المتأمل لشريعة الإسلام يرى أنها حثت على إعانة الضعيف وذوي الحاجة وبخاصة المعاقين منهم، حيث راعى الإسلام أحوالهم من جهة التكليف ولم يحمّلهم ما لا يطيقون من التكاليف الشرعية، وما يفوق قدراتهم وطاقاتهم، فنفى عنهم الحرج ، وسهل لهم طرق العبادة، وبين لهم الرخص ومن ذلك قول الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) ومما يجب فعله أن نراعي ما قرره الله عز وجل من حقوق للمعاقين ولا نتضايق بما ابتلاهم الله به؛ بل نقف بجانبهم ونعينهم ونقضي حاجاتهم ونبتسم لهم وننقل مشاعر حبنا إليهم ونتعايش معهم .
فقد يُبتلى المرء في أحد أقاربه بالإعاقة الجسدية أو الذهنية وغيرها من الإعاقات، فمنا من يسخط ويتأفف ويتصرف بما لا يرضاه الله ولا رسوله ولا الفطرة السليمة من تعنيف المعاق وإهماله وقد يدخل السخط وعدم الرضا في قلوبنا ويغيب عنا أن هذا المعاق قد يكون هو سبب الخير والبركة ، إن الاهتمام بالضعفاء ونصرتهم والإحسان إليهم يجلب السعادة ويحقق الرضا النفسي ويجلب الرزق والنصر .
ورد في الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم – كما في “صحيح البخاري” – رحمه الله -: «وهل تُنصَرُون وتُرزَقون إلا بضُعفائِكم» فنحتاج إلى الإيمان بالقضاء والقدر فهو أحد أركان الإيمان الستة التي ينبغي للعبد امتثالها والتصديق بها وأن يؤمن كامل الإيمان بما رزقه الله من ذوي الاحتياجات الخاصة ويصبر، “ولسوف يعطيك ربك فترضى” واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ولو اجتعمت البشرية على أن ينفعوك بشي لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، فلا بد أن تسكن نفسك وترضى بما قدر الله والرضا بالقضاء منزلة ومرتبة عالية عند الله لايبلغها إلا الصابرون.
إن هؤلاء المعاقون قد يكونوا مجابي الدعوة عند الله فلاتدعهم يرفعون أيديهم بالدعاء عليك فيستجيب الله لهم فهم ضعفاء والله عزوجل ينصر الضعيف فهم يعيشون معك ويتأثرون بالبيئة المحيطة بك ويحبون من يرأف ويحنو عليهم ويقضي حاجاتهم، أتظن أن الله عزوجل ينسى صنيعك لهم من معروف ؟ فعليك بالتحلي بالصبر واستحضار الأجر وافعل السبب وسوف ترى مايسرك من ملك الملوك لاتعلق قلبك إلا به ولا تدعو سواه، يقول الشاعر:
وإذا الشـدائد أقبلت بجنودها …
والدهـر مـن بعـد المسـرة أوجعك
لا ترج شيـئاً مـن أخٍ أو صـاحب …
أرأيت ظلك في الظلام مشى معـك؟
وارفع يديك إلى السماء ففوقها…..
رب إذا ناديته ماضيعك
أدعو الله في كل وقت ولاتيأس ولاتكل فسوف ينزل عليك السكينة، ومن ثمرات وبركات أصحاب الإعاقة ما حكته إحدى النساء حينما قالت : قمت الليل لأجل أن أناجي الله عزوجل لشفاء ابني المعاق استمريت على ذلك ففتح الله لي في مناجاته والقيام كل ليله ، لاتعلم قد يكون هذا المعاق هو سبب دخولك الجنة والعمل الصالح.
ومما يفاخر به في مملكتنا العربية السعودية أنها امتثلت القيم الإسلامية وشرعت الحقوق لذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم والصحة والعمل بل وصرفت لهم مخصصات مالية شهرية ووقفت معهم بل وحثت على دمجهم مع المجتمع وشجعت أهليهم على الصبر وأعانتهم على ذلك كما مكنت الجمعيات غير الربحية بإشراف المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي لخدمة تلك الفئة الغالية على قلوبنا .
وقد ساهم المركز في تأسيس جمعيات تهتم بخدمة المعاقين ودمجهم في المجتمع وتيسير الزواج لهم كجمعية تيسير وماكان ذلك ليتم لولا توفيق الله ثم دعم ولاة أمرنا، وهذا ليس بمستغرب على دولتنا التي قامت على الكتاب والسنة فأخلاقهم سامية وتلمسهم لاحتياج أبنائهم مشاهد وملموس ،أدام الله علينا قيادتنا ونسأل الله أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
لا تحرق أعصابك
نحن نعيش في أزمنة متقدمة، وقد تعددت الخيارات المعيشية، وأصبح الواحد منا يحتار من أين يحصل على الخيار المناسب، وهذا من نعم الله علينا، ومع تلك الخيارات المتعددة، نعتقد أننا نستطيع أن نحدد الخيارات ذات الجودة العالية وبأقل الأسعار، وقد نرهق أنفسنا ونحملها ما لا تطيق، وذلك لتوفير تلك الخيارات التي قد ينعكس أثرها على الصحة من خلال البحث عن الأقل تكلفة، ونضيع الأوقات في البحث، قد نحصل على ما كنا نبحث عنه من سلع وخدمات ونزعم أنها ذات جودة، ونكتشف غير ذلك أو نرى ما هو أقل منها تكلفة، فهنا يحرق بعضنا نفسه بلومٍ وحسرة، وكيف مرّ عليه ذلك الخيار دون التأكد منه، وقد لا ينام الليل من جلد الذات.
وهذا ما نحذّر منه: لا تعكس على نفسك السلبية، ولا تجعل من نفسك ضحية للغرور أو تعتقد أنك فاتتك فرصة مناسبة لم تُقتنَص فـ”تحرق أعصابك”، والأمثلة في ذلك كثيرة، مثل من يقول: “كانت الأراضي في ذلك الزمان تُباع المتر بكذا، واليوم قد تضاعف العدد، وقد فاتتني تلك الفرصة”، أو قد يبيع الأرض أو السيارة وغيرها، ثم يتضاعف السعر، فيحرق أعصابه، لماذا فاتته تلك الفرصة وكان مغفلاً.
وقس على ذلك الكثير من حرق الأعصاب لأجل دنيا زائلة، نحن لا نقول: لا تفكر بذلك، ولكن رفقًا بنفسك، وسل الله الخيرة في أمرك، وإذا أقدمت على أمر ما، فلا تتحسر على ما يترتب عليه من مضاعفات، أو رزق وفير قد ساقه الله لغيرك.
الله عز وجل هو من وزع الأرزاق بين عباده، وهو الرزاق ذو القوة المتين، مهما فعلت من الأسباب، فإن الله عز وجل هو من يتصرف في الكون ويقدر تلك الأسباب، ويهب لمن يشاء البنات، ويهب لمن يشاء البنين، فقدرته مطلقة، عندما نعلم ذلك، فلنسلم الأمر لله، ونفعل الأسباب، ولا نحرق الأعصاب، عندما تفوت فرصة، قد نحب شيئًا وهو شرٌ لنا، وقد نكره شيئًا وهو خيرٌ لنا.
النفس مثل الجوهرة، كلما حافظت عليها من الكدر والمنغصات، استصحت وعاشت بسلام، فلا تضيق عليها بأمور الدنيا، وتجعلها في محزن لأجل أمر يمكن أن يتعوض بأمر الله، كم من إنسان قد بلغت ثروته رقمًا صعبًا، ثم شاء الله أن تتراجع إلى أقل القليل لأمر قد خرج عن السيطرة والحسابات المالية.
فلا تحرق أعصابك، وتندب حظك؛ فالمال يمكن تعويضه بمال آخر، ولكن الصحة لا يمكن أن تعوض، لا تحزن وتحرق أعصابك على سوق الأسهم عندما يرتفع أو ينخفض؛ عوّد نفسك على التسليم فيما قدر الله، وتجاوز تلك المرحلة، وانطلق مرة أخرى، لا تحرق أعصابك على فراق من تحب، إما بمفارقته في الحياة الدنيا أو بمجاورته فيها، فالحياة لن تستمر لأحد، كل سيفارقها، فإذا فارقت عزيزًا بموت، فلا تحرق نفسك وتقتلها بالبكاء والنحيب، وضرب الخدود، وكأنك ستعيد من فارقت بذلك.
وكذلك عندما تفارق من كان غاليًا على قلبك في الدنيا لأسباب دنيوية من أجل نزغة شيطانية، ثم تحرق أعصابك لكي يعود، وقد لا يعود، وتندب حظك وكأن الدنيا قد توقفت، نعلم أن الفراق عزيز، ولكن قد يكون خيرًا؛ فالله قد أحاط علمه بكل شيء، فلا تحرق أعصابك، فالذي قفاه قادر على إعادته، فاقلب الصفحة وأكمل حياتك، لاتحرق أعصابك على ابنك عندما ترسم له خارطة الطريق ثم يزوغ عنها وقد بذلت جهدك لهدايته وتذكر قول الله تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
إن من الضروريات الخمس التي حثّ عليها ديننا حفظ النفس، فمن الحفاظ عليها عدم لومها وإضعافها بحرق الأعصاب بفوات فرص أو الخطأ في الاختيار الدنيوي،فنسأل الله أن يرزقنا القناعة، وأن يحفظ علينا أنفسنا ومن نحب، وأن يرزقنا اللين واللطف والمحبة في أمورنا كلها .