منذ الإعلان عن قيام جامعة الدول العربية في ٢٢ مارس ١٩٤٥م كانت قضية فلسطين هي قضيتها المركزية الأولى بالإضافة إلى قضايا دعم النضال الوطني للشعوب العربية لنيل الاستقلال من المستعمر الغربي. فالجامعة أنشئت لعدة أهداف من بينها، ما نصت عليه المادة (٢) من ميثاقها من ”توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها“.

وخلال ما يقارب الثمانية عقود واجهت جامعة الدول العربية مواقف وتحديات صعبة في التعامل مع أحداث كبرى مرت بها الأمة العربية مثل: قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٩ نوفمبر من عام ١٩٤٧م باعتماد قرار يوصي بتبني وتنفيذ خطة لتقسيم فلسطين، الخاضعة للانتداب البريطاني آنذاك، إلى دولتين، واحدة عربية والأخرى يهودية، وما تبع ذلك من قيام حرب ١٩٤٨م، وهي أولى الحروب العربية الإسرائيلية. والتي حدثت عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام إسرائيل، والعدوان الثلاثي على مصر في عام ١٩٥٦م، والحرب العربية الإسرائيلية في عام ١٩٦٧م وما نتج عنها من قيام الكيان الصهيوني باحتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومعظم مرتفعات الجولان السورية، وحرب أكتوبر في عام ١٩٧٣م، والحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من عام ١٩٧٥م إلى عام ١٩٩٠م، وبالطبع لا يمكن إغفال عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، والانقسام الحاد الذي حدث في الأمة العربية نتيجة لهذا التطبيع. والحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لمدة ٨ سنوات خلال الفترة من ١٩٨٠م إلى ١٩٨٨م، والغزو العراقي الكارثي للكويت في ٢ أغسطس من عام ١٩٩٠م وما تبع ذلك من حصار مدمر للعراق، والغزو الأمريكي للعراق في ٢٠مارس ٢٠٠٣م. إضافةً إلى الخلافات العربية الحادة، التي ما ينتهي خلاف منها إلا وينشأ خلاف آخر أشد وطأة من سابقاتها.

وباستحضار تاريخي لأدوار الجامعة العربية خلال الثمانية عقود الماضية، ترى إلى أي مدى استطاعت عدد من الدول العربية الفاعلة إيصال جامعة الدول العربية وحراكها في قضايا الأمة إلى ما وصلت إليه من تقزيم، حتى يمكن أن ينطبق عليها ما قاله الوزير الشاعر المهلبي عندما حاصرته قسوة الدنيا وأرمت عليه بأثقالها في شبابه ”ألا موتٌ يُباعُ فأشتريه.. فهذا العيش ما لا خير فيه“. فمن قيام الجامعة العربية باتخاذ قرار في ١٢ أبريل من عام ١٩٤٨م بإرسال الجيوش العربية إلى فلسطين لمحاربة الكيان الصهيوني الغاصب، إلى عدم قدرة جامعة الدول العربية ودولها الـ ٢٢ وعدد سكانها الذين يقتربون من ٥٠٠ مليون إنسان من إدخال زجاجة ماء واحدة أو كيلو سكر أو كيس طحين لإخوة لهم يبادون إبادة جماعية في غزة، ويتم تجويعهم على مرأى العالم حتى الموت، من قبل الكيان الصهيوني المجرم المحتل، وهم على بعد أمتار قليلة من حدود عدد من الدول العربية. لا يوجد أدنى شك أن ما وصلت إليه الجامعة العربية، بالرغم من الكثير من الإنجازات عبر مسيرتها الطويلة في مجالات العمل العربي المشترك، وبالذات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية وغيرها من المجالات، من ضعف وتهميش، حسب تقديري متعمد، وهذا الضعف هو انعكاس لإرادة الدول العربية الأعضاء وبالذات الدول الفاعلة، والتي لا أعلم ما مصلحتها من تقييد أي دور فاعل لجامعة الدول العربية في الأزمات الكبيرة التي مرت بها وتمر بها الأمة، وآخرها وقوفها وقوف المتفرج على ما يحدث من مجازر مروعة في غزة، والتي أيقظت ضمير الشرفاء والأحرار في كل دول العالم ولم تحرك ساكناً لدى جامعة الدول العربية ومعظم الدول العربية ذات التأثير في عمل الجامعة.

والتي اكتفت ببيانات تنديد صحفية وتشكيل لجنة وزارية وإشراك الأمين العام فيها، وهو معروف سلفًا أن لا نتيجة ولا أثر حقيقي لأعمالها، والدليل واضح وضوح الشمس.

أنا هنا لا أقلل من مكانة ودور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، فهو من القامات الدبلوماسية الرفيعة على مستوى العالم العربي، وكلي يقين أنه إذا سُمح له بالحركة، على غرار ما هو معمول به في الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، فإنه سيسخر عصارة خبراته ومعاونيه في قيام الجامعة بما هو مأمول منها في هذه الأزمة، وأرى أن هناك مساحة يمكن لمعالي الأمين العام والجامعة التحرك فيها بمعزل عن تأثير الدول الأعضاء، تتمثل في تشكيل خلية أزمة من الطاقات العربية التي تتحدث اللغات الحية في العالم، يناط بها التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني الحرة والاتحادات الطلابية والأكاديميين والإعلاميين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وكافة الشرفاء في دول العالم، المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، من منظورها التاريخي والقانوني والإنساني، وكشف زيف وتضليل الحركة الصهيونية لهذه الحقائق، منذ ظهورها للوجود بشكل رسمي على يد تيودور هرتزل في عام ١٨٩٧م، ومدى تأثير هذه الحركة وسيطرتها على الحكومات والبرلمانات والاقتصاد والإعلام في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لإخضاع هذه الدول بكل ما تملك من مؤسسات وقدرات لخدمة المشروع الصهيوني ودولة الكيان المحتل لفلسطين وتزييف وتشويه صورة العربي والمسلم في الذاكرة الجمعية لهذه الدول.

خالد بن عمر المرهون، متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جامعة الدول العربیة الکیان الصهیونی من عام فی عام

إقرأ أيضاً:

هاكان فيدان: التحركات الإسرائيلية في الدول العربية المجاورة مرفوضة

أنقرة (زمان التركية) – قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن بلاده ترفض خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسيطرة على غزة وتهجير الفلسطينيين قسرا، وترفض جميع التحركات الإسرائيلية في الدول العربية المجاورة.

أدلى فيدان بهذه التصريحات خلال حوار مع لقناة “الجزيرة” القطرية، وقال إنه لا ينبغي أخذ هذه الخطة على محمل الجد.

وبشأن تهجير الفلسطينيين، أوضح فيدان أنه “ربما يكون هناك دولتان في العالم تدافعان عن ذلك، إحداهما أمريكا والأخرى إسرائيل، وباستثنائهما، فإن بقية العالم ضده”.

وأضاف وزير الخارجية التركي، إنهم كدول إسلامية وعربية قالوا للحكومة الإسرائيلية: ”تعالوا واقبلوا حل الدولتين، اعقدوا السلام مع الدول العربية والدول الإسلامية الأخرى على حد سواء“.

وتابع فيدان، قائلاً: ”أنتم أيضاً تخشون على أمنكم وكذلك الآخرون. نرى أن لديهم خططاً لضم الأراضي الفلسطينية وأبعد من ذلك لاحتلال لبنان وسوريا، ناهيك عن رفض إعطاء دولة للفلسطينيين. لا يمكنكم القيام بذلك إلى الأبد. الآن تساعدكم أمريكا في ذلك، بهذه السياسة الخاطئة، ولكن هذه السياسة غير قابلة للاستمرار. بل تعالوا، الدول العربية جاهزة، تركيا جاهزة، لحل الدولتين، يمكنكم أن تشعروا بالراحة والأمان، ويمكن للمنطقة أن تشعر بالراحة. مثل هذه التحركات الاحتلالية، مثل هذه السياسات الاحتلالية الواسعة، مثل هذه السياسات للسيطرة تؤدي إلى نتائج خطيرة للغاية“.

وبخصوص سياسة تركيا الخارجية، قال وزير الخارجية هاكان فيدان إن الأولوية الأولى للسياسة الخارجية التركية هي تسوية النزاعات في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط بما في ذلك بحر إيجه، ووقف الحروب، والقضاء على بيئة عدم الاستقرار، وأنه عندما يتحقق ذلك يسهل تحقيق التنمية الاقتصادية والخدمات الأساسية للشعب.

وأكد الوزير أن سياسة تركيا الخارجية بناءة، ولا تهدد أمن الآخرين، وتحترم وحدة أراضي الجميع، وتهدف إلى التنمية الاقتصادية وتحترم الإرادة الوطنية للجميع.

Tags: إسرائيلتركياتل أبيبسوريلفيدانلبنانهاكان فيدان

مقالات مشابهة

  • هاكان فيدان: التحركات الإسرائيلية في الدول العربية المجاورة مرفوضة
  • فرنسا تقترح تقييدا أوروبيا متزامنا لإصدار التأشيرات بحق الدول التي لا تستعيد رعاياها المرحلين
  • الحكيم من جامعة الدول العربية: ندعم العمل العربي المشترك
  • حماس تدين العدوان الصهيوني على سيادة سوريا
  • ما معنى اسم سيليا؟.. منتشر في الدول العربية بكثرة
  • الجزائر تدين قرار الكيان الصهيوني بمصادرة 90 مليون دولار من عائدات الضرائب الفلسطينية
  • الأورومتوسطي يطالب بالضغط على الكيان الصهيوني لإنهاء عملياته العسكرية بالضفة الغربية
  • العراق يتصدر الدول العربية ويحتل المرتبة السابعة عالميا بشراء الذهب
  • إبراهيم عيسى: 80% من المساعدات التي تقدم لسكان قطاع غزة مصرية
  • عراقتشي: الأسلحة النووية التي يملكها العدو الصهيوني تشكل أكبر تهديد للأمن