إقرار تشريعات متكاملة خلال العقود الماضية الدولة ملتزمة بالاتفاقية مع الأمم المتحدة لحماية البيئة

أبوظبي: «الخليج»
شكلت الرؤية الاستباقية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لملامح الواقع البيئي للإمارات، واحتياجاته الملحة والمستقبلية، المحرك الرئيسي لمنظومة عمل متكاملة لمكافحة التصحر وزيادة المساحات الخضراء، ما أسهم في تحقيق إنجازات بارزة خلال العقود الماضية في تطويق آثار مشكلة التصحر، والحد من تداعياتها البيئية الضارة، على الرغم من قساوة الظروف المناخية التي تعانيها الدولة، والمتمثلة في درجات الحرارة العالية، وارتفاع معدلات الرطوبة وقلة معدلات سقوط الأمطار.

وانتهجت دولة الإمارات، التي تشكل الصحراء نحو 80% من مساحتها، رؤية استباقية وسياسة حكيمة للتصدي لمشكلة التصحر والتحديات الناجمة عنها، ارتكزت على المحافظة على البيئة الصحراوية وثرواتها وتنوعها، وفي الوقت نفسه الحد من العوامل المؤدية إلى تصحر الأراضي ومعالجتها.

وفقاً للأمم المتحدة، يؤثر التصحّر في نحو ثلث مساحة الأرض التي يعيش عليها نحو مليار شخص، كما يتسبب سنوياً في تدهور 12 مليون هكتار من الأراضي، إضافة إلى تشريد نحو 135 مليون شخص حول العالم بحلول عام 2045، حيث تمثّل هذه الظاهرة خطراً حقيقياً يهدد صحة الإنسان والتنوّع البيولوجي والمناخ والأمن الغذائي، ما يجعل من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) الذي يعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في «مدينة إكسبو دبي»، منصة مثالية لتعزيز الجهود الدولية لاتخاذ إجراءات عملية لمواجهة تحدي التصحر.

وتنسجم جهود الإمارات في مكافحة التصحر مع أهداف حملة «استدامة وطنية» التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لاستضافة (كوب 28)، وتسعى إلى إبراز التأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة بدولة الإمارات في مختلف المجالات، إضافة إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية.

حظيت قضية مكافحة التصحر باهتمام كبير في دولة الإمارات، حيث مثلت أحد مرتكزات نهج دولة الإمارات في حماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وضمان استدامتها، ولذلك أقرت الدولة خلال العقود الماضية منظومة تشريعية متكاملة.

وشملت جهود الإمارات استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية، وإنشاء الغابات الاصطناعية والمسطحات والأحزمة الخضراء بالتركيز على استخدام النباتات المحلية والنباتات المقاومة للملوحة، إلى جانب الحد من ظاهرة الرعي الجائر والاحتطاب والممارسات الزراعية غير الرشيدة، إضافة إلى الاهتمام ببحوث الاستمطار، وإنشاء السدود.

استراتيجيات وطنية

وانطلاقاً من جهودها في مسيرة العمل الدولي لمكافحة التصحر؛ انضمت دولة الإمارات إلى العديد من الاتفاقيات في مجالات حماية النظم البيئية منها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في عام 1998، ووفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاقية، أعدت وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون والتنسيق مع شركائها الاستراتيجيين، أول استراتيجية وطنية لمكافحة التصحر في عام 2003، وتم تحديثها وتطويرها في عام 2014، وتعد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر 2022- 2030 التحديث الثالث للاستراتيجية لتتماشى مع التوجهات الوطنية والعالمية، وفق خمس موجهات رئيسية تتمثل في: أولاً المحافظة على النظم البيئية وتحسين حالة الأراضي القاحلة والجافة، وثانياً التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي على النظم البيئية المتأثرة بالتصحر، وثالثاً تعزيز التوعية والتثقيف وبناء القدرات فيما يتعلق بظاهرة التصحر، ورابعاً تبني التقنيات الحديثة وتطبيقاتها وتعزيز تكامل البحوث العلمية في مجال مكافحة التصحر، وأخيراً تعزيز دور الشراكات وترسيخ مبدأ التعاون على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.

وترتبط الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر بالاستراتيجيات الوطنية الأخرى ذات العلاقة، وأهمها استراتيجية الأمن الغذائي 2051 التي تهدف إلى جعل دولة الإمارات مركزاً رائداً عالمياً في مجال الأمن الغذائي القائم على الابتكار، واستراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036 لضمان استدامة واستمرارية الوصول إلى المياه خلال الظروف العادية والطارئة، والسياسة العامة للبيئة.

أما على الصعيد العالمي، فترتبط الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر بالهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة الخاص بالحياة على الأرض في خطة عام 2030 والذي يهدف إلى حماية النظم الإيكولوجية البرية وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، وإدارة الغابات على نحو مستدام، ومكافحة التصحر. ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره ووقف فقدان التنوع البيولوجي.

مسطحات خضراء

ونجحت دولة الإمارات في تحويل مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية إلى مسطحات خضراء وحدائق ومزارع، حيث بلغ إجمالي عدد المزارع في دولة الإمارات، وفقاً لأحدث إحصاءات وزارة التغير المناخي والبيئة، 38 ألف مزرعة تتبع أساليب زراعة متنوعة وعدة نظم إنتاج زراعية، منها مزارع تتبع أساليب الزراعة العضوية وقائمة على مساحة 46 ألف دونم، وأخرى مزارع تتبع أساليب الزراعة المائية (بدون تربة) وقائمة على مساحة 1000 دونم، ويقدر إنتاجها من الخضراوات بنحو 156 ألف طن سنوياً، وما يزيد على 500 ألف طن من المحاصيل الحقلية والأعلاف، ويقدر إنتاجها من الفاكهة بنحو 200 ألف طن.

وتتعدد جهود دولة الإمارات على صعيد مكافحة التصحر، لتشمل إنشاء العديد من المحميات الطبيعية والتي وصل عددها إلى نحو 49 محمية برية وبحرية، تمثل نحو 15.53% من إجمالي مساحة الدولة، وهو ما ينسجم مع الجهود الوطنية للحد من تدهور الأراضي، والمحافظة على البيئة واستدامة عناصرها.

ويتم بشكل متواصل إطلاق مبادرات لزراعة الأشجار، ما أسهم في زيادة أعداد أشجار النخيل والأشجار الحرجية والمثمرة، إضافة إلى ما أعلنته دولة الإمارات مؤخراً ضمن التزاماتها المحددة وطنياً تجاه الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للمناخ، عن زراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول 2030.

تقنيات لإيجاد حلول مبتكرة

يشكل توظيف التقنيات الحديثة توجهاً عاماً في دولة الإمارات بهدف إيجاد حلول مبتكرة لمكافحة التصحر، حيث تم الاعتماد على نظم الزراعة الحديثة من الزراعة المائية والعمودية، إضافة إلى النجاح المميز لتجارب زراعة الأرز في البيئة الصحراوية للدولة باستخدام تقنيات حديثة في الري تضمن خفض معدلات استهلاك المياه لأقل درجة ممكنة.

ونفذت وزارة التغير المناخي والبيئة، مشروعاً لاستخدام الطائرات بدون طيار في إجراء مسح شامل للمناطق الزراعية في دولة الإمارات لتعزيز استعادة المناطق المتدهورة وحماية المساحات الزراعية الحالية وتنميتها، في حين وظفت الوزارة تقنيات الطائرات بدون طيار في نثر وزراعة 6 ملايين و250 ألفاً من بذور الأشجار المحلية «الغاف، والسمر» في 25 موقعاً مختاراً على مستوى الدولة. وتعد دولة الإمارات من أوائل الدول في المنطقة التي تبنت الاستمطار الاصطناعي كوسيلة مبتكرة لمكافحة التصحر والجفاف وزيادة المساحات الخضراء، إضافة إلى مساهمته في تعزيز المخزون المائي والحد من تداعيات التغيرات المناخية.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات المناخ فی دولة الإمارات التغیر المناخی الإمارات فی إضافة إلى

إقرأ أيضاً:

«الإمارات للدراسات» ينظم جلسة «في فكر القيادة الرشيدة»

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة 2.17 تريليون درهم أصول بنوك أبوظبي بنمو 11.4% 33.8 ألف علامة تجارية مسجلة بالإمارات خلال 2024

في إطار الاهتمام بدراسة الركائز الراسخة التي قامت عليها التجربة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والعوامل التي مكّنتها من تحقيق إنجازات كبرى منذ تأسيسها، نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مساء الأربعاء 12 مارس 2025، جلسة رمضانية تحت عنوان «في فكر القيادة الرشيدة».
شارك في الجلسة عبدالله ماجد آل علي، مدير عام «الأرشيف والمكتبة الوطنية»، والدكتور محمد بن هويدن، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات العربية المتحدة. وأدار الحوار أحمد راشد العبدولي، مدير قطاع الإعلام وقواعد البيانات بالإنابة في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
استهل عبدالله ماجد آل علي، حديثه بالتأكيد على أن «الأرشيف والمكتبة الوطنية» هو ثمرة فكر القيادة الرشيدة، إذ بادر إلى إنشائه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ليكون من أوائل المؤسسات الحكومية في الدولة، ما يشير إلى إدراك الوالد المؤسس أهمية التوثيق والأرشفة في بناء دولة قوية تستند إلى تاريخها وتراثها في مسيرتها نحو المستقبل، وترسيخ الهوية الإماراتية وتعزيز الانتماء الوطني. وأكدَّ آل علي الاهتمام الخاص الذي أولاه الوالد المؤسس للتاريخ الشفوي كمصدر أساسي لتوثيق الذاكرة الوطنية، وتشجيعه على جمع الوثائق التاريخية من الأرشيفات العالمية، من بين أهم العوامل التي ساهمت في تعزيز المخزون الوثائقي للدولة.
وفي معرض حديثه عن دعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لأعمال «الأرشيف والمكتبة الوطنية»، أشار عبدالله ماجد آل علي إلى قول صاحب السمو رئيس الدولة إن «التراث بجوانبه المادية والمعنوية، يُعد ركناً أساسياً من أركان الهوية الوطنية الإماراتية، وأحد عناصر قوة المجتمع وتحصينه»، موضحاً أن هذا الوعي العميق بدور التراث انعكس في دعم غير محدود للأرشيف والمكتبة الوطنية، وقاد إلى تحقيق إنجازات عدة، منها استضافة كونجرس «المجلس الدولي للأرشيف»، الذي يُعدُّ أهم المؤسسات العالمية المعنية بالأرشفة، لنكون أول دولة عربية وشرق أوسطية تستضيف هذا الحدث المهم.
وأوضح عبدالله ماجد آل علي أن عناية القيادة الرشيدة بالأرشيف الوطني انطلقت من الوعي بأهمية أن نكتب تاريخنا من منظورنا الخاص، من خلال وثائق شاملة وموثوقة وذات مصداقية، لا أن نترك الآخرين يكتبونه، مُركِّزاً على أن التأكد من صحة الوثائق وسلامتها أمر بالغ الأهمية، ولا سيما مع تطور قدرات التزييف والتزوير المتقن باستخدام التكنولوجيا المتطورة.
ومن جانبه، قال الدكتور محمد بن هويدن إن أبناء دولة الإمارات يأتون على رأس قائمة الشعوب التي تفخر بقيادتها، حيث حققت قيادتنا الرشيدة الهدف الجوهري من بناء الدولة، وهو الحياة الكريمة التي تتمثل عناصرها في: الأمن والاستقرار، والنظام التعليمي والصحي الجيد، ومستوى المعيشة المرتفع، وقد تحقق ذلك بفضل المرونة والديناميكية والفعالية التي امتلكتها القيادة الرشيدة، وأدت إلى بناء دولة قوية.
وأضاف الدكتور محمد بن هويدن أن كل دولة تسعى إلى تحقيق هذا الهدف بطريقة مختلفة، وكل طريقة تحقق الهدف هي طريقة ناجحة، وعلى سبيل المثال فقد اختارت دول الغرب الديمقراطية الليبرالية، واختارت الصين الإشراف الفعَّال للدولة. وقدَّمت دولة الإمارات نموذجها الخاص الذي صاغته القيادة من خلال توازن دقيق بين الأصالة والحداثة، وبين الماضي والحاضر.
وأعرب الدكتور محمد بن هويدن عن أهمية دور المؤسسات المعنية في دولة الإمارات لعمل ما يكفي من جهد ومبادرات لتأطير فكر القيادة، التي تُقدِّم دائماً أفكاراً شديدة الأهمية، مشدداً على أن التأطير مهم لأنه الطريق إلى استدامة الفكر ورسوخه، وأن هناك مهمة حيوية يجب أن تضطلع بها المؤسسات الأكاديمية والباحثون ومراكز الفكر والبحث في دولة الإمارات في هذا المجال، لأن الأفكار التي لا تؤطر تصبح قابلة للتبدد بعد وقت قصير، ومؤكداً أن احتلال الإمارات المركز العاشر عالمياً في مؤشر القوة الناعمة وتفوقها على دول كبيرة وعريقة هو نتيجة فكر القيادة.

مقالات مشابهة

  • طوائف متعددة على مائدة «إفطار دبي»
  • دريان: نتمنى أن يستعيد لبنان عافيته الوطنية
  • الإمارات ترحب باتفاق ترسيم الحدود بين طاجيكستان وقرغيزستان
  • برلمانيون: الإمارات نجحت في بناء منظومة نوعية متكاملة لرعاية الطفولة
  • عدالة الإمارات
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان»: ندعم التدابير المحلية والدولية لمكافحة كراهية الإسلام
  • «الإمارات للدراسات» ينظم جلسة «في فكر القيادة الرشيدة»
  • جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان: ندعم التدابير المحلية والدولية لمكافحة كراهية الإسلام
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان»: ندعم التدابير المحلية والدولية لمكافحة كراهية الإسلام
  • الاتحاد لحقوق الإنسان: ندعم التدابير المحلية والدولية لمكافحة كراهية الإسلام