عندما وقف طابورٌ طويل من الكوريين في معرض سيؤول الدولي للكتاب من أجل الحصول على توقيع الكاتبة جوخة الحارثي على النسخة المترجمة من «سيدات القمر»، أو من أجل أن تُكتب أسماؤهم باللغة العربية بيد الخطاط العُماني بدر الغافري، أو ليخوضوا تجربة ارتداء الزي العُماني، أو ليطلعوا على المخطوطات المهمة، لاسيما مخطوطة «معدن الأسرار في علم البحار» لناصر بن علي بن ناصر بن مسعود الخضوري (1870 - 1962)، أو مخطوطة الطبيب العُماني راشد بن عميرة الذي شرّح جسد الإنسان قبل ٤٠٠ سنة، فذلك يُرينا بوضوح دور الثقافة كقوة ناعمة، تتركُ أثرا بالغ الرقة -كأثر الفراشة- لكنه أثر عميق الفاعلية والنفوذ.
سأتذكر أيضا قوة الأدب عندما جذبت رواية جوخة الحارثي جمهورا غفيرا لجلسة النقاش، وكيف حرّضت القراءة أسئلتهم الحيوية عن المكان العُماني وعن العرب والإسلام حتى عن فلسطين.
فكلّ هذه الأشياء تُرينا إمكانية التحرر من النظرة الضيقة للثقافة، وترينا أيضا ضرورة تحرير الثقافة من تقديمها بأنماط تقليدية، فهي قادرة على التغلغل في أشكال لا تعد ولا تحصى من حياتنا.
فالحضور العُماني في ذهن الآخر الأبعد منا جغرافيا ما يزال يعتريه شيء من الهشاشة، وهذا ما ينبغي الاشتغال عليه، فكما قال الشاعر الألماني غوته: «ليس هناك عقاب أقسى على المرء من العيش في الجنة بمفرده، فالمؤكد أن الوجود دون الآخرين يبدو ضربا من المستحيل».
فبينما ينخرط العالم في سباقات محمومة على تمثلات سياسية بعضها دموي وجارح، يمكن أن تمنح الثقافة مجتمعاتها حصانة نفسية واعية، ويمكنها أيضا أن تنعش السياحة وتصنع تصورات واقعية عنا، وأن تجلب الاقتصاد والاستثمارات من خارج المراكز الأساسية.
فمن يُراقب عن كثب التجربة الكورية يجدها حديثة نسبيا، وربما ظروفها تشبه ظروفنا، لكنها انتقلت من «التضور جوعا» لتصبح ثاني أعلى اقتصاد بعد اليابان في آسيا. ويعيد البعض قوة كوريا الجنوبية -كما هو حال سنغافورة- لأنها بدأت بإصلاح نظامها التعليمي منذ عام 1942.
وبقدر ما يُشاع انتهاء زمن الورق وبدء ثورات التقنيات الحديثة يعترينا الاطمئنان عندما نزور بلدان الصناعة المتقدمة فنرى الإقبال الشديد والتزاحم على دور النشر من قبل أجيال شابة، الأمر الذي يُهدئ من روعنا الذي تهيجه تلك الدعوات التي تشي بانتهاء كل ما هو إنساني وأصيل.
فالمفاجأة كانت بتعرفنا على عاصمة النشر الكورية «باجو»، مدينة الكتب التي أُسست عام 1989م بواسطة مجموعة من الناشرين والفنانين لتغدو المكان المعني بكل ما يختص بصناعة الكتب، الأمر الذي حرّك عجلة الثقافة والاقتصاد بصورة لافتة.
ولذا تساءلنا عن غياب «المشروع» عن أوطاننا، غياب الاستراتيجيات بعيدة المدى، تلك التي تتطلب قوى السلطة ولغة المال والمؤسسات الكبرى، فلا تكفيها الجهود الفردية للمثقفين!
فالثقافة الآن لا تتصلب في أبراجها العتيدة، إنّها تسيل كنهر «الهان» لتأخذ أشكالا عدّة، قد تبدو على هيئة أدب أو ترجمة أو بحث أو موسيقى أو أغنية أو لوحة أو صورة أو دراما .. إلى آخره.
فمثلا «الموجة» أو «التدفق الكوري» للعالم نهض على استعمال الدراما التلفزيونية التي قدّمت «قصص الحبّ والصداقة والعلاقات العائلية» والتي استغنت قدر الإمكان عن العنف، إضافة إلى انتشار موسيقى البوب الكوري بشكل هائل، فوصلت إلى الغرب والشرق والأوسط. الأمر الذي يجعلنا بحاجة لأن نغرف من مكوناتنا لا أن نستعير ما هو خارجنا، فكل تفصيل صغير منا، من أزيائنا وطعامنا وغنائنا وعمارتنا يمكن أن يغدو جوهر أيقونة بديعة وجاذبة للآخر.
مشكلتنا الأساسية تتجلى في أننا ننظرُ بعين قاصرة إلى الثقافة، باعتبارها قوة غير منتجة، بلا مردود مباشر، وننسى أو نتناسى المردود الذي يأتي على مهل ودون ضجيج، فما ينبغي أن نتذكره جيدا أنّه عندما تعصف بالعالم الأزمات الاقتصادية والسياسية، فإن الثقافة هي من تصلح ما يُفسداه بمد جسورها وإعمال الوعي، لا تجييش القوى الهدامة.
لدينا ثراء التنوع الجغرافي وتجذر التاريخ العميق، والأدب الرصين، والجيل الفتي، ولكن ينقصنا «المشروع» الذي نُغذي عبره فضول العالم وتوقه، فلا يمكن لأحد الآن - كما في السابق- أن يلعن نأي الجغرافيا أو مشقة الطريق!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الع مانی
إقرأ أيضاً:
منتدى الأعمال العُماني التنزاني يستعرض الفرص الاستثمارية
نظّمت غرفة تجارة وصناعة عُمان اليوم منتدى الأعمال العُماني التنزاني، بحضور المهندس حمود بن سالم السعدي النائب الثاني لرئيس مجلس إدارة الغرفة ورئيس مجلس إدارة فرع الغرفة بمحافظة جنوب الباطنة.
ترأس الوفد التنزاني سعادة الدكتور هاشل طويبو عبدالله وكيل وزارة التجارة والصناعة في جمهورية تنزانيا المتحدة، بحضور سعيد بن هلال الإسماعيلي ممثل الجانب العُماني في مجلس الأعمال العُماني التنزاني، وعدد من أصحاب وصاحبات الأعمال العُمانيين والتنزانيين، وذلك في المقر الرئيسي للغرفة.
استعرض اللقاء الفرص الاستثمارية المتاحة في جمهورية تنزانيا المتحدة، وأهم الحوافز والمزايا المقدمة للمستثمرين العُمانيين، بالإضافة إلى استعراض البيئة الاقتصادية والتشريعية المشجعة، في أبرز القطاعات الاقتصادية الحيوية، كقطاع الزراعة، والبناء والتشييد والسياحة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصحة، بهدف تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي وفتح آفاق استثمارية جديدة أمام أصحاب الأعمال العُمانيين.
التركيز على ستة قطاعات واعدة لتعزيز التبادل التجاري
وقال المهندس حمود بن سالم السعدي النائب الثاني لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان ورئيس مجلس إدارة فرع الغرفة بمحافظة جنوب الباطنة: نركز خلال هذا المنتدى على مجموعة من القطاعات الحيوية والواعدة، وهي الزراعة، والبناء والتشييد، والسياحة، والتعدين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصحة، حيث تمثل هذه القطاعات فرصا حقيقية للاستثمار والنمو المشترك، وتوفر بيئة خصبة لإقامة شراكات استراتيجية تسهم في تعزيز التبادل التجاري وتوسيع مجالات التعاون بين بلدينا الصديقين.
وأكد أن اجتماعات الطاولة المستديرة مع أصحاب الأعمال العُمانيين تشكّل فرصة مهمة لفتح قنوات الحوار المباشر مع الوفد التنزاني، وبحث فرص التعاون والاستثمار المشترك، داعيا إلى استغلال هذه الاجتماعات الحيوية للتواصل الفعال، وتبادل الأفكار، واستكشاف سبل الشراكة بما يعزز الحضور الاقتصادي العُماني في السوق التنزاني الواعد.
تنزانيا تهيئ بيئة استثمارية جاذبة
من جانبه قال سعادة الدكتور هاشل طويبو عبدالله، وكيل وزارة الصناعة والتجارة بجمهورية تنزانيا المتحدة: عقدنا عدة لقاءات مثمرة مع مسؤولين حكوميين، وشاركنا في منتدى متخصص لمناقشة قضايا الاستثمار وترويج الأعمال داخل سلطنة عُمان، كما شاركنا في لقاء رسمي مع غرفة تجارة وصناعة عُمان، بحضور ممثلين من غرفة التجارة التنزانية، حيث ناقشنا عددًا من القضايا المتعلقة بالتجارة والاستثمار بين البلدين، مؤكدًا لجميع المستثمرين الراغبين في العمل داخل تنزانيا أن الحكومة ملتزمة بتهيئة بيئة عمل محفزة ومرنة، تضمن النجاح وتحقيق العوائد المجزية.
نمو التبادل التجاري بنسبة تفوق 70%
من جانبه أكد سعيد الإسماعيلي ممثل الجانب العُماني في مجلس الأعمال العُماني التنزاني أن هذا المؤتمر يهدف إلى تعزيز التبادل التجاري في مختلف القطاعات الحيوية مثل الصحة والسياحة والزراعة، وقطاع الثروة السمكية، مشيرًا إلى أنهم أجروا عدة لقاءات مثمرة مع مسؤولين من الجانبين، ولمسوا رغبة جادة في فتح آفاق التعاون.
وأضاف: إن من أبرز القطاعات التي تم التركيز عليها من الجانبين هي السياحة والزراعة، وقد تقدمت العديد من الشركات العُمانية بطلبات للحصول على أراضٍ زراعية في تنزانيا، حيث تم الحصول على الموافقات اللازمة من الجهات الحكومية هناك، مشيرًا إلى أنهم خلال النقاشات تناولوا قطاعات أخرى مهمة، من بينها قطاع الطيران، حيث تم التباحث حول آفاق التعاون وفتح مجالات جديدة، منها إنشاء كليات ومؤسسات تعليمية تجارية مشتركة في كل من عُمان وتنزانيا.
أما فيما يخص معدلات النمو، فإن المؤشرات الحالية مبشّرة بالخير؛ حيث وصل النمو التجاري بين البلدين في هذه المرحلة إلى ما يزيد عن 70%، وهناك تطور كبير في حجم التبادل والشراكات الاقتصادية.
منصة إلكترونية لربط الاستثمارات العُمانية التنزانية
أما حافظ بن سيف المحروقي عضو اللجنة التنزانية العُمانية للتجارة في غرفة تجارة وصناعة عُمان ورئيس شركة «بوابة الأعمال الدولية» فقال: تعمل اللجنة التنزانية العُمانية للتجارة من خلال غرفة تجارة وصناعة عُمان على تفعيل التعاون التجاري بين سلطنة عُمان وجمهورية تنزانيا.
وأضاف: دور اللجنة يتمثل بشكل رئيسي في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، حيث تلعب غرفة التجارة دورًا محوريًا في هذا الإطار من خلال دعم رواد الأعمال العُمانيين والتنزانيين، والعمل على دفع عجلة التبادل التجاري بين الدولتين. وقد تكللت هذه الزيارة بالنجاح، ونطمح من خلالها إلى بناء منصة إلكترونية تربط بين عُمان وتنزانيا، لتسهم في تعزيز الاستثمار والتبادل التجاري، وتفعيل القيمة المحلية المضافة في المشروعات المشتركة، بما يساعد على إبراز الفرص المتاحة في البلدين.
اجتماع الطاولة المستديرة
وصاحب اللقاء عقد اجتماع الطاولة المستديرة مع أصحاب الأعمال العُمانيين المهتمين بالاستثمار في جمهورية تنزانيا المتحدة، حيث ناقش الجانبان أبرز الفرص الاستثمارية والتجارية، وسبل تعزيز التعاون المشترك، بالإضافة إلى تبادل الخبرات وبحث آليات التغلب على التحديات المحتملة، بما يسهم في بناء شراكات فاعلة ومثمرة بين الجانبين، وتعزيز وجود الاستثمارات العُمانية في الأسواق التنزانية الواعدة.