الكهنوت المالية.. فزاعة الشعوب!
تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT
علي بن سالم كفيتان
لم تعُد الكهانة مُقتصرة على رجال الدين اليهود والنصارى، كما كانت على مرِّ التاريخ؛ بل انتقلت إلى مختلف مناحي الحياة؛ فبات لدينا كهنوت مالية تَعِد بالفقر والعوز لتمارس الإرهاب الكهنوتي المالي لجموع الناس، وإقناع العقل الباطن لديهم بأنَّ الحلول معدومة وصعبة؛ بل ومُستحيلة.
هذا النوع من الرهاب المالي ولَّد في مجتمعاتنا- أولًا- جيوشًا جرارة من الباحثين عن العمل في مُقتبل العمر في بلدانٍ غنية تُحقق موازناتها فوائض مالية؛ لأنَّ الأولوية وفق هذا الكهنوت التي تقودها المؤسسات الدولية- مثل صندوق النقد الدولي، عبر نصائحه وتقاريره- ليست للتوظيف؛ بل لزيادة الإثراء، عن طريق تحويل الفوائض إلى الشركات العابرة للقارات في هيئة مناقصات مليونية وإعفاءات ضريبية غير محدودة من الرسوم والخدمات، في الوقت الذي يطلب فيه الصندوق تضييق الخناق على المواطنين بتطبيق جميع صنوف الضرائب ورفع الدعم عن جميع الخدمات، وهذا ما يجب على الحكومات التحوط منه.
ثانيًا: ولَّد هذا الرهاب المالي حركة اقتصادية راكدة وتراجعاً في القدرة على الشراء إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب عدم توفر النقد لدى الإنسان العادي، الذي يُجاهد بكل طاقته للحفاظ على أساسيات الحياة كالماء والغذاء، وتوفير الطاقة والملبس، ومن هنا أصبحت أسواقنا خاوية والمناخ الاستثماري غير مجدٍ؛ فالمشاريع تقومُ على القوة الشرائية للمجتمع، ومن هنا نلاحظ هجرة الاستثمار إلى مناطق أكثر سيولة وسهولة في التعامل وفيها قوة شرائية يستطيعون من خلالها بيع بضائعهم ومنتجاتهم والترويج لابتكاراتهم في مناخات واعدة.
ثالثًا: تعد دولنا ضمن الدول الأقل سكانًا مع دخلٍ اقتصادي عالٍ ولكن أيضًا بطالة مُستشرية في أوساط المواطنين، بينما تزيد أعداد الوافدين العاملين، وهي مُعادلة متناقضة جدًا، فكيف لنا بناء اقتصاد قوي دون استقطاب قوى بشرية أكبر وتسهيل الإجراءات للاستثمار والقدوم والإقامة وحتى التجنُّس؛ فنظرية تحجيم السكان ومنح الأولوية للمواطن في خيرات بلاده لم تُحقق نجاحًا على أرض الواقع في ظل البطالة المرتفعة والغلاء الفاحش واستحداث الضرائب ورفع الدعم عن الخدمات، وهنا لا بُد من الانفتاح بشكل أكبر على الأسواق المجاورة والعالم، علّها تُعالج الأزمة التي نعاني ولم نجد لها حلًا في الداخل، ولا مانع من اقتباس التجارب الناجحة في البلدان الأخرى.
رابعًا: ما تزال النخب المالية القديمة الجديدة هي المتحكمة في السوق، وهي في الحقيقة عبارة عن أُسر وعائلات ثرية يُمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، في كل دولة من دولنا، استفادت من خيرات البلاد عبر المناقصات المليونية والمليارية، وتمارس- للأسف- نفوذًا ماليًا فجًّا، من خلال التحكم في المصارف وشركات التمويل وخدمات النفط والغاز والخدمات اللوجستية وصولًا إلى الأسواق الاستهلاكية. وثقافة هذه المجموعة الضيقة من التجار القُدامى تقوم على الجمع والخزن والتحويل للخارج؛ فهُم لا يثقون بالأوضاع الاقتصادية في بلدانهم؛ بل يرونها ساحات لكنز الأموال فقط، بينما نجد مشاريعهم عامرة في بلدان أخرى، ويصرفون دون حدود فيها. فهل تستطيع الحكومات إعادة غربلة هذا الواقع الذي يُعيق حركة تقدُّم هذه الشعوب أم أصبحت هي شريكة فيه؟
خامسًا: هذه الكهانة المالية التي تَعِد بالفقر تسببت سياساتها وقراراتها في دفع شباب إلى تصرفات غير قانونية وربما ارتكاب جرائم، وحتى الإلحاد والانتحار؛ فاليأس أطبق ببراثنه على البعض؛ حيث نرى خريجين يتكدسون في البيوت بعدما أُغلِقَت أمامهم كل الأبواب إلّا باب واحد وهو التوسُّل لشركات الأثرياء للحصول على وظائف لا تليق بما يحملون من خبرات وما هم مدججون به من وطنية وولاء غُذِّيَت بها عقولهم طوال عقود من التعليم؛ ليجدوا أنفسهم على رصيف الوطن في عربات يبيعون السمبوسة واللقيمات على المارة. وهذا الواقع غير صحي ويجب التحوط من تبعاته على المدى القصير والمتوسط.
سادسًا: هذه الكهانة منحت تخديرًا موضعيًا لاقتصادات الدول عن طريق صكوك الثقة المالية التي تمنحها شركات تتبع للنظام الرأسمالي العالمي، وتعتمد على تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي في الحقيقة موجهة لتعمق واستحواذ شركاتهم وتغولها في بلداننا ونهب ثرواتها، فقد عادت لنا بوجه جديد لما كان يُعرف سابقًا بشركات الهند الشرقية وهي شركات استعمارية، ومن ضمن أهدافهم الخبيثة غير المعلنة زعزعة استقرار الدول، إذ إنهم يعلمون تمامًا أن البطالة والفقر يستببان في أوضاع اجتماعية غير آمنة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإمارات: الحلول السلمية سبيل إنهاء معاناة الشعوب
نيويورك (الاتحاد)
أخبار ذات صلة إسرائيل تنسف أحياء شمال غزة وتقتل 30 فلسطينياً لبنان.. 37 بلدة جنوبية «مسحها» الجيش الإسرائيليأكدت دولة الإمارات أهمية الدبلوماسية والحوار والحلول السياسية والسلمية، بوصفها السبيل الوحيد لحل الخلافات، وإنهاء معاناة الشعوب على نحوٍ مستدام، في ظل استمرار الحرب الدموية على قطاع غزة، والتصعيد في لبنان، وغيرهما من النزاعات حول العالم.
ودعت الإمارات جميع الأطراف إلى العمل معاً لإنهاء الحروب وتحقيق السلام، والالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن وسائر القرارات الأممية ذات الصلة، والامتثال لأحكام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
وقالت الإمارات، أمس، في بيان أمام اجتماع أممي، ألقته شما الذهلي، عضو بعثة الدولة الدائمة لدى الأمم المتحدة، حول ميثاق الأمم المتحدة وتعزيز دور المنظمة: «إن الأحداث المؤسفة التي يشهدها العالم اليوم، وتزايد وتيرة النزاعات والحروب في العديد من المناطق، يحتّمان تحديث آليات عمل هذه المنظمة، وإعادة بناء الثقة في دور الأمم المتحدة والمجلس تحديداً في حفظ الأمن والسلم الدوليين».
وأضاف البيان: «يستدعي ذلك إصلاح مجلس الأمن، عبرَ جهدٍ شامل يضم أعضاء الأمم المتحدة كافة، والنظر بشكل جاد في إجراء مراجعة للميثاق، حتى تتمكن هذه المنظمة من مواكبة التحديات المتزايدة، والاضطلاع بدورها بشكل فعال لتؤدي الغرض الذي أنشئت لأجله».
وشدد البيان على أهمية الالتزام بميثاق الأمم المتحدة بكامله من قبل جميع الدول الأعضاء، حيث إن تعزيز القيم والمبادئ المنصوص عليها في الميثاق يُعدّ أساساً لبناء عالم يسوده السلام والاستقرار.
كما أكد البيان أهمية الدور الفريد للجنة الخاصة في تعزيز فهم ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الفصل السادس منه، خاصة المادة الثالثة والثلاثون، والتي تدعو إلى التسوية السلمية للمنازعات.
وفي هذا السياق، قال البيان إن دولة الإمارات أطلقت دليل إدارة النزاعات لمجلس الأمن، والذي يُسلط الضوء على أهمية توظيف أدوات فعّالة في استراتيجية إدارة الصراع، ويهدف هذا الدليل أيضاً إلى تعزيز الإدارة المبكرة للنزاعات، بما يتماشى مع مبادئ الفصل السادس من الميثاق.
وأعرب عن تقدير الإمارات لعمل فرع ميثاق الأمم المتحدة والبحوث، حيث تُعتبر مجموعة ممارسات مجلس الأمن أداةً ضرورية للبعثات الدائمة والمستشارين القانونيين، مشيراً إلى مساهمة الإمارات في صندوق الثقة لمجموعة الممارسات في الدورة السابقة، وشجع البيان الجميع على القيام بذلك لتوسيع قاعدة الدعم.
وفي الختام، أكد البيان أهمية الأعمال التي تقوم بها اللجنة الخاصة في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتشجيع التعاون بين الدول، وتعزيز القانون الدولي، بالإضافة إلى دورها الفعال في توضيح وتفسير ميثاق الأمم المتحدة، مشدداً على مواصلة الإمارات تشجيعها للجهود التي تؤدي إلى تحسين كفاءة وإنتاجية اللجنة الخاصة، مع الاستمرار في الالتزام بمبادئ الميثاق لتحقيق عالم أكثر سلاماً واستقراراً.