السيد المسيح عليه السلام واقف وأمامه يهوذا الإسخريوطى أحد تلاميذه الإثنى عشر، وخلف السيد المسيح عليه السلام الجمع من الجنود الرومان يريدون القبض عليه ولكنهم لا يعرفونه.. هنا يأتى دور يهوذا الخائن الذى دلهم على السيد المسيح عليه السلام، بل وأعطاهم علامة على المسيح أنه من يُقبّله، والمسيح يسأل من تريدون، فيقولون يسوع الناصرى.
خيانة يهوذا، هى الحدث المذكور فى العهد الجديد، بوصفه تواطأ مع أعضاء المجلس الأعلى لليهود الذين خافوا من تزايد عدد اليهود المؤمنين بالسيد المسيح عليه السلام، وتصاعد خوفهم من أن يكون برنامجه يحوى ثورة سياسية على الإمبراطورية الرومانية تؤدى إلى تدمير الحكم الذاتى الذى تمتع به اليهود.
يهوذا تلميذ السيد المسيح عليه السلام وأحد حوارييه الإثنى عشر قام بتسليمه مقابل ثلاثين قطعة من الفضة! والتى تعادل ثمن العبد فى الشريعة اليهودية.
ويتفق المؤرخون وكذلك الباحثون فى الكتاب المقدس أن يهوذا كان من جماعة الزيلوت أو الغيورين ينتظر أن يشرع المسيح المنتظر فى ثورة مسلحة ضد الرومان، يعلن فى نهايتها إعادة إقامة مملكة إسرائيل الموحدة.
ويظهر الكتاب المقدس أن سائر التلاميذ الاثنى عشر كانت لديهم مثل هذه الفكرة الرائجة فى المجتمع، غير أنهم عدلوا عنها لاحقًا فى حين ظلّ يهوذا متمسكًا بمملكة سياسية لا روحية، ومخلصا بالمعنى الدنيوى لا الدينى للكلمة، ودفعه اليأس من تحقيق أهداف جماعته، إلى خيانة سيده وتسليمه كما سُلم الكثير من الثوار ضد روما.
ولكن هل انتهى نسل يهوذا من العالم؟ ألم نشهد من بعد يهوذا خيانات يهودية؟ الاجابة ببساطة هى النفى القاطع فهناك يهوذا صهيونى فى كل عصر، لديه هوس مريض بإعادة إقامة مملكة إسرائيل الموحدة، بأى ثمن حتى لو بقتل وسحل واغتصاب الأرض والعرض فى إعلان صارخ لموت الضمير الإنساني، وإحياء فكرة الخيانة والتآمر والعدوان، وتمرير الحلم المشوه على أنه التمسك بأكذوبة القومية اليهودية والعودة لأرض الأجداد حتى لو على جثة الشعب العربى الفلسطينى الأبى.
البداية فى العصر الحديث مع يهوذا جديد ولد فى السويد ولكنه لا يؤمن بوطنه الذى نشأ فيه وتعلم فى مدارسه وعاش على أرضه يهوذا الجديد هو ثيودور هرتزل، الصحافى السويدي، أبو الحركة الصهيونية الحديثة، ومنظم المؤتمر الصهيونى الذى عقد فى مدينة بازل السويسرية عام 1897، الذى قرر تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية، برئاسته للعمل على إنشاء وطن قومى لليهود
يهوذا النمساوى أو هرتزل كتب نهاية عام 1895 كتاب بعنوان «الدولة اليهودية»، الذى نشر فى فبراير 1896، وناقش فيه إقامة كيان لليهود مدعيا أنهم يشكلون قومية بينما اليهودية دين وليست قومية، وطالب الشعب اليهودى بدم بارد ان يخونوا أوطانهم التى ولدوا فيها وعاشوا على ارضها ينتجون ويتعلمون ويتزوجون ويمتلكون منازل ومقابر فيها، مطالبًا إياهم بأن يغادروا بلادهم الأوروبية، ويزحفوا إما إلى الأرجنتين أو على نحو مفضل بالنسبة ليهوذا هرتزل، لفلسطين، كما يدعى « وطنهم التاريخي».
تطأ جيوش التاج البريطانى بلاد الزيتون مع هزيمة رجل أوروبا المريض -الدولة العثمانية- فى الحرب العالمية الأولى وتوزّع التركة على الحلفاء الذين فازت بريطانيا من بينهم بالسلطة على فلسطين عام 1918. وفى أثناء ذلك، كانت تتردد فى الأرجاء رسالة رئيس الوزراء البريطانى «آرثر جيمس بلفور» -ذائعة الصيت- التى أرسلها بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد اليهودى «والتر دى روتشيلد» -أحد أضلاع عائلة روتشيلد الثرية- يُشير فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، قائلا فيها: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومى فى فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية».
كم يهوذا باعك يافلسطين وقدمك لليهود بثمن بخس؟ ربما الإجابة على هذا السؤال التعس تأتى بإجابة سؤال آخر تحمل الكثير من الأمل مفاده: ما جزاء العيش يا صهيونى فى أرض ليست هى أرضك ولكنك تنسبها زورًا وتزييفًا لنفسك؟ ما جزاء العيش ياصهيونى فى بيت عقد ملكيته ومفاتيحه العتيقة وحكاياته فلسطينية حتى لو سلمه لك يهوذا؟
الإجابة جاءت فى عام 2023 على يد الحاخام الأرثوذكسى المناهض للصهيونية الحنان بيك، الذى كشف عن أن عملية «طوفان الأقصى»، لم تبدأ بهجوم حماس، موضحا أن الصراع بدأ فى 15 مايو 1948، مبينا أنه بالنسبة للفلسطينيين بدأ الأمر بالنكبة حيث تعرض الفلسطينيون لجرائم القتل والإبادة الجماعية.
وأكد أن ما حدث فى السابع من أكتوبر 2023 كان نتيجة للسياسة الإسرائيلية، داعيا زعماء العالم إلى فتح أعينهم ليفهموا أن مساعدة إسرائيل ليست فى مصلحة الشعب اليهودى.
وقال بيك، والذى يعد أحد أبرز رجال الدين فى بريطانيا، «سافروا حول العالم وفى النهاية سترون أن أخطر مكان لليهودى اليوم، هو إسرائيل».
ولفت بيك، وهو عضو فى حركة ناطورى كارتا (حرّاس المدينة) اليهودية المناهضة للصهيونية، أن الأخيرة ساهمت بشكل كبير فى معاداة السامية، ووصف الصهيونية بأنها «خيانة لله»، لافتا إلى أن الهجمات الإسرائيلية على غزة أداة حقيقية للإبادة الجماعية.
وسلط الحاخام بيك الضوء على أنه وفقا للعقيدة اليهودية الأرثوذكسية، لا يُسمح لليهود بحكم حتى شبر واحد من الأرض (فى إشارة إلى فلسطين).
وأشار إلى أن طائفته لا تدعم حل الدولتين، لأنها تؤمن بضرورة زوال دولة إسرائيل، وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السيد المسيح عليه السلام العهد الجديد
إقرأ أيضاً:
سيرة أمير العمرى المُدهشة (1-3)
أنا واحد مَمن يُفضلون قراءة التاريخ من مسارات مُغايرة للمسار السياسى التقليدي، لذا فإن كُتب السير الذاتية للمُثقفين تُعد فى رأيى رافدا مُهما وحياديا للاطلال على تاريخنا المُعاصر. ومما كان لافتا ومشوقا فى الأيام الأخيرة، تلك السيرة العجيبة للناقد السينمائى الكبير أمير العمري، والتى صدرت مؤخرا عن دار نظر للمعارف بالقاهرة وحملت عنوان « الحياة كما عشتها».
وأمير العمرى واحد من أفضل النقاد السينمائيين العرب، إذ قضى نحو خمسة عقود مُتنقلا بين مهرجانات السينما العالمية، مُحللا، ومفككا، ومُطلعا، ومتابعا لحركات الفن العالمية، مُتخذا من العاصمة البريطانية لندن مستقرا.
وقد عرفناه صحفيا عتيدا فى كبرى وسائل الإعلام بدءا من هيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سي» مرورا بالحياة اللندنية، والقدس العربي، وصحيفة العرب، وغيرها، فضلا عن رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى.
والمثير أن سيرته تتجاوز سيرة ناقد سينمائى لترصد تحولات كبرى فى عالم الصحافة والاعلام العربي، وتقدم حكايات مشوقة وحصرية عن شخصيات سياسية، وفنية، وإعلامية معروفة، تتسم بنبرة الصراحة التامة.
إن أول ما يلفت نظرنا فى حكاية الناقد المولود فى 1950 بمدينة المنصورة، هو ذلك التنوع العجيب الذى شكل شخصيته، بدءا من والده مهندس المساحة الوفدي، الذى تنقل من مدينة إلى مدينة ليتعرف على محيطات مجتمعية مختلفة، ودراسته العميقة للطب وتفوقه فيه ثم تعيينه طبيبا فى أقاصى الصعيد، وانتقاله لاحقا من قرية إلى قرية، وصولا إلى صداقاته وعلاقاته الوطيدة بالمثقفين والمبدعين ومجانين الكتابة فى مصر الستينات والسبعينات.
كانت المنصورة وقتها مميزة بوجود جالية أجنبية كبيرة يغلب عليها الطليان، الذين أسسوا دور سينما عديدة واهتموا بعرض أحدث الأفلام. وهُنا أحب الفتى الصغير، السينما وارتبط بها، وسعى للالتحاق بمعهد السينما بعد إتمامه الثانوية، لكن رضخ لرغبة والده وإلحاحه بدراسة الطب. كان يشعر بأنه يُسدد دينا لوالديه، وظل طوال سنوات الدراسة متعلقا بالسينما ومديرا لنادى ثقافى أسسه مع بعض الشباب لمتابعتها. وبعد أن جرب حظه فى العمل طبيبا فى أسيوط والقاهرة، ثم عمل طبيبا فى الجزائر بمدينة بسكرة، وجد أن مهنة الطب لا تُرضى طموحه، فغادرها تماما بعد وفاة والديه حيث رحلت أمه فى 1971، ووالده فى مطلع الثمانينات، وأنهى عمله بالجزائر وسافر إلى لندن ليبدأ حياة جديدة.
فى لندن كان هناك عالم جديد للصحافة والاعلام يتشكل مع تحولات السياسة العربية فى ذلك الوقت. كان ألمع عقول العالم العربى الفكرية يعملون فى صحف ممولة من العراق وليبيا والسعودية وغيرها، وتعرف أمير بكثير من النجوم اللامعين كان منهم عماد أديب، هالة سرحان، عمرو عبد السميع، أمجد ناصر، صبرى حافظ، عثمان عمير، منى غباشي، أحمد الهوني، مجدى نصيف، وجميل مروة، وغيرهم.
وهو يقدم لنا حكايات عجيبة جدا عن هؤلاء وغيرهم ممن شهد بداياتهم وهم مفلسون، حالمون، أنقياء، ثُم تحولوا فى زحام لندن وسحرها إلى ملوك وسماسرة ومليارديرات. يتذكر أمير جيدا وجه الشاب الطموح الذى طُرد من إحدى مجلات «الحياة اللندنية» لاتهامه بمخالفات مالية، ثُم رآه بعد سنوات معروفا بالملياردير إيهاب طلعت.
كما يتذكر كيف كان هناك صحفى فلسطينى متواضع الحال، ومتخصص فى الصحافة الرياضية واسمه عبد البارى عطوان، تعرض للبطالة فجأة بعد استغناء الشرق الأوسط عنه، وظل شهورا بلا عمل حتى عرف باعتزام منظمة التحرير الفلسطينية اصدار صحيفة فى لندن، فساق كل علاقاته توسطا ليتولى إدارتها. ثم يذكر كيف قرر الناشر الفلسطينى إقالة عبد البارى عطوان بسبب موقف الصحيفة المناصر لصدام حسين خلال احتلاله الكويت، لكن «عطوان» تمكن بفضل تهديد عدد من أنصاره بالانسحاب من العودة مرة أخرى، وظل فى موقعه حنى 2013.
وللحكايات بقية..
والله أعلم
[email protected]