جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-03@14:37:33 GMT

الكهنوت المالية.. فزاعة الشعوب!

تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT

الكهنوت المالية.. فزاعة الشعوب!

 

علي بن سالم كفيتان

لم تعُد الكهانة مُقتصرة على رجال الدين اليهود والنصارى، كما كانت على مرِّ التاريخ؛ بل انتقلت إلى مختلف مناحي الحياة؛ فبات لدينا كهنوت مالية تَعِد بالفقر والعوز لتمارس الإرهاب الكهنوتي المالي لجموع الناس، وإقناع العقل الباطن لديهم بأنَّ الحلول معدومة وصعبة؛ بل ومُستحيلة.

هذا النوع من الرهاب المالي ولَّد في مجتمعاتنا- أولًا- جيوشًا جرارة من الباحثين عن العمل في مُقتبل العمر في بلدانٍ غنية تُحقق موازناتها فوائض مالية؛ لأنَّ الأولوية وفق هذا الكهنوت التي تقودها المؤسسات الدولية- مثل صندوق النقد الدولي، عبر نصائحه وتقاريره- ليست للتوظيف؛ بل لزيادة الإثراء، عن طريق تحويل الفوائض إلى الشركات العابرة للقارات في هيئة مناقصات مليونية وإعفاءات ضريبية غير محدودة من الرسوم والخدمات، في الوقت الذي يطلب فيه الصندوق تضييق الخناق على المواطنين بتطبيق جميع صنوف الضرائب ورفع الدعم عن جميع الخدمات، وهذا ما يجب على الحكومات التحوط منه.

ثانيًا: ولَّد هذا الرهاب المالي حركة اقتصادية راكدة وتراجعاً في القدرة على الشراء إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب عدم توفر النقد لدى الإنسان العادي، الذي يُجاهد بكل طاقته للحفاظ على أساسيات الحياة كالماء والغذاء، وتوفير الطاقة والملبس، ومن هنا أصبحت أسواقنا خاوية والمناخ الاستثماري غير مجدٍ؛ فالمشاريع تقومُ على القوة الشرائية للمجتمع، ومن هنا نلاحظ هجرة الاستثمار إلى مناطق أكثر سيولة وسهولة في التعامل وفيها قوة شرائية يستطيعون من خلالها بيع بضائعهم ومنتجاتهم والترويج لابتكاراتهم في مناخات واعدة.

ثالثًا: تعد دولنا ضمن الدول الأقل سكانًا مع دخلٍ اقتصادي عالٍ ولكن أيضًا بطالة مُستشرية في أوساط المواطنين، بينما تزيد أعداد الوافدين العاملين، وهي مُعادلة متناقضة جدًا، فكيف لنا بناء اقتصاد قوي دون استقطاب قوى بشرية أكبر وتسهيل الإجراءات للاستثمار والقدوم والإقامة وحتى التجنُّس؛ فنظرية تحجيم السكان ومنح الأولوية للمواطن في خيرات بلاده لم تُحقق نجاحًا على أرض الواقع في ظل البطالة المرتفعة والغلاء الفاحش واستحداث الضرائب ورفع الدعم عن الخدمات، وهنا لا بُد من الانفتاح بشكل أكبر على الأسواق المجاورة والعالم، علّها تُعالج الأزمة التي نعاني ولم نجد لها حلًا في الداخل، ولا مانع من اقتباس التجارب الناجحة في البلدان الأخرى.

رابعًا: ما تزال النخب المالية القديمة الجديدة هي المتحكمة في السوق، وهي في الحقيقة عبارة عن أُسر وعائلات ثرية يُمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، في كل دولة من دولنا، استفادت من خيرات البلاد عبر المناقصات المليونية والمليارية، وتمارس- للأسف- نفوذًا ماليًا فجًّا، من خلال التحكم في المصارف وشركات التمويل وخدمات النفط والغاز والخدمات اللوجستية وصولًا إلى الأسواق الاستهلاكية. وثقافة هذه المجموعة الضيقة من التجار القُدامى تقوم على الجمع والخزن والتحويل للخارج؛ فهُم لا يثقون بالأوضاع الاقتصادية في بلدانهم؛ بل يرونها ساحات لكنز الأموال فقط، بينما نجد مشاريعهم عامرة في بلدان أخرى، ويصرفون دون حدود فيها. فهل تستطيع الحكومات إعادة غربلة هذا الواقع الذي يُعيق حركة تقدُّم هذه الشعوب أم أصبحت هي شريكة فيه؟

خامسًا: هذه الكهانة المالية التي تَعِد بالفقر تسببت سياساتها وقراراتها في دفع شباب إلى تصرفات غير قانونية وربما ارتكاب جرائم، وحتى الإلحاد والانتحار؛ فاليأس أطبق ببراثنه على البعض؛ حيث نرى خريجين يتكدسون في البيوت بعدما أُغلِقَت أمامهم كل الأبواب إلّا باب واحد وهو التوسُّل لشركات الأثرياء للحصول على وظائف لا تليق بما يحملون من خبرات وما هم مدججون به من وطنية وولاء غُذِّيَت بها عقولهم طوال عقود من التعليم؛ ليجدوا أنفسهم على رصيف الوطن في عربات يبيعون السمبوسة واللقيمات على المارة. وهذا الواقع غير صحي ويجب التحوط من تبعاته على المدى القصير والمتوسط.

سادسًا: هذه الكهانة منحت تخديرًا موضعيًا لاقتصادات الدول عن طريق صكوك الثقة المالية التي تمنحها شركات تتبع للنظام الرأسمالي العالمي، وتعتمد على تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي في الحقيقة موجهة لتعمق واستحواذ شركاتهم وتغولها في بلداننا ونهب ثرواتها، فقد عادت لنا بوجه جديد لما كان يُعرف سابقًا بشركات الهند الشرقية وهي شركات استعمارية، ومن ضمن أهدافهم الخبيثة غير المعلنة زعزعة استقرار الدول، إذ إنهم يعلمون تمامًا أن البطالة والفقر يستببان في أوضاع اجتماعية غير آمنة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التصعيد وتمهيد الطريق إلي جدة

زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن أختيار أماكن معارك الميليشا داخل السودان لا تتم وفقا لخطط تضعها الميليشيا في الداخل و لكنها مطلوبات الخارج، أي الدول التي تدعم الميليشيا في اعتقاد أن هزيمة الجيش أصبحت خارج المطلوبات، و أصبح الهدف المطلوب هو إنقاذ ماتبقى من عناصر الميليشيا من خلال عملية تسوية سياسية في منبر جدة أو أي منابر أخرى، لكي تعيد الأجندة القديمة.. و هؤلاء يعتقدون أن التسوية السياسية سوف تسقط دعوة السودان ضد الدول التي شاركت الميليشيا في حربها، و هي مسؤولة عن التخريب الذي دمر البنيات الأساسية في البلاد، و مؤسسات الدولة و المصانع و المشاريع الزراعية، إلي جانب ما تعرض اليه المواطنون في أغلبية اقاليم السودان، من إبادة و تهجير و انتهاكات أعراض و نهب و سرقة و غيرها.. أن هزيمة الميليشيا تعني ذهاب السودان بملفات الحرب إلي المحكمة الدولية لكي تدفع تلك الدول التي شاركت الميليشيا تكاليف إعادة البناء..
أن حركة الميليشيا داخل قرى ولاية الجزيرة، و أيضا محاولات الميليشيا إلي دخول ولاية سنار و مدينة سنجة الهدف منها أقناع المجتمع الدولي أن الكفة العسكرية متعادلة، و أن الميليشيا ماتزال تحتفظ بقوتها التي تجعلها قادرة على تهديد ولايات أخرى و السيطرة عليها. و أن تصريحات القيادات العسكرية في الجيش بأن النصر أصبح قاب قوسين أو أدنى ما هي إلا أمنيات لا تسندها الافعال على الأرض، و استمرار الحرب تعني مزيدا من فقدان الأرواح و الممتلكات و ربما تؤثر على السلم العالمي.. هذه الرؤية هي التي تبني عليها الأمارات و تسندها بعض دول الاتحاد الأوروبي إلي جانب بريطانيا و أمريكا، و هي مؤثرة على الاتحاد الأفريقي و الإيغاد..
أن دولة الأمارات تنشط الآن بقوة لكي تنفي التهمة التي وجهها السودان لها من خلال مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، و حاولت بريطانيا تكرارا عرقلتها.. عندما فشلت الأمارات تعطيل شكوى السودان في الأمم المتحدة، تحاول الآن من خلال أدواتها أن تصعد الميليشيا حربها ضد المجتمع في السودان، و طالبتها أن تنقل المعارك إلي مناطق جديدة تنعم بالأمن، لكي تمارس بها الأمارات الضغط على الجيش لكي يقبل مشروع التسوية الساعي إليه المبعوث الأمريكي توم بيرييلو، و الاتحاد الإفريقي، و أيضا مجلس الأمن من خلال المبعوثيين الدوليين.. معلوم أنقد الأمارات جندت عددا من الإعلاميين السودانيين و غيرهم من جنسيات أخرى، إلي جانب عدد من المثقفين السودانيين في مناطق مختلفة في دول العالم، و خاصة الدول الأوروبية و أمريكا و غيرها من الدول الأخرى، و هؤلاء مناط بهم أن تضخيم المعلومة، و أن يظهروا للناس أن أيادي الميليشيا قادرة على أن تطال أي مكان في السودان..
و في جانب أخر؛ بدأت الأمارات توظيف عدد من السودانيين في مناطق مختلفة أن ينفوا اتهام السودان ضد الأمارات، و بدأت ذلك بعبد الله حمدوك المتواجد في أراضيها أن يخرج منه التصريح الأول لذلك أجرت معه جريدة " فينانشيل الإمارتية" التي تصدر باللغة الانجليزية نفى حمدوك التقارير التي تتحدث عن أن الأمارات تلعب دورا داعما للميليشيا.. رغم أن التقارير خرجت من فريق مكلف من قبل الأمم المتحدة لكتابة تقرير عن الحرب الجارية في السودان أكد فيها أن الأمارات تدعم الميليشيا، و أيضا تقارير لعدد من الصحف و المجلات الأمريكية و الأوروبيية، و حتى الجامعات التي تستخدم الاقمار الصناعية قد تحدثت عن دور الأمارات في الحرب. أن حمدوك أصبح أداة طيعة في يد الأمارات توظفها كما تشاء دون أي حياء، و أصبح هناك العديد من المثقفين السودانيين الذين اصبحوا جزء من الحملة التي تريد الأمارات أن تنفي بها التهمة عنها. لكن من هم الذين يريد هؤلاء إقناعهم، هل يريدون إقناع الشعب السوداني الذي يقف مع الجيش و له قناعة راسخة لموقف الأمارت في الحرب، أم يريدون إقناع الاتحاد الأوروبي و أمريكا و غيرها من دول العالم التي تملك اقمارا صناعية و ترصد كل الحركة في الفضاء.. أن نفي حمدوك لدور الأمارات الداعم للميليشيا بالأمداد العسكري و التشوين يؤكد أن الحرب على السودان و على الجيش هي معركة اعدت لها الأمارات من وقت طويل و استطاعت أن تجند لها رؤساء دول و عاملين في المنظمات و الغريب في الأمر عناصر سودانية من سياسيين و إعلاميين و غيرهم..
أن دور العامل الخارجي في السودان كبير، هناك دول تدعم الميليشيا بالسلاح و العتاد و التشوين و المرتزق و غيرها، و هناك أيضا دول تحاول أن تمارس عمليات ضغط من أجل أن يكون هناك تفاوض بهدف الوصول لتسوية تعيد القضية لما قبل 15 إبريل 2023م، و إعادة الميليشيا لكي تلعب دورها السابق، و تؤجل الحرب لفترة زمنية أخرى.. أن الأمارات و أيضا الدول التي تقف وراءها تعلم أن انتصار القوات المسلحة على الميليشيا تعني كشف كل أوراق المؤامرة و المشاركين فيها من عناصر داخلية و خارجية.. و كان قد اتضح دور الاعبين الخارجيين في القضية السودانية منذ أن سارعت بريطانيا بتقديم المذكرة التي توافق على سحب البعثة الأممية من السودان، على شرط أن لا تكشف عن بنود الصرف المالي للبعثة، و هذه لابد لأي حكومة سودانية في المستقبل أن تطالب بكشف بنود صرف البعثة الأممية التي كان يرأسها فوكلر، لأنها سوف تكشف الدعم الذي قدم لمراكز إعلامية و صحف و منظمات مجتمع مدني و شخصيات سياسية و أحزاب و غيرها..
أن حركة الميليشيا و محاولاتها أن تدخل مناطق لم تدخلها من قبل هو الذي تسعى إليه الدول صاحبة المصلحة في حرب السودان، و الغريب أن هناك قنوات على أتم الاستعداد أن تنقل الأخبار التي ترسل من قبل الميليشيا بسرعة البرق دون أن تسأل عن صحتها، لآن الهدف ليس صحة الخبر أو عدمه، الهدف محاولة تحطيم الروح المعنوية للشعب السوداني، و فقد الثقة بين الشعب و الجيش و بالتالي شن هجوم من قبل الشعب على الجيش بهدف فك الارتباط بينهما.. لكن الشعب الذي يقاتل مع الجيش من خلال المستنفرين و المقاومة الشعبية كتفا بكتف مع الجيش أصبح واعيا لكل مخططات الدول و السياسيين التي تتأمر على البلاد، و ليس بعد الوعي تذكير يمكن أن يقال.. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • تهديد لمصير الشعوب.. 91 مليار دولار مجموع ديون حكومات العالم
  • وقفات في ذمار تنديداً باستمرار المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين
  • صناعة المكانة الدولية.. الإمارات نموذجاً
  • ذمار.. وقفات شعبية تنديداً باستمرار المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين
  • ثروت الخرباوي: الإرهاب يتسلل ولا يباغت
  • وقفات تضامنية في مدينة ذمار نصرة للشعب الفلسطيني
  • التصعيد وتمهيد الطريق إلي جدة
  • ضيف ثقيل!
  • ألا موت يُباع فأشتريه.. لسان حال جامعة الدول العربية