلى زمن واحد ، إلى طاقة حية هي من محمولات الصورة بمعناها الأوسع ، وهي طاقة بطبيعتها تطلب الاتصال بوعي الآخرين بل تطلب أيضا الاتصال بوعي الفنان نفسه ، لأنه بفعل هذه الطاقة الحية وحدها يتاح للفنان القدر الأعمق من تطوره ” ..
وفي الإبداع الكتابي نجد عنده هذا التلاقي ، الفكر ، والصورة والحرف ، حيث تلتقي في النص ” العلامة بالصورة في مستويات متعددة ، بعد كل ميلاد لحرف ، تتخلق صورة في مجال حيوي ، فيقع هذا الإلتحام التوحيدي ، على معيار وقدرة في الخط واللون والتصميم وفي التماهي الولود الذي يستظل بالمنطق التصويري في هذه الأعمال “..
المعنى الكلي للتجربة الفنية
الفنان التشكيلي الأستاذ الدكتور أحمد عبدالعال ، استخلص رؤيته من تجربة التي يرى منها أن الفن بمعنى من المعاني يحمل روح العبادة ، ولا مكان فيها للبطر والكبرياء ، وذهب بالقول :
” ثمة إملاء فكري هو الحاكم على الأداء التشكيلي في تجربتي ، الأمر الذي يجعلني لا أرى فيها مخايل زينة أو تزيين أو حلية لطيفة لمساحة في المكان أو في الزمان ، ظلت قناعتي تطرد نحو استلهام جديد لجوهر التجربة التاريخية للحضارة العربية الإسلامية ، بوصف أن هذه الحضارة هي آخر حضارة أقامها الناس على الكتاب الخاتم وعلى تـمظهر الوحي الكريـم في الحـيـاة الـنـبـوية الـشـريفة ، وما تـلا ذلك – عبر قرون – من بناءات روحية وفكرية وعلمية وأدبية ” وعلى ذلك صاغ جملته التي أمتح بها حيوات وجودنا في حركة الإبداع الثقافي السوداني ” أنه لا قيمة لتعبير فني دون مدلول حضاري ” . والهدف الأساس من وراء هذا التعبير الموجز هو النهوض للبحث واستكشاف مخيال بطاقات قادرة على إنجاز جمالي يعبر عن شخصية المسلم الموحد لله عز وجل .

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: کلیة الفنون الجمیلة صل الله علیه وسلم الفنان التشکیلی أحمد عبد العال علم الجمال فی السودان الفترة من العال فی فی کلیة ما کان أنه لا

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان سيدنا رسول الله ﷺ أمرنا بالصدق، وسأله أحد الصحابة  : أيزني المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيسرق المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيكذب المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «لا». قد يشتهي الإنسان، فتدفعه شهوته للوقوع في المعصية، أو يحتاج، فيعتدي بنسيان أو جهل. أما الكذب، فهو أمر مستبعد ومستهجن.

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه عندما التزم الناس بهذه النصيحة، وهذا الحكم النبوي الشريف، عرفوا أنهم لا يقعون في الزنا ولا في السرقة. سبحان الله! لأن الإنسان إذا واجهته أسباب المعصية، وكان صادقًا مع نفسه، مع ربه، ومع الناس، فإنه يستحي أن يرتكب المعصية.

وجاء رجلٌ يُسْلِمُ على يدي رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، أريد أن أدخل الإسلام، ولكني لا أقدر على ترك الفواحش والزنا. فقال له النبي ﷺ: «عاهدني ألا تكذب».

فدخل الإسلام بهذا الشرط، رغم كونه شرطًا فاسدًا في الأصل. وقد وضع الفقهاء بابًا في كتبهم بعنوان: الإسلام مع الشرط الفاسد.

دخل الرجل الإسلام، وتغاضى النبي ﷺ عن معصيته، لكنه طالبه بعدم الكذب. ثم عاد الرجل إلى النبي ﷺ بعد أن تعافى من هذا الذنب، وقال: والله، يا رسول الله، كلما هممت أن أفعل تلك الفاحشة، تذكرت أنك ستسألني: هل فعلت؟ فأتركها استحياءً من أن أصرح بذلك، فالصدق كان سبب نجاته.

الصدق الذي نستهين به، هو أمر عظيم؛ الصدق يمنعنا من شهادة الزور، ومن كتمان الشهادة. وهو الذي ينجينا من المهالك. وقد ورد في الزهد :  »الصدق منجاة؛ ولو ظننت فيه هلاكك، والكذب مهلكة؛ ولو ظننت فيه نجاتك».

وفي إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، رضي الله عنه: كان خطيبٌ يخطب في الناس عن الصدق بخطبة بليغة. ثم عاد في الجمعة التالية، وألقى نفس الخطبة عن الصدق، وكررها في كل جمعة، حتى ملَّ الناس، وقالوا له: ألا تحفظ غير هذه الخطبة؟ فقال لهم: وهل تركتم الكذب والدعوة إليه، حتى أترك أنا الدعوة إلى الصدق؟! نعم، الصدق موضوع قديم، ولكنه موضوع يَهُزُّ الإنسان، يغير حياته، ويدخله في البرنامج النبوي المستقيم. به يعيش الإنسان مع الله.

الصدق الذي نسيناه، هو ما قال فيه النبي ﷺ  :   »كفى بالمرء كذبًا أن يُحَدِّث بكل ما سمع ».

ونحن اليوم نحدث بكل ما نسمع، نزيد على الكلام، ونكمل من أذهاننا بدون بينة.

ماذا سنقول أمام الله يوم القيامة؟
اغتبنا هذا، وافتَرَينا على ذاك، من غير قصدٍ، ولا التفات. لأننا سمعنا، فتكلمنا، وزدنا.

قال النبي ﷺ: «إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

وأخذ بلسانه وقال: «عليك بهذا».
فسأله الصحابي: وهل نؤاخذ بما نقول؟ فقال النبي ﷺ : وهل يَكُبُّ الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ لقد استهنا بعظيمٍ علمنا إياه النبي ﷺ. يجب علينا أن نعود إلى الله قبل فوات الأوان.

علق قلبك بالله، ولا تنشغل بالدنيا الفانية، واذكر قول النبي ﷺ: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل».
راجع نفسك، ليس لأمرٍ من أمور الدنيا، ولكن لموقف عظيم ستقف فيه بين يدي رب العالمين. فلنعد إلى الله، ولا نعصي أبا القاسم ﷺ.

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة ينعي الدكتور محسن التوني
  • نقابة المهن السينمائية تنعي الدكتور محسن التوني العميد السابق لمعهد السينما
  • علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم
  • رابطةُ العالَم الإسلامي تُدين عملية الدهس التي وقعت في مدينة ماغديبورغ شرقي ألمانيا
  • اليوم نرفع راية استقلالنا (1)
  • الواقعية والتسجيلية والانطباعية.. صفات ميزت الفن التشكيلي السوري بمرحلة الريادة
  • علاء عبدالعال يُعلن تشكيل الجونة أمام إنبي في الدوري
  • جامعة الفيوم تفتح باب التقدم لمسابقة الأم المثالية
  • دعاء يوم الجمعة الذي يغير الأقدار للأفضل
  • رسالة حادة من واشنطن للدول التي تدعم الأطراف المتحاربة بالسودان عسكريا